درع أمني مشترك.. اتفاق "روسي - هندي" على مواجهة الإرهاب في أفغانستان

الجمعة 05/ديسمبر/2025 - 09:20 م
طباعة محمد شعت
 

خلال زيارة  الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نيودلهي، أصدر بيانا مشتركا  مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، عقب القمة الهندية الروسية السنوية الثالثة والعشرين، رسم ملامح استراتيجية أمنية جديدة تقوم على التنسيق الوثيق والمباشر بين البلدين لمواجهة التهديدات الإرهابية التي تتدفق من أفغانستان.

 

التعهد الأبرز في البيان كان التأكيد على أن الحرب ضد الإرهاب في أفغانستان "ستكون شاملة وفعالة". هذه الثقة المُعلنة من قبل زعيمي دولتين تملكان علاقات عمل وثيقة مع حركة "طالبان"، تترجم رؤيتهما بضرورة العمل الموحد والحاسم لتحييد التهديدات الأمنية الموجهة نحو العمق الآسيوي.

 

روسيا والهند، وهما قوتان إقليميتان رئيسيتان، تريان في أفغانستان تحت إدارة "طالبان" مصدر قلق استراتيجي لا يمكن تجاهله. القمة لم تقتصر على إدانة الإرهاب فحسب، بل وضعت خريطة طريق للتنسيق الأمني بين مجلسي الأمن القومي في كلا البلدين. هذا التنسيق يشمل تعزيز آلية الحوار لضمان استمرار تبادل المعلومات والخبرات في بيئة جيوسياسية سريعة التغير.

 

يُعد البيان المشترك اعترافًا بأن تحقيق الاستقرار في أفغانستان يتطلب مقاربة واقعية تعتمد على التفاعل مع اللاعبين الفاعلين على الأرض. لقد أشاد الزعيمان بالدور المهم لاجتماعات موسكو، مؤكدين أهمية المنصات الإقليمية في صياغة استجابة جماعية للوضع الأفغاني المعقد. هذه المقاربة المشتركة تهدف إلى بناء جبهة إقليمية قوية قادرة على احتواء التداعيات الأمنية للانسحاب الأمريكي.

 

تُشكل أفغانستان، في ظل إدارة الأمر الواقع، معقلًا للعديد من التنظيمات المتطرفة التي تستغل حالة عدم الاستقرار لتعزيز قدراتها. هذه الجماعات تمثل تحديًا مباشرًا ليس فقط لجيران أفغانستان، بل أيضًا للمصالح الاستراتيجية الروسية والهندية في آسيا الوسطى.

 

صدارة قائمة التهديدات

 

تتصدر قائمة المخاوف الأمنية لنيودلهي وموسكو الجماعات المتطرفة التي تتخذ من أفغانستان ملاذًا أو منصة انطلاق. البيان المشترك رحب تحديدًا بإجراءات مكافحة الإرهاب ضد الجماعات الإرهابية الدولية، مع إشارة واضحة ومباشرة لتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان (داعش-خراسان) والجماعات التابعة له.

 

يُنظر إلى "داعش-خراسان" كأخطر تهديد عابر للحدود في المنطقة. هذا التنظيم لا يكتفي باستهداف سلطة "طالبان" في الداخل، بل يُنظِّم أو يلهم هجمات ضد المصالح الأجنبية والدول المجاورة، بما في ذلك حلفاء موسكو في آسيا الوسطى. إن طبيعته العابرة للحدود تجعله تهديداً يصعب احتواؤه بالطرق التقليدية.

 

الخطر الروسي من هذا التنظيم يتمثل في احتمال تسلل مقاتليه عبر الحدود الشمالية، وصولاً إلى الأراضي الروسية. الإشارة إلى الهجوم الذي وقع على قاعة مدينة كروكوس في موسكو العام الماضي، والذي أداناه الزعيمان بشدة، تؤكد هذا الارتباط الجيوسياسي بين التهديدات الإرهابية الأفغانية والعمق الروسي.

 

هذا الربط يجسد قناعة روسيا بأن التهديد الأفغاني لم يعد محصورًا في محيطه الجغرافي، بل أصبح يمثل خطرًا مباشرًا على أمنها القومي. موسكو ترى في التنسيق مع الهند ضرورة لتعزيز جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة الأوسع. هذا التحالف يهدف إلى إنشاء حزام أمني حول آسيا الوسطى.

 

بالنسبة للهند، يمثل "داعش-خراسان" تحديًا متصاعدًا، لا سيما مع العداء المعلن الذي يبديه التنظيم تجاه نيودلهي ومصالحها. كما أن استمرار وجود تنظيم القاعدة والجماعات التابعة له يزيد من تعقيد المشهد الأمني الإقليمي، رغم التعهدات المتكررة لـ"طالبان" بعدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية ضد أي طرف. وجود هذه الجماعات يهدد الاستقرار على المدى الطويل.

 

البيان الهندي الروسي ربط بوضوح بين البيئة الإرهابية الإقليمية والملف الأفغاني من خلال إدانة الهجوم المميت في باهالجام في الشطر الهندي من كشمير. هذا الربط يؤكد على أن التعاون بين القوتين يهدف إلى استئصال التهديد من جذوره، ومنع تحول أفغانستان إلى مُصدر للتطرف.

 

الالتزام القوي بمنع ومكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره شمل أيضًا تحركات الإرهابيين عبر الحدود، وشبكات تمويل الإرهاب، والقضاء على الملاذات الآمنة. هذه الإجراءات تتطلب تعاوناً وثيقاً ومتعدد الأوجه للحد من قدرة الجماعات المتطرفة على العمل والتحرك بفاعلية. التنسيق الأمني بين موسكو ونيودلهي سيكون ضروريًا لتعطيل هذه الشبكات العابرة للحدود.

 

واقعية التعويل على "طالبان"

 

الثقة الروسية الهندية في قدرة مكافحة الإرهاب "تحت سيطرة طالبان" هي النقطة الأكثر دلالة في البيان، وهي تعكس التحول الكبير في المقاربات الإقليمية. هذه الثقة ليست نابعة من اقتناع مطلق بمواقف "طالبان"، بل هي إقرار بالواقعية السياسية والضرورة الاستراتيجية للتعامل مع سلطة الأمر الواقع الوحيدة القادرة على فرض السيطرة على الأرض حاليًا.

 

كلا البلدين أكدا صراحة في بيانهما أن لديهما "علاقات وثيقة مع الجماعة". هذا الاعتراف يعكس سياسة "البراجماتية المزدوجة" التي تتبعها نيودلهي وموسكو. هذه السياسة تهدف إلى توجيه "طالبان" نحو محاربة الجماعات التي تهدد مصالح القوتين، وعلى رأسها تنظيم "داعش-خراسان".

 

روسيا، على وجه الخصوص، كانت سبّاقة في مد الجسور، وهي الدولة الوحيدة التي تعترف جزئياً بـ"طالبان" وتُبقي على علاقات عمل مفتوحة مع الحركة. هذا التنسيق يهدف إلى تحويل "طالبان"، رغم تحفظات موسكو، إلى شريك تكتيكي يمكن الاعتماد عليه لضرب الخصم المشترك. إن استخدام اجتماعات موسكو كمنصة للحوار يعزز هذه العلاقة البراجماتية.

 

بالنسبة للهند، فإن خطوات التقارب كانت أكثر حذراً، لكنها قوية في الدلالة. إقدام نيودلهي على إعادة فتح بعثتها الفنية في كابول يمثل اعترافًا ضمنيًا بسلطة "طالبان" على الأرض، ويضمن وجود قناة اتصال مباشرة ومستدامة. هذه الخطوة ضرورية لضمان مصالح الهند الأمنية والإنسانية في المنطقة.

 

هذا التحول الهندي تغذيه حسابات إقليمية معقدة، أبرزها رغبة الهند في استثمار التوتر المتصاعد بين "طالبان" وباكستان، منافستها الإقليمية، لتعزيز نفوذها. الهند تسعى لضمان ألا تستغل الجماعات المعادية لها الأراضي الأفغانية، كما أنها تلتزم بتوفير المساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني، وهو ما أكده الزعيمان. المساعدات الإنسانية تُستخدم كأداة ناعمة لتعزيز النفوذ.

 

البراجماتية الهندية والروسية ترى في "طالبان" قوة محلية تسيطر على الأرض. وبالتالي، يمكن الاعتماد عليها كأداة قسرية لمكافحة الإرهاب بالوكالة، في المقام الأول ضد "داعش-خراسان"، الذي يُعد عدوًا مشتركًا لـ"طالبان" والقوى الإقليمية. هذا النهج الواقعي يتطلب إدارة دقيقة للمخاطر وتوقعًا للتغيرات.

 

آلية العمل المشترك

 

الاتفاق بين روسيا والهند يوفر إطارًا لمقاربة أمنية جديدة في المنطقة. الدعوة إلى اتخاذ إجراءات منسقة ضد جميع الجماعات الإرهابية المدرجة على قائمة الأمم المتحدة، بما في ذلك تنظيم القاعدة والجماعات التابعة له، تمنح العمل الثنائي غطاءً شرعيًا ودوليًا.

 

التركيز على القائمة الأممية للإرهاب يضمن أن التعاون لا يقتصر على مصالح ضيقة، بل يندرج ضمن الجهود العالمية لمكافحة التطرف، وهو ما يضيف ثقلاً للبيان المشترك. ويدعو البيان إلى تنسيق الإجراءات دون لبس، بغض النظر عن دوافع الإرهاب أو مرتكبيه، مؤكداً على أن الإرهاب عمل إجرامي وغير مبرر تحت أي ذريعة.

 

التعاون العملي بين موسكو ونيودلهي مع كابول سيكون محصورًا على الأرجح في قنوات استخباراتية وأمنية غير معلنة. الهدف هو تحقيق المصالح الأمنية المشتركة من خلال أدوات "طالبان" المحلية، دون تقديم اعتراف دبلوماسي كامل أو التنازل عن المواقف المتعلقة بحقوق الإنسان.

 

التعاون المشترك سيسعى إلى تعميق تبادل المعلومات الاستخباراتية حول تحركات "داعش-خراسان" وشبكات تمويله وملاذاته الآمنة. هذا التنسيق سيعمل على توفير دعم غير مباشر لجهود "طالبان" في مكافحة هذا التنظيم، لضمان استقرار حدود جمهوريات آسيا الوسطى والحد من تسلل المتطرفين إلى الأراضي الهندية.

 

البيان المشترك يمثل خطوة جريئة تعترف بأن الأمن الإقليمي يتطلب تجاوز الخلافات الأيديولوجية والتعامل مع اللاعبين الموجودين على الأرض. هذا التنسيق الاستراتيجي يؤكد على أن الأولوية الأمنية تفوق الاعتبارات السياسية العميقة، ويلقي بالكرة في ملعب "طالبان". الحركة ملزمة الآن بإثبات أنها شريك موثوق به في "حرب شاملة" ضد الإرهاب العالمي، وهو ما ستقرر نتائجه مصير الاستقرار في آسيا الوسطى بأكملها.

 

شارك