جماعة "الإخوان المتحرشين": فضيحة جاب الله تفجر المسكوت عنه في "الجزيرة مباشر".

الجمعة 26/ديسمبر/2025 - 10:16 م
طباعة جماعة الإخوان المتحرشين: حسام الحداد
 
لطالما شيدت جماعة الإخوان المسلمين خطابها العام على أعمدة "الطهرانية الأخلاقية" وادعاء الوصاية على الفضيلة، مستخدمة لغةً استعلائية ترهب بها خصومها وتصمهم بالانحلال القيمي. إلا أن الوقائع المتتالية، وآخرها فضيحة إقالة مدير قناة "الجزيرة مباشر" أيمن جاب الله، المتورط في اتهامات بالتحرش والابتزاز الجنسي ضد زميلاته، تثبت أننا لسنا أمام مجرد "سقطات فردية" عابرة، بل أمام "جين تنظيمي" مشوه يعيد إنتاج نفسه. إن هذه الحادثة لا تنفصل عن تاريخ الجماعة السري، بل هي حلقة متصلة في سلسلة من الانتهاكات التي تضرب جذور التنظيم منذ نشأته، كاشفةً عن وجهه القبيح الذي يرى في "التمكين" رخصة لاستباحة الأرواح والأعراض على حد سواء.
إن هذا السلوك المتكرر يكشف عن خلل بنيوي عميق في العقل الإخواني، الذي لا يفصل بين الرغبة في السيطرة السياسية وبين شهوة الاستحواذ الجنسي؛ فكلاهما في نظره حق مشروع لـ "النخبة التنظيمية". ومن خلال تتبع المسار التاريخي للجماعة، يتضح أن التحرش والابتزاز الوظيفي هما أدوات قمع مستترة خلف عباءة الدين، حيث يتحول النفوذ الإداري أو الدعوي إلى سلطة مطلقة تبيح للمعتدي استغلال ضحاياه تحت حماية "فقه الستر" المزعوم. ومن هنا، يغدو هذا المقال محاولة لتشريح هذه الظاهرة من البدايات الأولى مع عبد الحكيم عابدين، وصولاً إلى أيقونات الجماعة المعاصرة، لفهم كيف سقطت ورقة التوت عن جماعةٍ استبدلت "إرشاد القلوب" بـ "ابتزاز الأجساد".

 البدايات الملعونة: فضيحة عبد الحكيم عابدين
تعتبر واقعة عبد الحكيم عابدين، صهر حسن البنا وأمين عام الجماعة الأسبق، هي "الزلزال الأخلاقي" الأول الذي ضرب أركان التنظيم في منتصف الأربعينيات. بدأت الأزمة حين تكشفت شهادات مروعة عن استغلال عابدين لمنصبه التنظيمي بصفته المسؤول عن "قسم الأخوات" ورئيس لجنة البر، للتحرش بنساء وأخوات أعضاء الجماعة والاعتداء على حرمة البيوت التي كان يدخلها بدعوى "الدعوة". وقد وثّق هذه الحادثة التاريخية القيادي الإخواني المنشق محمود عبد الحليم في كتابه (الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ)، حيث اعترف بمرارة بحجم الفضيحة التي هزت ثقة الأعضاء في قيادتهم.
لم تكن الاتهامات مجرد شائعات، بل تحولت إلى "تحقيق داخلي" قاده أقطاب الجماعة ومؤسسوها الأوائل الذين صُدموا من حجم الانحراف. وقد ذكر أحمد عادل كمال في كتابه (النقط فوق الحروف)، كيف أن لجنة التحقيق التي ضمت قيادات تاريخية واجهت عابدين بوقائع محددة ثبت فيها تورطه في سلوكيات لا أخلاقية تتنافى مع أبسط قواعد المروءة والدين. هذه الشهادات الموثقة من داخل رحم الجماعة تؤكد أن الانحراف السلوكي كان حاضراً في القمة التنظيمية منذ البدايات المبكرة، ولم يكن مجرد سقطات فردية لشباب غِرّ.
الصدمة الكبرى التي أسست لمنهج الجماعة الحالي لم تكن في جرم عابدين ذاته، بل في رد فعل "المرشد العام" حسن البنا، الذي انحاز لصهره بدافع القرابة والحفاظ على "هيبة التنظيم". رفض البنا توقيع أي عقوبة رادعة على عابدين، بل وصل الأمر إلى اتهام منتقدي عابدين بمحاولة شق الصف. هذا الموقف هو ما دفع القيادي والفقيه القانوني عبد العزيز كامل للإشارة في مذكراته (في نهر الحياة) إلى أن الجماعة فضلت "المصلحة التنظيمية" الضيقة على "المبدأ الأخلاقي"، مما جعل الأخلاق مجرد شعار للاستهلاك الجماهيري بينما يُضحى بها في الغرف المغلقة.
أدت "حماية المرشد للمتحرش" إلى أكبر انشقاق في تاريخ الجماعة آنذاك، حيث استقالت الهيئة التأسيسية بالكامل تقريباً احتجاجاً على ضياع القيم. وقد أرخ لهذه الانشقاقات المؤرخ ريتشارد ميتشل في كتابه المرجعي (جماعة الإخوان المسلمون)، موضحاً كيف أن قادة مثل (أحمد السكري) – الرجل الثاني في الجماعة – غادروا التنظيم بسبب "فضيحة عابدين". ومنذ تلك اللحظة، وُضع الحجر الأساس لسياسة "الستر على الفضيحة" ما دام المعتدي عضواً "ثقة"، وتحول التحرش من جريمة أخلاقية إلى ملف يُدار أمنياً لحماية صورة الجماعة أمام الرأي العام.

الأيقونات الدولية وسقوط "القداسة": حالة طارق رمضان
لم تكن فضيحة طارق رمضان، حفيد مؤسس الجماعة حسن البنا، مجرد قضية جنائية عابرة، بل كانت زلزالاً ضرب مشروع "الإسلام السياسي" في قلب أوروبا. رمضان، الذي كان يُقدم بوصفه "المجدد" وصوت الإسلام الوسطي في الغرب، سقطت قداسته المصطنعة في أكتوبر 2017 عندما تقدمت الناشطة هيندا عياري بأول بلاغ رسمي يتهمه بالاغتصاب والاعتداء العنيف في فندق بباريس عام 2012. وقد كشف كتاب (رمضان: تحقيق حول وحش) للصحفية الفرنسية برناديت سوفاجيه، كيف استغل رمضان كاريزمته الدينية والمكانة الموروثة عن جده ليتحول إلى صياد يقتنص ضحاياه من النساء اللواتي كنّ يبحثن لديه عن الهداية الروحية.
التحقيقات القضائية الفرنسية والسويسرية، التي استمرت لسنوات، كشفت عن "حياة مزدوجة" مرعبة لرمضان؛ ففي العلن كان يحاضر عن الأخلاق والحياء، وفي الغرف المغلقة كان يمارس سادية جنسية وابتزازاً مهيناً ضد نساء أطلقن على أنفسهن لقب "ضحايا طارق رمضان". وبحسب ما نشرته صحيفة (لوموند - Le Monde) الفرنسية، فإن سجلات الرسائل والمكالمات التي فحصها المحققون أثبتت أن رمضان كان يستخدم لغة دينية لتطويع ضحاياه، وهو ما يُعرف في علم النفس الجنائي بـ "الاستمالة الروحية" (Spiritual Grooming)، حيث يُقنع الضحية بأن الخضوع له هو نوع من التقرب إلى الله، تماماً كما كان يفعل عبد الحكيم عابدين قديماً.
أثبتت هذه الواقعة أن الفكر الإخواني يحمل في طياته "عقدة تفوق" تجعل رموز الجماعة يشعرون بأنهم فوق المحاسبة البشرية والقانونية. ووفقاً لما أورده الكاتب البلجيكي إيان هامل في كتابه (طارق رمضان: حقيقة الرجل)، فإن رمضان كان يظن أن حصانته السياسية وعلاقاته الدولية كفيلة بدفن جرائمه. هذه الغطرسة نابعة من أدبيات الجماعة التي ترى في "الداعية" مرتبة تسمو فوق النقد، وأن "زلة العالم" مغفورة مادامت تخدم الهدف الأسمى للتنظيم، وهو ذات المنهج الذي تتبعه الجماعة اليوم في تبرير جرائم أعضائها ووصفها بأنها "مؤامرات استخباراتية".
الموقف التنظيمي للإخوان من قضية رمضان أعاد للأذهان موقف حسن البنا من صهره عابدين؛ حيث سارعت المنصات الإخوانية والجمعيات التابعة للتنظيم الدولي في أوروبا للدفاع عنه ووصف الضحايا بـ "العميلات". وقد رصدت الكاتبة كارولين فوريست في كتابها (الأخ طارق)، كيف جندت الجماعة طواقم قانونية وإعلامية ضخمة لا لتبييض صفحته فحسب، بل لتشويه سمعة النساء المعتدى عليهن. هذا التواطؤ الجماعي يثبت أن التحرش والاعتداء الجنسي داخل الجماعة ليس "انحرافاً سلوكياً" لدى فرد، بل هو "ثقافة مؤسسية" تحمي المعتدي وتذبح الضحية حفاظاً على صورة "الأيقونة" التنظيمية.

التحرش السياسي والابتزاز الوظيفي: أيمن جاب الله نموذجاً
تمثل واقعة إقالة أيمن جاب الله، مدير قناة "الجزيرة مباشر" وعضو التنظيم الدولي للإخوان، الفصل الأحدث والأكثر خزيًا في سجل الجماعة الأخلاقي، حيث انتقل التحرش من سياقه "الدعوي" التقليدي إلى سياق "الابتزاز الوظيفي" الممنهج. ووفقاً لما تسرب من داخل أروقة شبكة الجزيرة ونشرته منصات إعلامية متقاطعة مع الشأن القطري والدولي، فإن قرار الإقالة جاء عقب تحقيقات داخلية عاصفة أثبتت تورطه في استغلال نفوذه الإداري للتحرش بعدد من المذيعات والموظفات. هذه الحادثة تضرب في مقتل ادعاءات القناة بالمهنية والذود عن حقوق الشعوب، وتكشف أن "تحرير الإنسان" الذي تنادي به الشاشات ينتهي عند عتبة مدير يسوم مرؤوساته سوء العذاب خلف الأبواب المغلقة.
يعكس سلوك جاب الله ما يمكن تسميته بـ "فقه التمكين الشهواني"، حيث تحول مكتب مدير القناة إلى "إقطاعية خاصة" تُدار بعقلية القرون الوسطى. وبحسب تقارير استقصائية تابعت ملف "الإخوان والإعلام"، فإن جاب الله مارس ضغوطاً مهنية على المذيعات اللواتي رفضن انصياعهن لنزواته، شملت التهديد بإنهاء التعاقد أو تقليص ساعات الظهور على الشاشة (الابتزاز باللقمة والرزق). هذا النمط من "الدياثة السياسية" يثبت أن شعارات "الشرعية" و"الثورة" التي كان يبثها جاب الله وقناته ليل نهار ضد مصر، لم تكن سوى وسيلة للتغطية على ممارسات "سيكوباتية" تستحل كرامة النساء العاملات في منظومته.
المثير للتأمل هو الصمت المطبق الذي خيم على "كتائب الجماعة" ومنصاتها الحقوقية تجاه ضحايا جاب الله، وهو صمت يوثق حالة التواطؤ التنظيمي المعتاد. فبينما تملأ "الجزيرة" الدنيا ضجيجاً حول حقوق المرأة في دول الخصوم، تخرس تماماً عندما يكون المعتدي "عضواً ثقة" ومن أهل الحظوة التنظيمية. وبمراجعة تقارير المركز العربي للبحوث والدراسات حول "هيكل القيادة في الإخوان"، نجد أن اختيار جاب الله لهذا المنصب الحساس لم يكن لمهنيته، بل لولائه التنظيمي الذي منحه "حصانة" مكنته من ممارسة انتهاكاته لسنوات طويلة دون محاسبة، حتى تفجر الأمر وفاض الكيل بالضحايا.
تُعد هذه الفضيحة بمثابة "رصاصة الرحمة" على ما تبقى من مصداقية للخطاب الإخواني الإعلامي، حيث فضحت زيف الفوارق الأخلاقية التي يحاولون رسمها بين "المتدينين" وغيرهم. إن تحول الموظفات في إمبراطورية التحريض إلى "جواري" يُساوَمْن على شرفهن مقابل لقمة العيش، هو التطبيق العملي الوحيد الذي نجح فيه التنظيم. وكما أرخ "سير ريتشارد ميتشل" لتستر البنا على صهره، نجد اليوم المنظومة القطرية تحاول التستر على جاب الله بـ "الإقالة الهادئة" بدلاً من المحاكمة العلنية، حفاظاً على ما تبقى من وجه الجماعة القبيح الذي انكشف تماماً أمام الرأي العام العربي والمصري.

 سيكولوجيا "الإخوان المتحرشون": الكبت والسيطرة
يذهب التحليل النفسي والاجتماعي لهذا التيار إلى أن "الفصل الحاد" والقسري بين الجنسين الذي تفرضه أدبيات الإخوان، يؤدي بالضرورة إلى حالة من "الانفصام الوجداني" لدى الكادر التنظيمي. فعندما يتم تصوير المرأة في الخطاب العلني للجماعة كـ "كتلة من الفتنة" يجب عزلها، ينشأ لدى العضو "شبق مكبوت" وتصورات مشوهة عن الجسد. وبحسب دراسة الباحث خليل عبد الكريم في كتابه (الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية)، فإن هذا التزمت المبالغ فيه يخلق نوعاً من الهوس الجنسي الخفي، الذي ينفجر في صورة ممارسات عدوانية أو تحرش بمجرد امتلاك العضو لأدوات السلطة أو النفوذ داخل التنظيم.
في العقل الباطن الإخواني، لا يُنظر للجسد ككيان إنساني، بل كأداة لفرض "السيطرة" الطبقية والتنظيمية. المرأة بالنسبة للمتحرش الإخواني هي "الحلقة الأضعف" التي يتم استباحتها وتطويعها كجزء من استعراض القوة. وقد أشار الدكتور رفعت السعيد في تحليلاته التاريخية لسلوك الجماعة (كتاب حسن البنا: متى وكيف ولماذا؟)، إلى أن القيادات ترى في النساء التابعات للجماعة أو العاملات في مؤسساتها "رعايا" يقعن تحت ولايتهم الكاملة، وهو ما يمنح المعتدي تبريراً نفسياً داخلياً بأنه يمارس حقاً في السيادة والتمكين، لا جريمة يعاقب عليها القانون.
يمثل الدين في هذه المنظومة "مخدراً" للضحايا ودرعاً للمعتدين؛ حيث يتم استخدام المصطلحات الشرعية لشرعنة الانتهاك أو لضمان صمت المعتدى عليهن. يتم تهديد الضحية بـ "الستر" تارة، وبـ "عدم تشويه صورة الدعوة" تارة أخرى، وهو ما يسمى في علم النفس بـ "الابتزاز الأخلاقي". وتؤكد التقارير الصادرة عن المركز العربي للبحوث والدراسات حول "الاستغلال الجنسي في التنظيمات السرية"، أن الجماعة تضع "سمعة التنظيم" فوق كرامة الفرد، مما يخلق بيئة آمنة للمتحرشين الذين يدركون أن الجماعة ستضحي بالضحية وتحمي "الداعية" أو "القيادي" منعاً للشماتة أو الفضيحة السياسية.
إن هذا النمط السلوكي يكشف عن "ازدواجية الشخصية" التي تُعد سمة أصيلة في الكادر الإخواني، حيث يعيش العضو بشخصيتين: "الواعظ الطاهر" أمام الشاشات، و"المفترس الجنسي" في الغرف المغلقة. ويوضح الباحث ثروت الخرباوي في كتابه (سر المعبد)، كيف أن البيئة المغلقة للجماعة والسمع والطاعة العمياء للقيادة، تلغي الوازع الأخلاقي الفردي وتستبدله بـ "أخلاق التنظيم"، التي تجيز أي فعل مادام يخدم مصلحة الجماعة أو يحافظ على نفوذ قياداتها، وهو ما يفسر كيف يمكن لمدير قناة أو قيادي بارز أن يمارس أحط أنواع الابتزاز دون أدنى شعور بالذنب الديني أو الإنساني.

 سقوط السردية.. من "المسلمين أووي" إلى "المتحرشين أووي"
إن تكرار هذه الفضائح الأخلاقية الممتدة من أربعينيات القرن الماضي وصولاً إلى عامنا هذا، يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنها "ظاهرة بنيوية" متأصلة في جينات التنظيم، وليست مجرد "سقطات فردية" كما يحاول إعلامهم تصويرها. لقد سقطت ورقة التوت الأخيرة عن الجماعة التي نصبت نفسها وصية على أخلاق المصريين، وتبين أن "اللحية والجلباب" لم تكن سوى أدوات للتنكر الاجتماعي لممارسة أبشع أنواع الموبقات. ويؤكد الباحث سامح عيد في كتابه (تجربتي مع الإخوان)، أن الجماعة كانت تستخدم الخطاب الأخلاقي المتشدد كستار حديدي لإخفاء صراعات القوة والشهوة داخل "المعبد المغلق"، وهو ما جعلها تظهر اليوم كبؤرة لكل أنواع الانحرافات السلوكية التي كانت تهاجم المجتمع بدعوى وجودها فيه.
يمثل سقوط سردية "الطهرانية الإخوانية" ضربة قاضية لمشروع التمكين؛ فالجماعة التي حرضت على الدولة المصرية وادعت أن خصومها هم "أعداء الفضيلة"، كشفت واقعة أيمن جاب الله وقبله طارق رمضان أنها تعاني من تهتك أخلاقي داخلي يفوق بمراحل ما كانت تنتقده. وبحسب دراسة للمركز العربي للبحوث والدراسات حول (بروباغندا الجماعات المتطرفة)، فإن الجماعة تعتمد "أخلاق النفعية"، حيث يصبح الدين وسيلة لتبرير الغايات، مما شرعن انتهاك الأعراض مادام يخدم استمرار النفوذ الإداري أو التنظيمي. هذا التحول جعل الوعي الجمعي المصري يلفظ هؤلاء، بعدما تأكد أن الفساد الذي حذروا منه كان يقبع في مكاتب قياداتهم لا في شوارع خصومهم.
لم يعد المجتمع يرى في الإخوان رجال دين أو دعاة سياسة، بل عصابة استغلت القداسة الدينية لممارسة "سيكوباتية" مزدوجة، تجمع بين إراقة الدماء وتجارة التحريض وبين انتهاك أعراض الموظفات والتابعات. ويشير الكاتب ثروت الخرباوي في كتابه (أئمة الشر) إلى أن هذا النوع من التنظيمات السرية يفرز بالضرورة قيادات مشوهة نفسياً، ترى في "الاستباحة" دليلاً على السيادة. إن تحول "الجزيرة مباشر" من منبر تدعي الدفاع عن المظلومين إلى وكر للابتزاز الجنسي، هو التجسيد العملي لنهاية أسطورة "المسلمين الأوائل" كما كانوا يحبون تسمية أنفسهم، واستبدالها في الذاكرة الشعبية بلقب "جماعة المتحرشين".
في الختام، تظل دماء الضحايا وصرخات المذيعات المبتزّات هي الشاهد الأقوى على زيف هذا المشروع. لقد انتقلت الجماعة من "فقه الدعوة" إلى "فقه التحرش"، ومن "إرشاد القلوب" إلى "ابتزاز الجسد"، وهو مصير حتمي لكل تيار يرفع شعارات السماء ليحقق بها نزوات الأرض. وكما وثق المؤرخ عبد العزيز كامل بدايات الانحراف مع عبد الحكيم عابدين، يوثق التاريخ اليوم أن النهاية كانت من جنس البداية؛ فسادٌ مغلف بالدين، وسلطة تُمارس بالشهوة، وجماعة فقدت صلتها بالأخلاق قبل أن تفقد صلتها بالسياسة. إن تحرر الوعي المصري من خداع هؤلاء هو الانتصار الحقيقي، حيث لم يعد للجلباب هيبة، ولا للكلمة الإخوانية مصداقية بعدما لوثت غرف "التحرش التنظيمي" كل ادعاءات الفضيلة.

خاتمة
إقالة أيمن جاب الله بتهمة التحرش هي المسمار الأخير في نعش المصداقية الإخلاقية للجماعة. إن "جماعة الإخوان المتحرشين" –كما بات يطلق عليهم الآن– تواجه حقيقتها المرة أمام الشعوب: أنهم لم يكونوا يوماً حماة للدين، بل كانوا باحثين عن السلطة بكافة أشكالها، ولو كان ثمنها كرامة النساء اللواتي يعملن معهم. التاريخ لن يرحم، والمستور الذي بدأ بعبد الحكيم عابدين، ينتهي اليوم بفضائح كواليس "الجزيرة"، ليؤكد أن الطهارة لا تُشترى بالشعارات، بل تُكشف في الغرف المغلقة.

شارك