باكستان .. تصاعد الإرهاب يعيد إشعال الاتهامات المتبادلة مع الهند

الجمعة 26/ديسمبر/2025 - 10:49 م
طباعة محمد شعت
 

في ظل مشهد أمني معقد يتسم بتداخل العوامل الداخلية والإقليمية، تشهد باكستان تصاعدا لافتا في وتيرة العمليات الإرهابية، خاصة في إقليمي بلوشستان وخيبر بختونخوا، بالتوازي مع ارتفاع حدة الاتهامات الرسمية الباكستانية للهند بدعم جماعات مسلحة تنشط داخل الأراضي الباكستانية. هذا التصعيد لا يأتي بمعزل عن التطورات الجيوسياسية في المنطقة، ولا سيما التحولات التي أعقبت سيطرة حركة طالبان الأفغانية على الحكم في كابول عام 2021، ما أعاد رسم خريطة التهديدات الأمنية على الحدود الغربية والشرقية لإسلام آباد.

 الإعلان الأخير الصادر عن إدارة العلاقات العامة بين الخدمات في الجيش الباكستاني شكل حلقة جديدة في سلسلة العمليات الأمنية المكثفة التي تنفذها القوات المسلحة ضد ما تصفه بالإرهاب المدعوم من الخارج. فقد أكدت ISPR أن قوات الأمن قتلت خمسة إرهابيين ينتمون إلى جماعة فتنة الخوارج خلال عملية استخباراتية دقيقة نفذت في منطقة كوهلو بإقليم بلوشستان في الخامس والعشرين من ديسمبر. العملية جاءت بناء على معلومات استخباراتية تفيد بوجود عناصر مسلحة في المنطقة، وأسفرت عن اشتباكات عنيفة انتهت بمقتل العناصر الخمسة ومصادرة أسلحة وذخائر ومتفجرات كانت بحوزتهم.

 اللافت في بيان الجيش الباكستاني ليس فقط الإعلان عن تحييد المسلحين، بل التأكيد الصريح على أنهم كانوا مدعومين من الهند، وهي عبارة باتت تتكرر في الخطاب الرسمي الباكستاني خلال الأشهر الأخيرة. هذا التوصيف يعكس تحولا واضحا في لهجة إسلام آباد التي لم تعد تكتفي بالحديث عن تهديدات داخلية أو مجموعات خارجة عن القانون، بل تربط بشكل مباشر بين تلك العمليات وبين ما تعتبره تدخلا هنديا منظما يستهدف زعزعة الاستقرار الداخلي.

 

تصاعد العمليات في بلوشستان وخيبر بختونخوا

 

يأتي مقتل المسلحين الخمسة في كوهلو بعد يوم واحد فقط من عملية أخرى في منطقة كلات ببلوشستان، أعلنت فيها ISPR تحييد ثمانية إرهابيين خلال عملية استخباراتية مشابهة في الرابع والعشرين من ديسمبر. هذا التتابع الزمني السريع للعمليات يشير إلى حالة استنفار أمني عالية، ويعكس في الوقت ذاته حجم التهديد الذي تواجهه الدولة، خصوصا في المناطق الحدودية والنائية التي لطالما شكلت بيئة خصبة لنشاط الجماعات المسلحة.

 إقليم بلوشستان، الأكبر مساحة والأقل كثافة سكانية في باكستان، يمثل منذ سنوات تحديا أمنيا وسياسيا معقدا. فإلى جانب الحركات الانفصالية المحلية، تنشط جماعات متشددة تتهمها السلطات بتلقي دعم خارجي. وتعتبر الحكومة الباكستانية أن استهداف هذا الإقليم تحديدا ليس أمرا عشوائيا، بل يأتي في إطار محاولات لإضعاف مشاريع استراتيجية كبرى، على رأسها الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، الذي يمر جزء مهم منه عبر بلوشستان.

 أما إقليم خيبر بختونخوا، المتاخم للحدود الأفغانية، فيشهد بدوره تصاعدا في الهجمات، خاصة تلك التي تستهدف قوات الأمن. منذ عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، سجلت باكستان زيادة ملحوظة في الهجمات العابرة للحدود، وهو ما عزته إسلام آباد إلى إعادة تموضع الجماعات المسلحة، وفي مقدمتها حركة طالبان باكستان، التي تتخذ من الأراضي الأفغانية ملاذا آمنا.

 البيانات الرسمية الباكستانية تشير إلى أن هذه الجماعات لا تعمل بمعزل عن دعم خارجي، سواء عبر التمويل أو التدريب أو التسهيلات اللوجستية. وفي هذا السياق، تؤكد القيادة العسكرية أن العمليات الأمنية الجارية تندرج ضمن رؤية عزم الاستقامة، وهي استراتيجية شاملة تهدف إلى القضاء على الإرهاب بكافة أشكاله، مع التركيز على تفكيك الشبكات التي تقف خلفه.

 

الهند في قلب الاتهامات الباكستانية

 

الحديث المتكرر عن ضلوع الهند في دعم الإرهاب داخل باكستان يمثل أحد أبرز ملامح الخطاب الأمني والسياسي في إسلام آباد خلال المرحلة الراهنة. فبحسب البيانات الصادرة عن ISPR، فإن المسلحين الذين تم تحييدهم في كوهلو وكلات كانوا مدعومين من نيودلهي، وهو اتهام تنفيه الهند بشكل قاطع وتعتبره محاولة لصرف الأنظار عن مشكلات داخلية.

 مع ذلك، ترى باكستان أن لديها أدلة على تورط أجهزة استخبارات هندية في دعم جماعات مسلحة، خاصة في بلوشستان، بهدف زعزعة الاستقرار وإرباك الجبهة الداخلية. وتستند هذه الرؤية إلى سياق تاريخي من التوتر بين البلدين، تفاقم بعد إلغاء الهند الوضع الخاص لإقليم جامو وكشمير عام 2019، وما تبعه من تدهور حاد في العلاقات الثنائية.

 بالنسبة لإسلام آباد، فإن ربط العمليات الإرهابية بالدعم الهندي ليس مجرد خطاب سياسي، بل جزء من معركة أوسع على المستوى الدبلوماسي والإعلامي. فباكستان تسعى إلى تسليط الضوء على ما تعتبره إرهابا ترعاه دولة، في محاولة لكسب تعاطف دولي وتبرير إجراءاتها الأمنية الصارمة. وفي المقابل، تتهم الهند باكستان بإيواء ودعم جماعات مسلحة تستهدف مصالحها، وهو ما يجعل الاتهامات متبادلة ويصعب مهمة الوصول إلى تهدئة حقيقية.

 هذا التراشق السياسي ينعكس سلبا على الاستقرار الإقليمي، خاصة في ظل امتلاك البلدين للسلاح النووي. فكل تصعيد أمني أو اتهام جديد يحمل في طياته مخاطر انزلاق غير محسوب، حتى وإن ظل الصراع حتى الآن محصورا في نطاق الحرب غير التقليدية.

 

البعد الأفغاني وتأثيره على الأمن الباكستاني

 

إلى جانب الاتهامات الموجهة للهند، تحتل أفغانستان موقعا محوريا في معادلة الأمن الباكستاني. فمنذ سيطرة طالبان على الحكم، تصاعدت المخاوف في إسلام آباد من تحوّل الأراضي الأفغانية إلى قاعدة انطلاق للجماعات المسلحة. وقد حثت باكستان كابول مرارا على منع استخدام أراضيها لشن هجمات عبر الحدود، لكن تلك الدعوات لم تسفر، بحسب المسؤولين الباكستانيين، عن نتائج ملموسة.

 التوتر بلغ ذروته في أكتوبر الماضي عندما اندلعت اشتباكات استمرت أسبوعا بين القوات الباكستانية والأفغانية على خلفية هجمات عبر الحدود. كما أصدرت إسلام آباد في وقت سابق من هذا الشهر مذكرة احتجاج رسمية إلى نظام طالبان، أعربت فيها عن قلقها البالغ إزاء ما وصفته بالدعم والتسهيلات المستمرة المقدمة لحركة طالبان باكستان.

 استدعاء نائب رئيس البعثة الأفغانية في إسلام آباد في التاسع عشر من ديسمبر، عقب استشهاد أربعة جنود باكستانيين في هجوم بوزيرستان الشمالية، عكس مستوى الاحتقان القائم. فقد أكدت وزارة الخارجية الباكستانية خلال اللقاء أن استمرار هذا الدعم يمكّن الجماعات الإرهابية من استهداف الجيش والمدنيين، محذرة من أن باكستان تحتفظ بحقها الكامل في الدفاع عن سيادتها واتخاذ جميع التدابير اللازمة.

 هذا الموقف الصارم يعكس إدراك صناع القرار في إسلام آباد أن التهديد لم يعد محصورا في الداخل، بل بات مرتبطا بتفاعلات إقليمية معقدة تشمل أفغانستان والهند في آن واحد. ومع استمرار العمليات العسكرية، تحاول باكستان إرسال رسالة مزدوجة، مفادها أنها عازمة على مواجهة الإرهاب بلا هوادة، وفي الوقت ذاته لن تتردد في تحميل الأطراف الخارجية مسؤولية أي زعزعة لأمنها.

 في المحصلة، فإن تصاعد العمليات الإرهابية في باكستان، وما يقابله من تصعيد في الاتهامات ضد الهند وأفغانستان، يعكس مرحلة شديدة الحساسية في تاريخ البلاد. مرحلة تتداخل فيها الحسابات الأمنية مع الاعتبارات السياسية والدبلوماسية، في ظل بيئة إقليمية غير مستقرة. وبينما تواصل القوات الباكستانية عملياتها الميدانية، يبقى السؤال مفتوحا حول مدى قدرة هذه الجهود على تحقيق استقرار دائم، في غياب تفاهمات إقليمية أوسع تعالج جذور الصراع وتحد من استخدام الإرهاب كأداة في لعبة النفوذ.

شارك