تسلل الإرهاب لـ"طاجيكستان".. اختبار جديد لتعهدات "طالبان" الأمنية

الجمعة 26/ديسمبر/2025 - 11:02 م
طباعة محمد شعت
 

شهدت منطقة آسيا الوسطى في الآونة الأخيرة تصاعداً ملموساً للتهديدات الإرهابية المتسللة من الأراضي الأفغانية، وهو ما يعكس حالة عدم الاستقرار المتزايدة في أفغانستان وتأثيراتها المباشرة على الدول المجاورة. وفي تطور جديد، أعلنت لجنة الأمن القومي في طاجيكستان عن مواجهة مسلحة مع ثلاثة أعضاء من منظمة إرهابية تسللوا من الأراضي الأفغانية إلى أراضيها، ما أسفر عن مقتل إرهابيين وإصابة ووفاة جنديين من قوات الحدود الطاجيكية. وتوضح هذه الحادثة حجم التحدي الذي تواجهه دول الجوار في ظل هشاشة الوضع الأمني في أفغانستان، خاصة مع استمرار نشاط الجماعات المسلحة رغم التزامات حركة طالبان بحماية الحدود ومنع العمليات الإرهابية.

 بحسب التقارير، فقد وقع الحادث في المنطقة المحمية لمركز الحدود في منطقة قافوق التابعة لمديرية شمس الدين شاهين في ولاية ختلان، حيث لم يمتثل الإرهابيون لأوامر قوات الحدود الطاجيكية بالاستسلام وقاموا بمقاومة مسلحة، ما أدى إلى تدخل القوات وتحيد العناصر الإرهابية واستعادة مجموعة كبيرة من الأسلحة والذخائر. وتؤكد هذه الوقائع استمرار ظاهرة تسلل العناصر المسلحة عبر الحدود الأفغانية، الأمر الذي يضع الدول المجاورة أمام تهديد مباشر على أمنها القومي واستقرارها الداخلي، ويبرز ضعف قدرة طالبان على ضبط الحدود ومنع عبور الجماعات المسلحة.

 وقد سجل هذا الحادث على أنه الهجوم المسلح الثالث والعمل الإرهابي من أفغانستان إلى طاجيكستان خلال الشهر الأخير، وأسفر عن مقتل مدنيين وعسكريين، بما في ذلك ثلاث هجمات سابقة في ديسمبر، قتل خلالها ثلاثة مواطنين صينيين كانوا يعملون لدى شركة خاصة. إن هذه السلسلة من الهجمات تدل على أن التهديدات الإرهابية لم تتراجع، بل تعكس قدرة التنظيمات المسلحة على استغلال البيئة الأمنية غير المستقرة في أفغانستان لتنفيذ عمليات عبور الحدود والهجمات المسلحة.

 

تحديات التزامات طالبان على الحدود

 

على الرغم من تعهدات حركة طالبان الدولية بتأمين الحدود الأفغانية ومنع استخدام الأراضي الأفغانية منصة لتصدير الإرهاب، إلا أن الحقائق على الأرض تشير إلى عكس ذلك. فقد صرح المسؤولون الطاجيكيون بأن حركة طالبان لم تتحمل المسؤولية المطلوبة تجاه الالتزامات الأمنية مع طاجيكستان، مما يعكس فجوة كبيرة بين تصريحات الحركة والواقع الميداني. وتبين الحوادث الأخيرة أن الجماعات المسلحة تجد مساحات واسعة للتحرك والاختباء في المناطق الحدودية، ما يتيح لها تنفيذ عمليات مسلحة ضد أهداف مدنية وعسكرية في الدول المجاورة.

 تعد هذه التحديات الأمنية مرتبطة بعدة عوامل، من أبرزها ضعف القدرات الإدارية والتنظيمية للسلطات الحدودية في أفغانستان، إضافة إلى التوترات السياسية المحلية التي تحد من قدرة طالبان على فرض سيطرتها الكاملة على كل المناطق. وتبرز تقارير طاجيكستان أن هناك حاجة ماسة لتعاون دولي وإقليمي فعال لمراقبة الحدود وتعزيز الأمن الجماعي، إذ إن أي تقاعس في التصدي لهذه التهديدات قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الأمنية، بما يشمل الهجمات المستهدفة على المدنيين والأجانب، كما حدث في الهجوم الذي قتل فيه المواطنون الصينيون.

 كما أن الحوادث المتكررة على الحدود تظهر أن تهديدات الإرهاب المنطلقة من أفغانستان لم تعد مسألة مؤقتة أو عابرة، بل أصبحت تهدد استقرار دول الجوار على نحو دائم، ما يفرض على هذه الدول البحث عن آليات دفاعية واستباقية للتصدي لهذه المخاطر، بما في ذلك تعزيز قدرات قوات الحدود، واستخدام التقنيات الحديثة لمراقبة التحركات المشبوهة، والتنسيق الوثيق مع المجتمع الدولي للضغط على طالبان للوفاء بالتزاماتها الأمنية.

 

التهديد الأفغاني  لدول الجوار

 

تجارب طاجيكستان الأخيرة ليست معزولة، إذ إن دول الجوار مثل أوزبكستان وكازاخستان وتركمانستان وباكستان تشترك في التحدي نفسه المتمثل في تهديدات الإرهابيين المنطلقة من أفغانستان. وقد شهدت هذه الدول خلال السنوات الأخيرة عدة محاولات تسلل من قبل عناصر مسلحة تسعى لإيجاد مواقع آمنة على أراضيها أو تنفيذ عمليات إرهابية محدودة. وتعكس هذه الظاهرة هشاشة الوضع الأمني في أفغانستان، والتي يمكن أن تتفاقم بفعل الفوضى الداخلية وصراعات النفوذ بين الجماعات المسلحة.

 إزاء ذلك، تتخذ دول الجوار استراتيجيات متعددة لمواجهة هذا التهديد، بدءاً من تعزيز الرقابة على الحدود، مروراً بإقامة نقاط تفتيش عسكرية، ووصولاً إلى تعزيز التعاون الاستخباراتي الإقليمي والدولي. وتبقى الحاجة ماسة لوضع إطار تعاوني موحد يربط بين دول آسيا الوسطى لتبادل المعلومات الاستخباراتية حول تحركات الجماعات المسلحة، بما يمكن من تنسيق الردود الأمنية بشكل أسرع وأكثر فعالية. كما أن الضغط الدبلوماسي على طالبان للوفاء بتعهداتها يمثل أداة مهمة، رغم محدودية تأثيرها في ظل الطبيعة المعقدة للنظام الحالي في أفغانستان.

 من الناحية الاستراتيجية، يظهر من الحوادث الأخيرة أن خطر الإرهاب المنطلق من أفغانستان يشمل جميع جوانب الأمن القومي للدول المجاورة، بما في ذلك الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. فالهجمات على المدنيين والأجانب تعمل على خلق حالة من الرعب وعدم الاستقرار تؤثر على الاستثمار والتنمية، وهو ما يزيد من الحاجة إلى تبني سياسات وقائية ومشتركة، فضلاً عن تعزيز القدرات الدفاعية والاستخباراتية في المناطق الحدودية.

 إن هذا الواقع يحتم على دول الجوار عدم الاكتفاء بالإجراءات الفردية، بل السعي إلى تحالفات إقليمية ودولية فعالة تضمن مراقبة صارمة للحدود ومنع أي اختراق مسلح من الأراضي الأفغانية، وتفرض على حركة طالبان مسؤولية مباشرة في حماية الحدود والتعاون مع الدول المجاورة لمنع استخدام أفغانستان كمنصة لإطلاق الهجمات الإرهابية.

 تؤكد الأحداث الأخيرة في طاجيكستان وغيرها من دول الجوار أن التهديدات الإرهابية القادمة من أفغانستان ليست مجرد تحذيرات نظرية، بل واقع ملموس يتطلب استجابات عاجلة واستراتيجيات شاملة. على الرغم من التعهدات المتكررة لحركة طالبان بضمان الأمن والاستقرار على الحدود، فإن التحديات الأمنية مستمرة، ما يفرض على دول الجوار تنسيق جهودها وتعزيز قدراتها الدفاعية والاستخباراتية، بالإضافة إلى ممارسة الضغط الدبلوماسي على طالبان للوفاء بالتزاماتها. إن نجاح هذه الاستراتيجيات لا يعتمد فقط على الإجراءات الأمنية المباشرة، بل أيضاً على التعاون الإقليمي والدولي المستدام، لضمان أن الحدود الأفغانية لا تصبح منصة لانطلاق العمليات الإرهابية، وحماية استقرار الدول المجاورة من خطر التسلل والهجمات المسلحة.

 

شارك