توسّع المجلس الانتقالي يعقّد مسار الصراع اليمني ويمنح الحوثيين فرصًا جديدة
السبت 27/ديسمبر/2025 - 01:42 م
طباعة
فاطمة عبدالغني
كشف تقرير تحليلي حديث صادر عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى عن تحوّل مفصلي وخطير في مسار الصراع اليمني، حيث شهد اليمن خلال الأسابيع الأخيرة تحوّلًا ميدانيًا وسياسيًا بالغ الخطورة، بعدما تمكّنت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، من بسط سيطرتها السريعة على محافظتي حضرموت والمهرة، وهما من أكبر محافظات البلاد مساحة وأكثرها حساسية من حيث الموقع الجغرافي والموارد الطبيعية.
هذا التقدّم لم يقتصر على كونه توسعًا عسكريًا داخليًا، بل أعاد فتح ملفات شائكة تتعلق بوحدة اليمن، ومستقبل الجنوب، وتوازنات النفوذ الإقليمي بين السعودية والإمارات، فضلًا عن تأثيراته المحتملة على مسار الهدنة الهشّة مع جماعة الحوثيين.
وبينما بدا المشهد للوهلة الأولى وكأنه إعادة ترتيب محلية للقوى، سرعان ما اتضح أن ما جرى يحمل أبعادًا إقليمية ودولية، تهدد بإعادة إشعال الصراع اليمني من بوابة الانقسامات داخل المعسكر المناهض للحوثيين، في توقيت شديد الحساسية تشهد فيه المنطقة اضطرابات متزامنة من غزة إلى البحر الأحمر.
السيطرة على حضرموت والمهرة وتداعياتها السياسية
في مطلع ديسمبر أحكمت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي سيطرتها على منشآت عسكرية ومرافق حكومية وحقول نفطية في حضرموت، قبل أن تتقدّم لاحقًا نحو محافظة المهرة وتصل إلى الحدود العُمانية.
اللافت في هذه العملية كان غياب أي مواجهة فعلية مع القوات الحكومية، إذ سلّمت وحدات عسكرية مواقعها دون قتال، وسط صمت رسمي من مجلس القيادة الرئاسي، ما أثار تساؤلات واسعة حول وجود تفاهمات مسبقة بين أطراف إقليمية.
غير أن هذا الانطباع سرعان ما تبدّد، مع صدور إدانة متأخرة من رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، الذي وصف ما جرى بأنه إجراء أحادي يقوّض شرعية الدولة، بالتزامن مع مطالب سعودية علنية بانسحاب القوات المدعومة إماراتيًا، هذا التطور كشف عن فجوة متزايدة بين الرياض وأبوظبي، ونسف افتراض وحدة الموقف داخل التحالف الداعم للحكومة اليمنية.
حسابات السعودية وعُمان ومخاوف الأمن القومي
بحسب التقرير تنظر المملكة العربية السعودية إلى حضرموت باعتبارها عمقًا استراتيجيًا متصلًا مباشرة بأمنها القومي، نظرًا لطول الحدود المشتركة والروابط القبلية والاجتماعية، فضلًا عن أهمية الإقليم في تأمين خطوط الإمداد إلى جبهة مأرب.
ولهذا سارعت الرياض إلى تعزيز انتشارها العسكري في مناطق مفصلية، مثل منفذ الوديعة وتقاطع العبر، ولوّحت بخيارات تصعيدية شملت، وفق تقارير إعلامية، احتمال توجيه ضربات جوية ضد مواقع المجلس الانتقالي.
أما سلطنة عُمان، فتراقب التطورات في المهرة بقلق مماثل، خشية أن يؤدّي تغيّر موازين القوى إلى زعزعة الاستقرار على حدودها الغربية، خصوصًا في محافظة لطالما تمسّكت بمسار هادئ بعيدًا عن الصراع المسلح.
لماذا تحرّك المجلس الانتقالي الآن؟
يرى التقرير أن توقيت هذه الخطوة لا يبدو معزولًا عن سياق داخلي وإقليمي أوسع، فالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يعاني من تراجع شعبيته كجزء من حكومة فشلت في تحسين الأوضاع المعيشية، وجد نفسه محاصرًا بين نفوذ سعودي متنامٍ في وادي حضرموت، ومعارضة محلية تخشى من إعادة إنتاج نموذج اليمن الجنوبي السابق، وفي ظل هذه الضغوط، اختار التحرك الاستباقي لحماية مشروعه السياسي المرتبط بالانفصال.
كما تزامن هذا التحرك مع توقّعات باستئناف محادثات السلام بين السعودية والحوثيين، ومع تصاعد التوتر بين الرياض وأبوظبي حول ملفات إقليمية، أبرزها السودان، ويضاف إلى ذلك الدفع الأمريكي الأخير نحو تصنيف بعض فروع جماعة الإخوان المسلمين منظمات إرهابية، وهو ما استثمره المجلس الانتقالي لتسويق عملياته بوصفها حملة ضد نفوذ الإخوان وتنظيم القاعدة، وتقديم نفسه شريكًا أمنيًا موثوقًا لواشنطن في مواجهة الحوثيين وحلفائهم.
مخاطر التصعيد واحتمالات الانفجار
وفقًا لتقرير معهد واشنطن فتح التوسّع الأخير للمجلس الانتقالي الباب أمام سيناريوهات بالغة الخطورة، أبرزها اندلاع مواجهات داخلية بين مكونات الحكومة اليمنية نفسها، وهو ما سيمنح جماعة الحوثيين فرصة ثمينة لإعادة ترتيب صفوفها والتقدّم ميدانيًا، سواء في مأرب الغنية بالنفط أو على ساحل البحر الأحمر.
كما أن إعادة نشر قوات المجلس الانتقالي من محافظات أخرى ترك مواقع استراتيجية، مثل قاعدة العند الجوية، عرضة لأي هجوم حوثي محتمل، ما يهدد بتغيير معادلات الصراع جنوبًا.
وإلى جانب ذلك، فإن زعزعة الاستقرار في حضرموت قد توفّر بيئة خصبة لعودة تنظيم القاعدة وجماعات متطرفة أخرى، بما يتجاوز حدود اليمن.
الدور الأمريكي والخيارات المطروحة
يرى التقرير أنه في ظل هذا المشهد المعقّد، تبرز الولايات المتحدة بوصفها الطرف القادر على احتواء التصعيد إذا ما تدخّلت مبكرًا وبحزم، ويقترح مراقبون مسارًا مزدوجًا يقوم على تسوية مرحلية في حضرموت تراعي الهواجس الأمنية السعودية، مقابل الاعتراف بالأمر الواقع الجديد، مع العمل في الوقت نفسه على توحيد المقاربة السعودية–الإماراتية تجاه اليمن.
وتشمل الخيارات المطروحة انسحابًا جزئيًا لقوات المجلس الانتقالي، وتسليم إدارة مناطق الوادي لقوات حضرمية محلية أو لتشكيلات "درع الوطن" ذات الجذور المحلية، بما يضمن للرياض أمن حدودها، ويتيح للمجلس الانتقالي تحقيق مكاسب سياسية دون الذهاب نحو إعلان انفصال متسرّع.
وختامًا يرى مراقبون أن ما جرى في حضرموت والمهرة يمثّل نقطة تحوّل مفصلية في مسار الأزمة اليمنية، ليس فقط بسبب التغيرات الميدانية، بل لما كشفه من تصدّعات عميقة داخل التحالف المناهض للحوثيين.
ويؤكد هؤلاء أن أي صدام مفتوح بين السعودية والإمارات، أو بين حلفائهما المحليين، لن يخدم سوى جماعة الحوثيين، التي ستسعى لاستثمار الفوضى لتعزيز نفوذها العسكري والسياسي.
ويحذّر المراقبون من أن تجاهل مطالب الجنوبيين بالحكم الذاتي، أو السعي إلى عزل المجلس الانتقالي بالكامل، قد يدفعه في نهاية المطاف إلى خيارات قصوى، من بينها إعلان الاستقلال، بما يحمله ذلك من مخاطر العزلة الدولية وإعادة تفجير الصراع.
وفي المقابل، فإن تسوية سياسية متوازنة، مدعومة بضغوط أمريكية منسّقة، قد تحوّل أزمة حضرموت إلى فرصة لإعادة ضبط مسار السلام، وكبح طموحات الحوثيين، ووضع اليمن أخيرًا على سكة تسوية شاملة تُنهي حربًا أنهكت الداخل وزعزعت أمن الإقليم بأسره.
