مقدمات للثورة الدينية

الأحد 18/يناير/2015 - 09:08 م
طباعة
 
حين اعتبر تيار الإسلام السياسي أن الدين هو التراث حدث أكبر انحراف في فهم الدين، لذلك يجب أن تتغير هذه النظرة وإلا لظللنا على الفهم المتعسف للدين، فالإسلام مقدس بقرآنه وسنته الصحيحة لا شك في ذلك، ولكن التراث هو ذلك الذي وصلت إليه عقول بعض المسلمين الأوائل في فهمها للقرآن والسنة النبوية سواء كانت عملية أو قولية، فإذا انحرف فهم بعض الأوائل لهذه النصوص، أو فهموها وفق ثقافاتهم وخبراتهم وزمنهم وواقعهم الذي يعيشون فيه، فليس معنى هذا أن باقي المسلمين على مدار العصور مجبرين على أن ينتظموا في نفس هذا الفهم، وإلا لكان معنى هذا أن الله لم يخلق إلا عقلا واحدا ثم استنسخ منه نسخا بقدر عدد البشر إلى أن تقوم الساعة! ولذلك فإن التراث قد يلقى تقديرا من المسلمين ومن غير المسلمين بحسب أنه جهد بشري إبداعي، ولكنه لا ينبغي أبدا أن يلقى تقديسا أو تنزيها، هو مجرد صورة من صور ثقافات الأزمنة التي انتجت هذا التراث، به نستطيع أن نعرف طريقة تفكير المسلمين القدامى وطرق استدلالاتهم، ومدى تأثير ثقافات الحضارات الأخرى فيهم، وكيف نظروا بثقافاتهم هذه للقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم، وهل أثرت فيهم ثقافة العرب وهم يكتبون سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا تراث ينبغي أن نستخدمه كمفتاح من مفاتيح فهم ما حدث من قبل لا أن يكون منهجا نسير عليه في حاضرنا ومستقبلنا، فقد نفهم من التراث أسباب الخلاف المؤلم الذي شجر بين صحابة رسول الله حول الحكم عندما انقسموا بين سيدنا علي وسيدنا معاوية، وكيف أن صحابيين بقدرهما يقتتلان بجيوشهما، فنفهم من هذا أنهم بشر يرد عليهم ما يرد على باقي البشر! وقد يذهب بعضنا وهو يدرس هذا التراث إلى أن هذا الخلاف كان دينيا، أو دينيا من ناحية ودنيويا من ناحية أخرى، وقد يذهب آخر إلى أن هذا الخلاف كان في حقيقته صراعا على السلطة بين بني أمية الذين كانوا ملوكا على قريش، وبين بني هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد سيدنا علي بن أبي طالب، ومن بني أمية قامت الدولة الأموية، ومن بني هاشم قامت الدولة العباسية، وإذ نقرأ هذا التراث رغم غرابة بعضه وشذوذه إلا أننا لا يمكن أن نحمل الدين عليه ونقول للناس: إن الإسلام يسمح بكذا أو كذا، لأن ما ورد فيه هو ترجمة لأفكار ناس، وسلوك ناس، وأخلاق ناس، وتاريخ ناس، فالدين لا يُحمل على الناس، ولكن الناس يُحملون على الدين.
ومن ناحية أخرى فإننا لا يمكن أن نُضيف طريقة تفكير المسلمين الأوائل إلى العلم، ولكن نضيفه إلى تاريخ العلم، فلا شك أن ما أبدعوه وقتها كان علما، ولكنه الآن بمقاييسنا وبما وصلنا إليه من حداثة وعلوم لا يمكن أن نعتبره علما، فمن قاموا بتفسير القرآن فسروه وفق علوم عصرهم أو الشائع بينهم أو الذي وصل لهم من أصحاب الديانات السابقة، ولكننا الآن إذا قمنا بتفسير القرآن فلا يمكن أن نقف عند من قال: إن الأرض ثابتة وإنها مركز الكون وإنها مسطحة، وإن طول الأمم الموغلة في القدم كان يتجاوز الخمسة أمتار!.
وكذلك علوم الحديث المتعلقة بالسند أو المتن هي مجرد تاريخ للعلم قد ننشده إعجابا بها ولكننا لا يمكن أبدا أن نعوِّل عليها حاليا بل يجب أن نطورها أو نغيرها، فتلك العلوم ليست منزهة أو مقدسة ولكنها كانت طريقة بشرية ابتكرها المسلمون بعد أكثر من مائة عام من وفاة الرسول لتوثيق الأحاديث التي رويت عنه، ولكننا حبسنا أنفسنا عند ما ابتدعه الأوائل فلم نبدع لأنفسنا علما نصحح به الكثير من الأغاليط التي نُسبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إننا قدسناها حتى أصبح من يناقشها في نظر المقلدين كافرا.

شارك