الإسلام والدولة المدنية صراع العقل مع تجار الدين
الخميس 29/يناير/2015 - 11:45 م
طباعة

• الكتاب – الإسلام والدولة المدنية
• الكاتب – الدكتور عبد المعطي محمد بيومي
• الناشر – دار الهلال – القاهرة 2005
جدالية الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية جدالية يبدو انها سوف تستمر طويلا، خاصة أن هناك كثيرين من تجار الدين لا يهتمون بكتب ودراسات العلماء الثقة الذين يكتبون عن علم وفقه وفهم بعيدا عن ضيق الأفق وانغلاق الفكر والسقوط في براثن التقاتل الطائفي من هنا تأتي اهمية كتاب "الإسلام والدولة المدنية" للراحل الدكتور عبدالمعطي بيومي، عميد كلية أصول الدين الأسبق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، والذي يقع في 300 صفحة من الحجم الصغير، الكتاب يتهم بشكل واضح بعض الفرق الإسلامية المعاصرة بضيق النظر في تطبيق هذا المذهب الفقهي أو ذاك، أو فقه هذه الفرقة أو تلك، تجاه مفهوم ومرجعية الدولة المدنية، ويرى أن تلك المحاولات تقوم على التحيز والانحصار في دائرة المذهبية الضيقة، أو الطائفية المذمومة، بعيدا عن منظور الشريعة في شمولها ونقائها الأصيل، فالإسلام كل لا يتجزأ ولا يتبعض منظوره، أو ينحصر في تأويل بعينه لهذه الفرقة أو المذهب أو التيار، وإنما هو فوق ذلك كله، وسابق على التأويلات والتفسيرات والاختلافات، فضلا عن الانقسامات والصراعات
ويري الدكتور عبد المعطي عبر صفحاته ان الأصل الإسلامي يكمن في التعددية وحق الاختلاف والمجادلة بالتي هي أحسن، مستشهدا على ذلك بالآيات الكريمة: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة"، "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"، "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة" و"لا إكراه في الدين" وضرورة المجادلة بالتي هي أحسن، وما يتصل بذلك من معنى المعارضة التي لا يقصد بها العداوة، أو الخصومة، أو المخالفة بقصد المخالفة، أو استئصال الآخر المختلف معنويا أو ماديا، وإنما المقابلة الاجتهاد، والاختلاف الذى هو رحمة تقود الى إمكان تقديم حلول متعددة بما يفيد المجتمع
الحاكمية:
كما ينفي الكتاب عن الإسلام الدلالة السلبية للحاكمية من حيث انقلابها إلى نوع من الحق الإلهي الذى يأخذه من يدعيه، أو يغتصبه، فالحاكمية لله تعنى الحكم بما أنزل الله، وذلك بما يقيم العدل بين الناس، ويؤكد المساواة بينهم، ويحررهم من شروط الضرورة، دون تمييز بينهم على أساس من جنس أو لون أو أصل أو فئة، أو حتى دين، فالمساواة أصل في المواطنة التي يقرها الإسلام، ويؤكد ما تنطوي عليه من إخاء وتسامح واشتراك عادل في الحقوق والواجبات
ولذلك يشير الكتاب إلى الموقف من الأقليات، مؤكدا أن الأصل الأصيل للإسلام يسع الجميع برحمته، فلا يجوز تشريع أي قانون في أي مجال من مجالات الحياة وأنشطتها يضر بغير المسلمين في مصالحهم، أو يؤذيهم في عقائدهم أو مشاعرهم، ولابد من إسهام الجميع فيها بلا تمييز، وبما يحقق تقدم الأمة الذى لا يتحقق إلا بشعور الجميع بالمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات كما يحذر في كتابه من فكرة المستبد العادل التي نقلها الإمام محمد عبده عن جمال الدين الأفغاني، وذلك بالرفض المطلق لطبائع الاستبداد مهما تكن صورها أو مبرراتها، مرتكزا في ذلك إلى الصفة المدنية لحكم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذى أمر المؤمنين بمخالفته في الأمور البشرية التي قد يخطئ فيها، مستنا بذلك التقليد الذى اتبعه أمثال أبى بكر، الخليفة الأول لرسول الله، عندما طالب المسلمين بأن يقوموه إذا رأوا منه اعوجاجا، ويعينوه إذا رأوا منه ما ينفع الجميع
العقد الاجتماعي:
كما يسطر بيومي في كتابه لمفهوم العقد الاجتماعي الذى تقوم عليه الدولة المدنية الحديثة ومفهوم العقد الديني الذى ينطوي على المبدأ القائل بأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، مخالفا بذلك التيار السلفي الذى كان يمنع الخروج على الحاكم، كما يطالب الكتاب بإحلال النظر العقلي القائم على الاجتهاد محل النظر النقلي القائم على التقليد، قاصدا بذلك الإسهام في النهوض بالمجتمع الإسلامي، ودعم تياراته العقلانية الليبرالية التي هي الإطار المرجعي لمفهومه عن الدولة المدنية
الصراع:
والصراع الدائر الآن بين أنصار الدولة المدنية، والدولة الدينية يرد عليه الدكتور عبدالمعطي بيومي بالقول: ليس في الإسلام سلطة دينية، ولا دولة دينية، دولة الإسلام دولة مدنية لها إطار أخلاقي قيمي ديني لكنها من الداخل تعمل العقل والاجتهاد، وتعطى للخبرة الإنسانية مجالا واسعا جدا، كما تقوم الدولة المدنية على أسس رئيسية هي أن الأمة مصدر السلطة، وعلى فصل السلطات الثلاث وعلى عقيدة تشكل النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي، أما الدولة الدينية التي ظلت تحكم العالم في الحضارات القديمة فكانت تقوم على الحق الإلهي في الحكم لبشر معينين، أما رأى الإسلام في الدولتين المدنية والدينية فيرى الدكتور بيومي أن الدولة المدنية الأولى التي نشأت على يد الرسول صلى الله عليه وسلم حددت نقاطا مهمة، أو محددات هي أن الأمة مصدر السلطات، فلم يتول حاكم في تاريخ الإسلام الحكم بناء على حق إلهى مطلق، وإنما كان الخلفاء يستمدون سلطتهم من البيعة العامة التي يبايع فيها الناس الخليفة المرشح إضافة للفصل بين ما هو ديني ودنيوي، والفصل بين السلطات حيث كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حكما بين الجميع، لكنه لم يتفرد بالسلطة، وكانت له هيئة تشريعية معروفة من كبار الصحابة في أنشطة الحياة المختلفة، وكان عليه الصلاة والسلام يوسع من مجموعة مستشاريه بحسب الأحوال والأنشطة وكانت لهذه الدولة المدنية على عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، ملامح محددة منها أن الشريعة هي الإطار العام، وبداخلها منطقة للنصوص القطعية، وهى خاصة بالعبادات ثم جزء أكبر خاص بالأمور الدنيوية، تحكمها قواعد عامة، ونصوص عامة، والنص العام ميزته أنك تفهم شيئا، وأنا أفهم شيئا آخر، واللفظة القرآنية لها دلالة ظنية مفتوحة الدلالة، وحينما يقول عز وجل: "وشاورهم في الأمر" فهذا يعنى أي صورة من صور الشورى يعمل بها، كالبرلمان، أو مجلس الشيوخ، أو مجلس نواب، أو زعماء قبائل
ويرى الكاتب أن الإسلام لم يضع شكلا محددا للنظام السياسي، لكنه وضع له أربع ركائز أساسية يقوم عليها النظام الأساسي في الإسلام تبدأ بالمساواة تليها الحرية، ثم العدالة، ثم الشورى، وهذه ركائز الإسلام إذا طبقت يكون الحكم إسلاميا سواء كان جمهوريا أو ملكيا، وإذا أغفلت ركيزة أو اثنتان وحتى لو أقمت نظام خلافة وسميت نفسك أمير المؤمنين، لا يصبح نظاما إسلاميا، أما إذا عملت بها فهذا نظام إسلامي سواء كان جمهوريا أو ملكيا، فالشريعة الإسلامية في غاية المرونة، وقابلة للتطبيق ما لم تبح ما حرم بنص وإذا كان دعاة الدولة المدنية وكثير من التيارات الإسلامية يرتكنون إلى مبدأ الحاكمية وفقا لاجتهاد فقهى في قول الله تعالي: "إن الحكم إلا لله" فان الدكتور بيومى يرى أن القول بأنه لا حكم إلا لله، يعنى الاستدلال بهدايات الشريعة الإسلامية، وان نضع لأنفسنا النظام الذى يحقق المساواة والحرية والعدالة والشورى، لذلك فان حكومات الغرب ليست مسلمة، لكنها حكومات إسلامية، وهذا ما قاله الشيخ محمد عبده، فهناك المساواة والشورى والعدالة وحقوق الإنسان والحريات
أطروحتان:
ورأى الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة ان الكتاب ومنطلقا من أطروحتين اثنتين، يسعي الكتاب إلى البرهنة عليهما الأطروحة الأولى، تؤكد أن الدولة الإسلامية دولة مدنية تلتمس في صورتها الأصيلة الأولى للإسلام، في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، والأطروحة الثانية أن هذه الدولة بناها الرسول على الديمقراطية التي أنتجتها الشورى الأصيلة، تلك التي لا تقل في قيمتها وضمانها للحريات وحقوق الإنسان عن أي دولة حديثة معاصرة، بل هي بتراثها أصل للديمقراطيات الحديثة بلا مبالغة فيما يقول، ولا سبيل إلي البرهنة علي الأطروحتين إلا بقراءة جديدة لتراث قديم في ضوء حاجتنا وواقعنا المعاصر، وهو الأمر الذي لايتم من غير تأويل للوقائع وتفسير للنصوص والممارسات من ناحية، وتحديد عصر ذهبي تلتمس فيه هذه الدولة الإسلامية في صورتها الأصيلة الأولي، قبل أن تنال منها المطامع والأهواء، فتنقلب بها عن مجراها، وتتباعد بها عن أصلها النقي في عصر الرسول صلي الله عليه وسلم وخلفائه، وعهد عمر بن العزيز الذي يدخل في دائرة العصر الذهبي علي سبيل الاستثناء، وتهدف القراءة التأويلية المعاصرة لأصول الإسلام في هذا العصر إلي إثبات أن الدولة الاسلامية في صورتها الأصلية أرست أسس الدولة المدنية ومظاهرها، وأن الفكر الغربي لم يأت بمظاهر الدولة المدنية وأسسها إلا بعد تأثره بالتراث الإسلامي الأصيل، وذلك عبر الأندلس التي كانت المعبر الذي عبرت عليه حضارتنا الإسلامية إلي الغرب
ولكي يثبت الدكتور بيومي أطروحتيه فإنه يستعرض ما يراه أصلا إسلاميا للأسس الثلاثة التي تقوم عليها الدولة المدنية الحديثة: الأمة مصدر السلطات، والفصل بين السلطات الثلاث( التشريعية والقضائية والتنفيذية) إلي جانب الفصل بين الديني والدنيوي، وأخيرا التمييز بين سطوة المرشد وسلطة الفقيه، ولا ينفصل عن ذلك ما يغدو دعائم للنظام السياسي والاجتماعي في الدولة المدنية، ابتداء من مبادئ الحرية والمساواة والعدالة وانتهاء بالشوريى.
وهو الأمر الذي يفضي إلي كيفية تطبيق الشريعة في الدولة المدنية، سواء من حيث القرآن وعلاقته بالدستور، ومفهوم الشريعة وعلاقتها بالنص، ومعني الحكم بما أنزل الله، ويأتي الفصل الأخير لمظاهر الدولة المدنية في الإسلام، شاملا مقومات التحول إلي الديمقراطية، وتفصيل معاني الديمقراطية، والمواطنة، وسلطة المؤسسات، وسيادة القانون، وضرورة التعددية والحوار، ومحاسبة السلطة وتداولها في آن، ويرجع المؤلف إلى النصوص الأصلية:
القرآن الكريم والسيرة النبوية ووقائع السنة الصحيحة، ليؤكد أطروحته الأولي التي تستغرقه تفاصيلها بما كاد يصرفه عن الأطروحة الثانية التي تستلزم دراسات مقارنة ومعارف معمقة بوسائل انتقال الثقافة الإسلامية إلي الغرب في عصر النهضة، وما يفرضه ذلك من تحديد أنواع المنقول عنه والمترجم منهد عبد المعطى بيومي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، الذى أكد على أنه لا تعارض بين مدنية الدولة والشريعة الإسلامية، ويرجع الخلاف إلى الفهم الخاطئ من المنادين بالمدنية للشريعة، كذلك الفهم المغلوط للمدنية من قبل المنادين بتطبيق الشريعة الإسلامية، لأن الدولة الإسلامية في أصولها دولة مدنية، حيث كانت الدولة الأولى التي أقامها رسول الله «صلى الله عليه وسليم» قائمة على الأسس التي تقوم عليها الدولة المدنية، والتي تقوم في الأساس على الفصل بين السلطات الثلاث حيث يعد مكوناً رئيسياً لطبيعتها المادية وثقافتها المجتمعية، ومن خلال الفهم الصحيح نجد أن الدولة المدنية تقوم على أسس ستة «بشرية الحاكم، حرية إبداء الرأي، الشعب مصدر السلطات والفصل بينها، التمثيل النيابي للشعب، حق المواطنة» فإذا ما أسقطنا هذه الأسس على الرؤية الإسلامية للدولة نستطيع أن نثبت أن الدولة في الفكر الإسلامي دولة مدنية تماماً طبقاً لعدة معايير وهى:
- لا قداسة للحاكم بل هو خليفة الله في أرضه ويثبت ذلك قوله تعالى «وما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله»
- الشعب مصدر السلطات، فهو من يختار الحاكم ويعزله، وهذا ما بدا في قصة تولى أبو بكر خليفة لرسول الله، حيث قال للناس في أول خطبة له (أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم)
- حرية إبداء الرأي ونجد ذلك في قوله تعالى "وشاورهم في الأمر"
- الفصل بين السلطات، وأبرزه في الإسلام استقلال القضاء، ومثال ذلك القاضي شريح، حيث حكم لصالح خصمين لأميري المؤمنين، عمر بن الخطاب حيث حكم لخصمه الأعرابي، وعلى بن أبى طالب حيث حكم لخصمه اليهودي في قضية الدرع.
- التمثيل النيابي للشعب، حيث وضع النبي «صلى الله عليه وسلم» ذلك قبل أن تمارسه البشرية بمئات السنين لما أخرجه البخاري، لما أتى إلى النبي بنو هوازن فسألوه أن يرد عليهم السبي والغنائم، فقال: ما كان لي ولبنى هاشم فهو لكم، وما كان للناس فدعوني حتى أسألهم ، وسأل الناس، فكثر عليه «صلى الله عليه وسلم» القول فقال: أخرجوا إلى عرفاءكم، فأخرج الناس إليه عرفاءهم، فأخبروه بأنهم رضوان والعرفاء هم من ينوبون عن الناس ويتحدثون بلسانهم
- حق المواطنة، حيث ضمن الإسلام للناس حق العقيدة، قال تعالى «لا إكراه في الدين» كما كفل حرية العبادة وحماية دور العبادة ، ووضع لهم قواعد المواطنة فقال صلى الله عليه وسلم «ومن أذى ذمياً فقد أذانى، ومن آذانى كنت خصيمه يوم القيامة"