107عام على إبادة الأرمن.. بين "التنطُّع التركي" ودموع الذكرى الباهتة

الأحد 24/أبريل/2022 - 08:07 ص
طباعة 107عام على إبادة
 
بعد مرور 107عام على مجازر الأتراك للأرمن هل نجح الأرمن الذين تشتتوا في البلاد في تصدير قضيتهم التي يمثل هذا الشهر "أبريل" ذروة الاحتفال به؟ لقد استخدموا كل وسائل الإعلام وأصدروا الكتب لتسجيل الوثائق والروايات والأفلام، وتضامنت معهم كل كنائس العالم، وأقاموا النصب التذكارية ولكن مازال هناك الكثير أيضا لتصبح قضية مئوية الأرمن محل اهتمام إنساني عالمي، لعل أهم شيء هي أن تخرج هذه القضية من إطار التعريف الطائفي الضيق إلى الاهتمام الإنساني بصورة عامة 

كيف بدأت المجازر؟

كيف بدأت المجازر؟
القضية بدأت في عهد السلطان عبدالحميد الثاني، حيث ادعت الدولة العثمانية أن روسيا قامت بإثارة الأرمن الروس القاطنين قرب الحدود الروسية العثمانية، فبدأت بتحريضهم وإمدادهم بالمال والسلاح والقيام بتدريبهم في أراضيها وتشكيل الجمعيات المسلحة من أمثال - خنجاق - وطاشناق
 فالإبادة الجماعية للأرمن في أعوام 1894-1896 قضت على بضع مئات الآلاف من الأرمن، وجرت في ثلاثة موجات رئيسية الموجة الأولى في ناحية ريزني من قضاء ساسونة والثانية في عدة مناطق من تركيا في شتاء وخريف عام 1895 والثالثة في منطقة ريزني العائدة لمدينة استانبول وآيالة وإن كانت احتجاجات الأرمن هي الحجة للإبادة واحتجاجا على عدم حل مشاكل الأرمن قرر حزب غنتشاكيستى، في سبتمبر من عام 1895 القيام بمظاهرة كبيرة، ولكن الشرطة قامت بمحاصرة المظاهرة وإطلاق الرصاص عليها، ونتيجة لذلك سقط عشرات الأرمن قتلى ، واعتقلت الشرطة الكثير من الأرمن وقامت بتسليمهم إلى طلاب المدارس الدينية في استانبول، والذين قاموا بضربهم حتى الموت، هذه الحملة استمرت حتى 3 أكتوبر في 8 أكتوبر قام مسلمو طربزون بقتل وحرق آلاف الأرمن، هذه الأحداث أصبحت تتواتر في العديد من مدن شرق تركيا، لتصبح سلسلة من الإبادة الجماعية المنظمة تحت رعاية السلطة العثمانية، حيث تكررت في محافظات: ارزيرجانه، ارضروم، غوموشخان، بايبورت، اورفه وبيتليسه
ليس من الممكن إحصاء أعداد القتلى في مذابح أعوام 1894-1896 ولكن، حتى قبل انتهاء أعمال القتل، قام المبشر اللوثري يوحنا ليبسيوس، والذى كان في تركيا في ذلك الوقت، بجمع أعداد الضحايا من المصادر الألمانية ومصادر أخرى الإحصائيات التي جمعها تقول: قتل - 88243 وجرح – 546000، القرى التي نهبت 2493، القرى التي أجبرت على الإسلام 456، تهديم الكنائس والأديرة 649، الكنائس والأديرة التي جرى تحويلها إلى جوامع 328
 
107عام على إبادة
وفى أثناء الحرب العالمية الأولى بدأت مشانق الأرمن العلنية بعد بضع ساعات من توقيع الاتفاقية السرية بين تركيا وألمانيا، حيث أعلن حزب الاتحاد والترقي التعبئة العامة، بنتيجة ذلك جرى استدعاء كل أرمني سليم إلى الخدمة العسكرية، الاستدعاء الأول شمل الأشخاص في الأعمار بين 20-45 سنة والاثنان اللاحقان شملا الأعمار 18-20 و45-60 على الفور بعد إعلان الحرب العالمية الأولى وجدت تركيا نفسها مشاركة بعدة جبهات على الجبهة الروسية الإيرانية رفع من مقدار الانتهاكات ضد قرى الأرمن عدة مرات، إذ بين يناير 1914 وابريل 1915 جرى نهب 4-5 آلاف قرية أرمنية وقتل ما مجموعه 27 ألف أرمني والكثير من الآشوريين كما تم سحب السلاح من 100 ألف جندي أرمني بعد هزيمة تركيا في معركة سيارقميش مع روسيا في يناير 1915، وتم ذبح بعضهم من الرقبة ودفن البعض الآخر أحياء، الإبادة الجماعية بدأت في 19 إبريل، عندما جرى قتل 2500 شخص في محيط مدينة وان، وبعد بضعة أيام وصل العدد إلى خمسين ألفا الهجوم وإن كان نتيجة استفزازات مخططة من أعضاء جمعية الاتحاد والترقي، وهو الأمر الذى اعترف به لاحقا جنرالان تركيان هما إبراهيم عباس وحسان تاشين، وتحت التهديد بالإعدام جرى منع السكان المسلمين من حماية الأرمن

القطع نموذج سينمائي

القطع  نموذج سينمائي
الفيلم الألماني (قطع ) يتعرض لواحدة من أبشع مآسي البشرية في القرن المنصرم والمقصود بها مذابح الأرمن التي جرت في الامبراطورية العثمانية والعجيب ان مخرج الفيلم فاتح اكين الماني من أصول تركية ويقول إنه استلهم هذه القصة الموجعة من كتاب تركي قام بتأليفه (حسن جمال حفيد جمال باشا احد حكام الامبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الاولى والعقل المدبر لمجازر الأرمن  في تلك الفترة هو ما ألهمني للعمل على هذا الفيلم فاذا كان حفيد احد المسئولين عن مجزرة 1915 كتب عنها في كتاب يباع علنا فلماذا امتنع عن تقديم الفيلم لأني أصولي تركية ؟)
تدور أحداث الفيلم عام 1915، حيث ينجو الأرمني نازاريت من المذبحة التي ارتكبها الاتراك بحق الأرمن والتي تعرف باسم الجريمة الكبرى وحين يعلم ان ابنتيه التؤام قد تكونان على قيد الحياة يذهب للبحث عنهما في رحلة طويلة الامر ليس بهذه البساطة التي يمكن تلخيص الفيلم بها خاصة ونحن امام سيل من المشاعر الانسانية المتدفقة والمأساة المتضافرة ف نازرايت ينجو من المذبحة لأنه وقع بالصدفة في يد لص لم يذبح أحد من قبل – هذا المشهد للذبح الجماعى يؤرخ لمذابح داعش الآن – فلا يستطيع هذا اللص إلا أن يحدث قطع في رقبة نازرايت على اثره يفقد القدرة على الكلام ثم ينضم لمجموعة من اللصوص يعرف منهم ان بلدته دمرت وان النساء والاطفال تم ترحيلهم الى مخيم في بلدة تدعى راس العين فيقرر الذهاب لاسرته لعله يجد بنتيه (لوسينه وارسينه) وفى طريقه عبر الصحراء كم كان مفرحا له أن يجد بئرليروى عطشه ولكنه عندما حرك الدلو ليشرب ونظر كان البئر مقبرة جماعية لأشلاء مجمعة من الأرمن وفى راس العين – واحد من اصعب واقسى مشاهد الفيلم المتكررة – حيث تم حرق جماعي للأرمن فوجد اكوام من الاشلاء ا والمتألمين الباحثين عن الموت ومن بينهم يجد اخت زوجته الحبيبة التي يكسوها الرماد وتئن من حروقها واوجعها مؤكد له في حروف متقاطعه ان اسرته بالكامل ماتت وانها تطلب منها المساعدة في الوصول للموت لانها لاتحتمل الالم الذى ينهش في جسدها ولا تقوى على الانتحار؟!!فيقوم بخنقها في مشهد صعب 
يكاد نازريت يكفر بكل شيء حين يلتقى بشخصية المسلم السوري الطيب نصر الدين صانع الصابون الذي يخفى عدد من الأرمن في مصنعه بحلب ويصطحبه معه الي هناك وبعد مرور سنوات يلتقى نازريت بالصدفة بالحداد الذى كان يساعده في ايامه الطيبة التي ولت والذي يخبره ان ابنتيه على قيد الحياة وليبدا القسم الثاني من الفيلم وهو عبارة عن رحلة طويلة وتنقل من بلد الى اخري – وهذا الجزء فنيا اقل كثير رغم توافر الامكانيات الضخمة – من الجزء الاول ولعل العيب الرئيسي هنا يكمن في السيناريو الذى حدث به انتقال من الاطار الميلودرامي الى فيلم الرحلات الامر الذى يتسبب في خلل بنفسية المشاهد الذى اندمج في الحالة الاولى من المأساة رغم ان الرحلة الطويلة ناتج لها ولعل  التطويل وتكرار التنقل من بلد الى اخرى هوالسبب في ذلك وفي النهاية يصل نازريت بالفعل الى احدى ابنتيه لان الاخرى ماتت متأثرة بطفيليات نقلت إليها من مخيم للاجئين لعب الفيلم بمهارة على وتر المشاعر واحتمى بقضية يتحدث عنها العالم ومازال بها من القصص والماسي الكثير لم يستخدم المخرج حيل فنية كثيرة وإنما كاميرا مباشرة 

الأدب

الأدب
أشارت أكثر من رواية إلى المآسي التي تعرض لها الأرمن وهجرتهم فارين من المذابح من ذلك رواية (صيد العصاري ) للروائي الكبير محمد جبريل قد اختار الكاتب مرحلة سياسية مهمة من حياة مصر، جعلها المناخ الرئيسي لنصه الروائي، ومن خلال هذه المرحلة تبلورت وقائع النص  كانت هذه المرحلة هي فترة وزارة محمود فهمي النقراشي التي أعقبت وزارة صدقي باشا، هذه المرحلة التي كانت فيها مصر تزخر بالعديد من الجنسيات المختلفة العائشة على أرض الواقع المصري من خلال «الآخر» الباحث عن هويته وانتمائه الحقيقي، وهو أحيانا يستخدم الصمت والعيش داخل الذات المحملة بتاريخ نكبته «الدكتور جارو فارتان» و «نورا» وأحيانا يستخدم التاريخ الموثّق كعلامة مهمة لتأصيل عالمه الأصلي وجذوره العميقة على أرض الواقع، وقد كانت «نورا أندريا بابيجيان» التي تمثل جزءا فاعلا من ذات «الآخر» هي نفسها الفتاة المصرية المولد، الأرمينية الأصل، التي تقوم بتوثيق تاريخ أرمينيا والمذابح التي حدثت لقومها على يد الأتراك العثمانيين وكأنها بذلك تعيد إلى الأذهان أرمينيا كما هي تتمنى أن تعود إليها ويعود إليها الدكتور جارو فارتان ووالدها وكل أسرتها، كما أراد الكاتب أيضا أن يوثق مفهوم معنى الحرية كرؤية عامة مشتركة بين الأنا والآخر، وفي شهادته عن الحرية عدد محمد جبريل تفسيراته ورؤاه عنها متمثلا قراءات عدة فيقول»: لم تتعدد تفسيرات واحد من المعاني، مثلما تعددت تفسيرات معنى الحرية إنها ـ كما يقول التعبير الفلسفي ـ هي التي تجعل منه أشخاصا، لأننا بالحرية نهب أنفسنا الوجود، بعد أن كنا مجرد أشياء وقد عرّف ابن رشد الحرية بأنها لقاء بين ضرورتين، ضرورة إنسانية وضرورة طبيعية، ويقول جون ستيورات مل: الحرية حق طبيعي يملكه الإنسان بحكم الطبيعة أما برديائيف، فيعّرف الحرية بأنها القوة الداخلية المحركة للروح، وهي السير غير العاقل للوجود والحياة والمصير وفي تقدير هارولد لاسكي أن الحرية هي الأحوال الاجتماعية التي تنعدم فيها القيود التي تقيّد قدرة الإنسان على تحقيق سعادته، أما ديفيد هيوم، فيعرّف الحرية بأنها: القدرة على التصرف طبقا لما تحدده الإرادة ولكامي مقولة أذكرها: إن الذي يغفر للإنسان كل شيء هو الحرية الإنسان حرية قبل كل شيء"
لقد حاول الدكتور «جارو» استرجاع فظائع الإبادة التي تعرض لها الأرمن بمعرفة الأتراك العثمانيين، وكأنه كان يحتاج إلى هذه الفرصة ليجتر مأساة وطنه بعد أن تقدمت به السن وبدأت ذاكرته تخونه، وأحداث أرمينيا تبدو غائمة وباهتة في بعض الأحيان، وبحسب ما ذكره بول ريكور عن الذاكرة المعاقة التي يقول عنها بودلير في إحدى قصائده»: أنا الذاكرة المشؤومة»، أو الذاكرة المحبطة الكئيبة، الذاكرة الجريحة المريضة» فهل يلتفت العالم إلى هذه الذاكرة أم تُقام الذكرى بقرع أجراس الكنائس وذرف قليل من الدموع لننتظر دموع أخرى في أبريل القادم. 

شارك