عباس مدني.. مؤسس جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر

الجمعة 15/يوليو/2022 - 04:00 ص
طباعة عباس مدني.. مؤسس حسام الحداد
 
عباسي مدني ولد 1931، وهو مؤسس جبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائرية مع علي بلحاج دعا في عام 1982 إلى عدم الاختلاط في المدارس ومنع المشروبات الكحولية في البلاد، وتعريب المناهج الدراسية والمعاملات الرسمية وأدت أنشطته مع الإسلاميين إلى اعتقاله سنتين بعد خروجه شارك في تأسيس جبهة الانقاذ الإسلامية وكان العقل السياسي المدبر للجبهة وعمل على إبراز الحركة بشكل مؤثر على الساحة السياسية يونيو 1990 وحددت إقامته في 1994، وأفرج عنه في 2003، قاد مدني جبهة الإنقاذ الإسلامية لخوض الانتخابات التشريعية 1990، حيث فازت الجبهة بالأغلبية في مجالس البلديات والولايات، وكانت أول انتخابات تعددية تعقد في الجزائر منذ استقلالها في 1962 في 23 أغسطس 2003 غادر مدني الجزائر إلى الدوحة للعلاج، إلا أنه ظل مقيماً بها إقامة كاملة هو وعائلته.

حياته:

حياته:
ولد في سيدي عقبة، بالقرب من ولاية بسكرة ودرس في المدارس الفرنسية في صغره إبان الاستعمار الفرنسي، ثم في مدارس جمعية العلماء، وتخرج من كلية التربية، ثم انخرط في مقاومة الاحتلال الفرنسي، واعتقل وقضى في السجن سبعة أعوام، وبعد الاستقلال وخروجه من السجن أرسلته الحكومة إلى لندن 1975 ـ 1978 ليحصل على الدكتوراه في التربية المقارنة ثم عاد إلى الجزائر ليقوم بالتدريس في الجامعة، وقد شارك العلماء في النداء الذي وجهوه إلى الحكومة في 1982، مطالبين بالإصلاح وتطبيق الشريعة الإسلامية وشارك في الأحداث في العام نفسه فاعتقل وسجن
وبعد أن ناضل في إطار اللجنة الثورية من أجل الوحدة والعمل، في الجزائر العاصمة، ثم في منطقة بسكرة شارك في ثورة الأول من نوفمبر 1954 وتم القبض عليه إثر محاولة للاعتداء على المباني الخاصة بإذاعة الجزائر؛ وقضى فترة الحرب كلها في السجن، وأصبح في عام 1962 معلماً في إحدى مدارس الجزائر العاصمة كان عداؤه للتوجه الاشتراكي والعلماني في السنوات الأولى من الاستقلال، وراء اشتراكه في نضال جمعية القيم الإسلامية، حيث نندد، مع محمد خضر، "بالضلالات" التي ترتكبها السلطة كذلك كان ارتباطه العميق بمدرسة علماء الدين وأيضاً بمدرسة حزب الشعب الجزائري – الحركة من أجل الحريات الديمقراطية، التي رأينا آنفا مدى أصولها الدينية، وراء اعتقاده بأنه لا وطنية إلا في التوجه إلى إقامة دولة إسلامية يقوم ذوو الثقافة العربية في داخلها بالدور الرئيسي.
كانت تجربته مع الحركة الوطنية الجزائرية تشكل، باعترافه، النموذج الأساسي لفكره وتوجهاته، غير أن الصعود المفاجئ لنخبة من خريجي "المدرسة الفرنسية"، شغوفة بالقراءات الغربية قد أقنع عباس مدني أن الاستقلال قد تم على حساب مجموعات كاملة في حركة وطنية جزائرية، هي حاملة لمشروع إسلامي في المقام الأول.
في عام 1962، كان في الواحدة والثلاثين من عمره، فالتحق بقسم الفلسفة بكلية الآداب، ثم سجل للحصول على دكتوراه الحلقة الثالثة (ماجستير) في علم النفس التربوي بجامعة الجزائر، وعين مرشداً في إحدى المدارس الأولية بالعاصمة بعد ذلك حصل على منحة من الدولة للإقامة في لندن من عام 1975 حتى 1987 للحصول على الدكتوراه في التربية المقارنة حول موضوع نظم التعليم الفرنسية والإنجليزية والجزائرية دافع فيها عن التعليم الذي يستقي جذوره من التقاليد الإسلامية ولكنه يقتبس من الغرب خبراته في الطرق والمناهج العلمية ولدى عودته إلى الجزائر عين أستاذاً في علم النفس التربوي بكلية العلوم الإنسانية في "بوزاريه" بالجزائر العاصمة وبعد عشرين سنة قضاها عضواً في جبهة التحرير الوطني، وفي العشرين من مايو عام 1969 فاز في الانتخابات الإقليمية نائباً لولاية الجزائر
وطوال مدة نيابته التي استمرت حتى عام 1974، كان مكلفاً بمتابعة تطبيق الإصلاح الزراعي، في حين كان الإسلاميون في هذه الفترة نفسها يعارضون هذا الإصلاح بالذات
وفي أوائل الثمانينيات تعرف عباس مدني على علي بن حاج وبدأ وظيفته كداعية إسلامي وفي البداية كان أسلوبه في الدعوة جامعيا مما تعثر فهمه على الطوائف الشعبية من جمهوره لكنه بدءاً من عام 1982، جعل يصحح هذا المسار وإذا كان قد اتخذ الزي السلفي بالتخلي عن بذلته وارتدى الجندورة البيضاء التي تزيد مظهره ليناً وطيبة، فإن هدفه لم يتغير من جراء ذلك: فينبغي قبل كل شيء العمل على تكوين نخبة داخل الأجيال الصاعدة ولما كان عباس مدني يجمع بين شخصية المثقف "التقليدي" وعضوية الإنتليجينسا (طبقة المثقفين) الجديدة، في موقف وسط بين حركة إصلاح الدولة وحركة النزعة الإسلامية المعارضة، أراد أن يقوم بالدور الائتلافي (التحالفي) الذي قام به مسالي حاج في عصره والمقارنة بين الرجلين لا تقضي عند هذا الحد، بل غذاها مدني من جانبه، بقول أحد المثقفين القريبين من الحركة الإسلامية: "مدني ديكتاتور صغير، ينبغي أن تراه في حياته الخاصة كيف يتكلم، إنه متسلط يقول كبار السن إنه يذكرهم بمسالي حاج لقد كان كذلك وقد ثار الجميع ضده والرجال الذين قاموا بالثورة لم يكونوا "مثاليين" إن استغلال مدني لانتمائه المزدوج إلى الجيل القديم من المناضلين الوطنيين الإصلاحيين الجدد، وإلى عالم المعرفة الجامعية العالمية، مكنه أن يفرض نفسه باعتباره أحد وجوه المعارضة الإسلامية

الإفراج عن عباس مدني وزميله علي بلحاج:

الإفراج عن عباس مدني
أفرجت السلطات الجزائرية في 2 يوليو 2003، أعلن عباس مدني وعلي بلحاج، بعد انقضاء فترة سجن وإقامة جبرية استمرت 12 سنة، حيث كانا قد حوكما واعتقلا بعد إقدامهما على قيادة ما أصبح يعرف لاحقًا بإضراب الجزائر، خلال شهر يونيه 1991
وقد رأى العديد من المهتمين بالشأن الجزائري، في رجعة الشيخين بعد غيبة استمرت أكثر من عقد من الزمان، رجعة البلاد برمتها إلى مربع الأزمة الأول، الذي تناسلت منه طيلة السنوات الماضية مربعات أخرى تلونت في غالبيتها بألوان قاتمة، وسقطت في الدوائر السوداء التي حصدت أرواح ما يقارب ربع مليون إنسان، جراء حرب سميت بـ"القذرة"، لا تزال خيوطها متشابكة وأسرارها غامضة، عصية على الفهم والاستقصاء
ويقصد القائلون بالرجعة، من عبارة المربع الأول للأزمة، مجال طرح الأسئلة الكبرى المتعلقة بالقضية الجزائرية خلال السنوات التي تلت إقالة الرئيس الشاذلي بن جديد وإلغاء نتائج الدورة الأولى للانتخابات التشريعية التي نظمت في الجزائر سنة 1992، وانتهت بفوز ساحق لمرشحي جبهة الإنقاذ، وهي أسئلة تتعلق في مجملها بدور قائدي الإنقاذ في تلك الفترة الحاسمة، ومدى مسئوليتهما عما جرى لاحقًا.
والبين أن عودة الشيخين مدني وبلحاج، بدت وكأنها غير مكتفية بإعادة الجزائر إلى مربع طرح الأسئلة الكبرى الخاصة بالأزمة فحسب، بل كذلك إلى إعادتها إلى حالة الانقسام السياسي والشعبي حيال الوجهة التي يجب أن تأخذها البلاد في المستقبل، فقد تأكد لدى المتابعين إلى حد كبير أن الشيخين لم يفقدا برغم الغيبة الطويلة نسبيًّا تعاطف وحنين جزء كبير من الشارع الجزائري لهما، بمقابل ديناميكية القطب السياسي والفكري الذي يرى فيهما خطرًا على البلاد وتهديدًا جديًّا لمكتسبات الحداثة فيها.
لقد سجلت وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية في غالبيتها، ملامح ذلك الانقسام في اليوم نفسه الذي غادر فيه الشيخ علي بلحاج سجن مدينة البليدة، ورُفعت فيه الإقامة الجبرية عن رفيقه في الرحلة السياسية الشيخ عباس مدني، ففي اللحظة التي كان فيها الشيخان عاجزين عن تخطي الجموع الكبيرة من المحتفلين برجعتهما، كانت جموع من عائلات ضحايا الحرب الأهلية، تتظاهر أمام مقرات الحكومة الجزائرية؛ احتجاجًا على السماح لقائدي الإنقاذ باستعادة حريتهما
وكان يقدر المحللون أن هذا الانقسام سيأخذ خلال الفترة القادمة أشكالاً أخرى من التعبير والممارسة، وربما تطور إلى أحداث ووقائع لا يمكن لأحد التنبؤ بماهيتها أو تقدير أي مصلحة ستخدم، فقد أثبتت سيرة الحياة السياسية الجزائرية انفتاحها على كافة الخيارات واستعدادها لتقبل كافة المفاجآت
كما كان يرى المحللون أنفسهم أنه ليس بمقدور أحد أن يحدد المدى الزمني الذي يمكن لهذا الانقسام أن يستمر فيه، فبقدر ما بدت أطراف من السلطة حريصة على تحديد الدور الذي يمكن أن يلعبه الشيخان إلى أضيق دائرة ممكنة، من خلال حرمانهما من حقوقهما السياسية والمدنية، على نحو ما بلغا به من قبل الادعاء قبل الإفراج عنهما -ظهرت أطراف أخرى -من داخل السلطة أيضًا- متطلعة إلى استمالتهما والاستفادة من رصيدهما لحسم المعركة السياسية القريبة القادمة، المعركة من أجل الرئاسة

وفاته

وفاته
أعلن المسؤول السابق في جبهة الإنقاذ الإسلامية علي بلحاج عن وفاة عباسي مدني الأربعاء 24 أبريل 2019 في العاصمة القطرية الدوحة، حيث كان يعيش في المنفى.
وقال بلحاج إنه تبلغ بالوفاة من عائلة مدني، مشيرا إلى أنه "توفي في مستشفى في الدوحة بعد مرض عضال".
وأضاف بلحاج الذي شارك مع مدني في تأسيس "جبهة الإنقاذ الإسلامية " إن مدني "أراد أن يدفن في الجزائر، لكن لا أعلم إن كان ذلك ممكنا"، مشيرا إلى أن الأمر يتوقف على السلطات الجزائرية.
وأوردت وكالة الأنباء الجزائرية نبأ الوفاة مشيرة إلى أنه كان يعاني من مرض قرحة المعدة وضغط الدم حيث لازم المستشفى لعدة أيام بقطر.

شارك