فتوى لـ"السيستاني والبنا": التدخين لا يفطر في نهار رمضان

الثلاثاء 23/يونيو/2015 - 08:55 م
طباعة فتوى لـالسيستاني
 
نشر الموقع الإلكتروني للمرجع الشيعي آية الله السيستاني، فتوى جديدة أصدرتها المرجعيات الشيعية، مع حلول شهر رمضان، تبيح تدخين السجائر ومضغ العلك "اللبان" وإتيان المرأة، دون أن يبطل الصوم..
جاء ذلك رداً على أحد السائلين، حيث قالت الفتوي: إنه يجوز للصائم تدخين السجائر في نهار رمضان، لأن دخانها لا يُفطر، وليس طعاماً يدخل الجوف، فيما اشترط المرجع الشيعي آية الله محمد صادق الصدر، ألا يدخن الصائم أكثر من 3 سجائر.
كما أجاز السيستاني مضغ "العلك" في نهار رمضان، في حين أجازت فتاوى أخرى إتيان المرأة، دون أن يفسد صومها، وليس عليها الغسل، وفقاً لباب النكاح في كتاب "الكافي"، أحد الكتب الأربعة المعتمدة لدى الشيعة الاثنا عشرية..
تلتقي هذه الفتوى الشيعية بفتوى قديمة للمفكر الاسلامي جمال البنا والتي أثارت في حينها جدلًا واسعًا بين الفقهاء المعاصرين.
ويوجز البنا رأيه بقوله " قيام الصائم بالتدخين في نهار رمضان لا يفطره، فلا يكلف الله انسانا ما لا طاقة له به، وإذا كان هناك نوع من العنت والحرج في أن يدخن وهو صائم، فنقول لا عنت في الدين ولا حرج". مضيفا: بقدر ما نؤمن بحرية رأينا بقدر ما نعطي الآخرين أيضا حرية الرأي.
ويشير إلى أن عبارة "شرب الدخان" هي التي جعلت الفقهاء يعتبرونه مفطرا على أساس أنه من الشراب مع أنه ليس سائلا، وعلى هذا الأساس اعتبرته الحركة النقابية في مصر مادة غذائية عندما وضعت شركات الدخان ضمن نقابة الصناعات الغذائية.
وتوقع البنا حينها أن يثير قوله جدلا بين الفقهاء، معتبرا أن أحدا لم يعالجه من قبل، ومشيرا إلى عالم أزهري ظهر في الأربعينيات اسمه "الشيخ بخيت" وقال إن الصيام ليس فرضا على من لا يقدر عليه، فثارت ثورة الأزهر وتم تحويله إلى المحكمة.

التدخين مفطر بإجماع الفقهاء:

التدخين مفطر بإجماع
وردًا على ذلك قال الشيخ الدكتور أحمد طه ريان عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق بجامعة الأزهر وأستاذ الفقه المقارن بقوله "التدخين فيه إحساس وشهوة، أي أنه مادة تشتهى، ومن ثم فإن المدخن لو ظل فترة طويلة بدون تدخين، يجد حواسه كلها متطلعة لهذا الشيء، وتشم أي رائحة من الدخان ولو كانت تأتي من بعيد.
وتساءل: من الذي قال إن التدخين معنوي؟.. إنه مادي، لأن فيه ذوقا واحساسا ورائحة. فهل ينكر أحد الاحساس بالتدخين ورائحته وان فيه ذوقا. إذا كانت هذه الأمور لا تنكر فكيف يقال إنه معنوي، مع أن الشيء المعنوي هو الذي لا يحس ولا يذاق ولا يشتهي. هذه مغالطة ونوع من التخريب لأنه كلام في أمر محل اتفاق من الفقهاء جميعا منذ ظهور التدخين.
واستطرد أن الفقهاء اختلفوا عند ظهوره عما إذا كان حلالا أو حراما أو مكروها، ولكن بعد التجارب المعملية التي أجريت عليه وتوصلت إلى أنه مسبب لأمراض كثيرة وأخطرها سرطان الرئة وسرطان الحبال الصوتية.. الخ. أصبحت الآن محل اتفاق من العلماء على انه حرام.
واعتبر د. ريان أن القول بأن التدخين لا يفطر الصائم، ليس قولا علميا ولكنه نوع من التخريف والمغالطة، لأن الفقهاء متفقون على أنه من المفطرات، ولا مجال هنا للاحتجاج بأن ذلك لم يرد في السنة التي مضى عليها 1400 عام، بينما التدخين حديث العهد، يعني من حوالي مائتين أو ثلاثمائة سنة، وهذا الاحتجاج هو نوع من المغالطة أيضا. وقال د. ريان: يكفي اتفاق الفقهاء على كونه مفطرا للصائم، فلا يوجد الآن بين فقهاء العصر من يقول بغير ذلك.

الدخان شيء مادي:

الدخان شيء مادي:
كما اشار حينها العالم العراقي المعروف الشيخ د. أحمد الكبيسي استاذ الشريعة الإسلامية إلى أن هذا الكلام ليس جديدا، وكان قد كتبه أحد علماء القرن التاسع عشر واسمه ابن عابدين، وهو من علماء الحنفية وكتابه معروف عند العلماء وفي المكتبات، وقد قال إن التدخين عبارة عن هواء، لكن هذا رأي.
وقال: أظن أن قائل هذا الكلام ليس مدخنا، فالمدخن عنده أن هذا "النفس" الذي يأخذه أكثر إرواء له من الماء ومن العصير والطعام، فهو ليس هواء بل شيئا ماديا مثل المخدر، ومن أمثلة ذلك أشياء يتم شمها، ويطلق على من يفعل ذلك في مصر "شمام" وهو يشتم شيئا فيسكر.

رأي قديم لم يلتفت له العلماء:

ويرى الشيخ الكبيسي أن ما قاله جمال البنا على كل حال هو رأي، لكنه رأي ساقط وليس له اعتبار، وإذا أراد إحياءه من جديد فهو حر وليكن بشأنه نقاش، فينبغي أن نناقش الأمور بحيوية وحرية، بدلا من أن يفتي الشخص بفتوى ولا يريد من يعترض عليه، مثل الذي يتصور أن سماع الغناء أكثر حرمة مما لو كان قد قتل أو زني، مع أن نصف علماء الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين قالوا إنه حلال إلا إذا كان فيه فساد، أي خلاعة ومجون.
ويضيف: يجب مناقشة الموضوع بحرية، متسائلا عن أدلة من يقول بأن التدخين حرام وأنه كمثل الذي يزني بأمه.. من الذي قال هذا الكلام، فلا دليل واحد على أنه حرام. ليناقش الناس بحرية هذا الكلام الذي قاله قديما ابن عابدين من حوالي 700 سنة ولا يزال قابلا للنقاش ما بين رأي يقول إن التدخين مثل الهواء الذي لا يفطر لأن المفطر لا بد أن يدخل المعدة، وبين آخر يقول إن نفس الدخان عند المدخن يساوي عمره فهو يرويه، اذن هو مفطر. 
وطالب الكبيسي أيضا بمناقشة هل التدخين حلال أم حرام، فالحقيقة أنه لا دليل واحد على أنه من محرمات الطعام التي تشمل الميتة والدم ولحم الخنزير.. الخ. ولم تشتمل على شيء آخر غير ذلك المذكور في القرآن الكريم، لكن هل من المصلحة أن نقول هذا بينما العالم كله يحارب التدخين؟.. أنا أرى أن نترك الناس يقولون إنه حرام حتى لا يدخنوا أو يتركوا التدخين.
وأوضح أن التمسك بالآراء الساقطة الشاذة التي تركها المسلمون واهملوها هي نوع من أنواع الشهرة الرخيصة، فهذا الكلام الذي قاله ابن عابدين في زمانه لم يعره أحد التفاتا أو اهتماما.
وحين سؤاله: لو أن صائما في رمضان قام بالتدخين أخذا بكلام جمال البنا فما حكم صيامه؟.. أجاب الشيخ الكبيسي: إثمه يقع على من أفتاه.. "فكل من سمع قولك فهو في رقبته، فإذا كان حلالا فأنت مأجور وإذا كان خطأ فأنت تذهب إلى جهنم وهم ليس عليهم شيء".

الأحكام لا تقوم على تعبيرات عامة:

الأحكام لا تقوم على
وكان جمال البنا كتب مقالا في جريدة "المصري اليوم" الأربعاء 6/9/2006 قال فيه إن "الشائع والمنتشر أن التدخين يبطل الصيام، ومن دخن سيجارة واحدة أو حتي أخذ نفساً اعتبر مفطراً". مضيفا "الغريب أن هذا الحكم وصل إلي حد الإجماع الذي لا يسأل عنه، كأنه بديهية، وأعتقد أن المسئول عن ذلك هو التعبير العامي الشائع عن "شرب السجائر"، وبديهي أنه مادام شرباً فإنه يبطل الصيام".
واستطرد البنا: هذا التبرير، الذي يبدو بديهياً هو مما لا يصلح في الفقه، فمتي كانت الأحكام تقوم علي تعبيرات عامة، والتعبير نفسه غير سليم، ولا يشفع له الانتشار والشيوع لأن الدخان لا يشرب، ولكن يستنشق لأنه ليس سائلاً.
مع هذا فيبدو أن هذا السبب هو عدم إشارة الكتب والمراجع الحديثة إلي مبرر تحريم تدخين الدخان، فقد جاز الأمر علي العلماء، كما جاز علي العامة وقد جاء اليوم الذي نحقق فيه هذه القضية.
وقال: نحن لا نجد بالطبع لا في القرآن الكريم، ولا في السنة، ولا في المراجع التي كتبت في القرون الهجرية الثلاثة أي إشارة إلي تدخين، وهذا أمر مسلم به بالطبع لأن التدخين إنما ظهر بعد نزول الرسالة بأكثر من ألف عام، فلا يمكن أن نرددها نحن الآن.
وجاءت النصوص مقصورة على الأركان الثلاثة: الامتناع عن الأكل، والشرب، والمخالطة الجنسية. والصيام شعيرة من شعائر العبادة، والعبادة لها طبيعة خاصة أشار إليها الفقهاء وتحدث عنها ابن تيمية فقال: "إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم". فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع.
وواصل البنا: اما "العادات" فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيها عدم الحظر، فلا يحظر منها إلا ما حظره الله سبحانه وتعالي، وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله، "والعبادة" لابد أن تكون مأمورا بها، فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه بأنه محظور؟
ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله، وإلا دخلنا في معني قوله تعالي: "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" (الشوري ٢١)، والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرمه الله، وإلا دخلنا في معني قوله تعالي: "قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حرامًا وحلالاً" (يونس ٥٩).
واعتبر البنا في مقاله أن "أصل الإباحة لا يقتصر على الأشياء والأعيان، بل يشمل الأفعال والتصرفات التي ليست من أمور العبادة، وهي التي نسميها العادات أو المعاملات، فالأصل فيها عدم التحريم، وعدم التقيد إلا بما حرمه الشارع وألزم به، وقوله تعالي: "وقد فصل لكم ما حرم عليكم" (الأنعام ١١٩) عام في الأشياء والأفعال.
ولوحظ أن القرآن يندد بكل من يحرم أو يحلل من تلقاء نفسه: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون علي الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون" (المائدة ١٠٣).
وأوضح قائلا: ويشتد هذا عندما يكون بتحريم ما لم يحرمه الله، لما في هذا من العنت والضيق بالناس، مشيرا إلى أن السنة النبوية أكدت هذا المعنى فقال الرسول فيما معناه ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، وقال في صيغة أخري الحلال ما أحله الله في كتابه، والحرام ما حرم في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا لكم، وقال أيضا "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان، فلا تبحثوا عنها".. وقوله "إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم علي المسلمين فحرم عليهم لأجل مساءلته".

الفقهاء يريدون الأحكام الجامعة المانعة:

وانتهى البنا إلى أن "هذه الآيات والأحاديث تعبر أصدق تعبير عن مسلك الإسلام تجاه تحريم ما لم يرد بشأنه نص صريح في القرآن، وإن السكوت عما سوي ذلك لا يعني نسياناً وإنما (رحمة بكم)، ولهذا يفترض ألا يستدرك.
واعتبر أن "منهج الفقهاء غير ذلك وهم يريدون دائماً الأحكام الجامعة المانعة ويحرصون علي ألا تفلت منها فلتة، وعندما أرادوا أن يقعدوا الأكل والشرب "باعتبارهما ما جاء النص عليه"، قالوا: "وصول عين يمكن التحرز منها إلي جوف الصائم من منفذ مفتوح انفتاحاً ظاهراً يحس مع العمد، والعلم بالتحريم والاختيار". فقولهم "وصول عين" خرج به وصول أثر، فلا يضر وصول الرائحة بالشم إلي الدماغ، ولا وصول الطعم بالذوق إلي الحلق من غير وصول عين من المذوق.
وأضاف: قولهم: "يمكن التحرز عنها" معناه: "يمكن تجنبها والابتعاد عنها، وخرج به العين التي لا يستطاع تجنبها، ولا البعد عنها، فلا يضر دخولها الجوف، ولا تبطل الصوم، منها غبار الطريق، وغربلة الدقيق، والذباب، والبعوض، فإذا دخل شيء منها جوف الصائم فلا يبطل صومه لعسر التحرز عنها". 

الدخان هواء لا يمكن الاحتراز منه:

الدخان هواء لا يمكن
وقال البنا: هذا التعريف لا ينطبق علي الدخان لأنه ليس "عيناً" فهو هواء، وهو يمتزج بالهواء الذي لابد وأن يستنشقه الإنسان فلا يمكن الاحتراز منه، فضلاً عن أنهم تقبلوا دخول الرائحة بالشم إلي الدماغ.. "وهل يفعل المدخن إلا هذا"؟.. أو الطعم بالذوق إلي الحلق، أما العلم بالتحريم والاختيار، فلا يوجد تحريم سابق، ولا يعتمد تحريم الفقهاء علي تحريم سابق لأنه لا يوجد في كتاب أو سنة أو مرجع قديم.
وأضاف: لا أريد أن أدخل في مساجلة مع العلماء لأن هذا يخالف منهجي، ولكنني أقول: إن صدور تحريم يسري علي الملايين دون الاستناد علي نص صريح من قرآن وسنة، ولكن علي أساس الاجتهاد بجعل حكمهم قابلاً للخطأ، فضلاً عن أن هذا جاء في أمر عبادي يكون الوضع الأمثل هو التوقيف، فلا زيادة ولا نقصان، كما أنه يخالف روح الإسلام الذي يؤثر التيسير ويعزف عن التعسير والتضييق الذي يوقع الدين في حرج، وقد يجاوز إطار الطاقة والوسع.

اجتهاد بشري لا يعتمد على نص:

اجتهاد بشري لا يعتمد
ورأى البنا "أنه حكم بني علي اجتهاد بشري في استخلاص الحكم دون وجود نص صريح، بل وجود نصوص صريحة تخالف الاتجاه الذي ذهب إليه الحكم، ولا يقال هنا: إن التدخين ضار بالصحة، وإن من الخير الإقلاع عنه أصلاً فنحن هنا نتحدث عن حلال وحرام أنزله الله، والإسلام لم يطلب من الناس أن يبلغوا الغاية، أو أن يتقوا الله حق تقاته، وإنما رضي منهم أن يبذلوا الوسع وأن يأتوا منه ما استطاعوا، وقد دلهم علي طريقة التعامل مع الضعف البشري بأن يقدموا ما يمكنهم لتعويض ما لا يمكنهم".
وأشار جمال البنا الذي كتب ملاحظة في نهاية مقاله بأنه لا يدخن، إلى أن للقضية جوانب خاصة وسيكولوجية واجتماعية، كما تخضع لروح العصر، لذلك لم تصل الحملات على التدخين لأن تغلق شركات السجائر أبوابها، فلا داعي للتعنت باسم الشريعة وتحميل الشريعة ما لا تتحمله أصولياً.

شارك