نحو مستقبل أفضل لعالم مزّقته الحروب

الخميس 11/فبراير/2016 - 10:04 م
طباعة
 
في تقرير حديث كشف عن هجرة 45% من الشعب السوري جراء الحرب المشتعلة منذ 2011، كما تكبدت سوريا 226 مليار دولار خسائر اقتصادية، إلى جانب مقتل واصابة 11.5 % من تعداد الشعب السوري خلال هذه الأزمة، طبقا لتقرير المركز السوري لبحوث السياسات صدر اليوم بعنوان الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة في سورية عام 2015، "مواجهة التشظي"، بالتعاون مع معهد عصام فارس للسياسات العامة، بالجامعة الأمريكية فى بيروت.
أعتقد أن مثل هذه الأرقام لها دلالة مهمة وتستحق الرصد والتوثيق، ومتابعة تداعيات ما جاء بهذا التقرير الذى تطرق لكثير من تفاصيل الحرب المشتعلة منذ خمس سنوات وفشلت المحاولات السياسية فى إيجاد الحلول المناسبة لها، فى ظل تضارب المصالح الغربية حول مكافحة التنظيمات الارهابية، ومساندة الجماعات المسلحة التى يعتبرها البعض "معتدلة".
وكان من اللافت للنظر أن التقرير يقدر عدد ضحايا الحرب بنحو 470 ألف ما بين قتيل وجريح، بالرغم من أن تقارير الأمم المتحدة وغالبية التقرير الاعلامية تعتمد سقوط 250 ألف قتيل حتى الآن، دون أن يتسنى لنا معرفة أيهما أدق فى هذا الأمر، إلا أن ما كشف عن التقرير من معلومات تعد خطيرة للغاية، فالتدقيق فى الأرقام المعلنة سيظهر أن 45% من السوريين غير موجودين بالداخل حاليا، يضاف لهم 11% ما بين قتيل ومصاب، وهو ما يعنى أن ما تبقي من الشعب السوري منذ الثورة المشتعلة فى 2011 هم أقل من 45% من السكان!
ويبدو أن تداخل المصالح يعقد المشهد الراهن فى سوريا، وما يترتب عليه من تنامى الجماعات الارهابية فى الشرق الأوسط وشمال افريقيا، فتنظيم الدولة الاسلامية "داعش" تمدد من سوريا والعراق إلى مصر وليبيا وتونس واليمن، وأصبح يقوم بتنفيذ عمليات ارهابية مباشرة، فى الوقت الذى فشلت فيه غارات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة فى القضاء عليه، وبالرغم من وجود أقوى الجيوش العالمية فى التحالف إلا أن هذه الجيوش مجتمعة لم تستطع حتى الآن مواجهة التنظيم المتطرف فى معضلة لم يتم الكشف عن أسبابها حتى الآن!
والغريب فى الأمر هو انصياع الغرب وراء الدعوات التركية بشان ضرورة الضغط على روسيا لوقف غاراتها فى سوريا والتي بدأت فى 30 سبتمبر الماضي، ومحاولة تحميل هذه الغارات مسئولية زيادة الفارين والنازحين من جحيم الحرب الأهلية إلى تركيا وأوروبا، واتهام موسكو صراحة باستهداف المعارضة السورية وليس تنظيم داعش، وهو ما برز فى اتهامات المستشارة الالمانية  أنجيلا ميركل وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة بان كى بون لموسكو بانها السبب فى تدفق المهاجرين واستهداف المدنيين!
يبدو أن هناك محاولة متعمدة لتفتيت الدولة السورية والمتاجرة بهموم أبنائها، ووسط المعارك المشتدة بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة من جانب والجماعات الإرهابية من جانب آخر لم يكن هناك صوت مسموع لمنظمات الإغاثة العالمية حول نجدة السوريين وتوفير مناخ آمن لهم، بل أن ألمانيا التى فتحت أبوابها لاستقبال اللاجئين عادت لتتخذ قرارات جديدة للحد من هذا التدفق، كما شرع عدد من الدول مثل النمسا فى تحديد الحد الأقصى من اللاجئين للوصول إلى أراضيها، في الوقت الذى سنت فيه الدانمارك قانونا للحصول على مقتنيات اللاجئين الثمينة فى خطوة لتقليل الأعداد التى تصل إليها، وهي إجراءات لا تتناسب مع صرخات الإغاثة الصادرة من الغرب التى تزعم ضرورة التعامل الإنساني مع هموم اللاجئين.
وفي الوقت الذي تقدم فيه تركيا المساعدة لتنظيم داعش من خلال تجارة النفط، كما تعمل على تزويد المعارضة بالسلاح، تحصل على أكثر من 3 مليار يورو من الاتحاد الأوربي تحت بند توفير مناخ أفضل  للاجئين الفارين من جحيم الحرب السورية، ومنع تدفقهم إلى أوروبا فى الوقت الذى يحتضن كل من  الأردن ولبنان ومصر والمغرب ملايين اللاجئين السوريين ولكنهم لا يحصلون على ربع هذه المبالغ، بالرغم من الصرخات الاردنية بصعوبة الأوضاع هناك وتهالك الاقتصاد الأردنى، وكذلك أزمة لبنان الكبرى فى ظل اختناق الاقتصاد وعدم توفر أى موارد مناسبة تساعد هذا البلد على تخطى هذه الأزمة فى ازدواجية كبري غير مفهومة!
أعتقد أنه من المهم أن يكون التقرير الذي صدر اليوم بداية مهمة لفهم تداعيات الأزمة السورية وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع السوري، وتداعيات ذلك على دول المنطقة، وأن يتم تحليل ما ورد من معلومات والتأكيد من توثيقها، على ان تهتم مراكز البحوث العربية بوضع سيناريوهات التعامل مع هذه الأزمة التى أصبحت محل تنافس بين القوى الغربية حسب المصالح متناسين أوجاع وهموم السوريين أصحاب المشكلة نفسها، مع متابعة هذا النوع من التقارير والدراسات لتحقيق أقصي استفادة ممكنة، فلم يعد من اللائق أن تعمل مثل هذه المراكز على إعداد دراسات لتقديمها إلى مؤسسات غربية أو نشرها بوسائل الاعلام الأجنبية دون أن يستفيد أصحاب المصلحة بذلك ودون أن يعود عليهم بالنفع، وإلا فلا فائدة من هذه الدراسات التى ربما يعتبرها البعض تطويعا لمصالحه وأجندته، مع اشراك وسائل الاعلام ومراكز البحوث العربية ومراكز التفكير think tank  والجامعات ومنظمات المجتمع المدني من أجل مستقبل أفضل لعالم عربي مزقته الحروب الأهلية والطائفية والتدخلات الخارجية!     

شارك