(البطريرك الثاني والأربعون).. سيمون الأول.. محاولة الاغتيال بالسم

الخميس 27/أكتوبر/2016 - 02:35 م
طباعة (البطريرك الثاني
 
تتناول هذه النافذة، تاريخ مشيخة الأزهر، وتاريخ بطاركة الكنيسة المصرية من خلال التسلسل الزمني.. بغرض التعرف عن قرب على تاريخ الأزهر الشريف والكنيسة المصرية، والأدوار الدينية والاجتماعية والسياسية والفكرية لهؤلاء الأعلام (المشايخ والبطاركة)... باعتبار ذلك جزءًا أصيلًا وفاعلًا من تاريخ مصر
بعد وفاة البطريرك إسحاق اهتم الشعب وكهنته فيمن يقدمونه على كرسي البطريركية. وصار خلاف بين كهنة بيعة مار مرقس الإنجيلي وكهنة بيعة الإنجيليين في المدينة، بعضهم كان يزكي يوحنا الايغومانوس بدير الزجاج؛ حيث إنه رجل عالم وكاتب، وبعضهم يزكي بقطر الإيغومانوس بدير نفر؛ حيث إنه رجل فاضل، ومال الكتاب الأقباط إلى رأي كهنة البيعة الكبيرة بيعة الإنجيليين؛ حيث كان بها مائة وأربعون كاهنًا.
ولكن الفريق الأول الذي رشح يوحنا كان يساعده الكاتب المسئول، وقد كتب تادرس أرخن مدينة الإسكندرية إلى الوالي يذكره أن يوحنا الإيغومانوس بدير الزجاج هو الذي وقع عليه الاختيار ليكون بطريركًا، ولكن إرادة الله لم تصادق على تعيين هذا أو ذاك، بل أقامت رجلًا قديسًا خائفًا الله فاضلًا وعالمًا يدعى سيمون، سرياني الجنس- ينتمي لسوريا- أرثوذكسي المذهب، جاء به أبواه إلى الإسكندرية منذ صباه، ودفعاه إلى الدير إكرامًا لجسد القديس ساويرس البطريرك الأنطاكي الذي كان مدفونًا في أيام البابا أغاثون. فأخذ تادرس أرخن الإسكندرية سيمون إلى يوحنا إيغومانوس دير الزجاج ليدرس له العلوم.
فنال قسطًا وافرًا حتى أحس البابا اغاثون بأنه لائق لدرجة الكهنوت. فرسمه قسًّا.
فطلب الأمير من يوحنا أن يذهب إليه ومعه تلميذه سيمون وبعض كهنة الإسكندرية والأرخون تادرس، وقد سر الأمير بالقديس سيمون حيث كان بهيّ المنظر وسأل الأساقفة عنه، فأقروا بأنه حسن السلوك وأظهر موافقته على تعيينه بطريركًا. وكان اسمه قبل الرسامة سمعان ولأنه سريانى الجنس فكان لقبه المعروف به هو سيمون السرياني.
ثم مضوا به وقدموه على الكرسي في بيعة الإنجيليين في 23 كيهك سنة 409 ش. الموافق 19 ديسمبر سنة 692 م. في عهد خلافة عبد الملك بن مروان، ونظرًا لمحبة سيمون لمعلمه يوحنا فقد عينه وكيلًا له ومتصرفًا واستمر يسير على نصيحته خلال الثلاث سنوات التي عاشها مع البابا سيمون، حتى انتقل يوحنا للأمجاد السماوية، وكفنه البابا بنفسه ووضع يده على عينه وأخذ بركته ودفنه، وقام عنده أربعين يومًا وبنى له قبرًا بالمرقسية بالإسكندرية.
ولقد كتب البابا سيمون الأول مذكرة إلى يوليانوس بطريرك إنطاكية وأرسلها مع الأساقفة مقترحًا فيها الاتحاد بين الكرسيين الإسكندري والأنطاكي، ولما وقف عليها بطريرك انطاكية وجدها مملوءة من الحكمة والعلم، فأصبح يذكر في بيعته اسم البابا سيمون الأول وأعاد رسله بإكرام وفرح عظيم.. وبقى البطريرك الأنطاكي يحافظ على نواميس الرهبنة كما لو كان في ديره، وكان البابا سيمون متقشفًا فكان غذاؤه خبزًا وملحًا مخلوطًا بكمون وبقل وماء، وقيل أنه لم يأكل لحمًا قط، وكان دائمًا منفردًا.
وإذا قابل الأساقفة والكهنة كان ينصحهم بالنسك والتقشف ويوبخهم على عيشة الإفراط التي كانوا يعيشونها، حتى إن بعض الكهنة العالميين أبغضوه وتآمروا عليه لقتله، ومضى قوم منهم لبعض السحرة فركَّبوا لهم سمًّا قاتلًا ووضعوه في الإناء الذي يشرب منه، وكان قد تناول من الأسرار الإلهية، فلم ينله سوء وكرروا المحاولة مرة أخرى، فلم ينله أي أذى وتم قول الإنجيل "يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ، وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئًا مُمِيتًا لاَ يَضُرُّهُمْ" (إنجيل مرقس 16: 18). ثم جعل الساحر والكهنة سمًّا مميتًا في طعامه فتحركت أحشاؤه عليه، فلزم الفراش واستمروا أربعين يومًا ينتظرون موته ولكنه قام صحيحًا مُعافى.
ولما جاء الوالي وسمع بذلك الخبر أمر بِحَرْق من دبروا السم للبابا، وكانوا أربعة كهنة والساحر معهم وأخرجوهم إلى موضع يسمى الفاروس ليحرقوا، وهناك ركع البابا أمام الوالي وطلب منه أن يعفو عنهم فعفى الوالي عن الكهنة وأحرق الساحر.
وحدث أن الأساقفة اجتمعوا عند الوالي للبحث في بدعة الطلاق التي تفشت بين أغنياء الأقباط، وكان بينهم أساقفة من أتباع الهراطقة ثاوفيلسطس الخلقيدونى وتاودرس الاوطاخي وجرجس البرسنوفي وغيرهم.
وبينما كانوا مجتمعين في أحد الأعياد شنع الوالي بأنهم كفرة يجعلون لله زوجة وولدا، ثم عيرهم بعدم اتفاقهم، والتفت إلى كل من الثلاثة الأساقفة الهراطقة وسأل "مَنْ هؤلاء الثلاثة الأساقفة؟" ثم سأل البابا سمون عنهم فقال: "لا أحب ولا أقترب من واحد من هؤلاء وأنا أحرمهم وأحرم هرطقتهم واعتقاداتهم المرذولة" فصادق الجميع على كلامه وأجابوا أن قوله هو الصواب.
وحدث بعد ذلك أن المسيحيين ببلاد الهند اعتادوا أن يرسلوا إلى بطريرك إنطاكية ليرسم لهم مَنْ هم في حاجة إليهم من الأساقفة، ولم يتمكنوا من الوصول إليه لوجود موانع في الطريق. فجاء وفد منهم إلى الإسكندرية للبابا سيمون يطلبون منه أن يقيم أسقفا للهند، فخشي البابا بأس الوالي، واعتذر بأنه لا يمكنه ذلك بدون إذن الوالي. فخرج الوفد من عنده فاجتمع قوم من اتباع بطريرك الملكين وأخذوا رجلًا من مريوط ورسمه لهم أسقفًا ورسم لهم كاهنين وأرسلهم سرًّا إلى الهند.
وبعد أن ساروا عشرين يومًا قبض عليهم في الطريق قوم من العرب، فهرب القس الهندي وعاد إلى مصر ومضوا بالثلاثة موثقين إلى الخليفة مروان في دمشق، ولما عرف أنهم من مصر أرسلهم إلى ابنه عبد العزيز وإلى مصر موبخًا إياه لعدم معرفته الأمور الجارية في بلدة، وأخبره بأن البطريرك المقيم بالإسكندرية بعث بأخبار مصر للهند، وأمره بأن يضرب هذا البطريرك مائتي سوط، وأن يغرمه ألف دينار يرسلها له بسرعة مع الرسل الموفدين إليه.
فوصلت الأخبار إلى عبد العزيز في الساعة الثانية ليلًا، وكان البابا سيمون بحلوان مع أحد الأساقفة، فأرسل الوالي واستحضره لديه مع اثنين من كتبته وهدده بالقتل أن لم يعترف بالحقيقة، فقال له: "إن قسًّا هنديًّا جاء يطلب منه إقامة أسقف فامتنع من أن يفعل ذلك دون إذن الوالي، فلم يصدقه الوالي بل زاد في تهديده، وأخبره بأن الخليفة اتصل بالوالي وحكم على بطريرك الإسكندرية بالجلد والغرامة! ولكن البابا لم يخبر الوالي بما فعله بطريرك الملكيين لئلا يوقعه في بليه شأن المسيحيين، وكان الوقت ليلًا، فطلب البطريرك من الوالي مهله سبعة أيام ليدعو الله ليكشف عن الحقيقة، وأفاد البطريرك الوالي بأن يطلب نفس الأشخاص الذين قبض عليهم ليخبروه أن الذي أرسله شخص غيره، فقال له الوالي: "أنا لا أعرف بطريركًا بالإسكندرية سواك، وليس لديَّ عِلم ببطريرك الملكيين". وأعطى الوالي مهله للبابا البطريرك ثلاثة أيام فقط. فخرج من عنده وسأل الله بدموع أن يظهر براءته، وعند مغيب الشمس لليوم الثاني نظر أحد كتبة البطريرك القس الهندي ماشيا على شاطئ البحر، فمضى به للبطريرك في اليوم الثالث للوالي، والتمس منه أن يعفو عمن يقع عليهم العقاب عند ظهور الحقيقة، فواعده الوالي بالعفو فقدم له البابا القس الهندي، فأعلمه بكل ما حصل. ولما علم الأمير الحقيقة وتحقق منها أرسل القس الهندي إلى السجن، وطلب بطريرك الملكيين وكتب إلى أبيه يخبره بأنه لا ذنب لبطريرك النصارى، وطلب البطريرك من الوالي أن يعفو عن المذنبين كوعده. فعفى عن الهندي وبطريرك الملكيين وأطلق الأساقفة إلى كراسيهم، وأمر لهم أن يبنوا بيعتين بحلوان ووكل الوالي أسقف القدس بتشييدهما.
ورسم البابا سيمون الأول جمله أساقفة منهم الأنبا زكريا أسقف سخا والأنبا أطلموس أخوه أسقف منوف العليا وغيرهما، وكان في حلوان وطلب منه تلميذه أن يذهبا إلى وادي هبيب (واد النطرون) لأخذ بركة القديسين، فمضى معه إلى الأديرة ورجعا إلى الإسكندرية. ورقد في الرب 24 أبيب سنة 416 ش. الموافق 18 يوليو سنة 700 م. بعد أن أقام على الكرسي البطريركي سبعة سنين وسبعة أشهر، وكان مركز رياسته الكنيسة المرقسية ودُفِنَ بدير الزجاج كطلبه وهو الدير الذي ترهب فيه، وعاصر فهد عبد الملك بن مروان.

شارك