الأب ميشال الجلخ امين مجلس كنائس الشرق الاوسط : أصعب المشاكل التي تعيشها الكنائس جمعاء هي الهجرة

الأربعاء 16/نوفمبر/2016 - 03:49 م
طباعة الأب ميشال الجلخ
 
كنائس الشّرق الأوسط هي غنى للمسيحيين والمسلمين
إن مجلس كنائس الشرق الأوسط، ومقره في بيروت، العاصمة اللبنانية، هو هيئة دينية تضم العائلات الكنسية الأربعة في الشرق الأوسط أي الأرثوذكسية والأرثوذكسية الشرقية والإنجيلية والكاثوليكية، وللمجلس مكاتب أخرى في القاهرة وليماسول وعمان والقدس.
غاية المجلس العمل على تعزيز روح الوحدة المسيحية بين الكنائس المختلفة في المنطقة، وذلك من خلال توفير سبل الحوار فيما بينها، ومن خلال إقامة الدراسات والأبحاث المشتركة التي تشرح تقاليد الكنائس الأعضاء، وإقامة الصلوات المشتركة لاسيما أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس المسيحية. وتعتبر المدافعة عن حقوق الإنسان والدعوة لتحقيق العدالة والمساواة في المواطنة في دول الشرق الأوسط من أولويات المجلس.
عند تأسيس المجلس في عام 1974م كان يضم كنائس العائلة الأرثوذكسية والعائلة الأرثوذكسية الشرقية والعائلة الإنجيلية، ولاحقا، أي عام 1990م انضمت العائلة الكاثوليكية للمجلس بكنائسها السبع الموجودة في المنطقة.
عن عمل المجلس، التقت أليتيا في روما أمين عام المجلس المنتخب حديثًا الأب ميشال الجلخ في دير مار اشعيا للرهبانية الأنطونية التي ينتمي اليها الأب جلخ.
 
بداية، سألنا الامين العام عن لقاء هافانا الذي جمع البابا فرنسيس والبطريرك كيريل وما هو تأثير هذا اللقاء على نمط العمل الجديد للمجلس؟
ليس هناك إرتباطاً مباشراً للقاء مع مجلس كنائس الشّرق الأوسط، على الرغم من اننا نعوّل على تأثيره على كنائس الشّرق الأوسط.
الا ان لهذا اللقاء أهمية كبرى لأنه يشرّع آفاقًا جديدة بما يخصّ وحدة الكنائس على الصّعيد العالمي خصوصًا. فالكنائس الأرثوذكسية في العالم مرتبطة ببعضها البعض على الرّغم من الاستقلالية البنيوية والتنظيمية التي تتمتع بها حيث تجمع هذه الكنائس الأربعة عشرة شراكة لا يمكن صرف النّظر عنها، وهذه الكنائس تتأثّر ببعضها البعض وبالكنيسة الرّوسيّة على وجه الخصوص. لقاء الحبر الأعظم بالبطريرك كيريل اذن وتداولهما قضية كنائس الشّرق الأوسط والإضطهادات التي تعيشها والعذابات التي تعانيها هو أمر بغاية الأهميّة. هذا، وإن قضيّة المطرانين المختطفين لم تغب عن هذا اللّقاء التّاريخي.
 
إن سيف الهجرة لا يزال مسلّطًا اليوم على كنائس الشّرق ليستنزفها، هل هناك خطّة عمل للحدّ من هذا الأمر؟ وما هي القضايا الجوهرية الأخرى التي تعاني منها كنائس الشّرق اليوم؟
أصعب المشاكل التي تعيشها الكنائس جمعاء، دون أي تفرقة، هي هجرة المؤمنين ومغادرتهم لأوطانهم الأم. إن أبناءنا يغادرون الأرض التي ولدوا فيها. هذا الأمر يلوي ذراع، لا الكنائس وحدها، وانما أيضاً الدول والحكومات والمنظمات العالمية.
أمّا عن دور الكنائس وسط أزمة الهجرة فإنها تحرص على إيصال الكلمة. فالكلمة هي سلاحنا الوحيد حيث تسعى الكنائس جاهدةً لإيصال صرختها الإنسانية أمام تشتت أبنائها وابتعادهم عن ذوييهم. إضافة إلى ما تقدّم، تحاول كنائس الشّرق نقل الألم والعذاب الذي يعيشه المؤمنون بأعلى صوت. مع العلم أنه لا يوجد سلاح أو مبالغ طائلة من المال بيد الكنائس.
والدليل على ذلك هو البيان الختامي الذي صدر عن الجمعية العامة لمجلس كنائس الشّرق الأوسط وقد وردت فيه مناشدة لكل الرؤساء والمسؤولين ومطالبة لتشكيل هيئة مصغرّة من مهامها زيارة المسؤولين الرّوحيين المسلمين منهم والمسيحيين، إضافة إلى أصحاب القرارات على الصّعيد الوطني والإقليمي والعالمي لشرح الوضع المسيحي والألم الذي تعاني منه الكنائس.
ولكن، وباختصار فإن سلاح كنائس الشّرق يبقى الكلمة.
 
لا يخفى على الجميع الإضطهاد الذي عانى ولا يزال يعاني منه مسيحيو العراق، سوريا، لبنان وغيرها من بلدان المنطقة. هذا الإضطهاد لا شك ساهم في إزدياد هجرة المؤمنين. إلى متى تُستنذف كنائسنا؟
للأسف من الصّعب جدًّا إيقاف هجرة المسيحيين من العراق، فلسطين، سوريا، لبنان وغيرها من دول المشرق. هذا ولا يمكننا فصل معاناة هذه الكنائس عن بعضها البعض، ولا حتى عن مجتمعاتها وبيئاتها، فهي بمثابة مكوّن واحد لا يمكن تفرقته. فألم أي مسيحي في أي دولة من دول الشّرق يصيبنا جميعًا أينما كنّا ونحن معنييّون به.
نحن نعيش في وسط الصّعاب ونقدّم وحدة الشهادة الدّم التي تحدّث عنها البابا فرنسيس والبابا تواضروس.
وسط لعبة الأمم التي تأخذ من الشّرق مسرحًا لها، ما هو دور السّياسة الإقليمية في عمل الكنائس؟ وهل إعطاء دور لبطريرك الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا من قبل الكنائس الكاثوليكية يعني إعطاء دور لروسيا على الصّعيد السّياسي؟
لا يمكن أن ننكر دور السّياسة في كل ما يجري حولنا. فالحروب التي تشرذم أوطاننا كلّها سياسيّة، لذلك لا يمكننا سوى العمل على الصّعيد السّياسي للوصول إلى أهدافنا التي نذكر على رأسها وقف الحرب وسفك الدّماء، وبالتّالي وقف الهجرة… كل هذا يحتاج إلى سلام، وكي نصل إلى السّلام لا بد من وجود حوار بين الأطراف المتنازعة.
وهذا السّؤال يقع في مدى فعاليّة الكنائس ورؤسائها على الصّعيد السّياسي. هنا يأتي دور الكنيسة في روسيا التي لها حصّة الأسد في السّياسة الإقليميّة. إن تعاون هذه الكنيسة والفاتيكان هو حاجة لمسيحيي الشّرق الأوسط كي لا يتيهوا في موجة التّغيير مع وجود كل هذه الدول والجماعات الكبيرة. على الكنائس أن تضمن لنفسها دوراً وصوتاً في “الشّرق الأوسط الجديد” الذي يتم الحديث عنه لا أن تذوب فيه وتختفي.
بالحديث عن هذا التّقسيم الجيوسياسي المُرتقب هل يقف المسيحيون أمام المجهول أم أنّهم يعرفون جيّدًا ماذا يريدون؟ وبسياق متّصل لماذا نلمس رفضًا لدى كنائس الشّرق لقيام كيان مسيحيّ موحّد ضمن وطن واحد. هذا الرفض ظهر بوضوح في كلام بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس روفائيل ساكو وراعي أبرشيّة بيروت المارونيّة المطران بولس مطر. ما هو رأيكم كأمين عام مجلس كنائس الشّرق؟
نحن لا نستطيع، لا بل لا نريد، خلق كيان موحّد بقوّة السّلاح وبالإستناد إلى جيش جبّار. هذه ليست المسيحيّة وهذا الأمر يتناقض وتعاليم الإنجيل التي تدعونا إلى المحبّة. إن جوهر المسيحيّة يكمن في العيش مع الآخر وتقبّل إختلافه والتّواصل معه. هدفنا نقل البشارة للآخر دون فرض أو إكراه. المسيح لم يفرض نفسه على الآخرين لا بل دعانا إلى نقل البشارة وإعلانها لا فرضها بالقوّة. لا يمكننا ونحن نقع وسط كل هذه الكيانات القائمة أن نقرر الإنزواء والعيش بمفردنا. مثال على ذلك النّسيج اللبناني حيث نرى أن المسيحيين موزّعين على كامل الأراضي اللّبنانيّة يتشاركون حياتهم مع المسلمين والدّروز وغيرهم… نحن لا نريد خلق دولة مسيحيّة. هذه ليست طبيعتنا وهذا ليس هدفنا.
نحن نريد لشريكنا المسلم أن يعيش براحة أيضًا. نحن كمسيحيين بحاجة إلى العيش مع الآخر. إن الشّرق الأوسط نموذج للعالم الأكبر. لا يمكن أن يكون الشّرق مؤلّفا من لون واحد، أكان مسيحيًّا أم مسلمًا. المسيحيون ليسوا فقط من يعانون ويهّجرون فالمسلمون أيضًا هم في قلب المعاناة حيث يتمّ تهجيرهم من ديارهم.
منذ ثلاثة سنوات إلتقى الرّئيس الأمريكي باراك أوباما ببطاركة الشّرق . للأسف لم تشهد لقاءات مشابهة على عقب هذا اللّقاء. لما لم يتوصّل البطاركة إلى نتيجة ما مع الإدارة الأمريكيّة؟
للحديث عن نتائج هذا اللّقاء لا بد من النّظر إلى ظروفه منذ البداية. لم يتوقّع البطاركة لقاء الرّئيس الأمريكي آنذاك حيث لم يكن الأمر مؤكدًّا. تم اللّقاء على هامش المؤتمر الذي دعت إليه حركة In Defense Of Christians (IDC) . أن نحمل قضيّة الحفاظ على المسيحيين في الشّرق خوفًا من الإنقراض إلى البيت الأبيض ليست واقعية . نحن لسنا أمام إنقراض المسيحيين في الشّرق. نعم إن عدد مسيحيي الشّرق قد تراجع إلّا أن نظريّة الإنقراض ليست واقعيّة ولم تكن في نية البطاركة. المسيحي عنصر فاعل و جوهري في قلب فسيفساء الشّرق. نحن لا ندعو إلى حماية المسيحيين بقوّة السّلاح وهذا ليس المطلوب وسط عالم مدجّج بالأسلحة النّوويّة والفتّاكة.
اللّقاء لم يكن رسميًّا حيث كان من المقرر أن يلتقي البطاركة بمساعدي أوباما فإذ بهم يتفاجأون بانضمامه اليهم. إن اللّقاء لم يكن على مستوى آمال البطاركة أنفسهم. إلّا أن البطاركة لن يستسلموا بل سيحاولون جاهدين إيصال صوتهم خصوصًا لأصحاب النّفوذ العالمي مثال رئيس الولايات المتّحدة الأمريكيّة أو الرّئيس الرّوسي وغيرهما من أصحاب القرارات بحثّا عن منفذ لإيصال كلمتهم.

 ماذا عن وحدة الكنائس في الشّرق؟
إن مطلب توحيد الكنائس مهمّ جدًّا بدءاً من توحيد عيد الفصح (عيد القيامة )والذي شكل سببا من أسباب عدم مشاركة كنيسة أنطاكيا في السّينودس الكبير والمقدّس في كريت حيث لم تندرج مناقشة إحتمال توحيد موعد العيد على مفكّرة أعمال السّينودس.
أفهم لهفة العلمانيين لتوحيد الأعياد. إلّا أن هذا الفارق الزّمني في توقيت الأعياد يظهر جليًّا فقط في لبنان وسوريا حيث عملت البلدان الأخرى على توحيد توقيت الأعياد. لا شك في أهميّة توحيد الأعياد ولكن لا بد من الإشارة إلى أن توحيد الكنائس ليس قرارًا فحسب بل مسيرة توبة وإعادة فحص ضمير دائم من قبل الكنائس. هذه المسيرة بدأت بلقاء جمع الكنائس تلاه حوار فحوار لاهوتي. لا ننكر وجود صعوبات حقيقية من حيث إختلاف الإرث التاريخي والمنطق بين الكنائس، لذلك كانت صلاة يسوع الأخيرة لأجل وحدة أبنائه.
إن المعضلة تكمن في كيفيّة إدارة هذا التّنوع بين الكنائس. ليس مهمًّا تاريخ وصولنا إلى الإدارة المثالية للكنائس بل السّير بالمسيرة هو الأهم. إن وحدة الكنائس هي من ثمار الرّوح القدس لا نتاجًا لمعاهدات او عقود قد يقوم بها البشر.
للبابا فرنسيس اليوم تأثير كبير على هيكليّة الكنيسة الكاثوليكية. أين كاثوليكيي الشّرق من هذا التّغيير؟ هل هناك إستقلاليّة لكنائس الشّرق عن روما أم أن يد الفاتيكان لا تزال موجودة لضمان إستمراريّة هذه الكنائس؟
 لا شكّ في تأثير التّجديد الذي طرحه البابا على هيكليّة الكنائس الكاثوليكيّة في العالم. على الكنيسة أن تكون بتجدد دائم بحسب التّعاليم. إلّا أنّ طرح رأس الكنيسة هذا النّفس المتجدد لا يكفي. بطبيعة الحال لا تسير كنيسة من دون رأس ولكن تحتاج أفكار البابا إلى تطبيق على أرض الواقع وتعاون ما بين المسؤولين الروحيين، وبينهم وبين المؤمنين. تحترم الكنائس في الشرق البابا وتطيعه بشكل رائع ولكن هناك صعوبات داخلية لا يمكن صرف النّظر عنها ومنها وجود نوع من مقاومة داخل الكنائس تجاه أي تجديد بسبب التغيير الذي قد يولّده فيوحي بعدم استقرارية وخوف من المجهول.

 ماذا تقول لمسيحيي الشّرق؟
 في وقت لا يتم فيه الحديث سوى عن الفقر والحروب والنّزوح والصّعوبات وغيرها من المآسي في الشّرق… لا بد أن نتذكّر أن كنائسنا حية ينبض فيها روح المسيح المتجدد؛ غنية بتفاعلها الاجتماعي وإرثها الروحي وتاريخها المجيد. كنائسنا في الشّرق فاعلة وغنية وحيويّة مسيحيًّا ونموذجا في الالتزام الناضج. لا شك في أن الكنيسة تعاني من ألم إلّا أنّه علينا التّذكّر دائمًا بأنّه هناك قيامة بعد الألم.كنائس الشّرق الأوسط هي غنى للمسيحيين والمسلمين وهي تشكل واحة من الأمل والإزدهار وللابداع الفكري والإنساني الخلاق.

شارك