إحميدة النيفر: الإسلاميون لا يفكرون في إتاحة الفرصة للآخر للمشاركة في الحكم وهدفهم الحفاظ على تنظيمهم

الإثنين 11/ديسمبر/2017 - 12:47 م
طباعة إحميدة النيفر: الإسلاميون
 
اكد  الدكتور إحميدة النيفر أحد منظري اليسار الإسلامي أو ما يسمى بالإسلاميين التقدميون  على  أن الحداثة التي عرفناها هي حداثة سهلة؛ منظومات في السياسة. الآن هل يمكن لهذه الفرص الجديدة الحالية أن تتيح للنخب الإسلامية إدراك جانب الإبداع الذي يطالبون به، هذا هو الذي يبدو  موضوعيا مطروحا، لكن عمليا يبدو  لي أن القيادات الإسلامية تفكر باستمرار بصورة التنظيم، وليست بصورة إتاحة الفرصة لقوى المجتمع والقوى الإسلامية المختلفة وغير الإسلامية، أن تدلي بكفاءتها وتقدم عملها، وتكون لهذه القوى الإسلامية التي هي في الحكم، أن لديها الفرصة لإعطاء الدولة صبغة جديدة، غير الصبغة القديمة، التي كانت صبغة تنميطية، متسلطة على المجتمع.
وتابع فى حوار له مع  الباحث والكاتب  الطيب بوعزة نشر على موقع مؤسسة مؤمنون بلاحدود للابحاث والنشر  أرجو أن ينتبهوا إلى ذلك وإن كنت بدأت أشك في ذلك، لأن ما أراه مثلا في تونس لا يدل على هذا الوعي بخصوصية اللحظة التاريخية ومقتضياتها الاجتماعية والثقافية والسياسية، أرجو أن لا نخسر فرصة ثانية، لأنه خسرنا فرصة أولى في الخمسينيات في الصراعات  التي وجدت بين القوميين والإخوان. الآن يبدو أننا سنخسر فرصة ثانية من خلال الصراعات المستعرة بين الإسلاميين والإخوان، وبين القوى الحداثية من جهة والقوى السلفية من جهة أخرى، فأصبحت عندنا أزمة خطيرة الآن في تونس وفي غير تونس، تنذر بأننا من مسافتنا النقدية لما يجري غير كافية؛ نتصرف بتصرفات ردود فعل ومخاوف، وليس برؤية وباستراتيجية مستقبلية.
والى نص الحوار 
- في الغالب دائما، تبدأ الحوارات الصحفية بسؤال تقليدي يطلب فيه من المحاور التعريف بنفسه، ولكن كما أقول دائما لا يجوز تعريف المعرف؛ وإنما أحب أن أدقق في السؤال ذاته؛ لأتساءل عن تجربتكم الفكرية؟ وما هي أبرز التحولات الفكرية التي عشتموها طيلة هذا العمر المديد و الغني؟
- التجربة مرتبطة  في تقديري بعدة عوامل، مرتبطة بعنصر عائلي أسري، مرتبطة بمرحلة زمنية معينة؛ يعني بسياق تاريخي معين، ومرتبطة أيضا بطموحات فردية. فبالنسبة للسياق العائلي، فأنا من أسرة متدينة محافظة موجودة في تونس منذ فترة طويلة، اشتغلت دائما مع المؤسسة الدينية، في القضاء، و في جامعة الزيتونة إلى آخره. فالإنسان الذي يولد في هذا الفضاء، لا يستطيع مهما كان نوع في ثقافته، فإنه لا بد أن يظل مرتبطا بالخلفية الثقافية والنفسية والروحية لتلك البيئة، فهذا العنصر له تأثير بدون شك؛ والعنصر الثاني هو السياق التاريخي، فأنا حين ولدت، كانت الدولة الحديثة تكبر، وتضع لبناتها الأولى في الخمسينيات، وكان عمري عشر سنوات، أو خمس سنوات. يعني أتذكر لما دخل الزعيم بورقيبة مع الحركة الوطنية، وأسسوا الدولة، وفي تطوير الحياة الاجتماعية إلى آخره؛ كنت أعي وأفهم أشياء، ولا أفهم أشياء أخرى، وكانت الأسرة في الحقيقة تنظر إلى هذه التجربة بالكثير من الحذر بدون شك. بعد ذلك، فهمت أن هذه الفترة هي فترة تاريخية، فيها تحول تاريخي كبير، ولا بد أن يفهم بكثير من الروية، فحينما نشأت الحركة الإسلامية، كانت معادية لهذه التجربة عداء كاملا. و من بين النقاط التي فرقتني عن المجموعة التي كونت الحركة الإسلامية، هي هل ينبغي أن ندين التجربة الحديثة جملة كاملة؟ ألا ينبغي أن نأخذ منها بعض الأشياء الأساسية التي كان السياق الدولي والحضاري يفرضها، سواء كانت على يدي هذا النظام أو غيره. العنصر الثالث والأخير، هو أني بطبيعتي لا أميل إلى الأنظمة الفكرية المغلقة، هذا طبع في، وتربيت عليه؛ لذلك لما تعرفت على حركة الإخوان المسلمين في سياقها التونسي، كان من بين نقاطها الأساسية، هو  هل نحن ملزمون بهذه التجربة؛ نستفيد منها،  نقدر رموزها، لكن ينبغي أن ننظر لها بمسافة، وبنظرة نقدية. هذه العناصر الثلاثة، أظن أنها يمكن أن تفسر الخصوصية التي أنا أتحرك من خلالها، وأحاول أن أطورها باستمرار، مع أصدقاء وإخوة مختلفين من تونس وخارج تونس.
-  ذكرتم قبل قليل مسألة الأنظمة الفكرية المغلقة؛ في تقديركم إذا ما استحضرنا التجربة الفكرية الاسلامية في القرن العشرين، ما هي في تقديركم الرموز الفكرية التي تراها  تعطي إيحاءا بالخروج من ذلك النظام الفكري المغلق، وبإعطاء رؤى تجديدية معاصرة.
- هذه من الأشياء الأساسية التي لفتت نظري في الأدبيات التي كنا نتعامل معها؛ الأدبيات التي كنا نتعامل معها في غالبها إخوانية؛ إنتاج عربي بالأخص مصري، هذا الإنتاج للأدبيات الإسلامية كانت معزولة  على الإنتاج الإنساني الحقيقي؛ ولذلك تدينه بصورة إطلاقية، ولا تطلع على خصوصياته، ولا على ما يمكن أن يستفاد منه. أول ما بدأت أتعرف على إنتاج إسلامي غير عربي وغير مغلق، كان عن طريق المفكر الكبير الهندي محمد إقبال، فهو بالنسبة إلي الرجل الذي أعادني إلى تقدير جوانب من الفكر الغربي. محمد إقبال كما تعلم، عاش فترة في أوروبا، وله علاقات مع فلاسفة  فرنسيين في الأربعينيات، وكان يعتمد أجزاء من منظومتهم الفلسفية، وكان يفعلها من خلال المنظومة الفسلفية الإسلامية. هذا التمشي، بدا لي هو أول محاولة كانت موجودة على اعتبار أن  الفكر الإسلامي بحاجة إلى أن ينفتح على العصر، وهو ما لم يكن موجودا في التكوين الإسلامي الحركي؛ يعني كانت عنده أدبيات معروفة ، كتب معروفة، يعني مثلا قطبيات على سبيل المثال، أبو الأعلى المودودي إلى أخره، فيها جوانب حركية، ومواقف ندية تحاول أن تكون ذات ندبة، لكن ندية بالمعنى الرفضي، وليس بالمعنى التمثلي لمثل إقبال وغيره. بعد ذلك تعرفت على آخرين في العالم الإسلامي الهندي وغير الهندي، لهم هذا الموقف الندي من الغرب، لكن يتمثل الفكري الغربي، ويدرك صور التفاعل والتمثل التي ينبغي أن آخذها.
- لو أردت أن أقارن هنا، و قد ذكرتم اسمين أساسيين في الفكر الإسلامي المعاصر. بماذا تفسرون انفتاح الأدبيات الحركية على نموذج أبي الأعلى المودودي، والتي لم تنفتح على معاصريه، ولم تنفتح على المشترك معه  في نفس الهوية الوطنية، الذي هو محمد إقبال؟
- هو في الحقيقة ، الآن أفهم هذا؛ المودودي في سياق الصراعات الداخلية للهند والرغبة في التموقع وحماية الذات المسلمة، أنا أفهم أنه ضروري أن ينجز هذا الكلام، لأنه في السياق يبدو أنه لو أنه معاذي، يعمل على طمس الهوية الإسلامية ، فأنا أفهم موقفه القطعي مع... هل نحن؟ هل يطالب المفكر المسلم العربي أن يأخذ نفس السياق؟ هل نحن مهددون بنفس الصورة التي كانت تهدد الهوية الإسلامية في الهند؟ لا أظن ذلك، بالعكس أنا أتصور أن الحركة الإصلاحية منذ القرن التاسع عشر، كانت تتدرج في سياق تفاعلي مع الفكر الغربي،  مثلا تشعر بأنها فعلا مهددة في ذاتها، والمساس بهذه الهوية. لذلك يبدو لي من ناحية أولى، أننا أخطأنا في تحديد موقعنا الحضاري، الذي لا يشاربه الموقع الحضاري بأبي الأعلى المودودي. موقعنا الحضاري أقرب إلى شخصيات من نوع محمد إقبال، من نوع أب الكلام أزاد في الهند، قبل ذلك عبد الرحمان، شهولي لله الدهواني. أخي، الهند كانت حضارة متصدية للغرب أكثر منا نحن، لكن في العلاقة مع المسلمين لها وقع خاص، لم يكن يناسبنا بأية صورة، وبالتالي فلا أفهم هذا الإقبال على المودودي، إلا  أن بعض الكتاب المسلمين، كانوا يعيشون نفس الأزمة، أزمة الشعور بأنهم أحيط بهم من كل مكان، وأنه لا بد أن يدافعوا. سيد قطب رحمة الله عليه، كان في نفس الوضعية، يشعر بأنه محاط، لديه الجملة الشهيرة، لابد أن يتخلى الإنسان عن كل ثقافته الغربية حتى يستطيع أن يفهم الخطاب القرآني. فالتموقع الخاطئ هو الذي أوصلنا إلى هذه الحالة.
- أظن أيضا أن التجربة الحركية، أنا أقارنها شيئا ما، بأن الأفكار لا يمكن أن تجد مجالا خصبا لكي تنع وتجتهد داخل إطار تنظيمي. نفس الشيء بالنسبة للفكر اليساري عندما تأطر داخل نظام حزبي، وداخل تنظيم مغلق. لكن، إذا عدنا إلى بداية الفكر الإسلامي، لو قارنا البداية، نجد أن البداية متقدمة عن لواحقها، بداية محمد عبده، بداية جمال الدين الأفغاني إلى حد ما. بماذا تفسر  أننا بدأنا يعني يقظة العقل المسلم بدأ متيقظا، مجتهدا، ثم خلال تطورات الزمن خلال القرن العشرين، لم يندفع في نفس الاتجاه الاجتهادي، بقدر ما تراجع وتناكص؟
- هناك عنصر واضح يبدو لي، أن العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين وحتى الأربعينيات في أوروبا، هي فترة الأحداث الفاشية والاشتراكية  والتنظيمات الستالينية، هل هذا أثر في ظهور حركات إسلامية، لا تجد منأى في العمل خارج هذا النموذج؟ هذا يبدو لي عنصر يجب التفكير فيه، أن الثلاثينيات والأربعينيات فترة خصبة للفكر المؤطر تنظيميا ، ربما كان هذا يبدو للإسلاميين ،في ذاك الوقت، مؤشر ا على أن العالم العربي مفتوح على أوروبا بصورة عجيبة، لكن عمليا لا يجد ملاذا آخر غير هذا الملاذ، هذا واضح، يعني أن الشبيبة الإخوانية الأولى كانت  تضع  القميص الأسود والخاتم، في الصياغة العملية كان هناك نوع من المماهاة، مع ما كان يجري في أوروبا في ذلك العصر، في ذلك السياق. ثم من ناحية أخرى، من الناحية الفكرية، العنصر المنظم الذي كان يؤدي إلى نوع من الاصطفاف، الانضباط والولاء والمشيخية، التي هي قريبة من التاريخ القديم، والتي لم ير المؤسسون جدوى من تجاوزها، بل اعتبروها خصلة إيجابية، يعني أن الشاب الذي يدخل، يدخل وهو يقسم بطريقة معينة وفي مكان معين و....... للشيخ بصيغة معينة، هذا نوع من استثمار نمط ثقافي هيكلي؛ سمعا وطاعة، هذا عنصر ثان داخلي وليس خارجي، اجتماع العنصرين، لعله يفيدنا في الإجابة على السؤال.
- طيب.. لو قمت بقفزة زمنية نوعا ما. التجربة الإسلامية والإطار الإسلامي الذي تطور فيها، لو نظرنا الآن إلى الواقع السياسي ما بعد الثورات العربية، وصعود أنظمة ذات توجه إسلامي، أو ذات هوية أو حركية إسلامية، هل يمكن لهذا الانتقال من عمل/ إطار تنظيمي مغلق إلى قيادة دولة، وتأسيس مجتمع، يمكن أن يعود بالنفع على العقل المسلم التنظيمي الحركي فيجدده؟
- هو بصورة مطلقة لا شك هي فرصة تاريخية، للفكر العربي الإسلامي أن يدخل إلى مرحلة حداثة حقيقية، حداثة متأصلة، وليس حداثة مغشوشة؛ يعني أن الحداثة التي عرفناها هي حداثة سهلة؛ منظومات في السياسة. الآن هل يمكن لهذه الفرص الجديدة الحالية أن تتيح للنخب الإسلامية إدراك جانب الإبداع الذي يطالبون به، هذا هو الذي يبدو  موضوعيا مطروحا، لكن عمليا يبدو  لي أن القيادات الإسلامية تفكر باستمرار بصورة التنظيم، وليست بصورة إتاحة الفرصة لقوى المجتمع والقوى الإسلامية المختلفة وغير الإسلامية، أن تدلي بكفاءتها وتقدم عملها، وتكون لهذه القوى الإسلامية التي هي في الحكم، أن لديها الفرصة لإعطاء الدولة صبغة جديدة، غير الصبغة القديمة، التي كانت صبغة تنميطية، متسلطة على المجتمع. أرجو أن ينتبهوا إلى ذلك وإن كنت بدأت أشك في ذلك، لأن ما أراه مثلا في تونس لا يدل على هذا الوعي بخصوصية اللحظة التاريخية ومقتضياتها الاجتماعية والثقافية والسياسية، أرجو أن لا نخسر فرصة ثانية، لأنه خسرنا فرصة أولى في الخمسينيات في الصراعات  التي وجدت بين القوميين والإخوان. الآن يبدو أننا سنخسر فرصة ثانية من خلال الصراعات المستعرة بين الإسلاميين والإخوان، وبين القوى الحداثية من جهة والقوى السلفية من جهة أخرى، فأصبحت عندنا أزمة خطيرة الآن في تونس وفي غير تونس، تنذر بأننا من مسافتنا النقدية لما يجري غير كافية؛ نتصرف بتصرفات ردود فعل ومخاوف، وليس برؤية وباستراتيجية مستقبلية. 

شارك