عبدالرحيم علي في حواره مع "جورج مالبرونو".. يكشف أسرار كتاب "أوراق قطر".. وكيف وصل التمويل القطري لـ 80% من أوروبا؟

الأربعاء 10/أبريل/2019 - 01:05 م
طباعة عبدالرحيم علي في
 
اتساع شبكة التمويل القطري ليشمل 15 دولة في أوروبا
90% من مساعدات "قطر الخيرية" تذهب لجمعيات قريبة من التنظيم الدولي للإخوان

تربطنى بالكاتب الصحفى الفرنسي، الأشهر فى صحيفة «لوفيجارو»، جورج مالبورنو، والصحفى الفرنسى كريستيان شينو، المراسل بإذاعة فرنسا الدولية، علاقة صداقة خاصة، منذ أن جئت إلى فرنسا، وأسست مركز دراسات الشرق الأوسط، فى باريس.
تعرفت عليهما منذ عامين، وأجرى «مالبورنو»، معيَّ حوارين، وحضر عددًا من الندوات، التى أقمتها، ونشر عدة مقالات، فى مجلة «المرجع»، للدراسات المتخصصة فى شئون الإسلام السياسى وقضايا الإرهاب، والتى يصدرها مركز دراسات الشرق الأوسط، فى باريس، الذى أشرف برئاسته.
دعوته لزيارة القاهرة، لمتابعة الانتخابات الرئاسية السابقة، ومكث فى القاهرة أكثر من أسبوعين، وهو صحفى مشاغب، يعشق امتطاء الصعاب، كنا نتقابل كثيرًا، ونستمع إلى بعضنا البعض، وفجأة اختفى الصحفيان الفرنسيان «مالبورنو» و«شينو»، وظهرا بعد عام، ومعهما هذا الكتاب.. وعندما سألتُه: لماذا لم تظهر طوال الفترة الماضية. أشار بيده إلى الكتاب، الذى يحمل عنوان «أوراق قطر»، والذى قدم ليّ نسخة منه كهدية.

وحول هذا الكتاب، كان لـ«البوابة» معه هذا الحوار..

■ فى البداية سألته؛ هذا ثالث كتاب لك، فهل أصبحت متخصصًا فى الكتابة عن قطر؟

- بالعكس هى صدفة، فقد نشرت الكتاب الأول عن قطر، عام ٢٠١٣، مع زميلى كريستيان شينو، بعنوان: «قطر.. أسرار الخزينة المصفحة»، حول كيف تطورت قطر، من دولة صغيرة، تتكون من مجموعة من الصيادين، إلى أن أصبحت كما هى عليه الآن، دولة غنية.
ثم نشرنا الكتاب الثاني، بعنوان: «الأمراء.. أصدقاؤنا الأعزاء»، ولم يكن فقط عن قطر، ولكن كان عن الخليج بشكل عام، وعلاقات بعض الأمراء بالإسلاميين، والآن يأتى هذا الكتاب، الثالث، تحت عنوان: «قطر شاريتي».
وكتبنا بشكل عام، ليست موجهة ضد قطر، كما يفهم البعض، لكنها محاولة لفهم كيف حققت تلك الإمارة الصغيرة كل ذلك النجاح. وقد خصصنا ثالث كتبنا، هذا، للحديث عن منظمة قطر الخيرية، وهى منظمة غير حكومية، تعمل داخل أوروبا، ونحن نتابع أنشطتها فى تمويل المؤسسات الدينية فى أوروبا.

■ وهل تعتقد أن محاولات قطر أدلجة المجتمعات الأوروبية، والتدخل فى شئون تلك المجتمعات، ودعم تنظيمات متطرفة، هو نجاحٌ لتلك الإمارة الصغيرة؟

- لا.. لم أقصد ذلك، ما أسميه قصة نجاح، هو الفرق بين ما كانت عليه قطر، منذ أربعين عامًا، وما أصبحت عليه الآن، مثلها مثل دبي، هما قصة نجاح، وبالمناسبة كل ما تقوم به قطر من تمويلات، من خلال مؤسسة قطر الخيرية، يتم بشكل قانوني، لكن الخطير فى الأمر أنه خفى نوعًا ما، وهناك شبهات عديدة، تحوم حوله، ولقد عملنا على هذه القضية، على وجه الخصوص، لكن ليس لنا موقف مسبق، من قطر، أو غيرها من الدول.

■ منذ متى تعملان على هذا الكتاب؟

- لقد استغرق العمل على هذا الكتاب، عامين كاملين؛ عامٌ لترجمة المستندات، وعامٌ للتحقيق فيها، ذهبنا إلى ليل وميلوز، وإلى المدن، التى تستثمر بها قطر الخيرية، وذهبنا إلى سويسرا، وبريطانيا، وألمانيا، وكوسوفو، وأيضًا إلى قطر. وبالتوازى مع الكتاب أعددنا فيلمًا تسجيليًا، سيتم إذاعته، فى سبتمبر المقبل، على عدة قنوات أوروبية وعربية.
لقد كان تحقيقًا ميدانيًا كبيرًا. كان يجب علينا أن نتأكد، وأن نوثق المعلومات التى حصلنا عليها، وأيضًا أن نواجه هؤلاء المسئولين، بالخطاب المزدوج الذى يتبنونه. وعندما كنا نسألهم: من يمول مسجدكم، هل هم المصلون؟، كانوا يقولون إنهم لم يتلقوا أموالًا من أى مكان، فكنا نعرض عليهم المستندات التى حصلنا عليها، ليضطروا فى النهاية للاعتراف بأنهم تلقوا أموالًا من الخارج، من مؤسسة قطر تحديدًا.

■ هل هناك علاقة ما بين الكتاب والفيلم الوثائقي، أم أن كلًا منهما على حدة؟

- هما نفس الشيء؛ الفيلم الوثائقى هو النسخة المرئية للكتاب، بالطبع ستكون به اختلافات قليلة، لكنه مبنى على نفس المعلومات.

■ ومتى سيُذاع الفيلم الوثائقي؟

- خلال الفترة من يونيو إلى سبتمبر ٢٠١٩، على قناة «آر تي».

■ أنا صحفي، وأعلم أن سؤالى سيكون صعبًا، لأنى واجهته من قبل، فى مناسبات عديدة، لكن يحب فى النهاية أن أوجهه، رغم أننى تقريبًا أعلم إجابته مقدمًا.. كيف حصلتم على تلك الوثائق؟

- بعث إلينا أحدُ الأشخاص المجهولين بالطبع، خطابًا بالبريد، به فلاشة، عليها باسوورد لفتحها، وقال لنا اصنعوا بهذه المعلومات شيئًا مفيدًا، وكانت تلك هى الوثائق، التى عملنا منها الكتاب.

■ ومتى تم إرسال ذلك الخطاب بالضبط؟

- كان ذلك فى نهاية عام ٢٠١٦.

■ بما عرضته فى كتابك، من تمويل خفى لبعض الأنشطة الخاصة بالتنظيم الدولى للإخوان المسلمين؛ هل هناك خطرٌ على أوروبا؟، وماذا يجب على الدولة الفرنسية والدول الأوروبية أن تفعله؟

- ربما حتى الآن لا يوجد خطرٌ كبير، ولكن كتابنا بمثابة جرس إنذار، لأنه ربما يكون هناك خطرٌ على المدى المتوسط. لقد فوجئنا باتساع شبكة التمويل القطري، ليشمل ١٥ دولة فى أوروبا، و١٤٠ مشروعًا، وما بين ٧٠ و٨٠ مليون يورو من الاستثمارات. لقد فوجئنا أيضًا بطبيعة المشاريع؛ فبعضها غريب، كمشروع تحويل كنيسة إلى مسجد، وإنشاء مركز إسلامى فى مدينة جيرسي، التى يقطنها ٤٠٠ مسلم فقط.
وما كان مثيرًا أيضًا، هى المراسلات بين مؤسسة قطر الخيرية، والمستفيدين من التمويل. كانت قطر الخيرية تضع شروطًا وأهدافًا أيضًا. كانوا يقولون مثلًا: نريد أن نُحييّ الروح الإسلامية للجاليات المسلمة فى أوروبا. نريد أن نشجع الدعوة. نريد دعم التعليم وبناء مدارس.. إلخ. كان ذلك مثيرًا، لأننا كنا بصدد اكتشاف الرغبات والأهداف الحقيقية لمؤسسة قطر الخيرية، وليس من المفترض أن تكون هذه الرغبات علنية.

■ هل تعتقد أن الهدف هو أسلمة تلك المجتمعات، أم أخونة تلك المجتمعات؟

- لقد لاحظنا أن ٩٠٪، من المساعدات التى تقدمها قطر الخيرية، تذهب لجمعيات قريبة من التنظيم الدولى للإخوان المسلمين. توجهنا للمسئولين هنا فى فرنسا، وسألناهم: ما هدف قطر من وراء ذلك؟، إن هدف قطر هو أن تكون مؤثرة فى سوق الإسلام فى أوروبا، كما فعلت المغرب والجزائر، اللتان لعبتا دورًا تاريخيًا فى هذا الموضوع. والآن أصبح لدينا أيضًا تركيا وقطر. أهداف قطر الخيرية، هى إحياء الروح الإسلامية للجاليات المسلمة، ودعم الدعوة والتعليم الإسلامي، من خلال المساعدات التى تقدمها لبعض المدارس، كل هذا واضح؛ هذه هى أهداف المنظمة المذكورة فى المستندات والوثائق التى حصلنا عليها.
يجب أن نذكر أن الإخوان المسلمين، لن يستولوا على السلطة فى فرنسا. إن عددهم لا يتعدى الألف شخص. وإن هذا التمويل غير موجه للإرهاب، لكن الخطر يكمن فى أن هذه الجمعيات التى تستقبل هذه الأموال، والتى تدعو للإسلام الوسطي، كما تزعم، الذى يدعو إليه يوسف القرضاوي، وطارق رمضان، وسيد قطب، هدفُها مواءمة القوانين الفرنسية لمبادئ الإسلام السياسي، ومن أمثلة ذلك؛ محاولة الحصول على حق ارتداء الحجاب للفتيات، والحصول على مواعيد مختلفة للصبيان والفتيات، فى حمامات السباحة.. إلخ.
هناك شيءٌ كان يتكرر دومًا أثناء التحقيق، وهو أن هذه المساعدات تستهدف بناء مراكز إسلامية، هذه المراكز يمكن أن نسميها مساجد للمعيشة. هناك قاعة للصلاة مخصصة للرجال، وقاعة أخرى مخصصة للسيدات. هناك فصول دراسية لتعليم القرآن واللغة العربية. هناك أيضًا مركز تجاري، وحمام سباحة، وفى بعض الأحيان مستودع للجثث. إنه الإسلام الشامل؛ من الولادة، وحتى الموت، كما يدعو إليه الإخوان المسلمين.

■ وهل هناك أيضًا كتبٌ تُدَرّس لكل من: سيد قطب وحسن البنا؟

- نعم؛ لقد وجدنا بالفعل فى مكتبات تلك المراكز الإسلامية، كتبًا لكل من يوسف القرضاوي، وسيد قطب.

■ ألا تعتقد أن القول بأن أوروبا مجتمع كافر، وتلقين الشباب هذه المعلومات والمفاهيم، التى تملأ كتب سيد قطب، يمثل دعوةً لبناء كوادر إرهابية، ودعوة للإرهاب؟
- ليست دعوة للإرهاب. لأن المخابرات الفرنسية أخبرتنا أن مسئولى هذه المساجد، يلعبون لعبة وزارة الداخلية. فهم يخبرون الوزارة عندما يجدون شخصًا له فكرٌ غريب. لكن يمكن الانتقال بسهولة من فكر الإخوان إلى الفكر الجهادي. لقد حدث أن شخصًا أو اثنين كانا يترددان على تلك المساجد، ثم انزلقوا فى الفكر الجهادي. لكنه ليس تمويلًا مباشرًا للإرهاب.

■ هل تعلم كصحفى فرنسي، كم عدد الإرهابيون، الذين خرجوا من تلك المراكز، ونفذوا تفجيرات فى فرنسا وفى أوروبا؟

- لا أعلم، وليس هذا هو الهدف من الكتاب.

■ نحن لا نتحدث عن هدف الكتاب. نتحدث عن مركز أو مدرسة، يخرج منها أحيانًا إرهابيين، يرتكبون عمليات إرهابية، نتيجة لتعاليم سيد قطب. فكيف يمكن لنا ألا نربط بين ذلك، وبين الإرهاب؟

- ليس هذا موضوع الكتاب.

■ أقدر موقفك؛ فما أهم المعلومات التى فاجأتك أثناء عملك فى هذا الكتاب؟

- كما قلت لكم، إنه حجم التمويل. فهناك ١٤٠ مشروعًا، وتحويل كنيسة إلى مسجد. نتساءل عن ذلك. أيضا فى جيرسى هناك ٤٠٠ مسلم فقط، لماذا يبنى مركز كبير. شيءٌ آخر كان مفاجئًا لنا. فى مدينة ليل، هناك مدرسة ثانوية خاصة، هى مدرسة ابن رشد. لقد مولت مؤسسة قطر الخيرية هذه المدرسة، بملايين اليوروهات. وفى وقت ما أرادوا شراء المدرسة. لقد صرح لنا بذلك أحد المسئولين فى المدرسة. لقد وضعوا أموالًا كثيرة فى هذه المدرسة، فلما لا يشترونها. إذن حجم التمويل، وأيضًا التنظيم المحكم، يثير التساؤلات، فهناك تنظيم جيد.

■ وهل لديكم مشروعات أخرى، غير هذا الكتاب والفيلم؟

- نعم، أن أرتاح قليلًا.

■ هل هناك صحفى يفكر فى الراحة؟! لا يوجد صحفى يسعى لذلك.

- ما يجب أن نقوله، هو أنه كان هناك تبشير فى عام ٢٠١٠، و٢٠١١، ولكن ابتداءً من ٢٠١٧، ومع المقاطعة التى فرضتها مصر والسعودية والإمارات والبحرين، على قطر، اضطرت منظمة قطر الخيرية، تحت الضغط، لتخفيض استثماراتها. لقد أخبر الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، القطريين، أن عليهم أن يوقفوا هذا التمويل. وعندما اتصل الشيخ تميم بن حمد، أمير دولة قطر، بالرئيس «ماكرون»، ليهنئه، بعد أسبوع من انتخابه، قال له «ماكرون»، إنه على استعداد للدخول معه فى شراكة اقتصادية، لكنه لا يريد هذا التمويل القطري، عن طريق الجمعيات التى لا تخضع للرقابة فى فرنسا.
وأعتقد أنه منذ عام ٢٠١٧؛ بذل القطريون مجهودات عديدة. حيث أصدروا قانونًا ينظم عملية التمويل. فالجمعيات الممولة، مثل: قطر الخيرية، لا تستطيع أن تتصرف وحدها، ويجب أن تمر عن طريق الهلال الأحمر، ووزارة الخارجية القطرية. وتقول السلطات الفرنسية إن قطر بذلت جهودًا حثيثة، منذ عام ٢٠١٧، لكن يجب الاستمرار فى الضغط السياسي، على النظام القطري، حتى يستمر فى بذل الجهود.

■ أجرى الصحفى السويسرى «يان هامل»، فى مجلة «لوبوان»، تحقيقًا صحفيًا مخيفًا، نُشر فى المجلة الفرنسية، عن محاولات قطر إيجاد بدائل لتمويل الإخوان المسلمين، والتدخل فى شئون الدول الأوروبية، وذكر قصة على بن فطيس المري، ومجهوداته داخل فرنسا. فكيف ترى ذلك؟
- لم نتناول ذلك فى كتابنا. وليس لدينا معلومات عن ذلك.

■ لكنك صحفى فرنسى كبير وتتابع الأحداث؟!!

- نعم لكن يجب أن أتحقق من ذلك.

■ وهل تعتقد أن الحصار على قطر، وكلام الرئيس ماكرون، سيحد من ظاهرة التمويل، أم أن القطريين سيستمرون فى تمويل الأنشطة الإخوانية فى أوروبا عمومًا، وفرنسا خصوصًا؟

- لقد بدأوا بالفعل، فى الحد من هذا التمويل. عندما ذهبنا إلى قطر الخيرية، قال لنا أحدهم إن المنظمة لديها بعض المشاكل، وإنها لا تستطيع التمويل، كما كان فى السابق. لقد أغلقوا على سبيل المثال، مكتبَهُم فى لندن، لكنهم فتحوا مكتبًا آخر باسم نيكار ترست. إنهم تحت الضغط، قللوا من التمويل، لكن ليس بالقدر الذى يسمح بإيقاف المساعدات تمامًا.
هذا الكتاب يظهر مدى سخافة الوضع فى فرنسا. هناك جالية فرنسية مسلمة، تسكن أحياء فقيرة، وأماكن غير لائقة، وهو ما يُسمى بإسلام الكهوف. لا يأخذون أموالًا من الدولة. لنفترض أن شخصًا يريد بناء مسجد، يقوم هذا الشخص بجمع الزكاة، وبما أن أموال الزكاة لا تكفي، يظهر أحدُ الأثرياء، من أى مكان؛ السعودية، أو بيت الزكاة الكويتي، أو الممولين القطريين، وغيرهم. كل ذلك قانوني. يجب أن نضع حدًا لهذا الوضع السخيف. لذلك يريد «ماكرون» إيقاف التمويل الأجنبي، ومعرفة من أين تأتى الأموال. إنه يريد أن يكون هناك تمويل داخلي وذاتي يسمح لمسلمى فرنسا ببناء مساجد لائقة.

■ وهل تلقيت أى ردود أفعال من الحكومة الفرنسية، أو القطرية، على هذا الكتاب؟

- نعم؛ كانت هناك ردود أفعال على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»، خاصةً عندما أعلنا عن المرتب الذى يتقاضاه طارق رمضان (حفيد حسن البنا، مؤسس تنظيم الإخوان) من قطر، وقد أثار ذلك ردودَ فعلٍ واسعةٍ، على شبكات التواصل الاجتماعي.

الكاتب الصحفى عبدالرحيم علي: شكرًا جورج، وبالتوفيق، ومنتظرين مشاهدة الفيلم الوثائقي.

شارك