الفضيل الورتلاني.. من الحركة الإسلامية في الجزائر إلى الاخوان في مصر

الخميس 02/يونيو/2022 - 09:15 ص
طباعة الفضيل الورتلاني..
 
يعتبر الفضيل الورتلاني الجزائري من أبرز أعلام الحركة الإسلامية في الجزائر الذين كان له دور مهم وفاعل في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931 ، حيث كان من اقرب الشخصيات للإمام عبد الحميد بن باديس و الامام البشير الإبراهيمي رحمهما الله ،وساهم مساهمة فعالة في التمكين لمبادئ الجمعية في الجزائر ثم في فرنسا في صفوف العمال الجزائريين هناك .
ثم كان همزة الوصل القوية بين الفكر الإخواني وجمعية العلماء ، بحيث انضم إلى جماعة الإخوان لما استقر في مصر وأصبح من أقرب المقربين لحسن البنا رحمه الله وكان محل ثقته ، إذ كان ينوبه أحيانا في درس الثلاثاء وكلفه بالإشراف على فتح بعض شعب الجماعة في مصر كما كلف بملف اليمن، وقد جمعت بعض مقالاته في كتاب بعنوان الجزائر الثائرة .

المولد والنشأة

المولد والنشأة
ولد إبراهيم بن مصطفى الجزائري المعروف بـ الفضيل الورتلاني في 2 جوان 1900 في بلدة بني ورثيلان بولاية سطيف شرقي الجزائر ، وإليها انتسب ، وجاءت شهرته بالورتلاني، ونشأ في أسرة كريمة لها اتصال بالعلم، فجدُّه الشيخ الحسين الورتلاني صاحب الرحلة المشهورة في التاريخ كان من العلماء المعروفين في منطقته والجزائر 
ومثل غيره من طلبة العلم حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ودرس علوم اللغة العربية على علماء بلدته، ثم انتقل إلى مدينة قسطنطينة سنة 1928 حيث استكمل دراسته على يد العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس ، وفي مدرسة "ابن باديس" تلقى دروسه في التفسير والحديث والتاريخ الإسلامي والأدب العربي، وتأثر بشيخه المصلح الكبير وبطريقته في الإصلاح، وغيْرته على المسلمين. ولم يلبث حتى بات منذ سنة 1932 مساعداً له في التدريس، ومتجوّلاً لصالح مجلة الشهاب ومرافقاً لابن باديس في بعض رحلاته بالوطن، مشاركاً بقلمه في كل من البصائر و الشهاب بروح وطنية متوثبة ، وشعور ديني ملتهب.

النشاط الإصلاحي

النشاط الإصلاحي
لم يكن الشيخ عبد الحميد ابن باديس يقصر دعوته على إصلاح حال الجزائريين في بلادهم، بل امتد بصره إلى المغتربين في فرنسا من الجزائريين، ورأى أن من أوجب واجبات الجمعية أن تحمي إسلام هؤلاء من الضياع، وأن تتولى تربية النشء الجديد قبل أن تلتهمه الحياة الفرنسية، ونظر حوله فلم يجد أكفأ من الفضيل الورتلاني للقيام بهذه المهمة الشاقة التي تتطلب ، إيمانًا بالقضية وإخلاصًا لها، ورغبة في الإصلاح والتغيير.
نزل "الفضيل" فرنسا سنة 1936م  مبعوثًا عن الجمعية، وأقام في باريس، وبدأ نشاطه المكثف بهمة عالية، واتصل بالعمال والطلبة الجزائريين بفرنسا، وأخذ في إنشاء النوادي لتعليم اللغة العربية ومبادئ الدين الإسلامي ومحاربة الرذيلة والانحلال في أوساط المسلمين المقيمين بفرنسا، واستطاع خلال عامين أن يفتح كثيرًا من النوادي الثقافية في باريس وضواحيها وبعض المدن الفرنسية الأخرى.
وانتهز فرصة وجوده في باريس فاتصل بالدارسين العرب في الجامعات الفرنسية، وتوثقت بينهم المودة والصلة، مثل محمد عبد الله دراز صاحب كتاب (دستور الأخلاق في القرآن الكريم)، والشيخ عبد الرحمن تاج الذي صار شيخًا للأزهر، والعلامة السوري محمد المبارك، والشاعر عمر بهاء الدين الأميري.
وقد أقلق هذا النشاط السلطات الفرنسية فضيقت على الفضيل الورتلاني حركته، وجاءته رسائل تهدده بالقتل، فاضطُّر إلى مغادرة فرنسا إلى إيطاليا ومنها إلى القاهرة.

في القاهرة

في القاهرة
كانت وجهته إذن سنة 1940م القاهرة حيث آثر الانتساب إلى الأزهر فحصل على شهادته العالمية في كلية أصول الدين والشريعة الإسلامية مواصلاً جهاده القومي الوطني ، للتعريض بالاستعمار الفرنسي في الجزائر وخدمة القضية الجزائرية ، وقضايا المسلمين عموماً ، فأسس مثلاً سنة 1942م اللجنة العليا للدفاع عن الجزائر كما أسس سنة 1944م جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا ثم مكتب جمعية العلماء المسلمين في القاهرة سنة 1948م الذي استقبل فيه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي سنة 1952م وقد صار عضواً في تنظيم حركة الإخوان المسلمين وكانت تربطه صلة وثيقة بـحسن البنا، ونظرًا لملكاته الخطابية وقدرته على الإقناع، وكان من تقدير الإمام البنا للورتلاني أنه كان ينوب عنه حين يكون غائبًا عن القاهرة في إلقاء حديث الثلاثاء بالمركز العام لجماعة الإخوان.

رحلته الى اليمن

رحلته الى اليمن
امتد نشاط الورتلاني إلى مساندة الأحرار في اليمن، وكانت البلاد تموج بحركة معارضة قوية، ورغبة طموحة في الإصلاح والتغيير، وكان الإمام حسن البنا على علم بما يجري في اليمن، ومِن تطلُّع إلى الخروج بالبلاد من عزلتها وفقرها وجهلها، فأوفد الفضيل الورتلاني إلى هناك
سنة  1947م  نزل الفضيل الورتلاني اليمن ونجح في توحيد صفوف المعارضة، وإزالة الخلاف بينهم، وبدأ في تهيئة الناس للتغيير بخطبه الحماسية التي تلهب المشاعر وتوقد الحماسة في الصدور.
وفي فبراير 1948م  نجحت المعارضة في الوصول إلى الحكم بعد إزاحة الإمام يحيى واتهم الورتلاني بالمشاركة في محاولة انقلابية في (اليمن) فقبض عليه هناك ثم أفرج عنه مع من شملهم العفو الذي سخر منه (الإبراهيمي) في مقالة نشرها في البصائر معرّضاً بالنظام القائم على الهوى لا على القانون. فغادر الورتلاني اليمن، وتنقل في عدة دول أوربية، ورفضت الدول العربية استقباله حتى وافقت لبنان على استقباله، شريطةَ أن يكون الأمر سرًا.

العودة الى مصر

العودة الى مصر
وبعد قيام حركة الجيش بالإطاحة بالملك فاروق عاد الورتلاني إلى مصر بعد غياب عدة سنوات ، واستقبله العلماء والسياسيون استقبالاً حسنًا؛ نظرًا لماضيه المشرِّف في الجهاد وعاد "الفضيل" إلى جهاده، ومؤازرة الثورة الجزائرية التي اشتعلت على أرض بلاده في سنة  1954م، وأصدر بيانًا مع المجاهد الكبير الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رئيس جمعية علماء المسلمين- بعنوان: "نُعيذكم بالله أن تتراجعوا"، وشارك في تأسيس جبهة تحرير الجزائر سنة  1955م، وكانت تضم الشيخ الإبراهيمي ، وممثلي جبهة التحرير مثل أحمد بن بلة وحسين آيت أحمد، وبعض ممثلي الأحزاب الجزائرية. ولم تَطُل مدة إقامة "الفضيل الورتلاني" بالقاهرة، فقد غادرها إلى بيروت سنة  1955م.

نشاطه

نشاطه
يظهر في الصورة الشيوخ : الفضيل الورتيلاني ، الشيخ محمد البشير الإبراهيمي و الشيخ أمين الحسيني مفتي القدس
شارك الفضيل الورتلاني وهو في مصر تأسيس عدة جمعيات خيرية وسياسية كاللجنة العليا للدفاع عن الجزائر وجمعية الجالية الجزائرية سنة 1942م وجبهة الدفاع عن شمال أفريقيا سنة 1944م التي كان أمينها العام وتضم في عضويتها الشيخ محمد الخضر حسين وحفيد الأمير عبد القادر الجزائري والأمير عبد الكريم الخطابي المغربي.
وكان للفضيل الورتلاني دوره البارز في تنظيم وتنظير ثورة الأحرار في اليمن سنة 1948م مما يعرفه القاصي والداني رجالات اليمن.
ولست ادري من أي الجوانب أبدأ الحديث عن هذا الشخص العظيم، والسياسي المحنك والبطل الشجاع، والمغامر الجسور، والمجاهد الصابر، الذي حار الناس في مواهبه المتعددة، وعجزوا عن مجاراته في انطلاقه لتحقيق الأهداف التي يؤمن بها، والمبادئ التي يدين لها، وهي تحرير الشعوب الإسلامية بكاملها، من ربقة الاستعمار الأجنبي أياً كان لونه وجنسه، والإحلال الإسلام كنظام شامل للحياة كلها عقيدة وعبادة وخلقاً وشريعة ومنهج حياة.
ومن هنا كان بطلنا الشجاع الفضيل الورتلاني صاحب السبق في ميادين الجهاد، والعمل لتحرير العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهار.
ولئن كان الورتلاني من أبناء الجزائر فإن تحركه وجهاده لم يكن للجزائر وحدها، بل للمسلمين عامة؛ لأن غايته الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله.
وحين انطلقت الثورة الجزائرية في 1نوفمبر1954 نشر الورتلاني مقالاً بتاريخ 3نوفمبر1954 بعنوان (إلى الثائرين من أبناء الجزائر:اليوم حياة أو موت) وبتاريخ 15نوفمبر1954 اصدر مع الشيخ البشير الإبراهيمي بياناً بعنوان : (نعيذكم بالله أن تتراجعوا) وبتاريخ 17فبراير1955 شارك في تأسيس (جبهة تحرير الجزائر) التي تضم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي وممثلي (جبهة التحرير الوطني) : أحمد بن بلة ، حسين آيت أحمد ، محمد خيضر ، وبعض ممثلي الأحزاب الجزائرية : الشاذلي مكي و حسين لحول ، عبد الرحمن كيوان ، أحمد بيوض وغيرهم.

صلته بالإخوان المسلمين

صلته بالإخوان المسلمين
يقول عنه محمود عبد الحليم في كتابه القيم (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ)
"كان الفضيل الورتلاني شاباً جزائرياً من زعماء المجاهدين الذين طاردهم الاستعمار الفرنسي فهرب إلى مصر واتصل بالإخوان المسلمين وكان كثير التردد على المركز العام للإخوان المسلمين، حتى كاد يتردد عليه كل يوم باعتبار هذه الدار مركز الحركات التحريرية ضد الاستعمار في كل بلد إسلامي؛ كان الفضيل الورتلاني لماح الذكاء سريع الحركة كثير المعارف، لا يقتصر تحركه على ما يخص موطنه الأصلي – الجزائر بل كان يرى العالم الإسلامي وحدة لا تتجزأ، وأنه مطالب بتحرير كل جزء منه، واعتقد أن الفضيل الورتلاني كان أول من سافر إلى اليمن التي أطاحت بالإمام يحيى" انتهى.

تعرضه للمخاطر

لقد تعرض الورتلاني أثناء جهاده إلى مخاطر عديدة، وكان دمه مهدراً من قبل فرنسا ووقع أكثر من مرة بالأسر ولكن عناية الله حفظته ورعته، وكان حسن البنا دور في الإفراج عنه وعن رفيقه أمين إسماعيل بعد أحداث اليمن عام 1948م.
وبعد فشل ثورة الدستور باليمن حُكم على الفضيل الورتلاني بالإعدام وأصبح مطلوباً حيث قضى خمس سنوات متستراً قضاها في التجوال في الدول الأوروبية والتقى بالشيخ محمد البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء الجزائريين ونائبه الشيخ محمد العربي التبسي في سويسرا. وقد وافق رئيس وزراء لبنان رياض الصلح على استقرار الفضيل الورتلاني في بيروت شرط أن يكون ذلك سراً.

وفاته

وفاته
تمكّن منه المرض فصرعه في إحدى مستشفيات تركيا حيث كانت وفاته في 12 مارس 1959م.‏
وفي سنة 1980م دُشن مسجد بالجزائر العاصمة يحمل اسمه تخليدا له.
سنة 1987م ، نقلت رفاته من تركيا ليعاد دفنها في مسقط رأسه.

شارك