تراجعات السلفيين.. "فولي وجهك شطر التمويل"

الجمعة 28/فبراير/2020 - 12:54 ص
طباعة تراجعات السلفيين.. سيد طنطاوي
 
الدين لله والآراء حسب الفلوس 
تراجعات السلفيين.. "فولي وجهك شطر التمويل"

ترتبط تعاملات السلفيين وآرائهم دائمًا ببوصلة التمويل، فهم بقدر تمسكهم وتعصبهم لآرائهم المتشددة والمتطرفة، فلا مانع لديهم من التراجع التكتيكي والاعتذار عن بعض الآراء شريطة أن يستمر صنبور التمويل في إعطاء المال.
في الوقت ذاته، فإن التراجعات لا يتركونها لأتباعهم، بل يكون التراجع دائمًا في يد الشيوخ، لأنهم الأقدر على تطويع الدين كما الصلصال في أيديهم لتبرير مواقفهم، ويتولون هذا الأمر بأنفسهم لأنهم يعلمون أنها عملية صعبة مرتبطة بصورة الشيوخ عند تابعيهم، إذ أنهم يصدرون صورة أنهم الوحيدون الذي يسيرون على نهج الرسول والصحابة وأن من دونهم هم المبتدعون، وذلك ليكون لهم سلطة دينية كالتي وصفتها سلوى بكر في رواية "البشموري": "يصورون الشياطين وزبانية الجحيم حتي يخيفوا الناس ويرعبوهم بالآخرة، ليتسلط من يريد التسلط عليهم باسم الرب.
والسلفيون يتسلطون –فعلًا- على الناس باسم الرب، ومن ذلك تركيزهم على حديث "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. وفي بعض الروايات: هي الجماعة. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
ويزرع دعاة السلفية، في شبابهم أنهم الفرقة الواحدة، وإن اشتكوا من شدة تلك الحياة، يعالجونهم بحديث: " ويل للعرب من شر قد اقترب، فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويُمسي كافرًا، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر. رواه الإمام أحمد في مسنده.
في ظل هذه السياسة المتبعة من دعاة السلفية على اختلافاتهم، تصبح أي محاولة للتراجع عن آرائهم محفوفة بالمخاطر، وتشكل تهديدًا على تماسكهم وسيطرتهم على الأفراد من أتباعهم، والتي لهم فيها بالطبع أغراض.
ليخرج السلفيون من هذا المأزق، كان عليهم حصر التحولات والتراجعات على الأمور السياسية لا العقدية –نسبةً إلى العقيدة- لكي يبقى أمام العموم أنهم لديهم مرونة في تعاملاتهم، وأمام خاصتهم –أي جمهور السلفيين- يقولون إنهم لا يفرطون في أمور العقيدة أبدًا، لكنها تراجعات سياسية.
وحسب دراسة للباحث "يعقوب أوليدروت" بمعهد واشنطن بعنوان: "الكتلة السلفية المتغيرة في مصر: التعصُّب والواقعية في منطقة غير مستقرة"، قال إن هناك عاملين داخليين وعاملين خارجيين وراء المواقف الواسعة التباين لهم، رغم الإيديولوجية المتزمتة عقديًا:
- العامل الداخلي الأول: المواقف السياسية ليست مبنية دائمًا على العقيدة، رغم أن أسس السلفية، لا سيما فيما يتعلق بالقانون والعقيدة، لا تقبل المساومة في الواقع - وهي بمثابة الأساس الذي يعتمد عليه السلفيون لتبرير مواقفهم المتشددة، إلا أن المواقف السياسية للجماعات السلفية تختلف إلى حد كبير ولا تستند دائمًا على العقيدة.
- العامل الداخلي الثاني: المواقف السياسية مبنية غالبًا على مبدأ البقاء، لا على العقيدة.
العامل الخارجي الأول: يتكيف السلفيون مع المتغيرات المحلية والإقليمية ويستجيبون لها، رغم التزاماتهم العقدية والقانونية، يستجيب السلفيون بشكل مدهش إلى التغيرات المحلية والإقليمية - وعلى وجه الخصوص إلى الأعمال التي يرتكبها الجهاديون، نظرًا لأن التيارين يتشاركان الجذور الإيديولوجية نفسها، فالجهات السلفية التي نجحت في المحافظة على مصداقيتها وقاعدة ناخبيها أفلحت في ذلك ليس بسبب مواقف ايديولوجية متشددة، بل بفضل قدرتها على التكيف سياسياً، تلك القدرة التي تسمح لها بفهم مصالح أتباعها والبيئة المحلية والاستجابة لكليهما.
-    العامل الخارجي الثاني: سياسات المملكة العربية السعودية وقطر وتصريحاتهما مهمة - ولكن ذلك لا يعود دائمًا لأسباب إيديولوجية. في الوقت الذي تستجيب فيه المواقف السياسية السلفية في بلد معيّن وإلى حد كبير إلى المجتمعات المحلية، فإنها تعتمد أيضًا على المناورات السياسية لقطر والمملكة العربية السعودية، وهنا يجب أن يأخذ المرء في عين الاعتبار بأن التموضع السياسي السعودي والقطري ليس فقط ضروريًا لفهم ديناميات الجماعات السلفية المصرية وغيرها من الحركات السلفية، بل بالإضافة إلى ذلك، لأن ردود الفعل السلفية على السياسات السعودية والقطرية مرتبطة عادة بهوية الجماعة التي يدعمها كل بلد، بدلًا من التشابه الإيديولوجي المحض فقط.
تلك مقدمة هامة في ضوء فهم تعاملات العقل السلفي، خاصة أنه لا يقدم تنازلات إلا من أجل مصالحه فقط، وهي التمويل، إذ يمكن للتيار أن يبحث عن تكييف ديني لأي مسألة سياسية إذ كانت ستمثل خطرًا على حنفية التمويل، ومن هنا فإنهم يتمسكون بالمبدأ الميكافيلي "الغاية تبرر الوسيلة".
ومن هذا المنطلق يُمكن النظر إلى ما قدمه الإعلام مما سُمي تراجع لبعض دعاة السلفية، منهم على سبيل المثال لا الحصر "أبو إسحاق الحويني، ومحمد حسان، وياسر برهامي.
وأذاع إعلاميون فيديوهات لأبي إسحاق الحويني قال فيها: "قلت جهارًا وفي دروسي أنني نادم على بعض كتبي الأولى، وتمنيت لو أنني صبرت على نفسي حتى استويت شوية.
ومن الكتب التي أبدى ندمه عليها "خصائص الإمام علي للإمام النسائي"، و"فصل الخطاب بنقد المغني عن الحفظ والكتاب، لأبي حفص الموصلي الحنفي".
وبرر استعجاله في نشر مثل هذه الكتب قائلًا: "نفسك الناس يعرفوك، كنت أريد التجويد ووضع بصمتي، لأبين أنني إمام وفاهم ومحقق، وهي أشياء استحي منها الآن، وفي كل مجلس علم أنبه عليها، مضيفًا: أنصح الشباب بعدم التسرع، وما وقعنا فيه ليس خطأ عقديًا، لكنه خطأ علميًا.
قال بوضوح: «النشر شهوة لما يطلع اسمك على كتاب والناس يتداولوه وتبقى معروف ما هى دى حظ النفس عندنا كلنا».
هذه الاعترافات ليست مقطوعة الصلة باعتراف آخر مهم جدا لنفس الرجل لكن في جلسة أخرى، قال فيها صراحة إنهم جنوا على الناس بجهل وبغير علم، حيث قال وكان يجلس منفردا بعيدا عن أتباعه: «كل سُنة كنا نعرفها نعتقد أنها واجبة، ومكناش نعرف الفرق بين الواجب والمستحب وإن فيه درجات فى الأحكام.. فعرفت أنه عندما لم ندر تدرج الأحكام كيف جنينا على الناس، لم نكن ندرى درجات الأحكام فأفسدنا كثيرا بحماس الشباب».
ما قاله "الحويني"، لا يُمكن أن يُؤخذ على محمل التراجع عن الأفكار والفتاوى الوهابية التي قال بها، بدليل أنه قال في فيديو منهما، ما فعلناه ليس خطأ عقديًا وإنما خطأ علميًا، وبذلك هو لا يزال متمسك بكل آرائه التي صنعت أجيالًا من المتطرفين.
أيضًا ما يؤكد أن "الحويني"، لم يتراجع إلا في بعض الآراء، ما قاله حاتم نجل الحويني، والذي هاجم فيه منّ اعتبر ما قاله أبوه تراجعًا، إذ قال: ما قاله الوالد أحسن الله عافيته يُعد في ميزان العلم من المناقب، فقد رجع عن خطأ علمي حديثي (إسنادي) وليس رجوعًا في العقائد أو الأحكام أو حتى في المنهج، وكلامه مفهوم لكل ذي لب سليم وفهم متجرد.
المتداول عن اعتذار الحويني، جعل البعض يستدعي فيديو مجتزئ للداعية السلفي محمد حسان، واعتبروه اعتذارًا، وحقيقة الفيديو أنه يعود إلى عام 2015، وكان حوارًا له على فضائية الرحمة، ووجه له سؤالًا: ما تفسير فضيلتكم للمسلمين الذين يهاجمون ويحاولون خلخلة الثوابت الإسلامية الآن؟
رد "حسان"، دعني أكون صادقًا معك، أنا أرى أنا بعض من ينتسب إلى الدعوةِ إلى الله قد أساء البلاغ، ولا ينبغي أن نخطو على الطريق خطوة إلا بعد دراسة الخطوات السابقة باستفاضة للاستفادة من الأخطاء، فليس عيبًا أن نخطئ، وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. 
 وتابع: "أنا أقر وأعترف أننا كدعاة إلى الله تبارك وتعالى طيلة السنوات الماضية وقع منا بعض الأخطاء في الخطاب الدعوي إلى المدعوين، وأسمعنا الناس بعض الكلمات التي لا يليق أبدا أن تكون مرتبطة بمنهج أرق الدعاة وسيد الدعاة صلى الله عليه وسلم"، مضيفًا: "وأنا لا التفت إلى أحد، وما أبرئ نفسي، وأعلنت ذلك من قبل، وهناك خطبة جمعة كاملة حول هذا الموضوع".
"حسان" هو النموذج الأكثر تراجعًا، والأكثر قفزًا على المواقف أيضًا، فهو أكثر اشتباكًا مع الحياة السياسية من "الحويني"، ولذلك هو الأكثر تراجعًا وتناقضًا، إذ أنه قبل ثورة 25 يناير، وبينما كان محمد حسني مبارك رئيس مصر، وكان ذلك قبل الثورة بأيام، خرج "حسان" يمدح مبارك ويمجد فيه، وقال: «أحيى الرئيس مبارك والله لله أحيى كلمات الرئيس مبارك حين قال، إن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام القضية الفلسطينية كلمات رائعة من رجل حكيم يجب على الأمة أن تقدره، وأن نشد على يده، وأن نعينه ونساعده وندعمه، أنا على يقين مطلق أن هاتف من الرئيس مبارك قادر على أن يؤثر في المنطقة، ولا ينبغي لأحد أن يزايد على موقف الرئيس مبارك ومصر من كل قضايا الأمة الإسلامية". 
ولم يكتف حسان بذلك بل أفتى بحرمة التظاهر والخروج على الحاكم.
وفي مقطع فيديو ثان له، يوم 19 فبراير 2011، أي بعد تنحي الرئيس، وتسليمه السلطة للقوات المسلحة لإدارة شئون البلاد قال: إنه فرح وهو يشاهد صورة مبارك يتم إزالتها لأن الإله هو الرب والواحد ومبارك كان يُؤله نفسه، لطالما صرخنا مرارًا وتكرارًا ولكن هيهات قل من يتعظ وقل من يعتبر وقل من يتذكر وصدق ربى إذ يقول ذلك جزيناهم ببغيهم.. من الملك الآن..».
 نفس التناقض فعله مع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، إذ زار ليبيا في عام 2008 تلبية لدعوة من القذافي، واستقبله القذافي في لقاء قالت عنه وقتها وكالة الأنباء الليبية، إنه كان واحدًا من ضمن المشايخ الذين أشادوا بدور القذافي في نصرة الإسلام والمسلمين وإمامته آلاف المسلمين من مختلف أنحاء العالم في الصلوات الجامعة بإفريقيا، وقيام الآلاف من المهتدين الجدد إلى الإسلام من مختلف أنحاء العالم، بإشهار إسلامهم على يديه.
وبعد سقوط "القذافي"، بثورة 17 فبراير، خرج "حسان" وقال: سقط الطاغية.
القطب السلفي الذي لا يتأخر عن تغيير آراءه بكل براجماتية صريحة، ياسر بُرهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، الذي لم يتوان في التراجع عن  فتوى عدم تولي المرأة الولايات العامة كمنصب المحافظ.
وجاء ذلك ردًا علي سؤال عبر موقع "أنا السلفي" جاء نصه "هل تراجعت الدعوة السلفية بالفعل عن رأيها في ولاية المرأة؛ وبعد ما كان لا يجوز أن تتولى المرأة هذه المناصب، مثل منصب المحافِظ أصبحت الآن لا ترى مانعًا مِن ذلك؟
وقال برهامي "قلنا الأمر يحتاج إلى دراسة؛ هل يُعد هذا تراجعًا؟، ولو كان تراجعًا؛ فما المانع أن يراجِع الإنسان أمرًا يَظهر له فيه أنه يحتاج إلى مزيدٍ بحث؟! خصوصًا في توصيف الواقع المتغير؛ فالقانون يجعل صلاحيات للمحافظ قد يكون الواقع مخالفًا لها؛ لوجود مؤثراتٍ مختلفة في كل زمان وكل مكان، وأنا أظن أن الدراسة الدستورية القانونية الشرعية ثم الواقعية غير موجودة للآن، ونحن نجتهد في إعدادها -إن شاء الله-".
الثلاثي السلفي له خطايا في الفتاوى لم ولن يتراجع عنها لأنها عقدية، وأولهم الحويني الذي حرم الدراسة بكلية الحقوق، وأرجع ذلك إلى أنها تُدرس قوانين وضعية من صنع الإنسان، ولا تكترث بالقوانين الإلهية.
كما أنه أفتى بعدم خروج المرأة من منزلها، وقال: "المرأة يجب أن تكون في منزلها لتربية أولادها وأنه لا يمكن أن توفر فرصة عمل لامرأة وتأخذ وظيفة رجل».
 حرم تهنئة الأقباط بعيدهم، وقال عن مبررًا فتواه إن الله "حرم عليك المودة، وأباح البر"، أي أنك يجب عليك أن تفعل الخير معه، لكن لا تحبه.
محمد حسان أيضًا أفتى بوجوب النقاب، وبوجوب القتال في سوريا ضد بشار الأسد.
ومن الفتاوى المتطرفة والشاذة لياسر بُرهامي: "جواز ترك الزوج لزوجته عندما تغتصب، وعدم جواز ارتداء المرأة "الصندل" بدون "جورب"، تحريم بطاقة الائتمان وقال إنها ربا، كما أنه حرم تعليق صور بطوط وميكي ماوس في غرف نوم الأطفال، وحرم التربح عبر بيع الألعاب على الإنترنت.
لا يُمكن هنا الفصل بين تراجع سلفيي مصر وتراجع تيار الصحوة في السعودية، خاصة مع حالة الانفتاح التي دعا إلها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والتي دفعت الداعية السعودي عائض القرني، للتراجع والندم على ما قالوا به في تيار الصحوة، وقال "عائض: "أنا باسم الصحوة اعتذر للمجتمع السعودي، عن التشدد والأخطاء التي خالفت الكتاب والسنة وخالفت صحيح الإسلام، وخالفت الدين الوسطي الذي هو رحمة للعالمين، وضيقت على المسلمين
واعتذر عن للمجتمع السعودي باسم الصحوة، ومن يردني بحديث أو بآية من الكتاب والسنة فأنا معه، وأنا الآن مع الإسلام المعتدل المنفتح على العالم الوسطي، الذي نادى به سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والذي هو ديننا.
وأنا في مرحلة من التعسير إلى التيسير ومن التنفير إلى التبشير ومن التقليد إلى التجديد 
وتيار الصحوة هو الصحوة الإسلامية أو الصحوة السعودية أو صحوة بلاد الحرمين حركة فكرية اجتماعية إخوانية نشأت بدعم من مجموعة دعاة إبان حراكهم الدعوي "لإيقاظ الناس من غفوتهم" على حد وصفهم، بدأ مصطلح الصحوة في الظهور في حقبة الثمانينات الميلادية على يد عدد من الاشخاص في ذلك الوقت من أمثال سلمان العودة في بريدة وعوض القرني وعائض القرني في أبها وسفر الحوالي في جدة وناصر العمر وسعد البريك في الرياض. لقيت الصحوة ما وُصف بأنه دعم كبير من الدولة السعودية فور قيامها وخلال فترة الغزو السوفيتي لأفغانستان وتأثرت توجهات الدولة عموماً بتلك الحركة بشدة خلال عهد الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، وبالتحديد وعلى نطاق واسع في وزارتي العمل والتعليم. إلا أنها سرعان ما اصطدمت مع الحكومة السعودية في منتصف التسعينيات عند بدء رموز الحركة بمطالبة الحكومة بتغييرات اجتماعية وسياسية من أهمها وقف التعاون العسكري مع الولايات المتحدة إبان حرب الخليج الثانية.
ومما يؤكد أن بوصلة الآراء والتراجعات أيضًا ترتبط ببوصلة التمويل، هو ثبات الداعية يوسف القرضاوي على فتاويه المتطرفة والشاذة حتى الآن، ليثبت –يقينًا- أن الأمر هنا مرتبط كما أشارت دراسة معهد واشنطن إلى بوصلة قطر والسعودية، فحيمنا غيرت السعودية آراءها، غيّر السلفيين آراءهم، وحينما استمرت قطر على موقفها الداعم للإسلام السياسي، بقى القرضاوي على موقفه السياسي.
 الحقيقة أن حجم التمويلات المُقدر للسلفيين أو تيار الصحوة من قبل كبير جدًا ورغم عدم وجود وثيقة توضح حجم التمويلات حتى الآن إلا أنه يكفي العلم أن تيار الصحوة في تسعينيات القرن الماضي كان مطمعًا للمحتالين والنصابين لكثرة ما يُغدق عليهم من أموال، ومن هذه القضايا قضية "محتال الصحوة"، إذ كشف موقع العربية في تقريرٍ له عن هوية ذلك النصاب، وقال إنه في أواخر الثمانينات، وتحديداً في عام 1987، جاء من مصر المخرج السينمائي "الهوليودي" أنيس عبدالمعطي (كما عرف بنفسه حينها)، إلى السعودية وذلك بتأشيرة أداء العمرة ليتمكن من دخول السعودية.
وحينها حاول "عبد المعطي" الترويج لقصة إعداده لعمل سينمائي بعنوان "القضية" اختار فيه لتجسيد دور البطولة الفنان "محمد عبده"، وبمشاركة المطربة "سميرة سعيد"، إلا أن الأمر لم يكن سوى وهم مازال يعيش فصوله حتى اليوم، كما الفيلم الذي عرضه على الرئيس العراقي السابق صدام حسين لتجسيد شخصيته بعنوان "فارس ضد فارس".
وما هي إلا أيام قليلة حتى استبدل المخرج الهوليودي (الحليق) بدلته الإفرنجية، إلى زي آخر، ليلبس الثوب السعودي والغترة البيضاء مطلقاً العنان للحيته، متجسداً بذلك رواية جديدة عنوانها "توبة المخرج العالمي".
بدأ محتال "الصحوة" بادعاء أنه "إخواني" فار بدينه وملاحق أمنياً من قبل الأمن المصري، كانت هذه حبكة رواية "المحتال المصري" عبد المعطي لرموز التيار الإسلامي الصحوي في السعودية، مع بداية قدومه إلى السعودية في العام 1987، لتبدأ أموال الزكاة والتبرعات تغدق عليه، مع تزكيات من قبل مشاهير "الصحوة" كانت أبرزها محاضرة لسفر الحوالي (أحد رموز التيار الإسلامي في السعودية) وعائض القرني (أحد خطباء التيار الإسلامي في السعودية).
ليلتحق عبد المعطي بحلقة الشيخ محمد بن عثيمين في جامع عنيزة، والذي افتتح مضافة لطلبة العلم الديني في مدينة عنيزة وسط المملكة للسعوديين وغيرهم.
واستغل "عبد المعطي" بصفته "مخرجا هوليوديا تائبا" لإنشاء علاقات مع الإسلاميين والحركيين في منطقة القصيم وسط السعودية ومدينة جدة غرب السعودية، امتدت لـ 7 أعوام مدة إقامته في السعودية.. ثم أخذ الأموال وهرب وعلى إثر المواجهة الأمنية الأولى لتيار الصحوة في السعودية في العام 1994، وإيقاف كل من سفر الحوالي وسلمان العودة، تم القبض على المصري أنيس عبد المعطي وترحيله من السعودية، ليتم إيقافه لعدة أشهر في مصر، وفي هذه اللحظة ابتكر عبد المعطي رواية جديدة، كانت سبباً في كشف "احتياله" أمام الأوساط الصحوية، تجلت في لقاء نشر معه في مجلة "المصدر"، ادعى فيه تعمده في اختراق مجتمع المتدينين في السعودية، بغرض التجسس عليهم لكشفه وإخراج فيلم يتحدث عن التدين في السعودية.

شارك