بوكو حرام وتوسيع نفوذها في إفريقيا

الأحد 29/مارس/2020 - 10:13 ص
طباعة بوكو حرام وتوسيع حسام الحداد
 
أعلنت السلطات التشادية أمس السبت 28 مارس 2020، إقليمين قرب بحيرة تشاد «منطقة حرب» بما يمنح السلطات المحلية مزيدا من النفوذ للرد على جماعة «بوكو حرام» التي هاجمت قوات حكومية قبل أيام، ما أدى إلى مقتل قرابة 100 جندي.
وصعّدت الحركة هجماتها هذا العام في منطقة بحيرة تشاد حيث تلتقي حدود تشاد ونيجيريا والكاميرون والنيجر، مستغلة خبرة عناصرها بطبيعة المنطقة الجغرافية التي تتميز بكثرة جزرها وأهوارها، وفق «فرانس برس».
وهاجم مسلحون الإثنين قاعدة عسكرية في جزيرة بوهوما، ما أدى إلى مقتل 98 جنديا في إحدى أسوأ الهجمات على الإطلاق على القوات الحكومية. ووقع الرئيس، إدريس ديبي إتنو، مرسوما يعلن إقليمي فولي وكايا «منطقتي حرب».
وأعلنت الحكومة مسبقا حالة الطوارئ في الإقليمين المجاورين لنيجيريا والنيجر. وتسمح الإجراءات للسلطات المحلية والعسكرية بحظر المرور وتفتيش المنازل في أي وقت خلال اليوم.
وتوعد ديبي بـ«رد صاعق» على الهجوم غداة تفقده موقعه. ولطالما سوقت تشاد جيشها، الذي يعتبر واحدا من أكفأ جيوش المنطقة، كدرع واقية ضد الإرهاب حتى وقوع هجوم الإثنين في فولي.
وظهر الجهاديون في نيجيريا في 2009 قبل أن ينقلوا نشاطهم إلى بلدان مجاورة موقعين خسائر متصاعدة في الأرواح وخسائر اقتصادية.
وأفاد مسؤول أن قاعدة بوهوما خسرت الكثير من تحصيناتها بعد نقل كتيبة إلى مكان آخر. وتعهدت تشاد في الأشهر الماضية بإرسال 480 جنديا لمنطقة محاذية لثلاث دول هي مالي والنيجر وبوركينا فاسو لمحاربة الجماعات الجهادية.
وترسل تشاد جنودها خارج الحدود في إطار التعاون الإقليمي ضد الجهاديين مقابل الحصول على تمويل. لكن هذا التعاون يلقى انتقادات في الداخل من تشاديين يبدون قلقهم من ازدياد وتيرة العمليات في منطقة بحيرة تشاد.
وأدى التوسع الجغرافي لعمليات "بوكو حرام" من نيجيريا إلى منطقة بحيرة تشاد إلى إعادة تنشيط فرقة العمل المشتركة متعددة الجنسيات في يوليو 2015، مع تكليفها مكافحة المجموعة، وذلك في وقت انقسمت "بوكو حرام" عام 2016 إلى فصيلين، أحدهما تابع لتنظيم "داعش"، وهو الأكثر نشاطاً وعنفاً في الجزء التشادي من البحيرة، ويقوده أبو مصعب البرناوي، بينما يقود الفصيل الآخر التابع لجماعة أهل السنة للدعوة والجهاد أبوبكر شيكاو.
لكن مراقبين عسكريين أشاروا إلى قدرة الجماعات المتطرفة العنيفة على العمل المميت حتى مع نشر قوات عسكرية كبيرة ضدها، ما يدلّل على مرونتها وقدرتها على التكيف. لذلك، تُعتبر العمليات العسكرية غير كافية، بل هناك حاجة إلى نهج شامل إلى جانب تدابير متنوعة أخرى.
وقد بدّد هجوم "بوكو حرام" المتجدد حالة التفاؤل والارتياح التي شعر بها كثيرون من الساسة والدبلوماسيين الأفارقة بأنه قد حان وقت إسكات البنادق وتغيير السمعة السيئة التي تُعرف بها أفريقيا، كونها القارة الأشهر بالنزاعات وسفك الدماء، خصوصاً أنها شهدت في نهاية فبراير الماضي توقيع اتفاقية بين رئيس جنوب السودان سيلفا كير ميارديت، ونائبه زعيم المعارضة رياك مشار لوقف الحرب الأهلية في البلاد التي استمرت ست سنوات وأودت بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص وشرّدت حوالى أربعة ملايين آخرين، إضافةً إلى الهدنة القائمة بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة في ضوء مفاوضات السلام الجارية حالياً في عاصمة جنوب السودان جوبا للوصول إلى سلام شامل بين الطرفين، فضلاً عن اتفاقية السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى والانتخابات السلمية في مدغشقر والكونغو.
وكانت القمة الأفريقية الـ 33 عُقدت في مقر الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا نهاية ديسمبر 2019، برئاسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تحت شعار "إسكات البنادق في أفريقيا"، بحضور رؤساء 31 دولة وأربعة رؤساء حكومات، إضافةً إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيسَيْ وزراء كندا والنرويج.
وناقشت القمة مسألة القضاء على كل النزاعات في القارة مع حلول العام الحالي من خلال أطر تنفيذية تعالج جذور الصراعات، وتسهم في عمليات إعادة الإعمار في فترة ما بعد الخلاف. وما قد يساعد في ذلك أن رئاسة جنوب أفريقيا للاتحاد الأفريقي للدورة الجديدة تتزامن مع شغلها مقعداً مؤقتاً في مجلس الأمن، بما يعطيها إمكانية إسماع صوت القارة في الساحة العالمية، خصوصاً أن القارة تجتاز مرحلة نزاعات خطيرة، وانتشار آفة الإرهاب في نيجيريا وتشاد والكاميرون ومالي وبوركينا فاسو والنيجر والصومال، ولم يعد الأمر مقتصراً على جماعة "بوكو حرام" المسلحة.
وتأتي قناعات وجهود الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي ومن خلفهما المجتمع الدولي لإيقاف الصراعات والحروب الأهلية التي مزقت القارة الأفريقية في وقت يسود اعتقاد بأنّ عملية إسكات البنادق تتطلب بدورها صناديق تمويل ونهجاً أفريقياً موحداً، لكن الموقف الأفريقي لا يزال يعاني من غياب التوافق، لأن لكل دولة أجندتها الخاصة وتحتاج إلى مزيد من الوقت للوصول إلى نهج موحّد في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية.
وتضمنت رؤية أفريقيا 2063، التي وقّعها الزعماء الأفارقة في ذكرى اليوبيل الذهبي للاتحاد الأفريقي، مراحل مقسمة إلى فترات زمنية مقدار كل فترة منها 10 سنوات، وتشرف عليها إدارة التخطيط الاستراتيجي للاتحاد الأفريقي بالتشاور مع مختلف الأطراف داخل القارة.
وقد حدّد زعماء القارة في تلك الوثيقة نقاطاً محدّدة تتمثل في أن تكون أفريقيا قوية، فتيّة، متعلمة، مصنِّعة، منتجة وفاعلة في الدور العالمي، خصوصاً أنها تمتلك أكثر من 90 في المئة من احتياطات الموارد في العالم. ويستند هذا المخطط، إلى تسريع تنفيذ المبادرات الوطنية والإقليمية والقارية لضمان النمو والتنمية المستدامة، فضلاً عن التطلع إلى أفريقيا آمنة وسلمية.
وتشير البيانات إلى أنه منذ نهاية الحرب الباردة في 1991 كلفت الصراعات أفريقيا أكثر من 100 مليار دولار، إضافةً إلى تشريد نحو 9 ملايين شخص في مختلف أنحاء القارة. فيما يدعو دبلوماسيون وسياسيون إلى ضرورة وضع آلية تفرض ضوابط على نقل الأسلحة إلى دول القارة، ومراقبة شبكات تهريب السلاح، لافتين إلى أن أفريقيا لا تصنّع الأسلحة، إلاّ أنّ الأسلحة تأتي بشكل غير قانوني من خلال المهربين والإرهابيين والجهات الفاعلة الخاصة الأخرى. وتستحوذ روسيا على 35 في المئة من صادرات الأسلحة إلى أفريقيا، تليها الصين بنسبة 17 في المئة، والولايات المتحدة بنسبة 9.6 في المئة وفرنسا بنسبة 6.9 في المئة.
تجدر الإشارة إلى أن "بوكو حرام" صُنّفت عام 2014 على أنها أكثر الجماعات الإرهابية فتكاً في العالم، إذ قتلت في العام ذاته 6600 شخص. وتشتهر بعنفها ضد الأطفال، فاختطفت في أبريل 2014، 276 فتاة من مدرسة في قرية تشيبوك في شمال شرقي نيجيريا.

شارك