فرنسا وتشكيل قوة جديدة للحرب على الإرهاب بمنطقة الساحل

الأحد 29/مارس/2020 - 12:17 م
طباعة فرنسا وتشكيل قوة حسام الحداد
 
شكلت فرنسا، وعدد من حلفائها الأوروبيين والأفارقة، رسميا، أول أمس الجمعة 27 مارس 2020، قوة مهام جديدة أُطلق عليها اسم (تاكوبا) تتألف من قوات خاصة أوروبية ستقاتل، إلى جانب جيشي مالي والنيجر، الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل في غرب أفريقيا.
وبعد مؤتمر عبر الهاتف، أصدر وزراء دفاع وممثلون لثلاثة عشر دولة بيانا سياسيا التزموا فيه بتعزيز الجهود لكسر "صمود الجماعات الإرهابية".
وتلك الدول هي بلجيكا وجمهورية التشيك والدنمارك وإستونيا وفرنسا وألمانيا ومالي وهولندا والنيجر والنرويج والبرتغال والسويد والمملكة المتحدة.
وقبل أقل من ثلاثة أشهر، استضافت مدينة «بو» الواقعة جنوب غربي فرنسا قمة ضمت، بدعوة من الرئيس ماكرون وترؤسه، قادة بلدان الساحل الخمسة «موريتانيا، مالي، النيجر، بوركينا فاسو وتشاد». وجاءت القمة عقب خسارة باريس 13 عسكريا بينهم ستة ضباط وستة ضباط صف في ارتطام طوافتين، نهاية نوفمبر 2019، في منطقة «الحدود الثلاثية» «مالي والنيجر وبوركينا فاسو» في إطار عملية ملاحقة لعناصر إرهابية في هذه المنطقة الأخطر في منطقة الساحل.
وكان غرض القمة التي التأمت في 13 يناير 2020، البحث عن استراتيجية جديدة لمواجهة الدينامية الحقيقية التي أخذت تطبع عمليات المجموعات الجهادية في هذه منطقة حيث تلعب القوات الفرنسية الضالعة في عملية «برخان» دورا رئيسيا. فمنذ الخريف الماضي تزايدت عمليات هذه المجموعات وآخرها العملية الواسعة التي قامت بها مجموعة «بوكو حرام» في منطقة البحيرات التشادية يوم 24 مارس الجاري حيث نجحت في القضاء على ما لا يقل عن مائة جندي تشادي واستولت على كميات كبيرة من السلاح. وبحسب مصادر محلية، فقد أسرت مجموعة من الجنود والضباط، وقبل ذلك بأسبوع، هاجمت مجموعات جهادية ثكنة للقوات المالية تقع شمال مدينة غاو وهي أكبر مدن المنطقة، واستطاعت أن تقضي على ثلاثين جنديا وتصيب آخرين. ثم قبل ذلك بأسبوع، حصلت مجزرة في بوركينا فاسو حيث قتلت مجموعة أخرى، ما لا يقل عن 43 شخصا في قريتين مجاورتين. وهذه العمليات وكثير غيرها تبرز وبشكل واضح قدرة المجموعات الجهادية العديدة على التحرك واختيار أهدافها في بلدان الساحل التي تبدو كلها مهددة باستثناء موريتانيا».
إزاء هذا الوضع المتفجر، كان على باريس أن تتحرك وأن يحصل ذلك في إطار مقررات قمة «بو».
وكان من الضروري إظهار قدرة القوات الفرنسية وقوات الدول الخمس المعنية وأيضا القوة المشتركة المسماة «جي 5» على الرد وعلى العمل المشترك. من هنا، أهمية البيان الذي صدر أول من أمس عن قيادة الأركان الفرنسية والذي يتحدث عن إنجازات «غير مسبوقة» حققتها قوة «برخان» مع وحدات من الجيشين المالي والنيجري ما بين 3 و23 مارس الجاري. وفي التفاصيل أن هذه القوة المشتركة نفذت في المثلث الحدودي المشار إليه سابقا عملية واسعة أطلق عليها اسم «مونكلار» شارك فيها خمسة آلاف عنصر وكانت نتيجتها التمكن من «تحييد عدد كبير من الإرهابيين».
وأضاف البيان أن «هذا الاشتباك، غير المسبوق لناحية عدد القوات المشاركة، سمح بتحقيق نتائج شديدة الأهمية تمثلت في تحييد عدد كبير من الإرهابيين وتدمير أو حجز عدد كبير من الموارد العسكرية» بينها حوالي 80 دراجة نارية وأسلحة وذخائر ومعدات تستخدم في تصنيع العبوات الناسفة.
وأشار بيان رئاسة الأركان الفرنسية إلى «تركيز غير مسبوق للجهود، شمل حوالي 5 آلاف عنصر» بينهم 1700 فرنسي و1500 عسكري من قوة مجموعة دول الساحل الخمس (موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد) و1500 عنصر نيجري مضيفا أن العملية «تترجم بشكل واضح إرادة قوّة «برخان»، وقوة الساحل المشتركة والجيوش الشريكة، لتسليط ضغط قوي على الجماعات الإرهابية المسلحة، خاصة تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى».
واضح أن البيان، إضافة إلى الرغبة في توفير بعض المعلومات عن العملية، فإنه يهدف إلى رفع معنويات القوات العاملة في إطار «جي 5» كما أنه موجه للرأي العام الفرنسي الذي أخذ يتساءل بعد الخسارة الكبيرة التي لحقت بقواته العاملة في إطار «برخان» عن المدة التي ستدوم خلالها تلك العملية التي انطلقت في العام 2014.
ولا يمكن استبعاد أن يكون البيان ردا على العمليات الجهادية الثلاث التي أشير إليها سابقا.
وسبق للرئيس ماكرون أن أمر بزيادة عديد قوة «برخان» حتى يصل إلى 5100 عنصر «مقابل 4600 سابقا». وجاء لافتا أن البيان العسكري الفرنسي شدد، من جهة، على «مستوى التنسيق غير المسبوق» الذي تحقق بين القوات العاملة. ومن جهة ثانية على «وجود آلية قيادة مشتركة فعالة».
وكان هذان العنصران شبه غائبين سابقا عن عمل القوات المشتركة إضافة لكون قوة «جي 5» التي رغم مرور عدة سنوات على إنشائها والتي أريد لها أن تكون السلاح الضارب ضد الإرهاب بقي تأثيرها هامشيا. وأكثر من مرة، عبر المسؤولون العسكريون الفرنسيون عن «خيبتهم» من مستوى تدريب وجاهزية هذه القوة وغياب الاندماج بين الوحدات المشكلة منها.
في الحرب على التنظيمات الإرهابية، راهنت فرنسا الساعية لتخفيف العبء الإنساني والعسكري والمادي الذي تتحمله في منطقة الساحل، على انطلاق قوة الكوماندوز الأوروبية المسماة «تاكوبا».
وشكا الفرنسيون من «التأخر» في قيام هذه القوة التي يراد لها أن تعمل إلى جانب الجيشين المالي والنيجيري. وعزت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي التأخر إلى حاجة بعض الدول إلى استصدار قوانين تتيح لها المشاركة في هذه القوة. لكن أخيرا، شكلت هذه القوة رسميا أول من أمس وذلك بعد مؤتمر عبر الهاتف لوزراء الدفاع وممثلين لـ13 دولة أوروبية. وجاء ذلك في بيان سياسي مطول نشر على موقع وزارة الدفاع الفرنسية تم التشديد فيه على تعزيز الجهود من أجل «كسر صمود الجماعات الإرهابية». والدول المشاركة هي بلجيكا وجمهورية التشيك والدنمارك وإستونيا وفرنسا وألمانيا ومالي وهولندا والنيجر والنرويج والبرتغال والسويد والمملكة المتحدة.
ووصف البيان الوضع في مالي وبلدان الساحل الأخرى بأنه «مصدر قلق» مشيرا إلى أن المجموعات المسلحة الجهادية والإرهابية «تقضي على الاستقرار في أجزاء كبيرة من أراضي مالي كما أنها موجودة في النيجر وبوركينا فاسو». وخص البيان منها بالذكر «داعش في الصحراء الكبرى». أما الهدف الأول للبلدان الـ13 المشاركة في «قوة تاكوبا» فهو «قلب المسار الحالي» للأوضاع الأمنية والعسكرية.

شارك