دراسة جديدة عن ظروف نشأة جماعة “الإخوان المسلمين”

الثلاثاء 14/أبريل/2020 - 01:46 م
طباعة دراسة جديدة عن ظروف حسام الحداد
 
ضمن سلسلة من الإصدارات عن حركات الإسلام السياسي، والتي يعتزم مركز “تريندز” للبحوث والاستشارات في العاصمة الإماراتية أبوظبي، نشرها تباعاً لإلقاء الضوء على هذه الظاهرة من مختلف أبعادها وسياقاتها الداخلية والإقليمية والدولية؛ صدرت دراسة جديدة تحت عنوان “جماعة الإخوان المسلمين.. ظروف النشأة والتأسيس” تناولت بالبحث والرصد والتحليل العميق مختلف المقاربات في معالجة موضوع الجماعة في الكتابات الأكاديمية، والسياقات التي تحكمت في نشأتها وتأسيسها في مصر ثم أُصولُها الفكرية – التراثية، والحديثة، والسمات الشخصية لأبرز قياداتها، وتبيان أثر المتغيرات بمستوياتها المتعددة في تشكيل الجماعة.
وتقول الدراسة إنه وعلى الرغم من كم الكتابات الأكاديمية والصحافية الهائل حول موضوع جماعات الإسلام السياسي، فإنه لا يُعرف سوى القليل عن الظروف التي نشأت فيها الحركات الإسلامية والبيئة المحلية التي سهلت وتُسهل انتشارها. وتضيف بأن القصور البحثي في ظروف نشأة الحركات الإسلامية وعواملها، يقابله في الأدبيات الإسلاموية اهتمام كبير بأيديولوجيات الحركات الإسلامية وقادتها؛ فالقليل من الدراسات وجهت اهتمامها وعملت بشكل منهجي وعلمي على تقييم السياقات الاجتماعية والسياسية للحركات الإسلامية.
تَكمن أهمية الدراسة التي تتألف من مقدمة وخمسة فصول وخاتمة في بيان ورفع الستار عن الطرق التي تتخذها في إقناع فئات واسعة من المجتمعات العربية الإسلامية بأفكارها وأيديولوجيتها والوسائل التي تستخدمها لبث جذورها في المجتمعات، وطرق تجنيدها وتعبئتها للفئات الاجتماعي المختلفة لخدمة مشروعها السياسي. كما حرصت الدراسة على اقتفاء أثر الطرق التي تنسج بها هذ الجماعات وتبني امتداداتها العالمية في المجتمعات غير الإسلامية.
وتضم هذه الدراسة بين دفتيها وصفاً وتحليلاً للعوامل البنيوية المشتملة على العناصر الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والجيوسياسية التي ظهرت في سياقها جماعة الإخوان المسلمين، فضلاً عن المنطلقات والقواعد الفكرية والأيديولوجية لجماعة الإخوان المسلمين بالإضافة إلى عرضها وتحليلها لأبرز منطلقاتهم الفكرية، وتتبع المتغيرات الفكرية والسياسية والحركية التي أسهمت في ظهورها كحركة سياسية خلال الثلث الأول من القرن العشرين.
وقد اعتمدت الدراسة على عشرات المصادر والمراجع العربية والغربية التي كان لها أثر بالغ في فهم ظاهرة الإسلام السياسي؛ وتنقسم الدراسة إلى خمسة فصول تناول أول فصل من فصولها الموسوم بـ”الإطار النظري والدراسات السابقة” عرضاً للمنهجية المتبعة التي اعتمدها البحث، وأبرز المقاربات المنهجية التي تسمح بتقديم تحليل وافٍ ودقيق في دراسة ظاهرة الإسلام السياسي بوجه عام، وجماعة الإخوان المسلمين بوجه خاصة، حيث تقدم الدراسة رؤية متكاملة لنشأة الجماعة من منظور سوسيولوجي وتاريخي واجتماعي وثقافي.
واهتم الفصل الثاني الذي يحمل عنوان “المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مصر خلال الثلث الأول من القرن العشرين” بتقديم عرض لما كانت عليه الأوضاع العامة بأبعادها المختلفة ومتغيراتها بمستوياتها المتعددة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك في محاولة لمعرفة جذور الماضي القريب وتأثيراته في مسار الأحداث وسرديات التي رافقت نشأة جماعة الإخوان المسلمين.
ويعالج الفصل الثالث الذي يحمل عنوان “أركيولوجيا فكر جماعة الإخوان المسلمين” أصل وجذور القناعات والشعارات التي تتبناها هذه الجماعة، حيث تم تقسيمها إلى مرجعيات بعيدة، مثل: فكر الخوارج، وابن تيمية، ومرجعيات قريبة تركز بالأساس على رواد النهضة الإسلامية، مثل: جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا، وأبو الأعلى المودودي.
ويتابع الفصل الرابع الموسوم بـ”المؤسسون: حسن البنّا وأحمد السكري وسيد قطب” أطروحات مؤسس جماعة الإخوان المسلمين وأهم القيادات الإخوانية التي عاصرته، والأطر والمقاربات التي استندت إليها جماعة الإخوان وتأثيراتها السلوكية والحركية والمعرفية ودورها في توجيه مسارات الجماعة وتأطيرها نحو العنف المسلح وجعله عنصراً بنيوياً في خطابها وأطرها الفكرية والمعرفية وسلوكها العام على النحو الذي نراه اليوم، وتطبيقاتهم العملية التي كان العنف أحد مظاهرها وما تنطوي عليه من أبعاد سياسية.
أما الفصل الخامس الذي جاء تحت عنوان “جماعة الإخوان المسلمين… المنطلقات الفكرية” فيتطرق إلى أهم مرتكزات الفكر الإخواني، حيث يستعرض المفاهيم والمصطلحات الأساسية لجماعة الإخوان المسلمين التي تتميز بعموميتها وضبابيتها من قبيل: الإسلام هو الحل، والقرآن هو الدستور، وتزعم أصالتها في البيئة الشرعية والفقهية الإسلامية.
وتخلص الدراسة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين ظهرت ونشأت في ظروف خاصة من تاريخ مصر والمنطقة الإسلامية تميزت بهيمنة أجنبية بريطانية تحديداً على مصر والمنطقة العربية الإسلامية حيث شهدت تداعيات اجتماعية وسياسية واقتصادية، شكّلت في ما بعد أرضية لظهور حركات سياسية واجتماعية ذات توجهات متنوعة التي من بينها توجهات الإسلام السياسي التي مهدت لولادة جماعة الإخوان المسلمين.
كما ساعد سقوط المرجعية السياسية والرمزية الإسلامية المتمثلة في الخلافة العثمانية على ظهور الجماعة التي ظهرت في ظل صراع فكري وسياسي بين تيارات سياسية متباعدة الرؤى والأيديولوجيا. وتزامن ظهورها كذلك مع تغيرات ديموغرافية واجتماعية عميقة، وصراع دولي وإقليمي محتدم في فترة ما بين الحربين العالميتين، بالإضافة إلى نشاط واسع للفكر السلفي في ذلك الوقت.
ورأت الدراسة أن خطر فكر جماعة الإخوان المسلمين يتمثل في فرضها لنموذج سياسي ديني لا يسمح بالاختلاف وبالحريات السياسية، وفرضه رقابة اجتماعية غير متسامحة، ونوع تدين غريب على المجتمع.
وبناء على ما سبق، خلصت الدراسة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين، وحركات الإسلام السياسي بوجه عام، تستغل أي أوضاع اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو ثقافية في التمدد والانتشار في المجتمع، وتوظفها بما يخدم مشروعها السياسي بالأساس الذي يستهدف الوصول إلى السلطة حتى لو كان ذلك على حساب الدولة الوطنية، وتدمير مقوماتها الرئيسية.
كما تشير الدراسة إلى أن التطور التاريخي لجماعة الإخوان المسلمين، وعقيدتها الأيديولوجية، وجميع هيكلها التنظيمية توضح وتؤكد أن الجماعة حركة شمولية/دكتاتورية سياسياً بقدر ما هي متطرفة دينياً.
وتؤكد الدراسة أن الفكرة القائلة إن جماعة الإخوان المسلمين يمكن أن تكون قوة لدعم التعددية والانفتاح السياسي إذا تمت معالجة “الأسباب الجوهرية” التي دفعت جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الأخرى إلى التطرف تتناقض تماماً مع التاريخ العنيف للجماعة، ولجوئها المتكرر للإرهاب. والحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن جماعة الإخوان المسلمين قد فرّخت عدداً لا يُحصى من الجماعات الإرهابية التي تواصل حالياً جلب المصائب والآلام لمصر والمنطقة بأسرها.
وترى الدراسة أن الإخوان المسلمين يستمدون أعرافهم ومبادئهم العقائدية من النموذج السياسي المتطرف الذي تبنّاه الخوارج. كما أنهم، من الناحية التنظيمية، لا يختلفون عن التنظيمات الاستبدادية المشابهة التي ظهرت تحت رايات الفاشية والنازية والشيوعية؛ إذ يسعى أعضاء جماعة الإخوان المسلمين لبناء نظام ثيوقراطي/ديني لا يختلف كثيراً عن النظام السياسي الإيراني الحالي (الملالي) الذين يتصرفون في أعمالهم، وتنظيمهم، وأيديولوجيتهم، كحاضنة للإرهابيين، وبؤرة حشد واجتذاب للموارد البشرية والمادية لتمويل الإرهاب والدفاع عنه، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
علاوة على ما سبق، تقول الدراسة بإن الانتشار العالمي لجماعة الإخوان المسلمين أعطاها القدرة على البقاء من خلال التكيف والتأقلم مع المعطيات السياسية السائدة؛ ففي مصر استطاعت انتهاز الفرص للنمو وتوسيع قاعدة انتشارها لتكون تنظيماً اجتماعياً ليبرالياً في الجانب الاقتصادي في الوقت الذي لم تعلن الجماعة مطلقاً إدانتها للعنف أو للجهاد في خطابها أو أعمالها.
وبحسب الدراسة فإنه وعلى الرغم من الانفتاح السياسي الذي حدث خلال انتفاضات عام 2011 في مصر والمنطقة – حيث استغلت جماعة الإخوان المسلمين الانتفاضات بذكاء للوصول إلى قمة السلطة السياسية في البلاد – فإنها ظلت حركة دون إصلاح، ودون إعادة تنظيم هيكلها، ودون ندم على ما فعلت، وغير قادرة على المشاركة في نمط الإصلاح والتحليل والنقد الذاتي الضروري للتكيف مع متطلبات التحولات السياسية الديموقراطية.
وبحكم تشابه ظروف نشأة الحركات الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي، فإن الدراسة توصي بمعالجة جذور ظاهرة الإسلام السياسي من خلال تحقيق التنمية الاقتصادية والتوزيع العادل لثمارها، وإقامة نظام تعليمي حديث وفعال، ونشر قيم وممارسات تحث على العمل والتسامح، وإتاحة مجالات للنقاش وممارسة الحريات الأساسية، بالإضافة إلى ضرورة ترشيد الخطاب الديني.

شارك