القواسم المشتركة بين المتطرفين الإسلاميين وجماعات اليمين المتطرف في الغرب

الخميس 07/مايو/2020 - 12:02 ص
طباعة القواسم المشتركة حسام الحداد
 
عصر “الغضب”. هكذا فضلت الكاتبة الأسترالية “جوليا إيبنر” المتخصصة في شؤون الإرهاب والتطرف، أن تنعت عصرنا الذي نعيش فيه وجاءت التسمية لاعتقادها أن الغضب في عصرنا ينتشر في كل مكان؛ مشيرة إلى ما يشهده العالم من تنامٍ في الكراهية والعنف، وارتفاع مستويات الجريمة، وازدياد التحديات الأمنية، ولا سيما التنامي الواسع لليمين المتطرف، والتنظيمات الجهادية الإسلامية، في كتابها (الغضب: الحلقة المفرغة بين المتطرفين الإسلاميين وجماعات اليمين المتطرف في الغرب)، حيث تُسلط الضوء على تنامي الجماعات الإسلامية المتطرفة، إلى جانب تنامي اليمين المتطرف في بداية القرن الحادي والعشرين، وتدرس التفاعل بينهما.
وبالرغم من أن العالم يشهد تطورات كبيرة من حيث التعليم والصحة والتكنولوجيا والتنمية، فإن العالم على بُعد خطوة واحدة من الدخول في فوضى كاملة. في الأمس شهدنا صعود هتلر، واليوم نشهد عالماً مضطرباً مرة أخرى.
تُظهر الكاتبة قلقها من صعود الحركات القومية والشعبوية؛ التي تنادي بشعارات تعبر عن الارتداد العالمي عن مبادئ التعاون الدولي لصالح سمو المصالح القومية. تقول الكاتبة: “أخاف أن أهمس لنفسي أن البشرية لن تتعلم من التاريخ، ولا حتى من أسوأ الأجزاء منه… التي حصلت من فترة غير بعيدة”.
في 2 مايو 2011، استبشر الملايين من الأمريكيين الذين كانوا ينتظرون قيام القوات الخاصة الأمريكية بقتل أسامة بن لادن، بعد عملية مطاردة استمرت ثلاثة عشر عاماً، من الهجمات الإرهابية على أبراج التجارة العالمية والبنتاغون. احتفل البعض ظناً منهم أن العالم سيكون “مكاناً أكثر أمناً”، وأن العالم سيشهد نهاية التطرف العالمي، حيث شلت حركة طالبان والقاعدة، وتحدث خبراء مكافحة الإرهاب عن تراجع الجماعات الإرهابية الإسلامية. وعلى مدى أقل من ثلاث سنوات، أعلن تنظيم داعش عن تأسيس الخلافة، وعادت الولايات المتحدة إلى العراق. وبحلول عام 2016، أصبحت المساحة التي تسيطر عليها داعش تعادل حجم بريطانيا، تضم أكثر من (30.000) مقاتل أجنبي. وفي الحقيقة، لم يكن التطرف الإسلامي قد اختنق فعلاً، وتبين أن هزيمة جماعة إرهابية قد تؤدي إلى تحقيق الاستقرار في منطقة ما مؤقتاً، أو توقف هجماتها، ولكنه لا يُلغي التهديد طويل الأمد الذي يشكله التمرد الجهادي العالمي.
يدرس الكتاب التفاعل ما بين جماعات اليمين المتطرف في الغرب والجماعات الإسلامية المتطرفة، وينظر الكتاب في كيفية تفادي خطرهما. تعتقد الكاتبة أن فهم العوامل الدافعة وراء التطرف المتبادل، ومظاهره، وظروفه الملموسة، يُشكل خطوة حاسمة لاستخلاص توصيات تهدف إلى منع الهجمات الإرهابية مستقبلاً.
يشترك اليمين المتطرف والجماعات الإسلامية المتطرفة في تعزيز روايات بعضهما البعض، من خلال اعتقاد اليمين أن الإسلام في حرب مع الغرب، واعتقاد الجماعات الإسلامية المتطرفة، أن الغرب في حرب مع الإسلام، ذلك ما يُسهم في تعزيز الكراهية والغضب باسم “الغضب المتبادل”.
تشير الكاتبة إلى أن الخطوة الأولى في التصدي للتطرف، تكمن في الاستماع إلى قصص المتطرفين. ولهذا السبب قررت مقابلة جهات في كل من اليمين المتطرف والجماعات الإسلامية المتطرفة.
شهدت الكاتبة فعاليات أقامها كل من حزب التحرير ورابطة الدفاع الإنجليزية (ELD)، التي كانت قد أُقيمت يوم السبت الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2016. ركز خطاب رئيس حزب التحرير في المملكة المتحدة عبدالواحد، حول القضايا التي تُثير غضب المسلمين وتأجج مشاعرهم؛ مشيراً إلى قمع المسلمين في كشمير، واغتصاب الهنود للنساء الكشميريات، والذي اعتبره واحداً من أشكال العذابات التي يعيشها المسلمون حول العالم. وأضاف، أن فرنسا عززت التمييز ضد المسلمين، من خلال حظر الحجاب للطالبات، لافتاً إلى حظر ألمانيا للنقاب في المدارس، وفي هولندا هناك من يريد حظر القرآن، وفي أستراليا دعا حزب الأمة إلى فرض حظر على المهاجرين المسلمين. واعتبر في هذا السياق أن قيم الليبرالية والتسامح التي يتحدث عنها الغرب تبدو هشة.
من جهة أخرى، لاحظت الكاتبة أن الأسلوب الذي استخدمه رئيس حزب التحرير عبدالواحد، يشبه كثيراً الأسلوب الذي استخدمه قائد رابطة الدفاع الإنجليزية “EDL”، حيث ركز خطابهما حول هجمات الإسلاميين المتوحشة التي تستهدف الغرب، وقضايا الرهائن الغربيين، وحالات اغتصاب النساء وإهانتهن؛ وبهذا يعتقد كلا الطرفين أن الحرب ما بين الغرب والإسلام أمر محتوم.
يتقارب الخطاب وآلية العمل في الرابطة الإنجليزية للدفاع وحزب التحرير بشكل لافت، ذلك أن كليهما يحرض على الكراهية ضد الآخر، وتكمن الأزمة في اعتقاد كل منهما أن الطرف الآخر يُمثل المجتمع ككل.
على ضوء التنامي العالمي لليمين المتطرف والجماعات الإسلامية المتطرفة، تظهر أهمية تعزيز فهم التفاعل بين التهديدين اللذين يعاملان غالباً، من جانب المحللين والسياسيين على حد سواء، على أنهما معزولان.
ناقشت الكاتبة أصول الفكر المتطرف لدى الجماعات الإسلامية، وفي هذا السياق لفتت الكاتبة إلى إرث فكر ابن تيمية، وأبي الأعلى المودودي، وتنظيرات حسن البنا وسيد قطب. ومن جهة أخرى، تناولت الكاتبة الموجة الجديدة من صعود الجماعات الإسلامية المتطرفة، وتشير هنا إلى اندراجها في قسمين، وهما: الجماعات المتطرفة العنيفة والجماعات المتطرفة غير العنيفة، مشيرة إلى أن هذه الجماعات ليست كلها جهادية. لافتة إلى وجود مئات المجموعات المتطرفة التي لا تدعو للجهاد، وأخرى، تنظيمات جهادية كتنظيمي القاعدة وداعش. وبصرف النظر إن كانت الجماعات المتطرفة الإسلامية عنيفة أم لا، فإن الطرفين يشتركان في الهدف نفسه، الذي يتمثل في إقامة الخلافة وتطبيق الشريعة؛ إن ما يختلف فقط هو الطريقة التي يسعون من خلالها لتحقيق أهدافهم.
قامت الكاتبة بتتبع تاريخ صعود أفكار اليمين المتطرف، مشيرةً إلى أفكار القومية والفاشية في منتصف القرن العشرين، واللاسامية والنازية، وما لحقها من صعود لأفكار تقف ضد المسلمين والهجرة منذ ثمانينيات القرن العشرين. وفيما يخص الموجة الجديدة من صعود اليمين المتطرف في العالم، تشير الكاتبة إلى تفشي الجماعات الإرهابية، في المرحلة التي لحقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث شهدت الولايات المتحدة الأمريكية وحدها بالمتوسط (337) هجوماً، من جماعات تنتمي لليمين المتطرف سنوياً.
تعتقد الكاتبة أن تنامي اليمين أمر طرأ نتيجة الفوضى، ودور وسائل الإعلام، وتدفق أعداد من المهاجرين واللاجئين، وعوامل أخرى أسهمت في تحويل أوروبا إلى “Eurabia”، الوصف الذي استخدمته الكاتبة للتعبير عن التحول في قارة أوروبا نتيجة الهجرات العربية والمسلمة إليها.
تعتقد الكاتبة اشتراك كل اليمين المتطرف والجماعات الإسلامية المتطرفة والإرهابية في جمودهم وتصلبهم تجاه الأمور والقضايا، حيث يأخذون الأمور بحرفية تامة. يرى الإسلامويون أن الغرب في حرب مع الإسلام بينما يرى اليمين المتطرف أن الإسلام في حرب مع الغرب، هذا ما يجعل الطرفين في عداء دائم، ونظراً لقيامهم بسرد القصص نفسها، ترى الكاتبة أنه بهذه الطريقة يدعم ويعزز كلا الطرفين بعضهما بعضاً، حتى شكلوا “وجهين لعملة واحدة”.
تطرح الكاتبة مثالاً، من خلال النظر إلى وسائل الإعلام الاجتماعي، ومنشورات كل من الإسلامويين واليمين المتطرف، التي تتشابه في إقصاء الآخر. طرحت الكاتبة مثالاً حول تغريدة قام بها (أبو محمد المقدسي) العضو في تنظيم القاعدة، الذي اعتبر من خلالها، أن فوز دونالد ترمب في الانتخابات الأمريكية، تمثل عقلية وتوجه الأمريكيين وتحيزهم ضد المسلمين والعرب وكل شيء!
في الختام، تعتقد الكاتبة أن “العداء المتبادل” المتخيل ما بين الجماعات الإسلامية المتطرفة واليمين المتطرف، قد خلق حلقة مفرغة من الكره، الأمر الذي يؤدي إلى رفع وتيرة العنف بين الطرفين، والهجمات الإرهابية، وستؤدي إلى مزيد من تقسيم المجتمعات.
أخيراً تعتقد الكاتبة أن الحل يكمن في خلق هوية مشتركة قوية، تعيد توحيد مجتمعاتنا المقسمة لإجبار الطرفين على التراجع، وتقترح الكاتبة تشجيع التفكير النقدي والإبداع، لاعتقادها أن الحلقة المفرغة ما بين الطرفين نتجت عن تصاعد الغضب، والكراهية.

شارك