العمامة المستنيرة ...فكر عبد المتعال الصعيدي في كتاب جديد

الثلاثاء 12/يناير/2021 - 04:51 م
طباعة العمامة المستنيرة روبير الفارس
 
عن الهيئة العامة لقصور الثقافة صدر كتاب العمامة المستنيرة  للدكتور احمد محمد سالم أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية الأداب جامعة طنطا الكتاب ينطلق من  محاولة لتجسير الفجوة بين الإسلام والعلمانية ،والديني والمدني، من خلال عرض رؤية الصعيدي التجديدية، ويقول الدكتور احمد سالم في مقدمته  فالصعيدي هو امتداد لمدرسة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وسعي من خلال فكره التجديدي لتقديم قراءة معاصرة للفكر الديني تراعي تطور المجتمع والزمن والبيئة التي يعيش فيها، ففي فكر الصعيدي إعادة الاعتبار للعلم والعقل، وإدراك أهمية الزمن في النظر إلى الفكر الديني الجديد ،ومن هذا المنطلق كان خيارنا للصعيدي ليس بوصفه مجددا فقط، بل بوصفه يخدم قضيتي الأساسية، وهي محاولة تجسير الفجوة بين الإسلام والعلمانية عبر فكر ديني جديد مستنير هو فكر الشيخ الصعيدي ،ولعل الاطلاع على فكر هذا المصلح أن يقلل حدة الاستقطاب بين العلمانيين والإسلاميين على فضاء الانترنت ووسائل الإعلام.              
 والكتاب يضم مقدمة وأربع فصول وخاتمة
المقدمة تعرض لحالة الاستقطاب بين العلمانيين والإسلاميين، وأبعاد الاتهامات المتبادلة بينهما، والتأثير السلبي لهذا على حياة المجتمع. 
وفى الفصل الأول (الأزهر بين الديني والعلماني)ويناقش  مشروع الصعيدي لتطوير الأزهر ،وذلك عبر أفق الإصلاح التي تم المناداة بها من داخل الأزهر ،وكيف اعتني الصعيدي بهذه القضية ،واهتم بتاريخها الحديث ،وقدم فيها رؤية لعلمنة الأزهر، وضرورة دخول العلوم الحديثة إليه، ومناقشته لأهمية تجديد العلوم السائدة داخل الأزهر ،وأهمية الفصل بين العلم الديني ،والعلم المدني الحديث.  
وفى الفصل الثاني ( التجديد ...من الغيبي إلى الدنيوي)
   ويعالج هذا الفصل معني التجديد ومعوقاته ،وكيف يرى الصعيدي ضرورة أن ينتقل التجديد الديني من الغيبي إلى المادي والاجتماعي ، وأن يركز على نقل وظيفة الدين ،إلي تحسين حالة الاجتماع والنهضة به، ولهذا كان ينتقد العطالة الصوفية،،ومن جانب آخر يري الصعيدي ضرورة إرساء العقلانية والعلم في الفكر الديني الجديد  ، وكيف كان الصعيدي أقرب  لمدرسة الاعتزال الجديد في هذا  الأمر ، تلك المدرسة التي أرسي دعائمها الإمام محمد عبده  . 
وفي الفصل الثالث: (التجديد...العلوم الإسلامية من التاريخي إلى العصري) ويناقش الفصل تجديد العلوم الإسلامية في مجالات علم الكلام ، وأصول الفقه ، والفقه ، ونناقش حجم اسهام الصعيدي التجديدي في هذه المجالات ، ومدي الإضافة التي قدمها هذا المجدد في هذه المجالات .
       وفى الفصل الرابع : التجديد ...من الديني إلى السياسي ) ويعرض هذا الفصل علاقة الروحي بالزمني ،والديني بالسياسي في مسألة الدولة، وهل ثمة كهانة في الإسلام، ويطرح رؤي الصعيدي التجديدية حول هذه الموضوعات، وحواره مع أعلام عصره مثل خالد محمد خالد ، ومحمد الغزالي حول هذه القضايا.   و في النهاية خاتمة الكتاب نعرض فيها لأهم النتائج
جمود الازهر
وقد اشار الكتاب الي  أهم الأسباب التي طرحها الصعيدي حول جمود الأزهر وتخلفه هو نفسه أهم أسباب إعاقة تطوير الفكر الديني هو تقديس الأسلاف وعلومهم، وتقديس اجتهاداتهم بالحد الذي يعجز معه أي معاصر من السعي نحو تقديم اجتهاد حقيقي نتيجة لتغير حركة الزمن، وتطور حركة المجتمع ، وتغير المستجدات المعاصرة، في حين أن الشيوخ على اختلاف طوائفهم لكل منهم مقدساته، فالسلف يقدسون أعمال ابن حنبل وابن تيمية، وابن عبد الوهاب، والأشاعرة يقدسون أعمال الأشعري ورموز المذهب، والشافعية يقدسون الشافعي ورموزهم ويؤلفون حول طبقات الشافعية، وهكذا كان تقديس القدماء أحد أهم الأسباب المعيقة لتطور الفكر الديني فيقول الصعيدي:" إن من أسباب الجمود المبالغة في تقديس الأسلاف وعلومهم ، فالأسلاف عند أهل الأزهر أعلى من يؤخذوا بنقد، وعلومهم لا يذكر بجانبها علوم غيرهم، ولا يمكن أن يسمح الزمان بمثلهم وبمثل علومهم"( ) ولاشك أن تقديس الأسلاف وعلومهم إنما يعكس مدى استقالة العقل والتفكير في أروقة الأزهر لأنه منحوا السلف الحق أن يفكروا بديلاً عنهم ، بدعوي قفل أبواب الاجتهاد أمام العلماء، والتي هي حق أصيل لكل عالم حتى نربط الدين بتطور المجتمع، وضرورة تطوير الفكر الديني بما يوافق تطور حالة المجتمع. 
ولقد مر ما يقرب من قرن على اجتهادات الصعيدي حول أسباب الجمود في الأزهر، ومازالت هذه الأسباب قائمة في أورقة الأزهر، وكان الصعيدي حريصاً على الدعوة إلى ضرورة تفكيك مثل هذ الأسباب حتى نهيئ فضاء الأزهر للتجديد والإصلاح فيقول: " يجب أن يقضى على هذه الأسباب التي أدت بنا إلى ذلك الجمود العلمي والديني، لنفسح عقول أهل الأزهر للبحث والنقد، ولا نقابل كل رأي جديد بالإنكار والاعتراض، ويكون هذا بأن نطلق لهم الحرية في اختلاف الفرق الإسلامية، وفي اختلاف المذاهب الفقهية في الفروع ، وبأن لا يكون عليهم مثل تلك العقوبات التي تحدد حريتهم، وتجعل للرؤساء سلطة واسعة عليهم، وبأن نقتصد في تقديس أسلافنا، ولا نهاب الأخذ بالنقد النزيه، ووضع علومهم موضع البحث والتمحيص" ونلاحظ أن إصلاح الجمود بالأزهر لا يتم إلا عبر إرساء دعائم العقلانية والتفكير المستقل القائم على النقد والبحث والتمحيص، وضرورة قبول التعددية الدينية على مستوى العقائد والفقه لأن في التعدد ثراء وتنوع للرؤى، وعدم إرهاب العقل الحر بأي سلطة تشريعية لقوانين جائرة على حق العقل في التفكير الحر، أو أي سلطة دينية للرؤساء تقيد التفكير وتقمع العقل، وكذلك يركز على أهمية إزاحة القداسة عن السلف وعلومهم حتى تكون اجتهاداتهم محل نقد وتمحيص، ولاشك أن هذه هي روح علمانية واضحة في فكر الشيخ الصعيدي، روح يسيطر عليها مركزية العقل الإنساني، وحرية الإنسان في التفكير والاجتهاد والإيمان بالاختلاف والتعدد والتنوع وقيمته. 
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن ما هو حال التعليم في الأزهر في ظل سيادة هذا الجمود؟ يرى الصعيدي أن مصيبة الأزهر والمعاهد الدينية إنما في اعتمادها في دراسة العلوم الدينية والعربية على كتب ليس فيها شيء من روح العلوم ، وإنما هي مماحكات لفظية تافهة في عبارات المتون والشروح، وما دام الأزهر معتمداً على فسيمكث على جموده في العلم ولا ينهض من كبوته التي تروى فيها بسبب ذلك الجمود ، وسيمكث أهله غير صالحين لشيء في حياتنا الحديثة.

شارك