حتى لا ننسى (1): التسلل بهدؤ ونعومة...البداية مع السادات

الخميس 17/يونيو/2021 - 02:41 م
طباعة حتى لا ننسى (1): ليلى عادل
 
ربما يشغل هذا السؤال تفكير العديد من السياسيين والباحثين ، ليس في مصر فقط بل في الوطن العربي والعالم، وربما يثيره البعض من متابعي أخبار هذه الجماعة ومحاولاتها اليائسة للعودة إلى الحياة السياسية في مصر، والأكيد أنه سؤال كبير ومركب، لأن هذه الجماعة وعلى مدار النصف قرن (من بدايات سبعينيات القرن الماضي) بدأت في تنفيذ مخطط شامل للتغلغل والإنتشار فكريا وتنظيميا في كل مفاصل الدولة والمجتمع المصري ، و في تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين . منذ أن سمح لها السادات بالعودة للحياة السياسية حينما أطلق يدها في الجامعات المصرية لمواجهة اليساروالتيار الناصري، ومن بعده سمح لها مبارك بالتوغل داخل المجتمع المدني والنقابات المهنية، والتوسع الاقتصادي بتأسيس الكيانات المالية والتجارية ،وتدشين المدارس الخاصة التابعة لها،والقنوات الاعلامية والصحف وتشكيل الجمعيات الخدمية ، و الانغماس والتسلل لمنظمات المجتمع الاهلي، وسارعت جماعة الاخوان الارهابية في تنفيذ " خطة التمكين " التي أعدتها منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي .
وسوف نطرح في هذا الملف( على حلقات ) رؤيتنا  للإجابة عن هذا السؤال ، بداية من تسللها للمجتمع المصري في عهد السادات ومبارك مرورا بهزيمتها السياسية  عقب انتفاضة الشعب المصري لمواجهتها في ثورة 30 يونيو 2013، والقضاء على أذرعها الإرهابية في الدلتا، والظهير الصحراوي الغربي وفي سيناء، وكيف استطاع الجيش المصري "العملية الشاملة سيناء 2018"، تقليم أظافرها، ثم هزيمتها اقتصاديا بتجفيف منابع التمويلات وقطع الامدادات المالية لخلاياها النائمة في الداخل، تلك المواجهات الحاسمة والتي لاقت تأييد وتفاعل الشعب  معها ، وكشفت الوجه القبيح للمخططات الاخوانية التي سعت للهيمنة والاستحواذ على مقدرات وحاضر ومستقبل مصر.
 وبالتأكيد قطعت تلك المواجهات شوطا معتبرا في اسقاط وهزيمة مشروع الاخوان ،خاصة على صعيد كشف زيف وتهافت رؤى وممارسات الاخوان سياسيا ، ومحاصرة وتجفيف منابع امبراطورية  الجماعة المالية والاقتصادية وتوجيه ضربات حاسمة لاذرعها الارهابية المسلحة ، كما تحققت نجاحات ملموسة في التصدي للمحاولات المحمومة التي اطلقتها ابواق الجماعة في التشكيك في مشروعية ثورة 30 يونيو ، والإنجازات السياسية والتنموية التي تشهدها مصر في ظل قيادة الرئيس السيسي لاستقرار وبناء الدولة المصرية الحديثة .
ومازالت معركة المواجهة الشاملة للمخطط والمشروع الاخواني الارهابي مستمرة،فماراكمته ونشرته الجماعة على مدار الخمسين عاما الماضية من أفكار ومفاهيم وممارسات داخل المجتمع المصري ،تتطلب الكثير من التدابير والسياسات المتكاملة والرؤى الشاملة خاصة على الصعيد الفكري والثقافي والتعليمي والاعلامي ، لتجفيف منابع الفكر الاخواني ، وهو التحدي الأصعب الذي يستدعي تضافر الرؤى والجهود من كل المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، فالتطرف والارهاب و" الأخوانة " يبدأ فكرا، هذه المواجهة مدخلها السعي الجاد لتجديد الخطاب الديني ، ورد الاعتبار لثقافة الحوار والتسامح وقبول الآخر، وإعلاء قيم المجتمع المدني ، ودعم دور ومكانة المراة ،وتطوير التعليم العام والأزهري ، وتحديث وتطوير منظومة الإعلام الرسمي والخاص،  ووقتها يمكن القول أننا نجحنا - حكومة وشعبا - في القضاء على فلول المخطط الاخواني، وعززنا بناء الدولة المدنية الحديثة، دولة الديموقراطية والعدل الاجتماعي ، وعن سبل وكيفية واستراتيجية تلك المواجهة الشاملة لمشروع "الأخونة " ستكون الحلقة الأخيرة من هذا الملف .  

التسلل بهدوء ونعومة...البداية مع السادات                  
نظرا لما كان يعانيه السادات في بداية حكمه من كثرة المشكلات المحيطة به في الداخل والخارج ،شعر بأن الخطر الحقيقى على نظام حكمه يأتى من اليساريين والشيوعيين والناصريين؛ خاصة الطلاب منهم، لأنهم يسيطرون على الجامعات عن طريق الاتحادات الطلابية.. ومن هنا فكر السادات في إنشاء تيار دينى وسط طلاب الجامعات تكون مهمته ضرب التيار اليساري.
وفى حواره مع مجلة «المجلة» اللندنية، يوضح الدكتور محمود جامع دور السادات في إنشاء وتقوية الجماعات الدينية: حيث دعاه السادات للقاء منفرد في منزله عقب التخلص من مجموعة 15 مايو وأسر له بعدم ارتياحه لتنامى التيارين الناصرى والشيوعى في الجامعات.
وقال له ما نصه: «يا محمود العيال الناصريين والشيوعيين هيتعبونى في الجامعة»، وأردف: «أنا عايز نربى شباب مسلم ونصرف عليهم ويصبحوا ركيزتنا في الجامعة».
وبالفعل أوكل إلى مع محمد عثمان إسماعيل، تلك المهمة وحدد له مخصصات مالية للإنفاق عليها، على أن يتولى جامع مهمة جامعات الوجه البحري، ويتولى عثمان إسماعيل مهمة جامعات الوجه القبلى انطلاقا من أسيوط التي كان محافظًا لها آنذاك وكان معروفا بعلاقاته القوية والمتميزة في أوساط شبابها.. وأعطى السادات لمحمد عثمان إسماعيل صلاحيات مطلقة لتنفيذ هدفين:
الأول: خلق تيار إسلامى يوازى الاتجاه اليسارى في المجتمع ككل.
والثاني: أن يكون هذا الشباب هو أداة لضرب الطلبة الناصريين والشيوعيين داخل الجامعات
ركز السادات  جهوده لمواجهة الحركة الطلابية المتصاعدة، والتي وصلت إلى قمة خطورتها وقوتها عند احتلالها لميدان التحرير، واقعة الكعكة الحجرية، بما يمثل تهديدا سافرا صريحا للدولة وهيبة السلطة والرئيس.
وبعد ساعات قليلة من الواقعة التي استفزت السادات وأثارت غضبه، اجتمع الرئيس مع مرشد الإخوان السجين حسن الهضيبى، وسرعان ما تم الإفراج عنه وعن قيادات ورموز بارزة في حركة الإخوان، وتمت الصفقة التي يبحث كل طرف من طرفيها عن مصلحة خاصة مختلفة: السادات يراوده كيفية مساعدة الإخوان له في مواجهة الحركة الطلابية اليسارية المعارضة، والإخوان يبحثون عن أمل لبعثهم من جديد.
اتفق السادات مع الإخوان، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: أي إخوان اتفق معهم وعقد صفقته؟، وما الأهداف الحركية الحقيقية التي راهنت عليها الجماعة؟!. 
كان المستشار حسن الهضيبى مرشدا رسميا وزعيما علنيا شرعيا، لكن الحركة كانت منقسمة بين اتجاهين: أولهما  لا يفضل التصادم والمواجهة مع السادات يمثله عمر التلمسانى ، وثانيهما متشدد يتجسد في رجال النظام الخاص، وفى مقدمتهم مصطفى مشهور، الأول كان في الواجهة مع السادات والآخر كان يدير كل شيء من وراء ستار، وظل الوضع هكذا حتى اغتيال السادات، واستطاع التلمسانى إقناع  مجموعة بارزة من جيل الشباب من كوادر الجماعات الإسلامية  بالانضمام للاخوان ، والتخلي عن ممارسات الصدام مع الدولة ، واستبدالها بفكرة التسلل والاستحواذ على مفاصل المجتمع المدنى عبر السيطرة الكاملة على مؤسساته وفى مقدمتها النقابات والأحزاب والبرلمان.
وبالتدريج اثبتت هذه الاستراتيجية الاخوانية نجاحها ،واقترنت تلك الخطوة بنمو عدد من الظواهر المهمة نشير إلى بعضها في النقاط التالية:
الأولى: أن حركة جماعة الإخوان الفكرية والتنظيمية بدأت تعود إلى الساحة مرة ثانية منذ عاد من الخارج أعداد غفيرة من كوادرها الذين حققوا ثروات في بلدان المهجر، ليضيفوا إليها قوة اقتصادية طاغية، كما أعادت الجماعة إصدار مجلة الدعوة بعد توقف عشرين عاما لتكون منبرا إعلاميا مهما للدعوة لتبني أفكارها ومواقفها من جميع القضايا والإعلان عنها، ثم لتبدأ ثانية في تنظيم شُعبها على مستوى المحافظات.
وكانت الظاهرة الثانية هي بداية ظهور جماعات جديدة أكثر تطرفا تحت مسميات أخرى. 
وتحولت تلك  الجماعات الإسلامية التي انتشرت في جميع المحافظات إلى مفرخة يتنافس على استقطاب عناصرها جميع التنظيمات ذات المرجعية  الدينية على الساحة، وفى القلب منهم جماعة الإخوان المسلمين. وتطورت الأمور لكى تصبح هذه الجماعات أداة هذه التنظيمات على المستوى القاعدى في الجامعات وخارجها في القاهرة وباقى المحافظات.
اتخذ عمر التلمسانى المرشد العام الثالث للجماعة موقفًا مراوغًا فيما يتعلق بالموقف من سياسات السادات ، في هذا السياق وللتدليل على ازدواجية الخطاب الاخواني ، (وهو نهج شائع لدى جماعة الاخوان ، بل يمكن القول انه من " الثوابت " التي اعتمدتها الجماعة من بدايات تأسيسها على يد  مرشدها الأول حسن البنا . )
كمثال للمراوغة وازدواجية الخطاب الاخواني : جاء امتناع المرشد العام عمر التلمسانى عن تأييد الائتلاف الوطنى المعارض لسياسات كامب ديفيد في عامى 1980-1981، واعتراضه على قرار المقاطعة العربية لمصرعقب توقيع اتفاقية السلام مع اسرائيل، ومطالبته قادة الدول العربية بتقديم بديل عن سياسات السادات السلمية بدلا من مقاطعته في الوقت الذي انضم فيه أحمد سيف الإسلام البنا نجل مؤسس الجماعة إلى الائتلاف المعارض للاتفاقية، فيما كانت مقالات مجلة  «الدعوة» - الناطقة بلسان الاخوان والتي عادت للصدور بقرار من السادات ،كواحده من بنود تفاهمه واتفاقه معهم ، دأبت "الدعوة"   على الهجوم على اتفاقية كامب ديفيد، مما تسبب في حرج وضيق شديدين للرئيس السادات خاصة أن الاتفاق بينه وبين التلمسانى لم يكن ينص على معارضة سياسات الرئيس علنا. 
وسرعان ما حدث الصدام بين الطرفين، وشملت قيادات الجماعة - بمن فيهم مرشدها العام - قرارات اعتقالات سبتمبر 1981 الشهيرة، ووجهت لها السلطة اتهامًا بتشكيل تنظيم سرى جديد، بينما كان المسرح يتم تجهيزه للقضاء على السادات بواسطة إحدى الجماعات الإسلامية المتطرفة، والتي مهد لها السادات بنفسه طريق التوغل داخل شرايين المجتمع المصري.

شارك