الطعن فى مواجهة القلم: سلمان رشدى.. آخر ضحايا فتاوى إهدار الدم

الإثنين 15/أغسطس/2022 - 10:01 م
طباعة الطعن فى مواجهة القلم: حسام الحداد
 
تعرض الكاتب البريطاني سلمان رشدي، الذي أصدر «الخميني» فتوى بهدر دمه بسبب روايته «آيات شيطانية»، للطعن في العنق بنيويورك. وندد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بالهجوم المروع الذي تعرض له الكاتب البريطاني الهندى سلمان رشدي، يوم الجمعة الماضى، في الولايات المتحدة الأمريكية. وأعرب «جونسون» فى تغريدة له على موقع «تويتر» عن روعه لتعرض سلمان رشدى للطعن أثناء ممارسته حقًا علينا ألا نتوقف عن الدفاع عنه، في إشارة إلى حرية التعبير.
وأبدت رابطة المؤلفين الأمريكيين المعروفة باسم «نادي القلم في أمريكا» صدمتها بعد الهجوم على رئيسها السابق سلمان رشدي، وجاء في بيان النادي الذي نشرته رئيسته الحالية سوزان نوسل، أن نادي القلم الأمريكي أصيب بصدمة مروعة إثر أنباء الهجوم الوحشي المتعمد على رئيسنا السابق وحليفنا المخلص سلمان رشدي، الذي ورد أنه تعرض للطعن عدة مرات أثناء حديثه على خشبة المسرح في معهد تشوتاكوا شمال ولاية نيويورك.
وأضافت القول: «لا يمكننا إيجاد حالة مماثلة لهجوم عنيف علني كهذا على كاتب فوق التراب الأمريكي»، وتابعت «نوسيل» أن سلمان رشدى تعرض للهجوم بسبب كلماته منذ عقود، لكنه لم يتأثر أبدًا ولم يتردد أبدًا، فقد عمل بلا كلل لمساعدة الآخرين المعرضين للخطر والمهددين.
هو أحمد سلمان رشدى ولد في ١٩ يونيو ١٩٤٧؛ روائي وكاتب بريطاني من أصل هندي كشميري. فازت روايته الثانية أطفال منتصف الليل بجائزة بوكر الأدبية في عام ١٩٨١، إذ اعتُبرت «أفضل رواية لجميع الفائزين» في مناسبتين منفصلتين احتفالًا بالذكرى الخامسة والعشرين والأربعين لجائزة بوكر الأدبية.
ارتكز «رشدي» في الكثير من أعماله الأدبية القصصية على شبه القارة الهندية. جمع «رشدي» في أسلوبه الأدبيّ ما بين الواقعية السحرية والخيال التاريخي؛ إذ تُعنى أعماله بالعديد من الروابط والاختلالات والهجرات بين الحضارات الشرقية والغربية.
كانت روايته الرابعة آيات شيطانية الصادرة عام ١٩٨٨ موضع جدل كبير، إذ أثارت احتجاجات المسلمين في عدة بلدان، ووصل الأمر أن واجه «رشدى» العديد من التهديدات بالقتل، بما في ذلك فتوى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله روح الله الخمينى التي دعت إلى اغتياله في ١٤ فبراير من عام ١٩٨٩. وضعت الحكومة البريطانية رشدي تحت حماية الشرطة.
انتُخب «رشدى» بصفته عضوًا للجمعية الملكية للأدب في عام ١٩٨٣، وهي المنظمة الأدبية العليا على مستوى سائر المملكة المتّحدة. قُلّد «رشدي» وسام الفنون والآداب الفرنسي في شهر يناير من عام ١٩٩٩، ومُنح لقب فارس على يد الملكة إليزابيث الثانية بسبب خدماته في الأدب في شهر يونيو من عام ٢٠٠٧، وصنّفته صحيفة «ذا تايمز» في المرتبة الثالثة عشرة ضمن قائمتها لأفضل ٥٠ كاتبًا بريطانيًا منذ عام ١٩٤٥ خلال عام ٢٠٠٨.
عاش «رشدي» في الولايات المتّحدة منذ عام ٢٠٠٠، وحصل على لقب الكاتب المتميّز المقيم في معهد «آرثر إل. كارتر» للصحافة ضمن جامعة نيويورك في عام ٢٠١٥. أمّا في وقت سابق، درّس «رشدي» في جامعة إيموري، وانتُخب عضوًا في الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب، ونشر رشدي جوزيف أنطون: مذكّرات، التي كانت سردًا ذاتيًا لحياته في ضوء الجدل الدائر وتهديدات القتل التي تلقاها حول كتاب آيات شيطانية.
تهديدات للمتعاطفين معه
تلقت الكاتبة والروائية البريطانية، جى كي رولينج، مؤلفة «هارى بوتر»، تهديدًا بالقتل بسبب دعمها سلمان رشدى، الذى تعرض لهجوم خلال محاضرة بولاية نيويورك الأمريكية.
وعبرت «رولينج» على حسابها في «تويتر»، بحسب «سكاى نيوز عربية»، عن بالغ تأثرها بعد تعرض «رشدى» لعدة طعنات بينما كان يتم تقديمه لإلقاء محاضرة عن حرية الإبداع أمام مئات الحاضرين في معهد تشوتاكوا في نيويورك.
وسرعان ما تلقت مؤلفة «هارى بوتر» تعليقًا يتضمن تهديدًا صريحًا بالقتل من متطرف داعم لإيران، سبق أن أشاد بمهاجم «رشدي».
وقال المتطرف المدعو مير آصف عزيز في تعليقه على تغريدة «رولينج»: «لا تقلقى.. أنت التالية».
ويصف مير آصف نفسه بـ«طالب وناشط اجتماعى وسياسى»، وهو مقيم في مدينة كراتشى الباكستانية.
وفى تغريداته على حسابه في «تويتر»، أبدى «عزيز» مرارًا دعمه للمرشد الإيرانى على خامنئى، كما هاجم عدة دول، من بينها أوكرانيا والهند، ووصفها بـ«الإرهابية».
وأشاد «عزيز» بمهاجم «رشدى»، حيث قال: «إنه مقاتل شيعى ثورى.. اتبع فتوى» بإهدار دمه.
هذا وأعادت «رولينج» نشر صورة التهديد، وقالت «تويتر، هل من دعم؟». وأضافت، في وقت لاحق: «شكرًا على دعمكم جميعًا.. دخلت الشرطة على الخط».
إشادة إيرانية
وفي الوقت الذين يدين فيه العالم حادث طعن سلمان رشدي، أشادت صحيفة «كيهان» الإيرانية المتشددة للقيادة الدينية في إيران، السبت الماضى، بالهجوم الذي وقع على الكاتب البريطاني، سلمان رشدي، وأضافت الصحيفة: «لنقبل يدي من مزق رقبة عدو الله بسكين»، كما اتبعت غالبية وسائل الإعلام الإيرانية خطًا مماثلًا، مع وصف «رشدى» بـ«المرتد»، فيما لم تدل السلطات الإيرانية بعد بأي تعليق رسمي على هجوم الطعن ضد «رشدى»، وفقًا لوكالة «رويترز».
وبعد حادث الطعن، انتشر على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي اقتباس من المرشد الأعلى الإيراني الحالي آية الله على خامنئي قال فيه إن الفتوى أطلقت كالرصاصة التي لن تهدأ حتى تصيب هدفها، وفي عام ٢٠١٩، علق «تويتر» حساب «خامنئي» بسبب تغريدة قال فيها إن فتوى الخميني ضد رشدي كانت صلبة وغير قابلة للنقض.
وقامت مؤسسة «خرداد الخامسة عشرة»، وهي منظمة دينية إيرانية ثرية، بزيادة المكافأة على رأس «رشدي» إلى ٢.٥ مليون دولار في عام ١٩٩٧، بعد ثماني سنوات من عرضها لأول مرة مكافأة، وزاد المبلغ إلى ٣.٣ مليون دولار في عام ٢٠١٢.
وكان عنوان جريدة «وطن إمروز» الإيرانية المتشددة دينيًا يقول: «سكين في رقبة سلمان رشدي»، كما تصدر العنوان الرئيسى «الشيطان في طريقه إلى الجحيم»، صحيفة «خراسان» اليومية الإيرانية، ونقلت شبكة «إن.بي.سي نيويورك» أن المشتبه به في الهجوم هو هادي مطر المولود في كاليفورنيا والمتعاطف مع التطرف الشيعي والحرس الثوري الإسلامي الإيراني.
إدانات للحادث
وفي رد فعله على الحادث أدان مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، السبت، الهجوم الذي تعرض له الكاتب البريطاني سلمان رشدي خلال فعالية ثقافية بولاية نيويورك، وقال «سوليفان» في بيان نشره البيت الأبيض إن الهجوم على سلمان رشدي مروع.
كما وصفت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، الهجوم على الكاتب سلمان رشدي بأنه جريمة مروعة، وقالت «فيزر» في تصريحات لصحيفة «بيلد آم زونتاج» الألمانية، نشرتها الأحد: «نتمنى له جميعا أن ينجو من الإصابات الخطيرة، وأن يتعافى مرة أخرى».
وأضافت الوزيرة: «المسئولية عن هذا العمل الدموي الفظيع يتحملها أيضًا أولئك الذين اضطهدوا سلمان رشدى على مدى عقود وهددوه بالقتل.. رشدي مناضل عظيم وشجاع من أجل حرية الكلمة وحرية الفن»، مضيفة أنه لم يسمح مطلقًا بترهيبه.
كتاب وباحثون عرب ومصريون
وفي تعليقه على الحادث قال الكاتب والباحث المصري عصام الزهيري: «تعليقي هو أنه لا سلمان رشدي ولا رئيس الوزراء البريطاني ولا بريطانيا ولا أوروبا كلها يدركون بعد طبيعة الرعب البربري الذي تواجهه الحضارة الإنسانية ونطلق عليه أسماء مثل الإرهاب والتطرف والتشدد والأصولية الدينية، ولو كانوا يدركون بالفعل لكان جهاز الأمن البريطاني استفاد شيئًا من حادث الهجوم البربري على الكاتب المصري نجيب محفوظ بعد صدور رواية «أولاد حارتنا» بأكثر من ثلاثين عامًا. مما يعني أنه لا جديد أو مفاجىء أو صادم في محاولة اغتيال «رشدي» غير عدم ادراك الجهاز الأمنى والثقافي في بريطانيا وأوروبا وأمريكا لطبيعة الرعب الماثلة أمام أعين الكل في ظاهرة الإرهاب الديني، والدليل الذي يبرهن على ذلك غير حادث اغتيال سلمان رشدي نفسه هو بيان «نادى القلم الأمريكي» الذي كان «رشدي» رئيسًا له في وقت سابق، والبيان يتحدث عن صدمة مرعبة ومروعة من الهجوم الوحشي المتعمد على رئيسه السابق، ليس عن هجوم متوقع بل وأضيف انه تقليدي قياسًا على خبرتنا بالارهاب الديني ونفسية المتشدد وأفكاره وممارساته.
وأضاف «الزهيري»: «المدهش أيضًا أن يتحدث بيان نادي القلم المعبر عن كتاب ومثقفين أمريكيين عن أنهم لا يمكنهم ايجاد حالة مماثلة لهجوم عنيف علني كالهجوم على سلمان رشدي فوق التراب الأمريكي، وكان العالم بالنسبة لكاتب ومثقف أمريكي يجب أن يتوقف عند حدود التراب الأمريكي».
وأضاف: «رغم أن عبارة البيان يشتم منها توجيه لوم من طرف خفي للبريطانيين، لكنها تتضمن إعلان جهل فاحش بايديولوجية الإرهاب الديني، وهو جهل مستغرب بالنسبة لكتاب ومثقفين، ولعل هذا البيان وغيره من ردود الفعل المماثلة بالإضافة لواقعة الطعن نفسها يقدم إجابة على أسئلة طالما حيرت المفكرين والمواطنين العرب، أسئلة ترتبط بالطرق التي يتعامل بها الأوربيون والأمريكيون مع جماعات وأيديولوجيات الإرهاب الإسلامي؟ ولماذا يسهل على الإرهابيين استخدام دول أوروبية وأمريكية كمنصات إطلاق رصاص وقذائف وصواريخ ضد بلدانهم؟».
وتابع: «البيان أيضًا يجيب عن أسئلة من نوعية، لماذا تبقى جماعات مثل الإخوان المسلمين خارج قوائم المنظمات الإرهابية في أوروبا وأمريكا؟ ولماذا تلقى جماعات الإسلام السياسي الدعم من حكومات أوروبية وأمريكية؟».
وأشار إلى وجود تكتلات المصالح المستفيدة من إرهاب الإسلام السياسي في تلك الدول نجحت بالفعل في تضليل كل فئات المجتمع الأوروبى والأمريكى عن طبيعة الأيديولوجية والممارسات التكفيرية والدموية الخطرة لتلك الجماعات.
وواصل: «الحقيقة المؤسفة والدموية - لكنها ليس الصادمة - هي أن أعمال التطويع التي يمارسها الإرهابيون الإسلاميون ضد الكتاب والمثقفين سوف تظل مستمرة، وليس الطعن والاغتيال وإطلاق الرصاص والقتل غير أداة واحدة من أدواتها المخيفة».
وعن أسباب انفراد مسلمين بتنفيذ أعمال إرهابية رغم أن الأديان الأخرى تعرف أشكالًا مختلفة من نقد كتبها وشخصياتها المقدسة بأبعد وأعمق وأكثر صخبًا من نقد سلمان رشدي للإسلام؟، فرأى، أن السؤال ينطوي على إجابته، وهو أن الأديان الأخرى أمكنها التعايش مع فعاليات وحقائق تعرض كتبها وشخصياتها المقدسة للنقد.
أما الكاتب والمفكر السوري مصطفى سكرى قال تعليقًا على الحادث: «بغض النظر عن صحة أو خطأ ما قام به سلمان رشدي منذ عقود، إلا أن ما حدث مؤخرا يعتبر عملا إرهابا بامتياز حجته التكفير وتطبيق حد الردة وهدر الدم».
وأضاف، أن التاريخ الإسلامي شاهد على تلك المواجهات التكفيرية التي حطت من شأن حرية الرأي والمعتقد، وشوهت الدور الثقافي والحضاري للإسلام، وسوف تستمر هذه الأعمال الإرهابية ما دامت الذهنية السلفية باقية عند إسلام ثابت غير متأثر بحركة المجتمع، ودعاته المتزمتين يحتكرون اليقين لأنفسهم، ويرسخون التخلف والتمييز ورفض الرأي الآخر، ويقعون بهاوية الجهل والكراهية والتعصب، ويكرسون الثقافة المريضة المكبلة بالجمود والانغلاق، والادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة، التي تعتبر الدافع الرئيسى للعنف والإرهاب.
وتابع: «لقد اقتصرت هذه الحوادث على المسلمين دون غيرهم بسبب الانغلاق الفكري والمعرفة المتخشبة الواقعة تحت تأثير الثوابت الثقافية والنصوص التراثية الخاطئة، إضافة إلى تغافل المؤسسات الدينية الأصولية عن الحقيقة وتعاميها عن التشخيص الصائب لهذه الأعمال الإرهابية، وعدم خلق المناخات الحوارية المثمرة المتسمة بالتعايش والانفتاح وقبول الآخر».
وفي تعليق الباحث والكاتب المصرى المقيم في ألمانيا حامد عبدالصمد قال: «نظرة سريعة لتعليقات المسلمين في الشرق والغرب على محاولة اغتيال سلمان رشدي تكشف عدة توجهات، بعضها جديد وكثير منها قديم ومستأصل في التعامل مع الحوادث الإرهابية».
وتابع: «الفريق الأكبر كالعادة يهلل ويفرح ويعتبر ما حدث ثأرًا وعقابًا مستحقًا لصاحب (آيات شيطانية). دا الفريق اللي متربي على أفكار ابن تيمية وراضع من الصغر فكرة أن النبي محمد فوق النقد وفوق التاريخ وكل من ينتقده يستحق القتل. أو متربي على اللطم والتباكي وجلد الذات يوم عاشوراء. أما الفريق الأصغر فيتعاطف مع سلمان رشدي ويدين الحادث ويركز على أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر وأن العنف خطأ في كل الأحوال، وهذا الفريق رغم صغره يزداد، فحين صدرت الفتوى ضد سلمان رشدي قبل ٣٣ سنة لم نجد مثقفين في مجتمعنا يتضامنون معه، بل وجدنا روائيين وشعراء يتنصلون منه ويتهمونه بالإجرام. فهذه بارقة أمل صغيرة جدًا».
وأضاف: «ثم يأتي الفريق الثالث الذي يعتبر رواية رشدي جريمة، ويعتبر محاولة قتله أيضًا جريمة ويريدون المساواة بين الحدثين في إخلال منطقي واضح، فسلمان رشدي لم يدعُ يومًا لعنف، وهو رغم انتقاده للإسلام لم يهن المسلمين في كلامه، بل يدافع عن حقوقهم كأقلية في الغرب طول الوقت. جزء من هذا الفريق يحول الجاني لضحية ويخاف أن يتسبب هذا الحادث في تشويه الإسلام أو يؤدي إلى مزيد مما يسمونه إسلاموفوبيا، وهنا تتضح طفولية وأنانية بعض المسلمين في التعاطي مع الإرهاب، أو كما وصفها الدكتور شريف يونس في مقال رائع له عن الحادث بـ(التهرب من المسئولية). هم لا يفكرون في رجل عمره ٧٥ سنة يرقد الآن بين الحياة والموت بطعنات اخترقت عنقه ورأسه وكبده، ومن المتوقع ألا يستطيع الكلام أو الرؤية مرة أخرى أو ربما يموت نتيجة للطعنات، ولكنهم يخافون على صورة إسلامهم. هم يرفضون تحمل مسئولية تراثهم الديني ومشاعرهم الدينية المتقيحة عن هذه الجريمة ويدسون رأسهم في الرمال كالعادة. وجزء من هذا الفريق للأسف هو بعض من يسمون أنفسهم مثقفون أو أدباء، فيقولون إن سلمان رشدي كاتب عادي ورواياته ركيكة ويخشون أن هذا العمل الإرهابي سيزيد من شهرته واهتمام الناس به، رغم أن سلمان رشدي كان من أهم أدباء انجلترا قبل فتوى الخميني ومازال واحدا من أهم أدباء العالم شاء المسلمون أم أبوا. وحتى لو كان رشدي هو أسوأ كاتب في التاريخ، فنحن لا نقيم حرية الرأي والفكر حسب جودة الكتابة».
وأشار «عبدالصمد»: «لا يمكن أن نجعل كل المسلمين مسئولين عن محاولة اغتيال رشدي ولا عن كل حادث إرهابي، ولكن لا نستطيع أن نبرئ العقل الجمعي الإسلامي والهوس الديني من هذه الجرائم، فهذه العقلية قد تضايق الغرب من وقت للآخر ولكنها تغتال كل معاني الإنسانية والتمدن في مجتمعاتنا».
تساءل: «متى سيفهم المسلمون أن التنصل من المسئولية وعبارة هذا لا يمثل الإسلام، هي طعنات في جسد مجتمعاتهم أكثر قسوة من العمليات الإرهابية في حد ذاتها». 
وأكد، أن الإرهاب له عنوان واضح وأفكار واضحة، وهذه الأفكار لا تختبئ في جبال أفغانستان وحواري الرقة ولا في أحراش الصومال أو معسكرات «بوكو حرام» فقط، بل تجدها في كتب الأزهر وحصص الدين واللغة العربية والتاريخ في معظم البلدان الإسلامية وفي شعارات ما يسمى بالصحوة الإسلامية وفي سيل التعليقات على كل الأحداث الجارية، حتى التي لا علاقة لها بالدين. سيعلم المسلمون في وقت ما أن سلمان رشدي وكل من ينتقدون الدين أكثر رفقًا بهم من الأزهر وابن تيمية وسيد قطب وشيوخ الفضائيات كلهم، لأن النقاد يستفزون العقول والشيوخ يخدرون الناس وينزعون إنسانيتهم، ولكن أخشى أن يحدث ذلك بعد فوات الأوان.
جريمة موتور
وقال الباحث والأكاديمي هاني نسيرة، تعليقًا على الحادث: «حادث مؤسف، ارتكبه موتور ومتطرف يتبع خطاب كره وعدوان يسئ للإسلام والمسلمين، وقد بذر الخميني مرشد الثورة الإيرانية بذرته العنيفة بفتواه في فبراير سنة ١٩٨٩، قبل وفاته بأربعة أشهر فقط، ثم عاد خليفته ليؤكدها مرات بعد ذلك كان آخرها سنة ٢٠١٦، وزادها من ٢ مليون وثمانمائة ألف إلى ثلاثة ملايين دولار، وذكر أن من يقتل الروائي البريطاني من أصل هندي صاحب الكتاب، أو من يساعد في نشره مستهدف وأن مات فهو شهيد!! وخطورة هذه العملية الأخيرة، حيث سبقتها عمليات عديدة من قبل، التي قام بها الشيعي من أصل لبناني هادي مطر بعد أيام من ذكرى عاشوراء، أنها تكشف وجه التطرف الشيعي القبيح، الذي لا يقل قبحًا عن وجه التطرف السني، بل أعنف وأوسع في استخدام الاغتيالات والتصفية لمخالفيه، أينما كانوا، داخل الأوطان مثل حسين مروة ومهدي عامل ولقمان سليمان وآخرين كثيرين أو خارجه كـ سلمان رشدي».
وأضاف «نسيرة»: «لا أستبعد أن تتكرر مثل هذه العمليات ضد الكتاب، فموجات التطرف والردكلة تزيد، ومنذ أسابيع قليلًا وتحديدًا في يوليو الماضي طالعنا تهديد تنظيم القاعدة للكاتب الكبير الأستاذ إبراهيم عيسى وقبل عامين كان اغتيال الصحفي اللبناني المعارض لحزب الله لقمان سليمان، فاغتيال الكتاب والأدباء من القوى الناعمة، عمليات أكثر سهولة من استهداف الأنظمة والمؤسسات، عند هذه التنظيمات، وإن كانت عمليات الكتاب والقوى الناعمة لا تقل أثرًا إعلاميًا عن عمليات استهداف القوى الصلبة».
وقال «نسيرة»: «برأيي نظرا لأزمة الخطاب الإسلامي وأمته المأزومة في هويتها وذاتها ووعيها التقليدي الذي مكنت منه موجات التطرف والتطرف العنيف على مدار خمسة وثمانين عامًا، وزرعت الخلاص الوحيد في الدين، ووحدت بين الدين والدنيا، والمقدس والنسبي والماضي والحاضر، وتفكر تفكيرًا بدائيًا يربط كل خطر بالآخر والمختلف وأنها مؤامرة على دينها الذي تجد فيه خلاصها الوحيد، أما في الغرب والأديان الإبراهيمية الأخرى فقد تموضع الدين في موضعه المؤسسي والنسبي واندمج وتصالح مع الحداثة والاختلاف وتقبلها وطور من نفسه، أو في كلمات قليلة يمكن القول إن الأصولية الإسلامية تريد أن تسوق الناس، أما في الأديان الإبراهيمية الأخرى فهي تتطور من أجل الناس وتقدر تطور التاريخ وتعي به».

شارك