«الميليشيات المجهولة» فى الحرب الروسية الأوكرانية

الأربعاء 15/فبراير/2023 - 09:42 م
طباعة «الميليشيات المجهولة» حسام الحداد
 
هل أصبح الاستعانة بالمقاتلين الأجانب سنة العصر؟ وماذا بعد انتهاء الحرب، هل سوف يشهد العالم مرة أخرى ظاهرة «عودة المقاتلين» كما حدث فى أفغانستان أم أن دولة الموطن سوف ترفض عودة هؤلاء المحاربين بعد انتهاء الحرب كما حدث فى سوريا والعراق؟ وما هو الفارق الحقيقى بين المقاتلين فى أوكرانيا أو روسيا والذين كانوا يقاتلون فى سوريا والعراق.
حول هذا الموضوع عقد «مشروع مكافحة الإرهاب» ندوته الشهرية والتى ناقش فيها كتاب «المقاتلون الأجانب فى أوكرانيا.. الكوكتيل البنى والأحمر» لكاسبر ريكافيك


دفع إعادة الغزو الروسى لأوكرانيا فى عام ٢٠٢٢ السلطات الأوكرانية إلى دعوة مؤيديها الأجانب للانضمام إلى المجهود الحربى كجزء من التحالف الدولى الناشئ، حيث انضم آلاف الأفراد الأجانب إلى طرفى الصراع منذ عام ٢٠١٤.
ويكشف هذا الكتاب عن هذه المجموعة المجهولة من المقاتلين، ويقدم المؤلف تحليلا لخلفياتهم الأيديولوجية والاجتماعية المختلفة، ودوافعهم للانضمام إلى الصراع، وسجلهم القتالى فى شرق أوكرانيا بناء على مقابلات مع هؤلاء المقاتلين. كما يبحث المؤلف لماذا قرروا خوض حرب فى الخارج، مع جذب انتباه الأجهزة الأمنية فى الداخل أيضًا، ويسعى المؤلف إلى إثبات ما إذا كان هؤلاء العائدون يشكلون تهديدًا أمنيًا محتملاً للغرب.
عمل كاسبر ريكافيك منذ عام ٢٠١٩ مع مشروع مكافحة التطرف CEP لتحليل سفر المقاتلين الأجانب المتطرفين إلى الصراع فى أوكرانيا من عام ٢٠١٤ فصاعدًا.
وبعد إعادة الغزو الروسى فى فبراير ٢٠٢٢، أصدر CEP تقييمين وتقريرا تحليليا مفصلا من قبل كاسبر ريكافيك فيما يتعلق بتطور الوضع، وواصلت الندوة عبر الويب سلسلة أحداث CEP الافتراضية حول هذا الموضوع.
وكان ضيف الندوة كاسبر ريكافيك، دكتوراة ومؤلف وزميل ما بعد الدكتوراة فى مركز أبحاث التطرف «C-REX» فى جامعة أوسلو وباحث منتسب فى مشروع مكافحة التطرف «CEP»، والمناقش مايكل كولبورن، صحفى فى بيلنجكات، مؤلف كتاب «من نيران الحرب.. حركة آزوف الأوكرانية واليمين المتطرف العالمى».
وأدار الجلسة والملاحظات التمهيدية، هانز جاكوب شندلر، مدير أول، مشروع مكافحة التطرف «CEP»، والذى بدأ الجلسة بقوله: سأقدم لكم صديقى للأبحاث الذى لديه ١٥ عامًا من الخبرة فى العمل على مكافحة الإرهاب فى مكافحة التطرف العنيف من خلال العمل فى كوينز. وأجرى مركز جامعة «بلفاست» لدراسة الإرهاب والعنف السياسى فى جامعة سانت أندروز المعهد البولندى ذو الاهتمام الدولى والعالمى فيما يتعلق بالشبكات والوسائل منذ ٢٠١٤، أبحاثًا حول ما يتعلق بإرهاب الأمن الدولى ومكافحة الإرهاب والعمل على عدد من الجهود الدولية بما فى ذلك تلك التى تدعمها المفوضية الأوروبية.
الاستقطاب عن طريق مواقع التواصل الاجتماعى
وقال كاسبر ريكافيك، إن هذه المجموعات من المقاتلين الأجانب موجودة فى الجانبين الروسى والأوكرانى ليس من الآن فقط، بل من ٢٠١٤، وتتم الدعاية لاستقطابهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعى وخاصة الفيسبوك وتويتر وإنستجرام بدعاية مكثفة، على سبيل المثال يقولون لمن يريد الانضمام للصراع: «يمكننا أن نوفر أى شخص يمكنك القدوم وسنقوم بتدريبك، إذا كنت بحاجة إلى ذلك، وسوف نمنحك سلاحًا»، وغيرها من الدعاية وطرق الجذب خصوصا للذين لديهم تاريخ عائلى سىء، فهم أكثر انجذابا لمثل هذه الدعاية.
وكلما كان أحدهم أكثر خبرة أو كانت خلفيته فى القوات الخاصة كندا وأستراليا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة، هذا هو النوع الأساسى الذى تركز عليه هذه المجموعات، والكثير من هؤلاء منتمين لدولة جورجيا ودربوا الأوكرانيين ليس فقط فى المنطقتين ولكنهم أيضًا انقسموا على طول الوحدات الأوكرانية المختلفة.
ويؤكد كاسبر ريكاويك، أنه يجب أن تكون سياساتك تجاه هؤلاء الأشخاص ناعمة فيقول: «ولكن يسعدنى أن أشرح ما أعنى وهو أنك لا تثق أبدًا فى شخص ما»
الناس لديهم فرصة للانضمام إلى الحرب الأمريكية الروسية المتطرفة
مايكل كولبورن، صحفى وباحث كندى فى وسط وشرق أوروبا، حاليًا ضمن فريق مشروع البناء الذى يقود التحقيقات، ويساعد فى توفير التدريب فى وسط أوروبا الشرقية، أكد فى مداخلته على الاهتمام الخاص بالمقاتلين الأجانب بشكل متوازٍ مع اليمين المتطرف فكلاهما خطر كبير، المقاتلون الأجانب فى أوكرانيا، اليمين المتطرف الذى ينشر فى الغالب خطابه.
وتابع، أنه فى الخطاب العام عندما أريد أن أقول لأول مرة هو أننى أريد حقًا التأكيد على مدى أهمية أبحاث «كاسبر» خلال السنوات القليلة الماضية فى البناء والمساعدة فى تقديم المزيد من النقاش أو المناقشة فى المشكلة التى غالبًا ما تبتلى بها أو فى بعض الأحيان المفاهيم الخاطئة حسنة النية.
وأوضح، أنه تفترض توقعات الناس مخاوف من أنه عندما يتعلق الأمر بالمقر الرئيسى فى أوكرانيا، فإنهم قادرون حقًا على توفير معلومات أكثر تفصيلاً والكلمة الكلاسيكية معلومات أكثر دقة.
وأشار «كولبورن»، إلى أن الخطاب تغير وبعض المعلقين أصبحوا أكثر خوفا، ومحبطين مع هذا الغزو الشامل ومع اندلاع الحرب، شيء يتجاوز بكثير ما أعتقد أن الكثير منا قد تخيله، أو يتجاوز أى شيء رأيناه فى عام ٢٠١٤ و١٥، لم أكن أتوقع أن يكون هناك الآلاف من اليمين المتطرف المتطوعين أو عدد كبير من متطوعين ينضمون إلى هذه المجموعة أو تلك.
الحرب الروسية الأمريكية المتطرفة
وقال إن الناس الآن لديهم فرصة للانضمام إلى الحرب الأمريكية الروسية المتطرفة، وبمقارنتها بالأرقام التى قد يعلمها الناس أو يقارنونها بالأشخاص الآخرين الذين يتحدثون عنها، مرت ١٠ سنوات فى هذا الجو من التوتر، بجدية تامة لم يحدث شىء من هذا القبيل فيما يتعلق بالمشاركة الدولية خاصة فى الداخل، حيث أعتقد أنه يمكننا مناقشة هذا السؤال كأرقام، ثم يمكننا أن ننظر إليه فى الواقع، لا فى بعض هؤلاء الأفراد الأجانب الذين تحدثوا عن القيام بهذا من بولندا.
وأردف: «أشعر بقلق أقل بشأن بعض هذه القضايا التى أثيرت، وأتطلع إلى ما سيأتى مع هذه الحرب أو الأسابيع القليلة الأولى من العام الماضي، أعتقد أنها ستستغرق عدة سنوات وستكون مفتوحة للأجيال القادمة»
وأوضح: «لكن الشيئان اللذان ظهرا إلىّ وأحدهما يتعلق بالجانب الروسى ويتعلق بمجموعة فاجنر، أن هناك أسطورة ظهرت أخيرًا وأعتقد أن لدى الناس أشخاصًا يستمعون إليهم سيرون فى نهاية هذا الأسبوع والأسابيع الماضية الكثير من الأخبار والمناقشات حول عمليات تجنيد فاجنر المزعومة، والعمليات التى ربما تجرى فى الحلبة الآن.
وحدة المرتزقة
وبسؤاله هل تتوقع حقًا أن يخرج الكثير من المجندين لوحدة المرتزقة شبه العسكرية التابعة لها أم لا؟ قال «كولبورن»: «لا أعتقد ذلك، لكن من الأبحاث السابقة على مدار الأشهر القليلة الماضية، من الواضح جدًا بالنسبة لى أن هناك فردا يحاول بناء نوع من شبكة المحسوبية فى غرب البلقان، من تربية بعض المتطرفين اليمينيين المخلصين على الأرض الصربية التى تأتى بالشكل الذى أعتقده يأتى ذلك فى شكل ما يسمى الآن بالنمط، على الرغم من أنها ذهبت إلى روسيا فى عدة مناسبات منذ الغزو».
وتابع: «واضح لى أن جهود الاحتياطات فى غرب البلقان وأماكن أخرى هى فى الحقيقة شىء يجب مراقبته ليس بالضرورة لأنهم جزء من عملية ستحصل على الكثير من المجندين المقاتلين الأجانب، ولكن لأنها مرجعية يمكن أن تزعزع الاستقرار إلى حد كبير للدول والحكومات».
وبسؤاله حول هل لا يزال هناك أفراد أو المجموعات الصغيرة ليسوا فى الواقع من الروس الذين كانوا نشطين فى أوكرانيا منذ عام ٢٠١٤، قال إن بعضهم بصراحة لديهم بعض التاريخ مع الفوج الكتيبة الرابعة قبل ذلك، وأعتقد أنهم حقًا فى أوكرانيا.
وتابع: «بعض من هؤلاء والممثلين الأصغر الذين لديهم مستوى معينًا من المشاركة فى الأنشطة الإجرامية تمكنوا من فعل الكثير فى فترة ما بعد الحرب لزيادة زعزعة استقرار أوكرانيا، وهناك شيئان فقط أرغب فى تحديد أبعادهما ونقلهما بطرق مختلفة للمقاتلين الأجانب أو الموجودين فى أوكرانيا الذين أريد لفت الانتباه إليهما».
وأوضح: «لكن فيما يتعلق بتعليقاتى، فإن كل ما لدى هو الشىء الوحيد الذى أود التأكيد عليه هو محاولة لحماية ما سيحدث فى أوكرانيا، وأعتقد أنها مهمة حمقاء فى أفضل الأوقات، وهى بالتأكيد الآن كل ما يمكننا القيام به، والباحثين الصحفيين وأعضاء الجمهور أو المهتمين يستمرون فى السقوط  فى رؤية المراقبة أثناء التحلى بالحذر مع الاستنتاجات التى استخلصناها».
ردود كاسبر
وكانت ردود كاسبر على ما جاء فى مداخلة مايكل كالتالى: «هناك حركة جماعية حرجة أعتقد أن المئات من أعضائها لا يزالون فى أسر Rushden لكنها حامل بقائد جديد، فالقائد الحقيقى لا يزال خارج الحرب فى تركيا، كانت هذه هى الصفقة إلى أى مدى سيكونون قادرين، وهل سيكونون مستعدين للتخلى عن الماضى؟».
وتابع «كاسبر»: «أعتقد أن الارتباط بالقادة الحاليين بالإعداد الحالى سيأتى فى الواقع بعد أسبوع من هذا الموقف، أى قرار بالتمييز بين القرارين، لأنه ربما يقوى بعض الأصوات داخل الأفواج الحقيقية لتحدى هذا الإعداد بشكل أكثر نشاطًا لكنهم لن يفعلوا ذلك أبدًا، لأن الليبراليين كما تعلمون سيفعلون ذلك، ولكن ما مدى القدرة والرغبة فى مواجهة التحدى؟».
ويؤكد كاسبر من خلال ردوده أن المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى الوحدات الأوكرانية التى تعمل تحت هياكل الدولة بموجب الاتفاقية، تحصل مكاتبهم على وثائق تأمينات، متابعا: «نحن لا نعرف شيئًا عن هذه البلدان المجاورة لروسيا ونؤدى إلى تفاقم الوضع، وبالتالى إذا كنت تريد الذهاب فلن نفعل أى شىء من أجلك». وأردف: «دعنى أقفز، الأفراد العائدون من هذه المجموعات من الجانب الأوكرانى، وسوف يرون أنفسهم كالرجال الذين خاضوا معركة جيدة على الجانب الأيمن وسيريدون إما بمفردهم أو عن طريق وسيط العودة إلى بلدانهم، وهذا ما يريدون مناقشته مع شخص وما سيحتاجون إليه من بعض المساعدة فى تطوير آلياتهم، هل تستطيع أن تعرف أية دولة غربية تساعد فى إعادتها لمقاتل كان ضمن منظمة إرهابية، من الذى سوف يتعامل مع هؤلاء داخل المجتمع ومع عائلاتهم، وما هى البرامج النفسية والضمانات الاجتماعية وغيرها التى تستطيع الدولة أن توفرها لهؤلاء».
وقال إن هؤلاء المقاتلين الأجانب داخل المجموعات المختلفة سواء فى روسيا أو أوكرانيا يحصلون على خبرة قتالية، فإن الشريك الشاب سيفعل ذلك باعتباره وظيفة مع الآخرين، لأن هناك عددا هائل من الأفراد مشاركون، هؤلاء يتم الدفع بهم فى صفوف القتال الأمامية، ويتم استقطابهم وتجنديهم من خلال شبكات التواصل الاجتماعى.
الوضع مختلف عن الحرب الأفغانية
وحول الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالحرب الروسية الأوكرانية، قال هشام النجار، الباحث والمتخصص فى شؤون الحركات الإسلامية، إنه بالطبع الوضع مختلف كثيرًا، حيث من الصعب تكرار ما جرى فى الحرب الأفغانية سواء على مستوى القدرة الغربية والأمريكية على توظيف المقاتلين من الأوساط العربية والإسلامية والاعتماد عليهم بشكل شبه كلى لمواجهة السوفييت وإخراجهم من أفغانستان وهم من أسمتهم الأجهزة الأمريكية «مقاتلو الحرية».
وأوضح أنه هذا يأتى علاوة على وجود عدد كبير من الدول الحليفة للغرب التى دعمت ومولت هذا المخطط الذى انعكس وبالا على العالم كله لاحقًا وليس فقط الشرق الأوسط من حيث خلق مساحات شاسعة لتلاقى وتلاقح كل الجماعات التكفيرية والإسلاموية من مختلف المناطق بالعالم والاستفادة من بعضها البعض حركيًا وفكريًا.
وتابع: «تلك التى فى جنوب شرق آسيا التقت مع تلك التى من مصر وتأثرت بها وعادت بلادها لتطبق نموذجها، علاوة على تلاقى الفكر السلفى المتشدد مع الجهادية المصرية مع الأفكار الرجعية المتشددة فى أفغانستان وبنجلاديش وبعض دول آسيا لتنتج فى النهاية وحش القاعدة الذى أفزع العالم كله ولا يزال يمثل تهديدًا كبيرًا علاوة على توليده لوحش أشرس وهو داعش».
وأوضح: «فى رأيى من الصعب أن يتكرر هذا النموذج الضخم الذى تورطت فيها أجهزة وأنظمة وسمحت لجماعات رجعية كالإخوان والجهاد وغيرها، أن تنتقل من طور المحلية المحدود إلى العالمية انطلاقًا من أفغانستان، وبعد أن كانت تعانى الانهزام والفشل فى بلادها كجماعة الجهاد فى مصر تخرج وتحرز نجاحًا وتكون رأس مال كبير وتعثر على مصادر تمويل من خلال بن لادن وغيره وتشكل تنظيمها الدولى».
القاعدة بمثابة التنظيم الدولى لجماعة الجهاد المصرية
وقال: «أصبحت القاعدة بمثابة التنظيم الدولى لجماعة الجهاد المصرية يحظى بأفرع ونشاط فى مختلف دول العالم، وتلك كانت أخطر تجربة خاصة بتشكيل وتوظيف المقاتلين الأجانب، أعقبها ما جرى بعد ما عُرف بالربيع العربى ونشوء خلافة داعش فى العراق وسوريا التى اعتمدت بشكل كبير على استقطاب المقاتلين الأجانب ومن يحملون جرثومة الارهاب من مختلف مناطق وبلاد العالم إلى القتال فى بؤر الصراع فى الشرق الأوسط تحت رايات تنظيم داعش الإرهابى».
وأكد: «تورط فى هذا التوظيف بعض الحكومات والأجهزة الإقليمية، أما ما يجرى فى الحرب الأوكرانية فيختلف كثيرًا لأن توظيف المقاتلين الأجانب خاصة الجهاديين محدود، وليس بالتوسع والضخامة التى شهدتهما تجربة الحرب الأفغانية وتجربة داعش».
يقتصر حضور الجهاديين فى أوكرانيا على عدد من المجموعات
وأوضح أنه يقتصر حضور الجهاديين فى أوكرانيا على عدد من المجموعات التى شاركت فى الصراع فى سوريا فى صفوف القاعدة ونقلت بعض مقاتليها وألويتها إلى أوكرانيا فى محاولة للثأر من روسيا بسبب ما فعلته فى الساحة السورية من ترجيح كفة نظام بشار الأسد عليها والإسهام فى استمراره فى السلطة وحرمان تيار الاسلام السياسى من إسقاط النظام السورى والانفراد بحكم البلاد.
وأكد أنه بدون شك هناك نظرة لدروس تجارب التاريخ المعاصر فى توظيف الجهاديين والجماعات الإرهابية فى أى صراع، حيث وضح جيدًا للجميع أنه سلاح ذو حدين ولعب بالنار لأن مجرد إتاحة الفرصة لحمل سلاح والتدريب والمشاركة الفعلية فى حرب تمنح الجماعات ما تصبو إليه من تشكيل عناصر قتالية مدربة وبعد أن كان تنظيم الجهاد فى مصر يعانى ويبحث طويلًا حتى يعثر على عنصر بهذه المواصفات من ضمن قلة نادرة قد تنشق عن الجيش مثل عبود الزمر أو خالد الإسلامبولى أو عصام القمرى، ها هى بعض الأجهزة الاستخباراتية تتورط فى منح القاعدة والجهاديين الفرص على طبق من ذهب بالسماح أو غض الطرف عن مشاركة أعداد كبيرة منهم فى حروب وصراعات هنا وهناك.
وتابع: «يأتى هذا علاوة على الفاتورة النهائية والثمن الذى يريده من جرى توظيفهم والذى لا تقدر بعض الحكومات على دفعه فتنقلب الجماعات إلى عدو بعد أن كانت أداة، وقد رأينا كيف انقلب القاعدة على الولايات المتحدة بعد أن وظفته فى أفغانستان لأن بن لادن طلب ثمنا غير مقدور على دفعه وهو المشاركة فى حكم إحدى الدول الخليجية أو نيل مناصب فى حكومتها وهو ما لم يستطع أحد تنفيذه، وكان ذلك من أهم أسباب انقلاب القاعدة على الغرب وأمريكا وتنفيذ أكبر وأخطر الهجمات الإرهابية فى التاريخ المعاصر فى سبتمبر ٢٠٠١.
تاريخ الاستعانة بالمرتزقة
أما الباحث والكاتب عصام الزهيرى فقد قال إن ظاهرة مرتزقة الحروب من أقدم الظواهر المعروفة فى تاريخ الحروب البشرية.
وأوضح: «أظن أن عودتها إلى ساحة الحروب بقوة وتعاظمها منذ نهاية السبعينات مع غزو أفغانستان وصولا لحرب أوكرانيا مؤشر على خطورة تعاظم الحالة الفوضوية المرتبطة بها.
وأشار إلى أن واحدة من أقدم وقائع ظاهرة الاستعانة بالمرتزقة فى الحروب حدثت فى مصر قبل انهيار حضارتها القديمة، وكانت مؤشرا على ضعف الامبراطورية المصرية من وجهين: الأول ضعف قواها الناعمة عن حسم النزاعات عن طريق الدبلوماسية والقوى الناعمة والتهديد بالحرب، والثانى عدم قدرة وسائل وأدوات الحرب المادية الاقتصادية والعسكرية التى تملكها عن حسم النزاعات. وتابع، أما نتيجة هذا الضعف التى تظهر علاماته على المديين المتوسط أو الطويل - وهو ما حدث مع مصر القديمة أيضا - فهو انكشاف غبار المعارك عن مزيد من الضعف والتهاوى لقوة الدول التى توظف المرتزقة ذاتها.
وأردف: «حدث ذلك أيضا بصورة أخرى فى بغداد القديمة عاصمة الخلافة العباسية مع استعانة الخلفاء بالمرتزقة الأجانب، ويحدث هذه الأيام مع الولايات المتحدة منذ استعانتها بميليشيات المرتزقة خلال حرب أفغانستان ومع الربيع العربى وصولا إلى وسط وشرق الساحل الإفريقى وأخيرا حرب أوكرانيا.
وقال إن النتيجة المباشرة للاستعانة بالمرتزقة فى كل الحالات، وكان تحول هؤلاء المرتزقة إلى بؤر حروب ومناطق نزاعات جديدة، ما يجعلهم أزمة متفاقمة تستنزف الدول التى تديرها، وهو ما بدا مؤخرا مع انتشار الشركات الامنية المتخصصة مثلا بلاك ووتر الامريكية وفاجنر الروسية وغيرهما.
وأكد أن المرتزقة يشكلون أزمة متفاقمة للدول التى تستعين بهم بعد انتهائهم من أداء مهامهم، مما يجعل الدول التى تستخدمهم فى حاجة دائمة لتصريف خطورتهم بعيدا عن مجالها الحيوي، وقد حدث ذلك على سبيل المثال فى كل الأحوال التى استعان فيها الأمريكان بالمرتزقة الجهاديين بدون استثناء، بداية من إيران التى حظى الإسلاميون فيها بدعم واشنطن والغرب فى مواجهة ثورة مصدق، ونتج عن ذلك تحول نظام الخومينى إلى أكبر بؤرة للجهاد وإشعال الحروب ونشر للإسلام السياسى وتجنيد الجهاديين وعسكرة الميليشيات فى دول مثل اليمن ولبنان والعراق وفلسطين.
وتابع: «ثم حدث مرة أخرى مع المجاهدين الشيشان، ونتج عنه بعد التدخل الروسى انقسام الشيشانيين إلى مرتزقة موالين لأمريكا أو موالين لروسيا ولم يغادروا جميعا كالعادة ميادين القتال، ثم حدث بعد ثورات الربيع العربى ولاتزال ميليشيات الجهاديين المرتزقة تمارس القتال أو تدخر له فى بؤر بدول مثل ليبيا وسوريا والعراق».
وأوضح: «منذ سنوات قليلة فتحت جبهة وسط وشرق إفريقيا لهم على نطاق واسع تلتها جبهة الحرب الأوكرانية، وبما أن الحرب فى أوكرانيا هى امتداد للظاهرة، فتقديرى أن احتمالات اختلاف المسار عن الحالات الأخرى المثيلة ضئيلة للغاية، بمعنى أن المرتزقة الذين يحاربون فى أوكرانيا سوف ينتقلون إلى جبهات أخرى بالضرورة».
وقال: «بعد انتهاء الحروب واتضاح رغبة الأطراف فى تضميد جراحها والاعتراف بالأمر الواقع واستئناف مسار الحياة الطبيعية تسعى بالضرورة إلى تصفية وتفكيك فيالق المرتزقة لأنهم يمثلون خطرا حينئذ على كل الأطراف، ولا يكون الخلاص منهم سهلا فى العادة بدون فتح جبهات وبؤر نزع جديدة تستقطبهم ويتم دفعهم لها، وهى إحدى الطرق التى تستنزف وتسقط من خلالها الامبراطوريات الكبرى».
وأكد: «المدهش فى نظرى أن تعمر هذه الظاهرة الدموية على خطورتها ودمويتها، كل هذه الآلاف من عمر الحضارات البشرية، ولعلها لن تنتهى قبل أن يصبح فى مقدور البشر التخلى عن الحروب كوسيلة لإنهاء النزاعات».

شارك