بعد الثورة علي الوهابية خطة" صبحى موسي "لإنقاذ الثقافة المصرية

الأربعاء 15/نوفمبر/2023 - 12:01 م
طباعة بعد الثورة علي الوهابية روبير الفارس
 
يترك "صبحي موسي " في كل ما يكتب بصمة خاصة به .يظهر ذلك في دواوينه الشعرية  واعماله الروائية، ولم يشذ كتابه الصادر مؤخرا بعنوان  «تحولات الثقافة في مصر» عن هذا التميز .
 فالكتاب المنطلق من جذر طه حسين "مستقبل الثقافة في مصر " يثمر قراءة توثيقية لتاريخ العمل الثقافي في مصر الحديثة ويمزج ذلك بخطة مستقبلية – اي منهج عمل - واقعي وشامل فيطالب بتوفير  ثقافة تُعنى بالمجتمع ككل، وليس بفئة أو طائفة أو جماعة محددة، وأن تكون أولوياتها بالدرجة الأولى هي البشر وليس الحجر.


بعد الثورة علي الوهابية
 ويحذر " موسي " من ترك  البشر على حالهم لسنوات طويلة الامر الذى يصيب الوعي والفكر في أي مجتمع بالجمود والثبات، وايضا سيطرة الثقافة الأصولية والتقليدية عليهم يعرضهم لأخطار كبرى تتهدد المجتمع ككل، بدءا من الطائفية وصولا إلى تكفير المجتمع، وهي أمراض أشبه بخلل النظام الدفاعي في الجسم.

ولذلك طالب الكاتب المبدع " صبحي موسي " بتشكيل  مجموعة ثقافية – علي غرار المجموعة الاقتصادية - من الوزارات المعنية بصياغة عقل وفكر ووعي المجتمع، نظرا لما تشتمل عليه من إمكانات ومؤسسات لها خطاب  ثقافي مؤثر ومشكِّل لوعي الجماهير وفي مقدمتها وزارات الثقافة والإعلام والتربية والتعليم والتعليم العالي والأوقاف، بالإضافة إلى كل من مؤسستي الأزهر والكنيسة، ويجب تشكيل مجلس متخصص يكون بمثابة العقل المفكر لهذه المجموعة، حيث يمكنه وضع الخطط والأهداف ومتابعة تنفيذها على أرض الواقع، ثم يعاود التقييم والتعديل .

وقد وضع الكاتب في اخطر جزء من كتابه الشيق "ملامح هذه الخطة  بكل وضوح وجراءة
حيث اشاد  بلا مواربة بالثورة علي الوهابية
فيقول كانت المملكة العربية السعودية هي الحصن الحصين للفقه الوهابي في المنطقة العربية والعالم، وهو فقه وُصِفَ من اليوم الأول لظهوره في نهايات القرن السابع عشر بالمتشدد، وكان محمد بن عبد الوهاب هو الشريك الذي وضع آل سعود أيديهم في يده لإقامة دولتهم، سواء الأولى أو الثانية أو حتى الثالثة، ولم يكن لأحد أن يتوقع في يوم من الأيام أن تنفك عُرى العلاقة بين آل سعود والوهابية بأي شكل من الأشكال، لكن الأمير الجريء القوي محمد بن سلمان رأى أن إقامة دولة سعودية شابة، تتناسب مع ثورة الاتصالات والحياة العصرية في القرن الحادي والعشرين لا يمكنها أن تقوم على أساس هذا الفكر المتشدد في رجعيته نفسها، فأعلن ثورته الثقافية  وتخليص المملكة السعودية من القيود التي كبلتها بها الوهابية وفتح المملكة لقاعات السينما ومهرجانات ، الغناء والمسرح وشتى أنواع الفنون كما أعلن عن خطته لتخليص الفقه من التفاصيل التي طالما تشبث بها الفقهاء مقتصرا على القرآن والأحاديث المتواترة فقط كمرجع للتفسير واستنباط الاحكام.
وهو ما يعد اكبر ثورة دينية في التاريخ الإسلامي الحديث .نفس هذه الثورة التي شئنا أم أبينا ستلقي بظلالها على المجتمع المصري خاصة أن المصريين كانوا لسنوات قريبة ضد الوهابية، لكن رحلات عملهم إلى السعودية وبلدان الخليج جعلتهم يحملونها معهم ويعودون بها إلى ديارهم، فكان أن امتزجت الوهابية بالفكر الديني السياسي الذي ظهر مع حسن البنا، وتحوّل على يد سيد قطب إلى منهج تكفيري معهم كانت من وانشطر في السبعينيات إلى عشرات التنظيمات التي كفّرت المجتمع وخرجت عليه. وكان مقتل السادات على أيديهم، وأغلبهم شارك في الحرب الأفغانية الروسية كأتباع لأسامة بن لادن في تنظيمه المعروف بالقاعدة، وبعد انتهاء الحرب عادوا ليشكلوا خلايا إرهابية في بلادهم، ولم يكن أمام الأنظمة إلا عقد اتفاقات غير معلنة معهم نتائجها وصولهم للحكم في بلدان مثل مصر وتونس بعد الربيع العربي وانتشارهم كجماعات هدامة في سوريا والعراق تحت مسميات مثل دولة الإسلام في العراق والشام "داعش"، أو "جيش النُّصرة" وغيرها من المسميات، وفي اليمن ظهر تنظيم الحوثيين المدعوم إيرانيا ساعيًا للوصول إلى الحكم عبر السلاح والدم ولم يختلف الأمر كثيرا في ليبيا فقد ظهرت العديد من المليشيات التابعة لتركيا، والراغبة في الوصول الي الحكم، بل إن بعضها وصل بالفعل عبر الحكومة المؤقتة، سواء التي رأسها الدبيبة أو باشا أغا .في حين ظل الشرق الليبي تحت سيطرة خليفة حفتر المدعوم من مصر، ولم يكن الحال في الصومال التي سيطرت عليها حركة الشباب الصومالي أسعد حالاً، وحتى في مالي وتشاد وإريتريا حيث هيمن تنظیم بوکو حرام على الأجواء، وفي أفغانستان التي آلت إلى تنظيم طالبان .

هذه التنظيمات التي كانت نتاج الوهابية والفكر الديني السياسي، تجد نفسها الآن بغير الركيزة الأساسية التي اعتمدت عليها في تنظيراتها، فلم تعد الأحاديث غير المتواترة معمولاً بها، ولم تعد الوهابية التي كرست للتشدد وهدم الأضرحة وعودة الناس إلى فقه ورؤية العصور الوسطى موجودة، فهل ستستسلم هذه التنظيمات؟ وهل يمكن للمواطن الذي نشأ على الفكر الوهابي أو المتشدد أن يقبل بهذه الثورة؟ وكيف يمكن مواكبتها عبر مناهج التعليم وما يبثه الإعلام، وما تقدمه قصور الثقافة أنشطة وندوات وما تطرحه السينما والمسرح من رؤى؟ كيف من ستتعامل المجموعة الثقافية . مع الأمر؟ هذا ما يجب أن تتوقف أمامه الخطة الثقافية الجديدة.


ويشير موسي ايضا الي التغييرات الداخلية من الاطاحة بنظام مبارك ووصول الاخوان للحكم والايغال الكامل في المرحلة الرأسمالية  ولذلك يحدد اهم القضايا التى يجب الوقوف امامها في الخطة الثقافية  وهي تجديد الخطاب الديني وإعادة بناء منظومة القيم وبناء القوة الثقافية
وعن تجديد الخطاب الديني يقول  “تعد أكثر الدوافع لوضع خطة ثقافية جديدة هي الرغبة في تغيير الخطاب الديني، وهو ما يمكن تسميته بالثورة الثقافية الكبرى، إذ إن الخطاب الديني هو الحاكم الثقافي الأول للشعوب، وتزداد قوته كلما ازداد فقر المواطن واحتياجه، خاصة إذا لم يكن هناك بديل لهذا الخطاب، فطوال العصر الحديث لم تفكر الدولة في عمل خطة لتقديم خطاب بديل، فأغلبها كانت خطابات تخص الترويج الدعائي للنظام وبقائه في السلطة، وليس رغبة حقيقية في تغيير الثقافة العامة لدى المواطن، ولا زيادة وعيه الفكري والثقافي، حتى في المرحلة الناصرية التي من المفترض أن الدولة اعتمدت فيها ثقافة مخالفة للثقافة الدينية، فإنها اضطرت إلى عمل مزيج من الفكر الاشتراكي والإسلامي .

ويؤكد صبحي ان  تجديد الخطاب الديني ثورة ثقافية كبرى، لم تتعرض لها أي من الأنظمة السابقة سواء الملكية أو الجمهورية.

 ويقول  “يعد تجديد الخطاب الديني ثورة ثقافية كبرى، لم تتعرض لها أي من الأنظمة السابقة، سواء الملكية أو الجمهورية، ومن ثم فهي تحتاج بشكل قوي لتعاون كل الأجهزة الثقافية من أجل العمل على تقديمها بشكل لا يصدم المواطن ولا يجعله يتخذ موقفا عدائيا من الدولة وطارحي هذا الخطاب.

 ولابد من وضع خطة واضحة لتقديم خطاب ثقافي شامل يمكنه أن يملأ الفراغ الذي سيحدث نتيجة التخلي عن الخطاب الديني السلفي، وهو أمر يحتاج إلى عمل كافة الأجهزة والمؤسسات لبلورة معالمه وصياغة أفكاره بشكل يجعل الذين سيعملون على إتاحته قادرين على تقديمه وشرحه للجمهور، فضلا عن وضع مراحل زمنية للانتقال به من درجة إلى أخرى، بالإضافة إلى تفكيك الخطاب القديم، وتبيان أخطائه وتهافت لغته وأفكاره، وتوضيح مدى احتواء الخطاب الجديد على نفس القيم والمبادئ المهمة التي كانت في الخطاب القديم”.

وعن بناء منظومة القيم يقول صبحي أن “الخطة الثقافية لابد أن تأخذ في اعتبارها إعادة بناء منظومة القيم حيث إن الدافع الأهم والأكبر هو ما حدث من تجريف لثقافة الإنسان المصري، وانهيار مدهش في منظومة القيم لديه، تلك التي كانت تبدأ بقسم المصري القديم على أنه لم يكذب ولم يسرق ولم يقتل ولم يلوث ماء النهر، هذه المنظومة التي تم تجريفها لصالح الفهلوة وما بها من كذب ونصب وخداع، فضلا عن التكاسل وكراهية العمل والاتكال لدى قطاع كبير من المصريين على التسول بطرق وآليات مختلفة ومتباينة، بالإضافة إلى ترك جوهر الدين والتمسك بمظهره، مما خلق نوعا من الفصام لدى قطاع من المصريين، ومع تراخي الدولة في تفعيل القانون تصور الكثيرون أن الصواب هو الخطأ، فانهارت القيم وتساوى الجاهل مع العالم، وصارت فكرة الضمير مكروهة، والغش والخداع والكذب من ضرورات الحياة”.

ويؤكد أنه لا يمكن إعداد المواطن كي يكون إنسانا نقيا في مجتمع يؤمن بالقيم الإنسانية الحقة إلا عبر مرتكزين أساسيين، أولا تغيير الخطاب الثقافي الشامل في المجتمع، بما في ذلك احترام القانون وسيادته على الجميع، وأن يكون ذلك معلنا للكل، بما يساعد على بناء جدار ثقة حقيقي بين المواطن والدولة، وإيمانه بأن القانون أقوى من أي خطاب تقليدي لا يهدف إلا إلى تخديره وإرجاء حصوله على حقه، أما المرتكز الثاني فيقوم على إكساب المواطن درجة من الرفاهية في الحياة، إذ لابد أن تعمل الدولة على إنهاء حالة الفقر، وأن يعود الدخل القومي على المواطن بنصيب يجعله غير مضطر إلى اللجوء إلى سلوك غير سوى، ولابد أن يكون لديه عمل حقيقي ودخل حقيقي، وأن يوقن أن ثمة التزام قوى من قبل المؤسسة التي يعمل بها بقانون العمل، وأن عدالة مكاتب العمل ستأتي له بحقه حال وقوع ظلم عليه.
ان كتاب " تحولات الثقافة في مصر " يضم منهج عمل يستحق اقامة عدة جلسات نقاشية وورش عملية اذا كان هناك محاولة لتعامل جاد وتقدير حقيقي للثقافة في مصر .فهل يقرا  الكتاب بهذه الكيفية كخطة انقاذ سريعة لواقع مؤلم ام نكتفي باحتفاء علي الورق ؟

شارك