إصبع"السبابة" يعمق الانقسام في ألمانيا

الأحد 31/مارس/2024 - 01:31 م
طباعة
 
الرياضة والسياسة لا ينفصلان، ومهما حاول الاتحاد الدولي لكرة القدم في فصل السياسة عن ملاعب كرة القدم يصبح الفشل الذريع هو النتيجة الطبيعية، ومع ذلك لا تزال الجهود مستمرة لتقليل التداخل بينهما، ويؤدي إلي نتائج عكسية في بعض الأحيان، خاصة وإذا كان المجتمع يعاني من هذه الإشكالية.
كمثال، شهد المجتمع الألماني نقاشا ساخنا علي مواقف التواصل الإجتماعي بشأن تهنئة اللاعب الألماني ونجم ريال مدريد انطونيو روديجر للمسلمين بحاول شهر رمضان المبارك علي حساب انستجرام الشخصي له، مستخدما إصبع السبابة في توجيه التحية، لكن سرعان ما شن الصحفي الألماني ورئيس تحرير صحيفة بيلد الأسبق جوليان رايشيلت في سن حملة شرسة علي اللاعب الألماني، وربط هذه الصورة بالتنظيمات الإرهابية ، وخاصة تنظيم داعش.
وفي محاولة لتأكيد وجهه نظره, استعان الصحفي الألماني بتقرير مكتب حماية الدستور -جهاز الاستخبارات الداخلية الألمانية في ولاية بافاريا ، حول الإشارات الإسلامية التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية، والتحذير من الإشارات التي تستخدمها هذه الجماعات، والمخاطر المحتملة.
كما انقسم رواد مواقع التواصل الاجتماعي ما بين مدافع عن النجم الألماني والتأكيد علي أنها إشارة إسلامية ولكنها لا تنتمي للتطرف، وبين معارض يري أن اللاعب الألماني عليه أن يدرك حساسية الموقف، وعدم استخدام إشارات بهذا المعني، حتي لا يتم توظيفها بشكل سيء، خاصة وأن وزارة الداخلية تعمل علي حظر بعض الإشارات والعبارات التي تروج للانقسام في المجتمع الألماني.
المفارقة أن نجم منتخب ألمانيا وريال مدريد يتعرض لنفس الهجمة الشرسة التي سبق وتعرض لها الألماني مسعود أوزيل، حيث يريد أنه ينال المديح حينما يفوز المنتخب الألماني، بينما يتعرض للانتقادات بسبب أصوله المهاجرة من تركيا، حينما يخسر المنتخب الألماني ، كذلك التقاط صور مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عمق الأزمة ،والمشاركة في حملته الانتخابية، وما ترتب علي ذلك من اعتزاله اللعب الدولي.
لكن المهم في هذه الحالة أن الصحفي الألماني مرشح لانتخابات البرلمان الأوروبي والمقرر إقامتها في يونيو المقبل عن حزب الديمقراطي الحر، وهو ما يفتح الباب أمام حالات مماثلة سيتم التركيز عليها خلال الفترة المقبلة.
وحسب متابعتي للمجتمع الألماني مؤخرا، أن مثل هذه الحالات تسبب انقساما في المجتمع بسبب أنه يعاني بالأساس من مشكلة كبيرة بين الأحزاب السياسية والصحافة والحكومة وبين حزب البديل من أجل ألمانيا، ممثل اليمين المتطرف في البرلمان الألماني، وبسبب صعوده في استطلاعات الرأي مؤخرا مع تراجع شعبية أحزاب الإئتلاف الحكومى، خرجت مظاهرات عديدة في مختلف المدن الألمانية ردا علي اجتماع سري زعم فيه تقرير صحفي، أن قيادات البديل من أجل ألمانيا تريد ترحيل المهاجرين والأجانب بشكل جماعي، وهو الأمر الذي استغلته الأحزاب لإزاحه الحزب من العمل السياسي ، بل ورفع دعوات قضائية لحظر نشاط الحزب، والتأكيد علي أنه يخالف الدستور الألماني، خاصة وأنه يخضع بالأساس لرقابة المكتب الاتحادي لحماية الدستور لبحث أى محاولات قد تكون مخالفة للدستور الألماني وقيم المجتمع  العليا.
في المقابل هناك كتاب وباحثين متخصصين في الإسلام السياسي يرون أن هذه الإشارة عادية، ولا ينبغي التوقف عندها كثيرا، بل هناك ضرورة لملاحقة عشرات الأشخاص المنتمين لتنظيم داعش ويعيشون في ألمانيا، وهناك شخصيات متطرفة تعمل علي نشر أفكارها بين المسلمين واللاجئين دون أي تدخل من الحكومة الألمانية وأجهزة الشرطة، وأنه بدلا من الانشغال بإصبع السبابة لنجم المنتخب الألماني، لابد من التفرغ لملاحقة دعاة الكراهية وعناصر داعش التي وصلت إلي ألمانيا عبر العراق وسوريا تحت ستار لجوء سياسي أو إنساني، ويتم الكشف عنهم تباعا حينما يقومون بالتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية داخل ألمانيا أو في الدول الأوروبية، مثلما تم توقيف خلية في تورينجن بسبب التخطيط لهجوم إرهابي في السويد، لكن من غير المعروف المخاطر التي يسببها الآخرين في ظل عملهم بالظل وبعيدا عن رقابة الحكومة أو الأجهزة الأمنية.
المخاطر تتزايد مع تنظيم ألمانيا لبطولة أوروبيا الصيف المقبل، وسط تهديدات لتنظيم داعش باستهداف البطولة، خاصة وأنه أصدر تعليماته لإحياء الذئاب المنفردة، كما تداولت مواقع تابعة للتنظيم تهديدات باستهداف المشجعين في مباراة بالدورى الألماني مساء السبت، عقب مباراة بايرن ميونيخ وبوروسيا دورتموند، ورغم أن المباراة انتهت بسلام، ولم تتعرض الجماهير لأي مشكلات، إلا أن عناصر شرطة ولاية بافاريا كانت منتشرة أكثر من المعتاد، كما أنها أشارت إلي تلقي معلومات بخصوص تهديدات للمشجعين ، لكنها لا تملك مزيدا من المعلومات كذلك عدم القدرة علي تحديد نوع المخاطر ومصدره.
دعونا ننتظر لنري ما ستكشف عنه الأسابيع المقبلة، خاصة وأن ألمانيا ستكون ساحة لمزيد من الأزمات بين التنظيمات المتطرفة وبين الحزب اليميني، وستظهر تبعات ذلك في انتخابات البرلمان الأوروبي القادمة.

شارك