أذرع الإخوان وتهديد القضاء المصري

الثلاثاء 18/فبراير/2025 - 04:31 ص
طباعة أذرع الإخوان وتهديد حسام الحداد
 
أصدر المجلس الثوري المصري، التابع لجماعة الإخوان ، امس الاثنين 17 فبراير 2025، بيانًا مقتضبا يعلّق فيه على إحالة وزارة العدل السورية 87 قاضيًا إلى التفتيش القضائي بسبب إصدارهم أحكامًا تعسفية بالإعدام والسجن المؤبد منذ عام 2013 في محكمة الإرهاب التابعة لنظام الأسد. حمل البيان رسالة تهديد غير مباشرة لقضاة دوائر الإرهاب في مصر، مؤكدًا أن "دورهم قادم" وأن "جرائمهم لن تسقط بالتقادم".

ازدواجية المعايير والتوظيف السياسي للقضاء
يتبنى المجلس الثوري المصري خطابًا قائمًا على الانتقائية السياسية في تقييم القضاء، حيث يسارع إلى إدانة القضاة الذين أصدروا أحكامًا قاسية ضد المعارضين في سوريا، لكنه في المقابل يتجاهل تمامًا أي انتهاكات أو توظيف سياسي للقضاء حدث خلال فترة حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر. هذه الازدواجية تثير تساؤلات جوهرية حول مدى التزام المجلس بمبادئ العدالة الحقيقية، أم أن موقفه مجرد امتداد لصراعه السياسي مع النظام المصري الحالي. فالعدالة لا يمكن أن تكون انتقائية، ولا يجوز أن تُستخدم فقط كأداة لاستهداف الخصوم، بينما يتم التستر على التجاوزات عندما تكون في صالح الجماعة التي يمثلها المجلس.
من اللافت أيضًا أن البيان الصادر عن المجلس الثوري المصري يربط بين القضاء المصري والقضاء السوري، رغم أن السياقات السياسية والقانونية في البلدين تختلف اختلافًا جوهريًا. 
ورغم استقلالية القضاء المصري، إلا أن جماعة الإخوان المسلمين حاولت التدخل في شؤونه بشكل مباشر خلال فترة حكمها، وسعت إلى تحييد بعض القضاة الذين لم يكونوا على وفاق مع سياساتها. وشهدت تلك المرحلة توترات واضحة بين الجماعة والمؤسسة القضائية، خاصة عندما حاول محمد مرسي تقويض استقلال المحكمة الدستورية العليا وعزل النائب العام آنذاك بقرارات استثنائية، مما أدى إلى رد فعل قوي من القضاة الرافضين لتلك التدخلات. وبالتالي، فإن انتقاد المجلس الثوري المصري للقضاء المصري الحالي يتجاهل حقيقة أن الجماعة نفسها سعت إلى استخدام القضاء لصالحها عندما كانت في الحكم.
إن التلويح بأن قضاة دوائر الإرهاب في مصر سيكونون عرضة للمحاسبة في المستقبل يعكس توجهًا قائمًا على الانتقام السياسي، وبدلًا من التركيز على تطوير المنظومة القضائية بشكل شامل وضمان تحقيق العدالة للجميع، يسعى المجلس إلى تصفية الحسابات مع القضاة الذين أصدروا أحكامًا ضد أعضائه، متجاهلًا أي حديث عن ضرورة محاسبة القضاة الذين أبدوا انحيازًا واضحًا للجماعة خلال فترة حكمها. وهذا يكرّس فكرة أن المجلس لا يبحث عن عدالة مستقلة، بقدر ما يريد عدالة تكون تحت سيطرته، وفقًا لمصالحه وأهدافه السياسية.

لغة التهديد والتصعيد الخطابي
يحمل البيان الصادر عن المجلس الثوري المصري عبارات تحريضية واضحة، مثل "دوركم قادم" و"جرائمكم لن تسقط بالتقادم"، وهي إشارات مباشرة إلى نية الجماعة مواصلة نهجها العدائي تجاه الدولة المصرية ومؤسساتها القضائية. مثل هذه اللغة تعكس عدم استعداد الجماعة للتخلي عن الخطاب التصعيدي الذي يهدف إلى تأليب أنصارها وإيهامهم بأن هناك إمكانية للانتقام ممن تعتبرهم خصومها السياسيين. وبدلًا من تبني خطاب يدعو إلى المصالحة الوطنية أو البحث عن حلول سياسية للخروج من أزماتها، تستمر الجماعة في إذكاء روح العداء والصدام، مما يرسّخ فكرة أنها لا تزال تعيش في حالة من الإنكار السياسي وعدم القدرة على التعامل مع الواقع الجديد.
هذه العبارات لا يمكن قراءتها بمعزل عن تاريخ الجماعة في استخدام التهديد والترهيب ضد من تعتبرهم أعداءها. فمنذ سقوط حكمها في عام 2013، تبنّت الجماعة خطابًا قائمًا على الثأر والانتقام، بدءًا من تصريحات قياداتها التي هدّدت بـ"حرق مصر" في حال عدم عودتهم إلى السلطة، وصولًا إلى التحريض العلني على العنف في اعتصامات رابعة والنهضة، وما تبعه من عمليات إرهابية استهدفت قوات الأمن والمنشآت الحيوية في البلاد. هذه الممارسات جعلت الجماعة تفقد جزءًا كبيرًا من تعاطف الشارع المصري، ودفعت بالدولة إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضدها، بما في ذلك تصنيفها كمنظمة إرهابية.
لا يمكن فصل هذا الخطاب التصعيدي عن النهج الذي تبنّته الجماعة تاريخيًا تجاه خصومها السياسيين. فحتى في الفترات التي شاركت فيها بالحياة السياسية بشكل رسمي، لم تتخلَّ عن استخدام العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها، سواء عبر تشكيل ميليشيات مثل "الجهاز الخاص" في الأربعينيات، أو من خلال دعم الجماعات المسلحة في العقود اللاحقة. وخلال حكمها القصير لمصر، لم تتردد الجماعة في تهديد مؤسسات الدولة، وهو ما ظهر في تصريحات قادتها الذين وصفوا معارضيهم بـ"الفلول" وهددوا بـ"سحقهم"، إلى جانب محاولات السيطرة على مفاصل الدولة الأمنية والقضائية لضمان بقائها في السلطة.
إن استمرار المجلس الثوري المصري في استخدام خطاب التهديد والترهيب، رغم مرور أكثر من عقد على سقوط حكم الإخوان، يؤكد أن الجماعة لا تزال عاجزة عن تطوير خطاب سياسي عقلاني يمكن أن يُكسبها شرعية جديدة في المشهد السياسي. فبدلًا من مراجعة أخطائها والاعتراف بفشلها في إدارة الدولة، تواصل الجماعة تبني لغة الصراع والانتقام، وهو ما يعمّق عزلتها ويزيد من قناعة المجتمع المصري بأن عودتها إلى المشهد لن تكون إلا على أنقاض استقرار البلاد وأمنها.

إشكالية العدالة الانتقائية
المجلس الثوري المصري يصرّ على اعتبار الأحكام الصادرة ضد عناصره ومنتسبيه في مصر "ظالمة"، دون أن يقدم أي نقد ذاتي أو مبررات حول الأفعال التي ارتكبتها جماعته وأدت إلى هذه الأحكام، مثل التحريض على العنف أو الارتباط بتنظيمات مسلحة. هذا التوجه يعكس غياب أي محاولة حقيقية من الجماعة لمراجعة مواقفها أو الاعتراف بتورطها في أعمال أدت إلى تصعيد العنف في مصر. بدلاً من ذلك، يُظهر البيان موقفًا انتقائيًا تجاه العدالة، حيث تُدان الأحكام الصادرة ضد قيادات الجماعة وأعضائها باعتبارها غير عادلة، بينما يتم تبرير أو تجاهل الأحكام القاسية الأخرى عندما تُصدر ضد خصومها السياسيين أو منظمات وأفراد معارضين لسياساتها.
إن تبني هذا النهج الانتقائي يتنافى مع مبادئ العدالة، فالأحكام التي تُصدر ضد أي طرف يجب أن تخضع لمراجعة عادلة تستند إلى المعايير القانونية والأدلة، وليس لمجرد الانحياز السياسي أو المصلحة الشخصية. ففي فترة حكم جماعة الإخوان المسلمين، لم تكن هناك أدنى مراعاة لمبادئ العدالة حينما لجأت الجماعة إلى التحريض على العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها. فمثلاً، خلال أحداث 2011 وما تلاها، تحولت الجماعة إلى أحد أبرز الداعمين للاحتجاجات التي شهدتها البلاد، واستخدمت منابرها لتحريض أنصارها على العنف ضد خصومها السياسيين. بعد إطاحة مرسي في 2013، تحولت الجماعة إلى تبني خطط عنيفة، شملت اعتصام رابعة والنهضة، وحرق الكنائس وارهاب المواطنين في شوارع المدن الكبرى.
وبينما تطالب الجماعة بحقوق أعضائها وأحكامهم التي تصفها بالظالمة، إلا أن تاريخها يعجّ بالأمثلة على استخدام العنف كوسيلة لتحقيق غاياتها. من أبرز تلك الأمثلة هو الدعم المستمر لجماعات مسلحة مثل "حسم ولواء الثورة وغيرها من الجماعات التي شاهدناها في مصر" وحتى"القاعدة"، مما يعكس ارتباطًا واضحًا بالجماعات التي تستخدم العنف كأسلوب للتغيير السياسي. هذا الموقف يعزز فكرة أن الجماعة لم تكن يومًا صادقة في تبني مبدأ العدالة الشاملة، بل استخدمته كأداة لتمرير مصالحها السياسية دون الاهتمام بمخاطر العنف والتطرف الذي رافق هذه السياسات.

شارك