الاتجاهات العامة للإرهاب عالميًا: قراءة في مؤشر الإرهاب العالمي 2025

الثلاثاء 11/مارس/2025 - 07:51 م
طباعة الاتجاهات العامة حسام الحداد
 

يظل الإرهاب ظاهرة معقدة ومتغيرة، تعكس التفاعلات الجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية على المستوى العالمي، حيث تتأثر أنماطه وانتشاره بعدة عوامل، من بينها النزاعات المسلحة، والتغيرات في ميزان القوى الدولية، والتطورات التكنولوجية، إضافة إلى التأثير المتزايد للاضطرابات الاقتصادية والتغيرات المناخية التي تخلق بيئات خصبة لتجنيد الأفراد في الجماعات المتطرفة. وفقًا لما ورد في "مؤشر الإرهاب العالمي 2025" الصادر عن "معهد الاقتصاد والسلام (IEP)"، شهد العام الماضي تحولات كبيرة في خريطة التهديدات الإرهابية، حيث ارتفع عدد الدول التي تعرضت لهجمات إرهابية إلى 66 دولة، وهو أعلى مستوى منذ عام 2018، مما يشير إلى انتشار جغرافي أوسع لهذه الظاهرة مقارنة بالسنوات السابقة. وعلى الرغم من تسجيل انخفاض في العدد الإجمالي للقتلى جراء الهجمات الإرهابية بنسبة 13%، ليصل إلى 7,555 قتيلًا، فإن هذا التراجع لا يعكس بالضرورة تحسنًا أمنيًا عالميًا، بل يعود بشكل رئيسي إلى الانخفاض الاستثنائي في عدد الضحايا مقارنة بعام 2023، الذي شهد ارتفاعًا غير مسبوق بسبب الهجوم الذي نفذته حركة حماس في 7 أكتوبر. وباستثناء هذا الحدث، تبقى أعداد القتلى في 2024 عند مستويات مماثلة للأعوام السابقة، مما يؤكد استمرار التهديد الإرهابي عند مستويات مرتفعة. كما أن طبيعة الهجمات الإرهابية آخذة في التغير، حيث تتزايد العمليات التي تستهدف البنية التحتية، والمناطق المدنية، والقوات الأمنية، بدلًا من الاعتماد على الهجمات واسعة النطاق، ما يعكس تكيف الجماعات الإرهابية مع الظروف الأمنية والتقنيات الحديثة. 1. توسع رقعة الدول المتأثرة بالإرهاب شهد عام 2024 ارتفاعًا في عدد الدول التي تعرضت لهجمات إرهابية من 58 إلى 66 دولة، وهو الرقم الأعلى منذ عام 2018. يعكس هذا الارتفاع انتشار الإرهاب إلى مناطق جديدة أو إعادة ظهوره في دول كانت قد شهدت استقرارًا نسبيًا. ويرجع هذا التوسع إلى عدة عوامل، منها التغيرات الجيوسياسية والصراعات الداخلية وضعف قدرة بعض الدول على مواجهة التهديدات الإرهابية. كما أن بعض الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، وسّعت عملياتها إلى دول لم تكن من قبل في صلب المواجهة مع الإرهاب. تُظهر البيانات أن أفريقيا جنوب الصحراء وأجزاء من آسيا الوسطى وأوروبا باتت أكثر عرضة للهجمات الإرهابية، في وقت شهد فيه الشرق الأوسط انخفاضًا نسبيًا في العمليات الإرهابية مقارنة بسنوات سابقة. هذا التحول يشير إلى أن الطابع الإقليمي للإرهاب يتغير باستمرار، متأثرًا بالصراعات العسكرية، والتحولات السياسية، والتدخلات الخارجية، وسهولة تنقل المقاتلين والجماعات المسلحة. 2. تزايد عدد الدول التي شهدت تدهورًا أمنيًا لأول مرة منذ سبع سنوات، كان عدد الدول التي تدهور فيها الوضع الأمني بسبب الإرهاب (45 دولة) أكبر من عدد الدول التي شهدت تحسنًا (34 دولة). وهذا الاتجاه يعكس فشل الجهود الدولية في كبح جماح الإرهاب في بعض المناطق، إضافة إلى تصاعد التهديدات في دول لم تكن ضمن بؤر التوتر الكبرى سابقًا. أحد أبرز العوامل التي ساهمت في تدهور الأوضاع في بعض الدول هو الانسحاب التدريجي للقوى الغربية من بعض المناطق المضطربة، مثل منطقة الساحل الأفريقي، مقابل تزايد نفوذ جهات أخرى مثل روسيا والصين. هذا التحول أتاح فرصة لبعض الجماعات الإرهابية لإعادة تنظيم صفوفها واستغلال الفراغ الأمني لصالحها. على سبيل المثال، في بوركينا فاسو والنيجر، أدى تراجع الدعم الأمني الغربي، خاصة الفرنسي، إلى تصاعد الهجمات الإرهابية بشكل ملحوظ. علاوة على ذلك، فإن التوترات السياسية الداخلية، مثل تصاعد النزاعات العرقية والدينية، وغياب سياسات فعالة لاحتواء التطرف، وسوء الأوضاع الاقتصادية في العديد من الدول، ساهمت في زيادة قدرة الجماعات الإرهابية على التجنيد والتوسع. كما أن بعض الحكومات استخدمت "مكافحة الإرهاب" كذريعة لقمع المعارضة السياسية، مما أدى إلى زيادة التوترات الداخلية وتصاعد العنف بدلًا من الحد منه. 3. انخفاض عدد القتلى من الهجمات الإرهابية: حقيقة أم تضليل؟ بحسب التقرير، شهد عام 2024 انخفاضًا في إجمالي عدد القتلى بسبب الإرهاب إلى 7,555 قتيلًا، أي بنسبة 13% مقارنة بعام 2023. ورغم أن هذا الرقم قد يبدو إيجابيًا من حيث الظاهر، إلا أن التحليل العميق للبيانات يكشف أن هذا الانخفاض كان بسبب الارتفاع الاستثنائي في عدد القتلى عام 2023، نتيجة لهجوم حماس في 7 أكتوبر على إسرائيل، وليس نتيجة لتحسن فعلي في مكافحة الإرهاب عالميًا. لو استثنينا تلك الحادثة من الإحصاءات، لكان عدد القتلى في 2024 مماثلًا تقريبًا لعام 2023، مما يعني أن حجم الإرهاب لم يتراجع جوهريًا، بل استمر عند مستويات مرتفعة. إضافة إلى ذلك، فإن معدل القتلى لكل هجوم زاد في بعض المناطق، مثل منطقة الساحل، حيث باتت الجماعات الإرهابية تستخدم أساليب أكثر فتكًا مثل التفجيرات الانتحارية والهجمات الجماعية ضد أهداف عسكرية ومدنية على حد سواء. كما أن بعض المناطق شهدت زيادة في الهجمات الإرهابية، لكن دون ارتفاع في عدد القتلى، مما يشير إلى تغييرات في استراتيجيات الجماعات الإرهابية، مثل التركيز على الهجمات الفردية (Lone Actors) أو استهداف البنية التحتية بدلًا من قتل الأفراد. وبالتالي، فإن انخفاض عدد القتلى لا يعكس بالضرورة تحسنًا في الوضع الأمني، بقدر ما يعكس تغييرات تكتيكية في العمليات الإرهابية. 4. الدلالات الاستراتيجية لتغير أنماط الإرهاب تشير هذه الاتجاهات إلى أن الإرهاب لم يعد محصورًا في مناطق الصراع التقليدية، بل بات يتخذ أشكالًا أكثر تنوعًا، ويتكيف مع البيئات السياسية والأمنية المختلفة. فالانتشار الجغرافي المتزايد للإرهاب يعكس ضعف الاستراتيجيات التقليدية لمكافحة الإرهاب، والحاجة إلى نهج أكثر شمولية يأخذ بعين الاعتبار العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تغذي التطرف. كما أن تزايد عدد الدول التي شهدت تدهورًا أمنيًا يوضح أن الجماعات الإرهابية أصبحت أكثر قدرة على الاستفادة من الأوضاع السياسية غير المستقرة، وأن التدخلات الدولية في بعض المناطق قد تؤدي أحيانًا إلى تفاقم المشكلة بدلًا من حلها. في حين أن التغيرات في عدد القتلى تعكس تحولًا في أساليب الإرهاب وليس بالضرورة انخفاضًا حقيقيًا في مستوى التهديد. خاتمة يعكس تقرير "مؤشر الإرهاب العالمي 2025" مشهدًا معقدًا، حيث تستمر الجماعات الإرهابية في إعادة التكيف مع التغيرات الدولية، مما يجعل مواجهتها أكثر صعوبة. ورغم انخفاض عدد القتلى، إلا أن انتشار الإرهاب إلى مزيد من الدول، وتزايد أعداد الدول التي شهدت تدهورًا أمنيًا، يشيران إلى أن التهديد الإرهابي لا يزال قائمًا، بل يتخذ أشكالًا جديدة أكثر تعقيدًا. لذا، فإن مكافحة الإرهاب تحتاج إلى استراتيجيات أكثر ديناميكية وشمولية، تتجاوز الحلول الأمنية التقليدية إلى معالجة العوامل العميقة التي تسهم في انتشاره واستمراره.

شارك