سوريا تبدأ باجتثاث الإرهاب الأجنبي.. حملة واسعة تستهدف قادة الجهاد العالمي في إدلب وحماة
الخميس 15/مايو/2025 - 12:14 م
طباعة

في تطور أمني لافت يحمل دلالات استراتيجية، أطلقت أجهزة الأمن السورية، مساء 14 مايو 2025، حملة أمنية واسعة ضد المقاتلين الأجانب في محافظتي إدلب وحماة، استهدفت عناصر تنتمي إلى تيارات متطرفة ومرتبطة بجماعات مصنفة دولياً على لوائح الإرهاب، مثل داعش والقاعدة.
وبحسب تقارير إعلامية، وصفت مصادر سورية مطّلعة الحملة بأنها "مرحلة جديدة من تصفية التهديدات الأمنية العابرة للحدود"، مشيرة إلى أن الحملة جاءت بعد تحولات سياسية بارزة على المستوى الإقليمي والدولي، تمثلت في اللقاء الذي جمع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العاصمة السعودية الرياض.
تفاصيل العملية: استهداف النوع لا الكم
نفذت وحدات الأمن السوري مداهمات منسّقة في مناطق متفرقة من محافظتي إدلب وحماة، واعتقلت عشرات المقاتلين الأجانب، معظمهم من جنسيات فلسطينية ومصرية وتونسية، بالإضافة إلى مقاتلين من جنسيات آسيوية وأوروبية.
اللافت أن العمليات نُفذت دون وقوع اشتباكات، في ما يعكس معلومات استخباراتية دقيقة، وتنسيقاً ميدانياً عالياً.
ووفقاً للمصادر، فإن أبرز المعتقلين هو شامل الغزي، فلسطيني من مدينة غزة، يُعدّ من أبرز القادة العسكريين في “العصائب الحمراء” التابعة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وهي الجماعة المصنّفة إرهابية من قبل مجلس الأمن.
ويعتبر الغزي شخصية ذات سجل دموي، حيث شارك في معارك دموية في ليبيا ومصر، قبل أن يستقر في سوريا، وينضم لفترة إلى تنظيم "داعش".
وقد ذاع صيته من خلال خطابات تحريضية عنصرية ضد العلويين في الساحل السوري، حيث ظهر في مقاطع فيديو وهو يتوعد المدنيين بقطع الرؤوس وسفك الدماء.
المقاتلون الأجانب وسوريا
لطالما مثّل المقاتلون الأجانب أحد أكبر التهديدات التي واجهت سوريا خلال سنوات الحرب. فمنذ عام 2012، ومع تصاعد الأزمة السورية، بدأت سوريا تتحول إلى ما يشبه "المغناطيس الجهادي"، مستقطبة آلاف المقاتلين من شتى أنحاء العالم، من المغرب العربي إلى القوقاز وآسيا الوسطى وأوروبا.
تقديرات استخباراتية صادرة عن الأمم المتحدة تشير إلى أن عدد المقاتلين الأجانب الذين دخلوا سوريا منذ بداية الحرب فاق 30 ألفاً، بقي منهم حتى أواخر عام 2024 ما بين 10 إلى 12 ألف مقاتل، يتوزعون على تنظيمات متشددة أبرزها "هيئة تحرير الشام"، و"الحزب الإسلامي التركستاني"، وفلول "داعش"، بالإضافة إلى تنظيمات أصغر من الأوزبك والشيشان.
التركيبة النوعية للمقاتلين الأجانب
ما يجعل هؤلاء المقاتلين أكثر خطراً من الناحية الأمنية ليس فقط عددهم، بل تركيبتهم النوعية. فهم يمثلون النواة العقائدية الصلبة داخل الفصائل المسلحة، ويتفوقون بخبراتهم القتالية المكتسبة من حروب أفغانستان والعراق وليبيا، كما أنهم يتحركون بأجندات عابرة للحدود، ويتبنون مشاريع فكرية لا تتقاطع بالضرورة مع تطلعات السوريين المحليين.
من بين أبرز هذه الفصائل "الحزب الإسلامي التركستاني"، الذي يتكوّن من مقاتلين إيغور فرّوا من الصين عبر آسيا الوسطى إلى أفغانستان، ومنها إلى سوريا. ويُقدّر عدد مقاتليه بنحو 3 آلاف، ويعدّ من بين أخطر التنظيمات، إذ نفذ عشرات العمليات الانتحارية، واستهدف قرىً علوية ومسيحية في ريفي اللاذقية وحماة.
تقرير صادر عن فريق مراقبة تنظيمات الإرهاب بالأمم المتحدة في فبراير 2025، أكّد استمرار العلاقة بين الحزب وتنظيم القاعدة، كما أشار إلى أن زعيم الحزب عبد الحق التركستاني لا يزال يدير عملياته من أفغانستان.
ارتباط أمني بالمتغيرات الدولية
توقيت الحملة الأمنية السورية لا يبدو معزولاً عن المناخ السياسي المستجد في المنطقة، خاصة بعد لقاء أحمد الشرع بالرئيس الأمريكي ترامب، والذي طالب بشكل صريح بـ"طرد الإرهابيين الأجانب من الأراضي السورية"، في سياق تفاهمات أوسع تتعلق بمحاربة داعش والانضمام إلى اتفاقات "أبراهام".
وإثر اللقاء، أعلن الشرع في خطاب إلى الشعب السوري عن بدء مرحلة جديدة عنوانها "إعادة الإعمار والمصالحة"، مؤكداً أن "سوريا لن تكون بعد اليوم ساحة لتصفية الحسابات، ولا قاعدة للمتطرفين"، مشيداً بالدعم العربي والدولي الذي تلقته الحكومة الجديدة.
ما بعد الاعتقالات
ويرى مراقبون أن هذه الحملة ليست سوى بداية لسلسلة أوسع من العمليات الأمنية، قد تشمل لاحقاً الفصائل السورية التي تحتفظ بعلاقات تنظيمية أو لوجستية مع المقاتلين الأجانب.
لكن التحدي الأكبر يكمن في "إدارة مرحلة ما بعد الاعتقالات"، حيث تتطلب المرحلة المقبلة تفكيك الشبكات المالية والإعلامية التي يرتكز عليها وجود هؤلاء المقاتلين.
ويحذر خبراء أمنيون من خطورة التسلل الصامت لهؤلاء المقاتلين نحو بيئات مدنية، أو استخدامهم كورقة ضغط من قبل قوى إقليمية لا تزال تنظر إلى الملف السوري بمنظار النفوذ والمصالح.
سوريا في وجه الجهاد العالمي
تعكس الحملة الأمنية السورية إدراكاً متزايداً في دمشق بأن استمرار وجود المقاتلين الأجانب لا يُهدد فقط الأمن الوطني، بل يعيق أي محاولة جدية لإعادة بناء الدولة والمجتمع بعد سنوات من التفكك. فهؤلاء يشكّلون جيلاً متطرفاً منفصلاً عن البيئة السورية، ويتحركون ضمن مشاريع أممية ترتكز على بث الفوضى وتغذية الصراعات الطائفية.
وفي الوقت الذي تسعى فيه القيادة السورية الجديدة إلى إعادة التموضع في المشهد الإقليمي والدولي، فإن نجاحها في اجتثاث هذه النواة المتشددة سيكون بمثابة اختبار حقيقي لقدرتها على استعادة الدولة وتكريس السيادة، بعيداً عن حروب الوكالة ودوامة الإرهاب المعولم.