تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي يتوسع.. ومخاوف من سقوط المدن

الخميس 22/مايو/2025 - 12:29 ص
طباعة تنظيم القاعدة في حسام الحداد
 
تشهد بوركينا فاسو منذ عام 2022 حالة من الاضطراب الأمني والسياسي الحاد، تزامنت مع تصاعد نفوذ الجماعات الجهادية في مناطق الشمال والشرق، واندلاع موجات عنف متصاعدة بين القوات الحكومية والمليشيات المسلحة. على الرغم من تعهدات المجلس العسكري بعودة الحكم المدني وتحقيق الاستقرار، إلا أن البلاد شهدت تمديداً لحكم القادة العسكريين، وتصعيداً في حملات القمع السياسي وحقوق الإنسان، ما أدى إلى تدهور حاد في الأوضاع الأمنية والاجتماعية والسياسية. وتفاقمت الأزمة مع تزايد عمليات الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة، التي نفذت هجمات واسعة دامية، استهدفت المدن العسكرية والمدنية، مظهرة ضعف الدولة في مواجهة التحديات الأمنية المتعددة.
في ظل هذا المشهد المأزوم، تعيش بوركينا فاسو حالة من الانقسام الداخلي الحاد، مع تصاعد النزاعات العرقية، وانتشار ميليشيات مسلحة مدعومة من السلطات، فضلاً عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، الأمر الذي يهدد بانهيار شامل للدولة. وتواجه الحكومة العسكرية عزلة متزايدة داخلياً وخارجياً، وسط تصاعد احتمال انزلاق البلاد نحو سيناريوهات أكثر خطورة مثل الانقلابات، والحروب الأهلية، والتدخلات الخارجية. هذا الواقع المعقد يستدعي تحليلاً دقيقاً للسيناريوهات المستقبلية التي قد تواجهها بوركينا فاسو، سواء من الناحية الأمنية والسياسية أو الإنسانية.
شنت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، المرتبطة بتنظيم القاعدة في منطقة الساحل، في 11 مايو الجاري، هجومًا واسعًا على مدينة جيبو، وهي عاصمة إقليمية في شمال بوركينا فاسو، وتمكنت من السيطرة عليها لساعات. يعكس هذا الهجوم قدرة الجماعة على حشد أعداد كبيرة من المقاتلين والسيطرة المؤقتة على مناطق محاصرة. اقتحم مئات من عناصر الجماعة المدينة، واستولوا على القاعدة العسكرية، وهاجموا مدنيين يُعتقد أنهم على صلة بالميليشيات المؤيدة للحكومة. واستخدمت الجماعة مدافع مضادة للطائرات من عيار 14.5 ملم – كانت قد استولت عليها سابقًا – لإبعاد الطيران الحربي البوركينابي. ووفقًا لشهادات محلية، تجاوز عدد الضحايا 100، بينما ادعت الجماعة لاحقًا مقتل 200 جندي خلال الهجوم. ولم تُصدر السلطات البوركينابية أي تصريح رسمي. وشنّت الجماعة أيضًا هجمات متزامنة على ما يصل إلى ثمانية مواقع أخرى في نفس اليوم، من بينها بلدة سولي غرب جيبو، حيث زعمت أنها قتلت 60 جنديًا. وتُعد هذه الهجمات من الأكثر دموية في البلاد منذ مذبحة بارسالوغو في أغسطس 2024، والتي أودت بحياة المئات.

تصدع في التنسيق الأمني 
كشف الهجوم الذي شنته جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على مدينة جيبو عن ثغرات محتملة في التنسيق الأمني بين المجلسين العسكريين الحاكمين في بوركينا فاسو ومالي، في ظل احتمال مشاركة عدة فصائل تابعة للجماعة في العملية. تقع مدينة جيبو في منطقة عمليات تتداخل فيها أنشطة "أنصار الإسلام" و"كتيبة ماسينا"؛ إذ تنشط الأولى قرب المثلث الحدودي بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر، بينما تنتشر الثانية في غرب بوركينا فاسو ووسط وجنوب وغرب مالي.
وأفادت تقارير متعددة أن الحكومة المالية رعت سلسلة من اتفاقات وقف إطلاق النار بين كتيبة ماسينا وبعض الزعماء المحليين بوسط مالي مطلع عام 2025، ما أتاح للجماعة فك الحصار عن بعض المدن المالية، وتوجيه مواردها نحو عمليات في بوركينا فاسو. ومن المرجح أن تكون هذه التفاهمات قد أدت إلى تراجع هجمات الجماعة في الجانب المالي من منطقة موبتي، مقابل تصاعد ملحوظ في أنشطتها ببوركينا فاسو.
في السياق ذاته، بدأت كتيبة ماسينا منذ مارس 2025 بتكثيف استخدامها للطائرات المسيّرة في تنفيذ هجمات على مواقع الجيش البوركينابي، عبر إسقاط ذخائر متفجرة، وهي تكتيكات كانت نادرة في السابق خلال عام 2024 في كل من مالي وبوركينا فاسو.

حصار ناعم ومدن مهددة بالسقوط
تواصل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين فرض حصارها على عدد من المراكز السكانية الرئيسية في منطقة الساحل، وسط مؤشرات متزايدة على قدرتها على السيطرة عليها إذا قررت ذلك. وتشير تصريحات وبيانات الجماعة في الأشهر الأخيرة إلى احتمال تصعيد الهجمات على المدن المحاصرة ضمن استراتيجية ضغط مستمرة، رغم أن السيطرة المباشرة على هذه المدن وإدارتها لا تبدو ضمن أولويات الجماعة في الوقت الراهن.
وفي نوفمبر 2024، لوّح محمود باري، المتحدث باسم الجماعة والقيادي البارز في كتيبة ماسينا، بنيّة السيطرة على المدن الكبرى، قائلًا: "سنسيطر عليكم في المدن الكبرى". كما دعا شقيق زعيم "أنصار الإسلام" المدنيين في مدينة جيبو إلى الابتعاد عن المنشآت العسكرية ومغادرة المدينة بعد الهجوم الأخير في 13 مايو، حرصًا على سلامتهم.
تهدف استراتيجية الحصار التي تتبعها الجماعة إلى منع السكان من التعاون مع الدولة، ودفع المجتمعات المحلية إلى الدخول في تفاهمات تتيح للجماعة فرض نوع من الحكم غير المباشر أو "الظل"، دون الحاجة لتحمّل أعباء السيطرة الفعلية على المدن أو إدارتها بشكل مباشر.

هجمات 11 مايو تعمّق عزلة المجلس العسكري في بوركينا فاسو
من المرجح أن تؤدي هجمات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في 11 مايو إلى تصاعد خطر وقوع انقلاب ضد المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو، والذي يواجه ضغوطًا متزايدة داخليًا وخارجيًا، رغم محاولاته تأمين الدعم من روسيا والدول المجاورة وإيران. وكان زعيم المجلس العسكري، إبراهيم تراوري، قد عاد إلى البلاد في اليوم نفسه بعد مشاركته في احتفالات يوم النصر في موسكو ولقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ويأتي هذا التصعيد في ظل مزاعم سابقة بإحباط محاولة انقلابية في أبريل الماضي، وهي سيناريوهات مألوفة أعقبت سابقًا هجمات كبرى مشابهة. وبحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية، فقد طالت الاعتقالات الأخيرة عددًا من عناصر النخبة داخل الجيش، من بينهم أعضاء في وحدة الحماية الخاصة لتراوري وعناصر من كتيبة التدخل السريع.
وسبق أن ساهمت الهجمات الدامية التي نفذتها الجماعة في نوفمبر 2021 وسبتمبر 2022 ويونيو 2024 في تسريع محاولات انقلابية ضد السلطة. ويُتوقع أن يؤدي تداول صور لعناصر الجماعة وهم يتجولون داخل منشآت حكومية ودوار مدينة جيبو عقب الهجوم، إلى تعظيم الأثر السياسي والرمزي للهزيمة التي تلقاها الجيش في تلك المواجهة.

تراوري يوسّع تحالفاته وسط اتهامات بمجازر ضد المدنيين
يسعى المجلس العسكري في بوركينا فاسو، بقيادة إبراهيم تراوري، إلى توسيع شبكة حلفائه الإقليميين والدوليين لدعم نظامه المتعثر، بعد محاولة الانقلاب الأخيرة في أبريل. وتشير التقارير إلى أن تراوري تواصل مع تشاد وإيران، حيث طلب من نجامينا إرسال 200 جندي لحماية نظامه، فيما زار مسؤول أمني إيراني واغادوغو في 6 مايو لتبادل "الخبرات الأمنية"، في خطوة يُرجح ارتباطها بتعزيز أدوات القمع الداخلي. وكانت روسيا ومالي قد أرسلتا تعزيزات إلى العاصمة عقب محاولة الانقلاب في يونيو 2024، بينما تواصل موسكو إدارة حملات إعلامية تروّج لصورة تراوري في الأوساط الإفريقية رغم التدهور الأمني المتصاعد.
رغم كل هذه التحركات، فشل المجلس العسكري في تحسين الوضع الأمني، بل فاقمه عبر استراتيجية قمعية عنيفة أسفرت عن تصاعد غير مسبوق في قتل المدنيين. منذ استلام تراوري للسلطة، تُسجّل البلاد كل عام أرقامًا قياسية في ضحايا العنف الممنهج على يد قوات الدولة. وفي عام 2025 وحده، بات عدد الضحايا المدنيين يقترب من إجمالي عام 2024، الذي بلغ 980 قتيلاً. وتعزو منظمات حقوقية هذه الأعداد إلى مجازر انتقامية تطال المدنيين، لا سيما من قبيلة الفولاني، بتهم دعم المتمردين، ما يعدّ جريمة حرب. وأبرزت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير بتاريخ 12 مايو مذبحة ارتكبها الجيش ضد أكثر من 100 مدني فولاني في غرب البلاد. وتغذّي هذه الجرائم دائرة عنف وانتقام تزيد من تجنيد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التي تقدّم نفسها كمدافع عن المجتمعات المستهدفة.

تجنيد ميليشيات مدنية يفاقم العنف العرقي في بوركينا فاسو
ضمن استراتيجيته لمواجهة التمرد المتصاعد، أطلق زعيم المجلس العسكري في بوركينا فاسو، إبراهيم تراوري، حملة واسعة لتجنيد وتسليح ميليشيات مدنية، رغم ضعف تدريبها وارتباطها المتزايد بأعمال عنف عرقي. ومنذ توليه السلطة في أكتوبر 2022، أعلن تراوري عزمه تجنيد 50 ألف عنصر من المدنيين ضمن قوة "متطوعي الدفاع عن الوطن" (VDP)، لتعويض النقص الكبير في عدد قوات الجيش. وقد أعلنت السلطات لاحقًا أن العدد تجاوز 90 ألف مجنّد، ما يمثل تصعيدًا كبيرًا لمبادرات التعبئة التي بدأت عام 2020.
يحصل المجندون في صفوف VDP على تدريب لا يتجاوز ثلاثة أسابيع قبل نشرهم، وغالبًا ما ينتمون إلى ميليشيات محلية للدفاع الذاتي نشأت منذ اندلاع التمرد الجهادي في 2015. هذه الوحدات، المشكلة بمعظمها من مجتمعات مستقرة، تستبعد بشكل كبير أقلية الفولاني، وهي المجموعة الأكثر تهميشًا واستهدافًا في البلاد، مما يفاقم الانقسامات العرقية ويؤجج العنف المجتمعي.
وفي تطور مقلق، تظهر بيانات 2025 أن ميليشيات VDP باتت تشارك على نحو متزايد في عمليات عنف ترعاها الدولة ضد المدنيين. ومن المتوقع أن تتورط هذه الميليشيات في نحو ضعف عدد حوادث العنف المسجلة عام 2024، وأن تتسبب في حصيلة من القتلى تضاهي مجموع ضحايا عامي 2023 و2024 معًا، ما يعكس اتساع دائرة الانتهاكات التي تغذي بدورها بيئة التجنيد والتطرف في البلاد.

قمع سياسي وتمديد للسلطة: 
واصل زعيم المجلس العسكري في بوركينا فاسو، إبراهيم تراوري، تقويض الحقوق السياسية للمواطنين منذ توليه السلطة عام 2022، منتهكًا وعوده السابقة بالعودة إلى الحكم المدني. ففي يوليو 2024، مدد تراوري فترة حكمه لخمس سنوات إضافية، مانحًا نفسه فرصة الترشح للرئاسة عند نهاية ولايته الجديدة في 2029، ما يمثل تراجعًا واضحًا عن تعهداته الأولية بإعادة الحكم الديمقراطي.
بالتوازي مع ذلك، أطلق النظام العسكري حملة قمع ممنهجة ضد المعارضة السياسية، حيث أُدرج معارضون بارزون على لوائح الإرهاب، في حين جرى تجنيد صحفيين ونقاد قسرًا في الخدمة العسكرية في محاولة لإسكات أصواتهم. كما لجأت السلطات إلى إغلاق وسائل إعلامية مستقلة تنشر تقارير تنتقد الحكومة أو تعرض إخفاقاتها.
نتيجة لهذه الانتهاكات، صنفت منظمة "فريدوم هاوس" بوركينا فاسو ضمن أدنى مستويات الحريات السياسية، مانحة إياها ثلاث نقاط فقط من أصل 40، وهو تقييم يعكس التدهور الحاد في مستوى الحقوق السياسية وحالة الديمقراطية في البلاد.

سيناريوهات مستقبلية:
بالنظر إلى التصعيد الأمني والسياسي الأخير في بوركينا فاسو، هناك عدة سيناريوهات مستقبلية محتملة تستند إلى تفاعلات الجماعات المسلحة، وضعف المجلس العسكري، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. فيما يلي ستة سيناريوهات رئيسية:
انهيار أمني شامل في الشمال والشرق
في ظل تصاعد وتيرة هجمات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) على مناطق الشمال والشرق في بوركينا فاسو، تبرز مؤشرات قوية على ضعف القدرات القتالية للجيش النظامي وميليشيات "متطوعي الدفاع عن الوطن" (VDP)، التي تعاني من نقص التدريب والعتاد والخبرة، بالإضافة إلى الانقسامات العرقية التي تقلل من فاعليتها. هذا الوضع يترك مناطق واسعة في الشمال الشرقي والشرقي معرضة لخطر الانهيار الأمني الكامل، حيث لا يمكن للقوات الحكومية صد الهجمات المتكررة أو تأمين الحماية للسكان المدنيين. بالتالي، تصبح هذه المناطق مسرحًا شبه مفتوح لجماعات الجهاد التي تنتهج استراتيجية الحصار، وتعتمد على إضعاف الروح المعنوية للسكان ودفعهم إلى الاستسلام أو التعاون مع الجماعات المسلحة.
تُتيح هذه الديناميكية لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين توسيع نفوذها بشكل ملحوظ، إذ تستطيع فرض حكم ظل يُدار عبر شبكات محلية من الفصائل المتعاونة مع الجماعة، دون الحاجة إلى السيطرة المباشرة على المدن وإدارتها بشكل كامل. وتُستخدم التفاهمات المحلية كأداة استراتيجية لتثبيت وجودها وتعزيز قبضتها على المراكز السكانية، ما يجعل من الصعب على الدولة استعادة السيطرة أو تقديم خدمات أساسية للسكان، وهو ما يزيد من هشاشة الأمن ويعمّق دائرة العنف والتطرف في تلك المناطق، ما يهدد استقرار بوركينا فاسو بشكل عام.

 انقلاب عسكري داخلي
تشكل الهزائم المتكررة للجيش البوركينابي في مواجهة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وضغوط العنف المتصاعد على المدنيين، عوامل متزايدة تؤجج الاستياء داخل المؤسسة العسكرية نفسها، خاصة بين وحدات النخبة التي تتحمل العبء الأكبر من المعارك. فشل القيادة العسكرية، وعلى رأسها إبراهيم تراوري، في تأمين الانتصارات أو حتى تحقيق استقرار نسبي، إلى جانب تورط قوات الأمن وميليشيات مدنية في مجازر طالت الأبرياء، يفاقم أزمة الثقة داخل الجيش. هذا الوضع يخلق بيئة داخلية ملتهبة، حيث تتزايد الدعوات غير العلنية لتحرك حاسم لعزل تراوري عن السلطة، عبر انقلاب عسكري داخلي يهدف إلى إعادة هيكلة القيادة ومحاولة كسب تأييد الشعب والمجتمع الدولي عبر تقديم صورة جديدة.
تاريخ بوركينا فاسو حافل بالانقلابات المتكررة التي أعقبت هزائم عسكرية مذلة أو أزمات حكم، ما يجعل السيناريو الانقلابي احتمالاً واقعياً وسط هذا السياق الأمني والسياسي المضطرب. قبضة تراوري المتشددة وقمعه المتواصل للمعارضة لا يخففان فقط من غضب الشارع بل يثيران أيضاً استياءً متزايداً داخل الجيش نفسه، الذي قد يرى في تغيير القيادة طريقًا للخروج من المأزق المتصاعد. بالإضافة إلى ذلك، فإن تأثير هذه الهزائم على معنويات القوات وتأثيرها السلبي على القدرة القتالية يعزز من فرص وقوع تحركات انقلابية في المستقبل القريب، خاصة إذا استمر الوضع على ما هو عليه دون بوادر تحسن.

تصاعد الحرب الأهلية على خلفية عرقية
يشكل التوسع السريع في تجنيد ميليشيات مدنية ذات انتماءات عرقية، خصوصًا تلك التي تتألف من مجموعات غير الفولانيين، عاملًا رئيسيًا يزيد من تعقيد المشهد الأمني والاجتماعي في بوركينا فاسو. هذه الميليشيات، التي غالبًا ما تتلقى دعمًا رسميًا ضمن إطار "متطوعي الدفاع عن الوطن"، لا تقتصر مهامها على مواجهة الجماعات الجهادية فقط، بل تتورط أيضًا في أعمال عنف ضد المدنيين من قبيلة الفولاني التي تُعتبر الأكثر تهميشًا واستهدافًا. هذا العنف المتصاعد يغذي موجات من الانتقام والاحتقان العرقي، مما يهدد بنشوب صراع أهلي واسع النطاق يمتد ليشمل مناطق جغرافية واسعة.
مع استمرار هذه الديناميكية، يصبح من المرجح أن تتحول المناطق المتضررة إلى مناطق انقسام عرقي حاد، حيث تنقسم المجتمعات المحلية بناءً على الولاءات العرقية والمناطقية، مما يعمق الهوة بين الفولانيين والمجموعات الأخرى. هذه الشرخ العرقي لن يعوق فقط جهود الدولة للسيطرة على الوضع الأمني، بل سيعرقل أيضًا أي محاولات لإعادة بناء النسيج الاجتماعي وتعزيز السلام. في ظل غياب حوار وطني شامل وتدابير فعالة للعدالة والمصالحة، قد تتحول بوركينا فاسو إلى مسرح حرب أهلية طويلة الأمد، تفتت البلاد وتقوض فرص استقرارها المستقبلي.

تحالف أو وصاية روسية–مالية موسعة
في مواجهة تصاعد التهديدات الأمنية والهزائم المتكررة، قد يلجأ إبراهيم تراوري إلى تعزيز تحالفه مع روسيا ومالي عبر إتاحة فرص أوسع لتدخلات عسكرية وأمنية مباشرة، مثل توسيع وجود قوات فاغنر الروسية أو استقدام وحدات عسكرية مالية للاستقرار في العاصمة وأهم المناطق الحيوية. هذه الخطوة ستُستخدم كوسيلة لتعزيز السيطرة الأمنية وحماية النظام من أي محاولات انقلابية، فضلاً عن دعم العمليات القتالية ضد الجماعات الجهادية التي تستهدف استنزاف قدرات الجيش البوركيني. بهذا الشكل، يصبح التحالف الروسي–المالي ركيزة أساسية لبقاء النظام العسكري الحاكم وسط أزمات متشابكة.
لكن على الرغم من المكاسب الأمنية المؤقتة، فإن تعميق هذه الوصاية الأجنبية سيؤدي بلا شك إلى زيادة الاستياء الشعبي تجاه النظام، حيث يُنظر إلى هذه الخطوة كتنازل عن السيادة الوطنية واحتلال غير مباشر. هذا الغضب الشعبي قد يفاقم حالة العزلة السياسية للمجلس العسكري، ويزيد من الضغط الداخلي على تراوري، ويعزز فرص تحرك المعارضة والاحتجاجات المناهضة للحكم العسكري والوصاية الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي هذا التوجه إلى تشويه صورة بوركينا فاسو على الساحة الإقليمية والدولية، ما قد يعرقل جهود بناء تحالفات أوسع أو الحصول على دعم من جهات أخرى.

 انهيار اقتصادي – إنساني شامل
مع استمرار تدهور الوضع الأمني وانتشار الهجمات المسلحة في مناطق الشمال والشرق، تتعطل أنشطة الزراعة والتجارة الداخلية بشكل حاد، ما يؤدي إلى نقص حاد في الغذاء والمواد الأساسية. المناطق المحاصرة من قبل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تشهد حصارًا يؤدي إلى قطع الإمدادات الحيوية، ما يفاقم معاناة السكان ويزيد من مستويات الفقر والجوع. في ظل هذه الظروف، يضطر الكثير من المدنيين إلى الهروب من مناطق النزاع، متجهين نحو مخيمات نزوح مزدحمة تفتقر إلى الخدمات الأساسية، ما يزيد من الضغط على الموارد المحدودة ويهدد بانهيار المجتمعات المحلية.
بالإضافة إلى ذلك، تواجه الحكومة العسكرية عزلة سياسية متزايدة من المجتمع الدولي بسبب ممارسات القمع وانتهاكات حقوق الإنسان، مما يقلص إمكانية حصولها على مساعدات دولية فعالة. وبغياب الدعم الخارجي الكافي، يتعذر على النظام توفير الخدمات الأساسية أو تحسين الأوضاع الإنسانية، مما يعمق الأزمة الإنسانية ويزيد من تفاقم النزوح الداخلي. هذا الواقع المتدهور يخلق دوامة من المعاناة يصعب الخروج منها، ويزيد من هشاشة البلاد على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، ما يهدد بانهيار شامل في البنية التحتية الحيوية ويعقّد فرص تحقيق الاستقرار في المستقبل.

انخراط المجتمع الدولي بوساطة أو تدخل غير مباشر
مع تصاعد الانتهاكات المتكررة بحق المدنيين وارتكاب المجازر المروعة، سيزداد الضغط الدولي على المجلس العسكري في بوركينا فاسو للتحرك بشكل عاجل. قد تلجأ جهات دولية مثل الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، ومنظمة الإيكواس إلى فرض عقوبات سياسية واقتصادية تستهدف النظام العسكري، بهدف دفعه للتوقف عن الممارسات القمعية وفتح الباب أمام حوار سياسي شامل. كما أن تفاقم الأزمة الأمنية والإنسانية قد يدفع هذه الجهات إلى المبادرة بوساطة بين النظام والفصائل المسلحة أو المعارضة السياسية، سعياً لتجنب حرب أهلية واسعة أو انهيار مؤسساتي كامل.
بالإضافة إلى ذلك، قد تسعى بعض القوى الإقليمية والدولية إلى دعم مفاوضات انتقالية تقود إلى حكومة مدنية مؤقتة تضمن تهدئة الوضع، خصوصاً إذا أصبح الصراع مهدداً للاستقرار الإقليمي في الساحل. قد يتضمن هذا الدعم تقديم ضمانات أمنية أو مراقبة دولية لتطبيق أي اتفاقيات، مع فرض آليات رقابة على الانتهاكات. ورغم أن هذه التدخلات لن تكون بالضرورة مباشرة أو عسكرية، فإن تأثيرها قد يكون حاسماً في دفع الأطراف نحو حلول سياسية، خاصة في ظل تزايد عزلة المجلس العسكري داخلياً وخارجياً.

شارك