أزمة الدمج العسكري للأويغور في سوريا: صراعات الهوية والولاء بين الداخل والخارج
الخميس 05/يونيو/2025 - 03:16 م
طباعة

في لحظة مفصلية من تاريخ سوريا ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، جاء إعلان دمج آلاف المقاتلين الأويغور في "الفرقة 84" التابعة للجيش السوري الجديد، ليُفجّر جدلاً واسعاً تجاوز حدود الداخل السوري إلى مستويات إقليمية ودولية. هؤلاء المقاتلون، المنتمون سابقاً إلى الحزب الإسلامي التركستاني المصنّف كتنظيم إرهابي، وجدوا أنفسهم فجأة تحت مظلة رسمية، بدعم أميركي، ضمن مشروع يُسوَّق كخطوة نحو احتواء التطرّف وإعادة بناء الجيش.
لكن ما يبدو في ظاهره إجراءً عقلانياً لضبط الفوضى، يكشف في عمقه عن مفارقات خطيرة: إعادة تدوير لمقاتلين عقائديين دون تفكيك لإرثهم الإيديولوجي، تجاهل لحساسية المجتمع السوري المتعب من الحرب، وصدام محتمل مع قوى دولية كبرى ترى في هؤلاء المقاتلين تهديداً مباشراً، وعلى رأسها الصين.
هذا التقرير يناقش أبعاد هذه الخطوة من زوايا متعددة: من التبريرات الرسمية التي تروّج لمفهوم "الدمج الوقائي"، إلى القلق الدولي الذي تعتبره بكين تصعيداً غير مبرر، وصولاً إلى الهواجس المحلية من عسكرة الهويات وتهديد العقد الاجتماعي السوري. فهل تمهّد هذه الخطوة لبناء جيش وطني جامع؟ أم أنها تفتح الباب أمام دورة جديدة من الفوضى تحت رايات جديدة؟
التبريرات الرسمية… منطق الوقاية أم إعادة التدوير؟
تقدّم الجهات الرسمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، هذه الخطوة باعتبارها جزءاً من استراتيجية "الاحتواء الوقائي" للمقاتلين الأجانب، في محاولة لإعادة توجيههم من مسارات التطرف إلى مسارات الدولة. وفي تصريح لافت، قال المبعوث الأميركي توماس باراك إن "دمج المقاتلين الأويغور في الجيش السوري الجديد يأتي ضمن خطة شاملة لمنع تحولهم إلى قنابل موقوتة يمكن أن تنضم مستقبلاً إلى تنظيمات مثل داعش أو القاعدة". هذا التوجه يحمل في طياته منطقاً براغماتياً يهدف إلى تحييد الخطر عبر إدماجه بدل إقصائه.
لكن على الرغم من وجاهة هذا المنطق من حيث الشكل، فإن التجربة على الأرض تكشف عن ثغرات بنيوية عميقة. فعمليات الإدماج لم تُسبق بأي برامج تأهيل ديني أو مراجعات فكرية جادة، بل اقتصرت في معظمها على خطوات تنظيمية سطحية، مثل تسليم السلاح الثقيل، وارتداء الزي الرسمي، والالتحاق بالمعسكرات. وهذا يعيد إلى الأذهان تجارب سابقة فاشلة في دول مثل العراق وأفغانستان، حيث تم "إعادة تدوير" مقاتلين سابقين دون معالجة جذور تطرفهم، ما أدى لاحقاً إلى انفجارات أمنية داخل المؤسسة نفسها.
السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هنا هو: هل يكفي تغيير الزي العسكري وتعديل الخطاب السياسي لدمج مقاتلين عقائديين في مشروع وطني جامع؟ فهؤلاء المقاتلون لم يدخلوا الحرب كمرتزقة بلا عقيدة، بل انخرطوا فيها بدوافع دينية صلبة، حملوا معها خطاب "الجهاد الأممي" لسنوات. ومن دون تفكيك هذه البنية الذهنية، فإن دمجهم في مؤسسة يُفترض أن تمثّل الدولة المدنية الجديدة قد يكون مجرد تمويه مؤقت، وليس حلاً جذرياً.
الأخطر من ذلك أن مثل هذا الدمج غير المدروس قد يؤدي، مع مرور الوقت، إلى تمكين جماعات عقائدية داخل المؤسسة العسكرية نفسها، تتحرك بمنطق الانضباط الذاتي و"الولاء العقائدي" لا الوطني. وهذا يفتح الباب أمام انقسامات داخل الجيش بين عناصر وطنية علمانية أو معتدلة، وأخرى ذات خلفية متشددة، ما يُحوّل المؤسسة العسكرية من ضمانة للوحدة إلى ساحة تنافس نفوذ بين هويات متضادة.
البعد الدولي… الصين في قلب الإشكالية
ردّة الفعل الصينية تجاه إعلان دمج المقاتلين الأويغور في الجيش السوري الجديد لم تكن مفاجئة، بل جاءت متوافقة مع الموقف التاريخي لبكين تجاه كل ما يمسّ ملف الأويغور، وخصوصاً من ارتبط منهم بالحزب الإسلامي التركستاني. هذا الحزب، المصنّف كتنظيم إرهابي من قبل الصين، ارتبط بسلسلة من العمليات المسلحة داخل الأراضي الصينية، ويُنظر إليه على أنه تجسيد للفكر الانفصالي الجهادي الذي يسعى لتفكيك الدولة الصينية من خاصرتها الغربية في إقليم شينجيانغ. وبالتالي، فإن أي محاولة لإعادة تدوير مقاتليه السابقين في أطر رسمية، حتى خارج الصين، تُعدّ تهديداً مباشراً للأمن القومي الصيني.
في هذا السياق، ترى بكين أن منح هؤلاء المقاتلين دوراً عسكرياً في دولة ذات سيادة، حتى وإن كانت في مرحلة ما بعد الثورة، يُمثّل خطوة نحو "الشرعنة الرمزية" لهويتهم القتالية. فهم لم يعودوا مجرد لاجئين أو عناصر متوارية عن الأنظار، بل أصبحوا رسميين، يرتدون بزّات جيش معترف به دولياً، ويحملون رتباً ومسؤوليات. وهذا التطور يحمل في طياته خطراً مزدوجاً: أولاً، منح غطاء قانوني لتحركاتهم المستقبلية؛ وثانياً، تحويلهم إلى ورقة يمكن استخدامها في لعبة التوازنات الجيوسياسية بين واشنطن وبكين.
ويُعبّر عن هذا الموقف بوضوح البروفيسور هوانغ وي، أستاذ دراسات الأمن القومي بجامعة بكين، قائلاً: "الصين تنظر إلى هذه الخطوة كتصعيد غير مبرر، لا سيما أن الحزب الإسلامي التركستاني مسؤول عن عمليات إرهابية داخل الصين. تسليم مواقع عسكرية لقادة سابقين من هذا التنظيم، حتى ولو تحت راية وطنية جديدة، لا يُغيّر من طبيعتهم ولا يُطمئن بكين."
المخاوف الصينية لا تقف عند حدود الرمزية، بل تمتد إلى ما هو عملي وملموس. فبكين تخشى أن يتحوّل الأويغور داخل سوريا إلى قاعدة خلفية – ولو غير معلنة – لأنشطة مناهضة للصين، خاصة إذا حافظ بعض القادة العسكريين الجدد على خطاب انفصالي أو احتفظوا بشبكات اتصال مع دوائر جهادية دولية. وجودهم داخل جيش رسمي يعطيهم شرعية قد يستثمرونها لبناء نفوذ ميداني أو سياسي لاحقاً، وهو ما تعتبره الصين خطاً أحمر.
هذه التطورات تضع العلاقات السورية-الصينية أمام اختبار مبكر وحسّاس. فبكين، التي كانت تُمنّي النفس بلعب دور اقتصادي واستثماري محوري في مرحلة إعادة الإعمار، قد تعيد النظر في هذا التوجه إذا شعرت بأن دمشق الجديدة، المدعومة أميركياً، تُوظف ملف الأويغور لأهداف جيوسياسية معاكسة للمصالح الصينية. وهذا قد يُكلّف سوريا ثمناً دبلوماسياً واقتصادياً باهظاً، ويُسهم في خلق اصطفافات إقليمية جديدة، ليست بالضرورة في صالح الاستقرار الداخلي أو التوازنات الخارجية للدولة السورية الناشئة.
أبعاد داخلية خطيرة… عسكرة الهويات العرقية والدينية
المجتمع السوري، الخارج من أهوال حرب أهلية طاحنة استمرت أكثر من عقد، ما يزال هشّاً ومتعباً من صراعات الهويات والانقسامات الطائفية والعرقية. وفي هذا السياق، تأتي خطوة دمج المقاتلين الأويغور في الجيش السوري الجديد بمثابة مغامرة محفوفة بالمخاطر، خاصة أن هؤلاء لم يمرّوا بعملية اندماج اجتماعي أو ثقافي حقيقية داخل المجتمع السوري. إدخالهم إلى مؤسسة يفترض أن تكون "وطنية جامعة" دون تحصين هذا القرار بحوار مجتمعي ومراجعات دقيقة، قد يُفضي إلى تفجير حساسيات جديدة بدل تجاوزها.
التخوفات لا تنبع فقط من العدد أو من الخلفية القتالية لهؤلاء المقاتلين، بل من رمزية تعيين قيادات أويغورية مثل عبد العزيز داوود خدابردي في مواقع عسكرية متقدمة. هذه التعيينات، رغم ما يُقال عن مهاراتهم العسكرية وانضباطهم، تُثير شكوكاً لدى قطاعات واسعة من السوريين حول ما إذا كان يتم بناء "جيش وطني"، أم يتم منح امتيازات لمكونات ذات طابع أيديولوجي خاص على حساب الانتماء الوطني السوري الجامع. فالمؤسسة العسكرية، بعد الثورة، يُفترض أن تكون عماد الوحدة لا بوابة لتدويل السلطة داخلها.
هذا القلق يعكسه تحذير ليلى نجم، خبيرة بناء السلام في المركز العربي بالدوحة، التي تؤكد أن "منح الجنسية لعائلات المقاتلين الأويغور في هذه المرحلة الحساسة قد يولّد شعوراً بالإقصاء لدى شرائح سورية أخرى شاركت في الثورة ولم تحظَ بنفس المعاملة"، معتبرة أن ذلك "يعيد إنتاج الصراع الاجتماعي من بوابة التوظيف السياسي والتمييز".
أما الكاتب والمعارض السوري فارس البني، فيذهب أبعد من ذلك، بالقول إن "المسألة ليست فقط أمنية أو عسكرية. عندما تمنح جماعة عرقية–دينية أجنبية نفوذاً مباشراً في الجيش، فإنك ترسل رسالة بأن الولاء الأيديولوجي أهم من الهوية الوطنية"، وهو ما يراه تهديداً جوهرياً للعقد الاجتماعي السوري ما بعد الثورة.
الأخطر من ذلك، هو ما يتردد عن منح الجنسية السورية لعائلات المقاتلين الأويغور كجزء من صفقة دمجهم في "الفرقة 84". هذا القرار، إذا تم فرضه دون توافق سياسي ومجتمعي، سيُفهم من قبل شريحة واسعة من السوريين — خصوصاً من المقاتلين المحليين الذين شاركوا في الثورة ولم يحصلوا على أي امتياز — كممارسة تمييزية تُكرّس منطق "المواطنة حسب الأيديولوجيا"، لا حسب المشاركة الوطنية. وهو ما قد يفتح باباً واسعاً للاحتقان الاجتماعي والشعور بالغبن.
في النهاية، فإن خلق كتلة عسكرية ذات هوية عرقية–دينية واضحة، حتى ولو كانت تحت راية وطنية، يُعيد إلى الأذهان تجارب سابقة بُنيت فيها "طوائف مسلحة" كانت سبباً رئيسياً في استمرار الصراع السوري وتعقيده. فغياب الشفافية، وعدم وضوح المعايير، وغياب النقاش الوطني حول هذه الخطوة، قد يقود إلى تكرار نفس الأخطاء التي أنتجت الحرب في المقام الأول، ولكن هذه المرة بأسماء ورايات جديدة.
الإرث الأيديولوجي لم يُحسم بعد
رغم الإعلان الرسمي عن حلّ الحزب الإسلامي التركستاني، فإنّ الخطوة بقيت في إطار الإجراءات الشكلية ولم تُرافقها مراجعات فكرية أو خطابية علنية من جانب قياداته أو مقاتليه. لم تصدر أي بيانات تتضمن تبرؤاً واضحاً من الفكر الجهادي العابر للحدود، ولا تمّت الإشارة إلى مراجعة حقيقية لمفاهيم مثل "الجهاد الأممي" أو الولاء العقدي الذي طالما ميّز خطاب الحزب. وبدلاً من ذلك، طُرح على الرأي العام وعدٌ فضفاض بـ"الالتزام بالمشروع الوطني السوري"، دون توضيح مدى عمق هذا الالتزام أو شروطه الفكرية.
ما يعزز الشكوك في عمق هذا التحول، هو أن عدداً من القادة السابقين في الحزب لا يزالون يستخدمون مفردات مألوفة من الخطاب الجهادي، ولكن بلبوس وطني مؤقت. يتحدثون عن "نصرة المظلومين في بلاد الشام"، و"مواجهة الكفر الروسي والصفوي والصيني"، وهي عبارات تنتمي إلى سجل المفردات السلفي الجهادي أكثر مما تنتمي إلى خطاب دولة وطنية حديثة. هذا الانزياح اللفظي التكتيكي لا يُغني عن مراجعة فكرية حقيقية تعيد تعريف الانتماء والمواطنة والسلاح والعلاقة مع الآخر.
الخطر الأكبر يكمن في إدخال هذا الإرث الأيديولوجي غير المفكك إلى داخل مؤسسة الجيش السوري الجديد، والذي يُفترض أن يكون عماد الاستقرار ووحدة البلاد. فإذا لم يُعالج هذا الإرث عبر برامج نزع التطرف وإعادة التأهيل الذهني والنفسي، فإن المؤسسة العسكرية نفسها قد تتحول إلى بيئة خصبة لعودة النزعة الجهادية، خصوصاً في حال تدهور الأوضاع السياسية أو ظهور فراغات في السلطة. فكما أثبتت تجارب سابقة، فإن التيارات العقائدية المتطرفة تمتلك قدرة هائلة على إعادة التشكل داخل المؤسسات المهترئة.
إن الدمج غير المشروط لمقاتلين يحمِلون أيديولوجيا عابرة للحدود في كيان يفترض أن يبني دولة ما بعد الحرب، يُعدّ خطوة غير محسوبة العواقب. فالدول لا تُبنى فقط على سلاح منضبط، بل على وعي سياسي ومجتمعي موحِّد. وإذا لم يُرافق هذا الدمج بإستراتيجية تفكيك أيديولوجي جادّة وشفافة، فإن النتيجة لن تكون استقراراً، بل خطرًا داخليًا مؤجلاً ينمو في قلب الدولة الوليدة نفسها.
كما يحذر د. نوار شفيق، الباحث في قضايا الجماعات المسلحة بجامعة برلين الحرة، من أن "دمج الأويغور في جيش نظامي دون مراجعة أيديولوجية صارمة يشبه إطفاء الحريق بالبنزين"، مذكّراً بالتجربتين العراقية والأفغانية حيث تحوّلت المؤسسات العسكرية إلى منصّات صراع نفوذ بسبب غياب الضبط الفكري.
وفي الاتجاه نفسه، يرى توماس برينان، المستشار السابق في البنتاغون لقضايا إعادة تأهيل المقاتلين، أن "السياسة الأميركية قد تبدو براغماتية في هذا السياق، لكنها تتجاهل الأثر بعيد المدى على وحدة سوريا"، مشدداً على ضرورة مرافقة الدمج ببرنامج تأهيلي ديني وأمني صارم.
أثر دمج المقاتلين الأويغور على تنامي الإرهاب إقليميًا ودوليًا:
إن دمج مقاتلين ينتمون إلى خلفيات أيديولوجية جهادية في مؤسسة عسكرية رسمية، دون خضوعهم لمراجعات فكرية صارمة، يفتح الباب أمام إعادة تصدير التطرف إلى مناطق أخرى. فالمقاتلون الأويغور، وعلى رأسهم المنتمون سابقًا للحزب الإسلامي التركستاني، يحملون أيديولوجيا الجهاد الأممي التي لا تعترف بالحدود الوطنية. وهو ما قد يؤدي إلى تحرك خلايا نائمة أو شبكات دعم إقليمية في تركيا وآسيا الوسطى وحتى في أوروبا، ما يجعل من هذا الدمج شرارة محتملة لجبهات إرهابية عابرة للحدود.
المقاتلون الأويغور يمتلكون خبرات قتالية عالية اكتسبوها من معارك طويلة في سوريا، بعضهم قاتل إلى جانب القاعدة أو فصائل سلفية متطرفة. وبدلاً من تفكيك هذه الخبرات وتحويلها إلى طاقات مدنية منضبطة، يجري الآن "تقنين" وجودهم ضمن تشكيلات مسلحة رسمية. هذا الواقع يثير مخاوف من أن يُعاد استخدام هؤلاء لاحقًا في صراعات أخرى بالوكالة، سواء في القوقاز أو آسيا الوسطى أو حتى إفريقيا، ما يعني استمرار توالد الإرهاب في مناطق جديدة بناءً على شبكات ولاء أيديولوجي قديمة.
وجود هؤلاء المقاتلين داخل بنية الجيش قد يُستخدم كغطاء لحماية أو تسهيل انتقال عناصر متطرفة إلى دول الجوار، خصوصًا تركيا والعراق، أو عبر لبنان نحو المتوسط. ومع علاقات بعضها السابقة مع جماعات مثل "هيئة تحرير الشام"، فإن احتمالية استخدام ممرات تهريب للأسلحة والمقاتلين تزداد. هذا التحول قد يضعف الأمن الإقليمي، ويعزز قدرات مجموعات متطرفة أخرى تنشط في مناطق رخوة مثل إدلب وشرق الفرات.
من الناحية الدولية، فإن هذا الدمج يضع علامات استفهام كبيرة حول مدى التزام سوريا، ما بعد الحرب، بمحاربة الإرهاب. الدول التي كانت تنتظر مساراً انتقالياً يقوم على تفكيك الميليشيات وتجفيف منابع التطرف، قد تنظر إلى هذه الخطوة كارتداد خطير. والأسوأ من ذلك، أنها قد تدفع بعض القوى الدولية إلى الانخراط في سياسات أكثر تدخلية بدعوى "احتواء التهديد العابر"، وهو ما يفتح الباب أمام مواجهات أمنية جديدة ويُطيل أمد عدم الاستقرار في الإقليم.
خاتمة
في قلب هذا الملف يكمن سؤال جوهري: كيف تبني دولة شرعيتها بعد صراع دموي طويل؟ إن دمج عناصر ذات خلفيات جهادية في مؤسسات الدولة يضعف سردية "الدولة الوطنية الجامعة"، ويزرع الشك في نوايا السلطات الانتقالية أو الحاكمة. فبدلاً من أن يكون الجيش حامياً للسيادة وممثلاً للتعدد السوري، يتحول – في نظر كثيرين – إلى أداة لإعادة إنتاج نفوذ أيديولوجي أو عرقي، ما يعمق أزمة الشرعية التي تعاني منها الدولة السورية ما بعد الحرب.
واحدة من الزوايا التي لم تحظَ بما يكفي من الضوء في النقاش هي مسألة الرقابة والحوكمة داخل المؤسسة العسكرية الجديدة. فحين يُمنح قادة سابقون في تنظيمات عقائدية مواقع حساسة دون آلية مساءلة واضحة أو تسلسل قيادي منضبط، تصبح إمكانية التمرد من الداخل أو خلق "جيوب قرار" مستقلة أمراً وارداً. هذا الغياب للرقابة المؤسسية يفتح المجال أمام نزعات فردية، ويفتح ثغرات أمنية يصعب احتواؤها لاحقاً، خاصة إذا تباينت الولاءات بين القيادة السياسية والقيادات العسكرية ذات الخلفيات الجهادية.
دمج الأويغور ومنحهم امتيازات سياسية وعسكرية قد يُقابل بتصعيد خطاب الرفض من شرائح سورية كبيرة، وخاصة من اللاجئين أو الفصائل المهجرة التي لم يتم إشراكها في ترتيبات ما بعد الحرب. هذا الإقصاء قد يعرقل مسار العودة الطوعية ويزيد فجوة الثقة بين الداخل والخارج. كما أن المصالحة الوطنية المنشودة لا يمكن أن تنجح في بيئة يشعر فيها جزء من المجتمع بأن فصائل أجنبية حصلت على نفوذ أكبر من أصحاب الأرض والثورة.
أخيراً، لا يمكن مقاربة هذا الملف من زاوية أمنية بحتة. ما يجري يتطلب رؤية استراتيجية شاملة تراعي إعادة بناء الهوية الوطنية، وضمان العدالة الانتقالية، وتفكيك الخطابات المتطرفة، وتجفيف بيئة العنف قبل دمج أي عنصر في مؤسسات الدولة. دون ذلك، فإن الخطوة التي يُسوَّق لها كخيار وقائي، قد تكون في الواقع بوابة لتكرار دورات العنف والصراع، تحت أسماء جديدة ولكن بجذور قديمة لم تُقتلع بعد.