حصار التعددية الدينية في أفغانستان.. تقارير دولية تدق ناقوس الخطر

الجمعة 29/أغسطس/2025 - 10:23 م
طباعة حصار التعددية الدينية محمد شعت
 
منذ وصول حركة طالبان للسلطة في أفغانستان  في أغسطس 2021، عادت قضية الحريات الدينية في أفغانستان إلى واجهة الاهتمام الدولي، وسط تقارير متلاحقة من منظمات حقوقية وهيئات أممية تؤكد أن البلاد تحولت إلى واحدة من أخطر البيئات على الأقليات الدينية. ورغم تعهدات طالبان في بياناتها الأولى بعد العودة إلى الحكم بضمان أمن جميع المكونات العرقية والدينية، فإن الواقع الميداني يكشف قيودًا صارمة على ممارسة الشعائر، واستهدافًا متزايدًا للأقليات، وانتهاكات ممنهجة لحرية المعتقد.

اللجنة الأميركية للحريات الدينية الدولية كانت من بين أكثر الجهات متابعة للتطورات، إذ أصدرت بيانات وتقارير متكررة تؤكد أن طالبان "دمرت الحريات الدينية في أفغانستان بشكل كامل خلال أربع سنوات"، على حد تعبير رئيسة اللجنة فيكي هارتزلر. وأشارت اللجنة إلى أن الحركة فرضت تفسيرًا واحدًا للإسلام يستهدف كل من يختلف معه، الأمر الذي يضع الأقليات الدينية وأصحاب الرؤى المتنوعة تحت تهديد الاعتقال والتعذيب والعقوبات الجسدية.

تآكل الحقوق واستهداف الأقليات

منذ الأشهر الأولى لعودة طالبان إلى الحكم، فرضت الجماعة قيودًا واسعة النطاق على الشيعة الهزارة، بما شمل الحد من قدرتهم على إحياء المناسبات الدينية مثل عاشوراء وعيد الأضحى، وإجبارهم أحيانًا على الإفطار القسري في شهر رمضان وفقًا لإعلان الجماعة عن توقيت عيد الفطر. كما أقدمت على منع تدريس الفقه الجعفري في الجامعات الخاصة، وألزمت المؤسسات التعليمية بإزالة الكتب التي لا تتوافق مع الفقه الحنفي. وفي فبراير/شباط 2023، أصدر حاكم طالبان في ولاية بدخشان قرارًا يحظر الزواج بين الشيعة والسنة، ما يعكس عمق السياسات الإقصائية.

هذه السياسات لم تقتصر على الشيعة فحسب، بل شملت الهندوس والسيخ والمسيحيين الذين فرضت عليهم طالبان قيودًا مشددة على مظهرهم وملابسهم، ومنعتهم من الاحتفال بأعيادهم الدينية. ووفق تقارير بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، فإن قادة دينيين من الطائفة الشيعية تعرضوا للاغتيال في هجمات استهدفتهم بين أكتوبر وديسمبر 2023، فيما اتهمت تقارير أخرى طالبان بالتغاضي عن هجمات داعش-خراسان ضد الشيعة، بل وفشلها في توفير الحماية لهم رغم وعودها المتكررة.

اللجنة الأميركية للحريات الدينية الدولية أكدت أن بعض الأقليات الدينية باتت تواجه خطر الانقراض، بينما اختارت مجموعات أخرى إخفاء معتقداتها خشية الانتقام. وأشارت اللجنة إلى أن ما يزيد الوضع سوءًا هو استمرار عمليات ترحيل اللاجئين الأفغان من بعض الدول، ما يعرض العائدين إلى مخاطر الاعتقال والاضطهاد الديني.

ضغوط دولية ومطالب بالحماية

في مواجهة هذا التدهور، دعت اللجنة الأميركية للحريات الدينية الحكومة الأميركية إلى توسيع برامج قبول اللاجئين، ومنح الأولوية للأقليات الدينية الضعيفة. وأوصت بإنشاء مسار "الأولوية 2" (P2) لتمكين الفئات المهددة من التقدم مباشرة بطلبات لجوء إلى الولايات المتحدة، كما طالبت الكونغرس بسن تشريعات تضمن حماية هذه المجموعات.

كما أوصت اللجنة وزارة الخارجية الأميركية بتصنيف أفغانستان كـ"دولة مثيرة للقلق بشكل خاص" على خلفية الانتهاكات الجسيمة للحريات الدينية. وفي تقاريرها السنوية، شددت على أن وزارة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" التابعة لطالبان تعمل كجهاز قمعي يفرض رؤية متشددة ويقصي النساء من الحياة العامة ويضاعف من هشاشة الأقليات.

بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان (يوناما) بدورها أكدت في أكثر من تقرير أن الانتهاكات المرتبطة بالحرية الدينية مرتبطة بشكل وثيق بانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى، خصوصًا فيما يتعلق بالنساء والأقليات العرقية. وذكرت أن القيود التي تفرضها طالبان تؤدي إلى تراجع الأمن والاستقرار، حيث تتيح لتنظيم داعش-خراسان هامشًا أكبر لاستهداف المكونات الدينية المختلفة.

من جانبها، اعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن السياسات القمعية لطالبان "تخلق بيئة من الخوف الدائم"، حيث يُجبر كثيرون على ممارسة شعائرهم في الخفاء. أما منظمة العفو الدولية فقد أكدت في تقرير نشر في يونيو 2023 أن "الأقليات الدينية في أفغانستان تعيش بين مطرقة طالبان وسندان داعش"، مشيرة إلى أن النساء المنتميات لهذه الأقليات يتعرضن لمستويات مضاعفة من التمييز والاضطهاد.

ورغم هذه الإدانات المتكررة، تواصل طالبان نفيها للتقارير الدولية، ووصفتها مرارًا بأنها "دعاية سياسية". ففي بيانات سابقة، أكدت أن "حقوق جميع الأقليات الدينية مضمونة" وأنها تتخذ إجراءات ضد من يهدد أمن المواطنين. غير أن شهادات الناجين وتقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية تقدم صورة مختلفة تمامًا عن تلك التي تسعى الحركة لتسويقها.

مستقبل قاتم ومخاوف مستمرة

المشهد الراهن يشير إلى أن الحريات الدينية في أفغانستان تسير نحو مزيد من التضييق، مع غياب أي مؤشرات على استعداد طالبان لتغيير سياساتها أو تقديم ضمانات حقيقية لحماية التنوع الديني. ويعزز هذا الاتجاه فشل الجماعة في الوفاء بتعهداتها السابقة خلال المفاوضات مع المجتمع الدولي، حيث لم تُدرج أي آلية واضحة تضمن حماية الأقليات.

الأوضاع الحالية تُظهر بجلاء أن الحقوق الدينية باتت جزءًا من معركة أوسع تتعلق بالحقوق المدنية والسياسية في أفغانستان. ففي ظل غياب دستور يضمن التعددية، وغياب سلطة قضائية مستقلة، يجد المواطنون الذين لا ينتمون إلى التفسير السائد للإسلام أنفسهم محرومين من أبسط الحقوق.

وبالنظر إلى أن أكثر من 120 ألف أفغاني –بينهم آلاف من الأقليات الدينية– اضطروا إلى مغادرة البلاد منذ سيطرة طالبان، فإن استمرار السياسات القمعية قد يؤدي إلى تفريغ البلاد من مكوناتها الدينية المتنوعة التي شكلت عبر التاريخ جزءًا من نسيجها الاجتماعي.

في ضوء ذلك، يرى مراقبون أن مستقبل الحريات الدينية في أفغانستان سيظل قاتمًا ما لم يمارس المجتمع الدولي ضغوطًا أكبر، ليس فقط عبر التصريحات والإدانات، بل من خلال ربط أي تعامل سياسي أو اقتصادي مع طالبان بتقديم ضمانات حقيقية وملموسة لحماية حرية الدين أو المعتقد.


شارك