تركيا تُعلن القطيعة الكاملة مع إسرائيل.. موقف سياسي أم بداية لمعركة ضد إرهاب الدولة؟
السبت 30/أغسطس/2025 - 03:18 م
طباعة

في خطوة وصفها مراقبون بـ"التاريخية" و"التحول الجذري في الموقف التركي"، أعلنت تركيا رسميًا قطع كافة علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع إسرائيل، وإغلاق مجالها الجوي أمام الطيران الإسرائيلي، ومنع السفن التركية من التوجه إلى الموانئ الإسرائيلية.
هذه القرارات الحاسمة، التي جاءت على لسان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، تفتح فصلًا جديدًا في العلاقات المتوترة بين أنقرة وتل أبيب، وتضع الملف الفلسطيني في قلب السياسات الإقليمية والدولية، من جديد، ولكن هذه المرة بلهجة أكثر صرامة وتحديًا.
العدوان الإسرائيلي. جوهر الأزمة
لم تأتِ هذه الإجراءات من فراغ. فبحسب تصريحات فيدان، فإن القرار التركي جاء ردًا على ما وصفه بـ"المجازر الجماعية" التي تواصل إسرائيل ارتكابها بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حيث تستمر آلة القتل الإسرائيلية منذ أكثر من عام في استهداف المدنيين، دون تمييز، وسط صمت دولي، وصفه الوزير التركي بـ"المخجل"، و"المتواطئ".
وأشار فيدان إلى أن العدوان الإسرائيلي تجاوز حدود غزة، ليمتد إلى القدس والضفة الغربية وسوريا وإيران ولبنان، مما يعكس نية تل أبيب توسيع رقعة الصراع وإدخال المنطقة بأسرها في حالة من الفوضى المستمرة، وهو ما وصفه بـ"استراتيجية مقصودة لإعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط".
الإرهاب تحت عباءة الدولة
ربط فيدان في كلمته بين الممارسات الإسرائيلية وما سماه بـ"إرهاب الدولة"، معتبرًا أن ما تقوم به إسرائيل ليس مجرد عمليات عسكرية، بل "حملة إبادة جماعية ممنهجة، تستهدف وجود الشعب الفلسطيني، وترتكز على سياسات تجويع، وتدمير شامل للبنية التحتية، وتهجير قسري يهدف إلى إفراغ غزة من سكانها".
وذهب أبعد من ذلك، حين قال إن "العقلية الإسرائيلية لا تعترف بالقوانين الدولية، وتضرب بها عرض الحائط"، في إشارة إلى عدم التزام تل أبيب بقرارات مجلس الأمن أو القانون الدولي الإنساني، في ظل حماية أمريكية وصفها بـ"غير المحدودة".
الإغلاق الشامل
قرار إغلاق المجال الجوي والموانئ التركية أمام إسرائيل لم يكن مجرد إجراء عقابي اقتصادي، بل يحمل دلالات سياسية وأمنية عميقة، إذ يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة لعزل إسرائيل إقليميًا، وإرسال رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن تركيا لن تظل مكتوفة الأيدي أمام "تغوّل دولة تمارس الإرهاب باسم السيادة"، بحسب تعبير مسؤولين أتراك.
وبينما يتوقع مراقبون أن تؤثر هذه الخطوة على مجالات التجارة والسياحة والاستثمار، إلا أن أنقرة بدت مصممة على المضي قدمًا، في ما يشبه "المواجهة الدبلوماسية المفتوحة"، التي قد تتسع رقعتها خلال الأشهر المقبلة لتشمل تحالفات إقليمية جديدة، مع دول مثل قطر ومصر والأردن، بحسب ما لمح إليه فيدان.
دعم غير مشروط للمقاومة
اللافت في تصريحات وزير الخارجية التركي، هو الثناء الواضح على "المقاومة الفلسطينية"، التي وصفها بأنها "ستغير مجرى التاريخ"، وستكون "رمزًا للمضطهدين"، في تحول لافت في الخطاب التركي الرسمي، نحو تبني رؤية أكثر دعمًا وشمولًا للمقاومة كحركة تحرر وطنية، وليست فقط كرد فعل على العدوان.
هذا الخطاب، وإن كان ليس جديدًا تمامًا على تركيا، إلا أن إقرانه بسلسلة من الإجراءات السياسية والاقتصادية، يعطيه ثقلاً مختلفًا هذه المرة، ويضعه ضمن إطار "تحرك استراتيجي تركي شامل" لإعادة صياغة موازين القوى في المنطقة.
الانهيار الأخلاقي للنظام العالمي
فيدان لم يوفر النظام الدولي من النقد، وقال بلهجة حادة: "النظام العالمي عاجز عن تحمّل مسؤولياته، وصامت أمام المجازر، بل ومتواطئ في بعضها".
وهي إشارة واضحة إلى فشل الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومنظمات حقوق الإنسان، في وقف النزيف الفلسطيني، ما اعتبره الوزير التركي "وصمة عار في جبين الإنسانية".
هل نشهد بداية لمحور إقليمي جديد؟
مع استمرار التصعيد الإسرائيلي، ومع تصاعد الإدانة الإقليمية، يبدو أن تركيا تسعى لتشكيل محور دبلوماسي-اقتصادي-إنساني جديد، يقف في وجه السياسات الإسرائيلية.
وقد أشار فيدان إلى وجود تنسيق وثيق مع قطر ومصر، بهدف إيجاد حل جذري للقضية الفلسطينية، لا يقوم على "تسكين الجروح"، بل على معالجة "جذر المرض"، وهو الاحتلال.
الإرهاب.. ليس فقط بندقية بل حصار وتجويع
من أكثر النقاط إثارة في خطاب فيدان، وصفه الحصار الإسرائيلي بأنه "نوع من الإرهاب"، وقال إن سياسة التجويع التي تمارسها إسرائيل في غزة ليست مجرد وسيلة ضغط، بل "جريمة حرب مكتملة الأركان"، أفضت إلى استشهاد آلاف الفلسطينيين، بينهم أطفال ونساء وكبار في السن، في ظل نقص حاد في الغذاء والدواء والماء.
وأشار إلى أن هدف إسرائيل "جعل غزة غير قابلة للعيش"، وذلك لإجبار السكان على الرحيل، ضمن سياسة تطهير عرقي تتنكر لها إسرائيل أمام الإعلام، لكنها تنفذها على الأرض بدقة متناهية، وبدعم تكنولوجي وعسكري غربي.
تركيا وسوريا.. منع الفوضى باسم السيادة
وفي سياق آخر، ربط فيدان السياسات الإسرائيلية بالتدخل في سوريا، معتبرًا أن تل أبيب لا تريد قيام دولة سورية قوية وموحدة، بل تسعى إلى إدامة الفوضى واستغلال مكونات الشعب السوري لتحقيق أجندات انفصالية. وأكد أن أنقرة لن تسمح بذلك،