نيجيريا بين نار الإرهاب ومأزق إعادة التوطين.. تصاعد العنف وتحديات الاستقرار

الإثنين 08/سبتمبر/2025 - 09:13 ص
طباعة الإرهاب في نيجيريا الإرهاب في نيجيريا محمود البتاكوشي
 

تواصل نيجيريا السير على حافة الهاوية الأمنية، في ظل تصاعد غير مسبوق للهجمات الإرهابية، وتضارب في السياسات الحكومية المرتبطة بإعادة النازحين، وسط مشهد يتقاطع فيه العنف مع هشاشة البنية الأمنية والتحديات التنموية.
أحدث فصول هذا التصعيد تمثل في المجزرة التي شهدتها قرية "دار الجمال" الحدودية، حيث قتل 63 شخصًا – بينهم خمسة جنود – في هجوم نفذه مسلحون يعتقد بانتماؤهم لتنظيم الدولة الإسلامية في ولاية غرب إفريقيا (ISWAP). اللافت أن هذه القرية كانت قد استقبلت مؤخرًا عشرات العائلات العائدة من مخيم باما للنازحين، والذي أغلقته السلطات ضمن سياسة إعادة التوطين، لكن المجزرة أعادت تسليط الضوء على التناقض الصارخ بين الخطاب الرسمي حول "المناطق الآمنة" والواقع الميداني المتفجر.
نجاحات عسكرية وعمليات أمنية نوعية
ورغم أن الحكومة النيجيرية تروج لنجاحات عسكرية وعمليات أمنية نوعية ضد الجماعات المتطرفة، إلا أن الإحصاءات والتقارير الدولية تقدم صورة مقلقة، وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2025، حلت نيجيريا في المرتبة السادسة عالميًا من حيث عدد ضحايا الإرهاب، بواقع 565 قتيلًا خلال عام واحد فقط، هذه الأرقام لا تمثل فقط مأساة إنسانية، بل تعكس إخفاقًا في تحقيق الاستقرار، رغم الحملات العسكرية المتكررة والمكلفة.
المنطقة الشمالية الشرقية، حيث تنشط بوكو حرام وتنظيم ISWAP، ما تزال مسرحًا لعمليات دموية متكررة، أبرزها مجزرة "تارمووا" التي راح ضحيتها 130 مدنيًا، وهجمات انتحارية في غووزا أودت بحياة العشرات، بالإضافة إلى اعتداءات متفرقة في ولايات مثل يوبى وكوارا وسوكوتو.
قدرات هجومية عالية
هذه الهجمات تظهر أن الجماعات المسلحة لا تزال تحتفظ بقدرات هجومية عالية، بل وتطور أدواتها، بما في ذلك استخدام الطائرات المسيرة والعبوات الناسفة؛ ما أربك استراتيجيات الردع الحكومية.
من الناحية الميدانية، نفذت نيجيريا سلسلة عمليات أمنية تحت مسميات متعددة مثل "هادين كاي" و"هادارين داجي"، أسفرت عن مقتل آلاف الإرهابيين وتحرير رهائن، كما تحقق تقدم نسبي في الملف القضائي، مع إصدار أكثر من 775 حكمًا في قضايا مرتبطة بالإرهاب. 
ورغم هذه الجهود، يبقى التحدي الحقيقي في استدامة النتائج، وربط العمليات العسكرية بمشاريع إعادة بناء المجتمعات وتوفير الخدمات.
حادثة دار الجمال، تحديدًا، كشفت حجم التناقض بين الخطط الحكومية والواقع الأمني، إذ أن القرية – رغم وجود قاعدة عسكرية فيها – لم تحم من هجوم ليلي مباغت نفذه عشرات المسلحين بالدراجات النارية، شهادات السكان المروعة تكشف عن حجم الصدمة، وتسلط الضوء على هشاشة منظومة الإنذار المبكر والاستجابة السريعة؛ ما يؤكده تأخر رد فعل القوات الجوية التي لم تتدخل إلا بعد وقوع المجزرة.
ولعل أخطر ما في المشهد هو أن الجماعات الإرهابية – وخاصة ISWAP – باتت تتحول إلى كيانات مالية متمرسة، تمتلك موارد ضخمة من التهريب والابتزاز، هذا التحول يحول الحرب ضدها إلى معركة اقتصادية بقدر ما هي أمنية، ويجعل من الصعب تفكيكها دون تجفيف مصادر تمويلها وشبكات دعمها.
وفي خضم هذا كله، يبقى مستقبل الاستقرار في نيجيريا مرهونًا بإعادة النظر في السياسات المرتبكة المتعلقة بإعادة التوطين، ومضاعفة الاستثمار في التنمية والبنية التحتية، خاصة في المناطق النائية، كذلك، فإن أي حل مستدام لا بد أن يدمج البعد الأمني مع الإصلاح السياسي وتعزيز الحكم المحلي، مع انفتاح أوسع على التعاون الإقليمي والدولي، لا سيما في ظل امتداد تأثير الجماعات المسلحة إلى دول الجوار.

شارك