تنامي الإرهاب في الساحل.. اختبارات حاسمة لقدرة الاتحاد الإفريقي على احتواء التهديدات
الجمعة 19/سبتمبر/2025 - 09:35 ص
طباعة

في ظل التصاعد غير المسبوق للهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي، تتكشف أبعاد أزمة أمنية معقدة تهدد ليس فقط استقرار الدول المتضررة مباشرة، بل تمسّ أمن القارة الإفريقية بأسرها.
تعكس تصريحات رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، محمود علي يوسف، التي عبر فيها عن قلق بالغ إزاء تنامي أعمال العنف، حجم المأزق الذي تواجهه دول الساحل، خاصة مالي والنيجر وبوركينا فاسو، والتي تحولت إلى مسرح مفتوح لنشاط الجماعات الإرهابية المسلحة، ما يزيد من خطورة الوضع أن هذا التصاعد لا يتوقف عند حد الهجمات العسكرية بل يمتد إلى زعزعة النسيج المجتمعي، وتفريغ المناطق الريفية من سكانها، وتعطيل الخدمات الأساسية، ما يخلق دوامات جديدة من النزوح الداخلي والانهيار الاقتصادي المحلي.
مقاربة تتجاوز الحلول الأمنية التقليدية
كما جاءت تصريحات يوسف خلال لقائه بكبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون إفريقيا، مسعد بولس، لتؤكد الحاجة إلى مقاربة تتجاوز الحلول الأمنية التقليدية التي أثبتت قصورها خلال السنوات الماضية، رغم الاعتماد المكثف عليها من قبل العديد من الأنظمة.
الإشارة إلى ضرورة الجمع بين الأدوات الأمنية والمقاربات التنموية والحوكمة الرشيدة تعكس تحولًا ملحوظًا في خطاب الاتحاد الإفريقي، الذي بات يدرك أن تغول الجماعات الإرهابية لا ينفصل عن تآكل مؤسسات الدولة، واستشراء الفساد، وغياب العدالة، وهي عوامل هيكلية وفّرت بيئة خصبة لانتشار التطرف، لا سيما في المناطق الهامشية حيث يتقاطع الفقر مع الإقصاء الاجتماعي.
من جهته، أكد مسعد بولس على التزام الإدارة الأميركية – خلال اللقاء – بدعم الجهود الإفريقية، واصفًا القارة بأنها شريك استراتيجي في ملفات تتعدى الإرهاب لتشمل الهجرة غير النظامية والجريمة المنظمة.
تصاعد النفوذ الروسي
بينما يعكس هذا التصريح رغبة واشنطن في إعادة صياغة علاقاتها مع إفريقيا، من بوابة الأمن والتعاون المشترك، وهي مقاربة ذات طابع عملي تتماشى مع ما وصفه بولس بـ"الاحترام والواقعية والنتائج".
ورغم أن الإدارة الأميركية – ممثلة في مجلس الأمن القومي – تدرك أهمية التنسيق مع الاتحاد الإفريقي، فإنها في الوقت ذاته تتعامل مع التحديات من زاوية المصالح الأمنية الأميركية، لا سيما في ظل تصاعد النفوذ الروسي في بعض دول الساحل، ومحاولات بكين التمدد اقتصاديًا في مناطق النزاع، ما يُضفي بُعدًا جيوسياسيًا على هذا التعاون المفترض.
اللقاء بين الطرفين جاء في لحظة تشهد فيها المنطقة سلسلة من الهجمات الدامية، كان آخرها في مناطق متفرقة من النيجر ومالي وبوركينا فاسو، حيث باتت القوات الأمنية هدفًا رئيسيًا للتنظيمات المسلحة، إلى جانب المدنيين، في نمط يعكس انتقال الجماعات من حالة الكمون والتجنيد إلى المبادرة الفعلية بالسيطرة والهيمنة. وتخشى دول الجوار – كالسودان وتشاد وساحل العاج – من انتقال عدوى العنف إلى أراضيها، وهو ما يعيد فتح ملف الحدود الرخوة والانفلات الإقليمي أمام مسلحي الجماعات العنيفة.
رهانات محفوفة بالمخاطر
في هذا السياق، يمكن القول إن أي مقاربة إقليمية أو دولية لا تأخذ بعين الاعتبار تداخل العوامل السياسية والتنموية مع البعد الأمني، ستكون مجرد تكرار لمحاولات سابقة أثبتت محدودية نتائجها، كما أن الرهان على الحضور العسكري الخارجي دون تقوية المؤسسات المحلية وتجفيف منابع التجنيد، سيظل رهانًا محفوفًا بالمخاطر.
وبينما يتجه الاتحاد الإفريقي إلى توسيع قنوات التنسيق مع الولايات المتحدة، تُطرح أسئلة أساسية حول مدى جدية المجتمع الدولي في دعم مسارات الإصلاح السياسي والتنمية العادلة في الساحل، بدلًا من الاكتفاء بالمقاربات العسكرية قصيرة الأجل. وعلى الأرجح، ستتحدد ملامح المرحلة المقبلة بمدى قدرة الاتحاد على بلورة مبادرات فاعلة تعزز صلابة الدول الإفريقية من الداخل، وتعيد الاعتبار للعدالة الاجتماعية كركيزة في الحرب طويلة الأمد ضد الإرهاب.