إعلان بريطانيا وكندا وأستراليا حل الدولتين وتداعياته على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي
الإثنين 22/سبتمبر/2025 - 02:23 ص
طباعة

في 21 سبتمبر 2025، شهد العالم نقطة تحول دبلوماسية بارزة في مسار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث أعلنت كل من بريطانيا وكندا وأستراليا، بشكل رسمي، الاعتراف بدولة فلسطين. لم تكن هذه الخطوة قرارًا منفردًا، بل جاءت في سياق سياسي وإنساني معقد، اتسم بتصاعد العنف في قطاع غزة والضفة الغربية. لقد شكلت هذه الإعلانات صدى للمطالب الدولية المتزايدة بضرورة إيجاد حل للصراع الذي طال أمده.
تزامنت هذه الإعلانات مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث أُقر "إعلان نيويورك" الذي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وإطلاق الرهائن، وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. هذا التزامن يعكس أن الاعتراف لم يكن مجرد خطوة رمزية، بل كان جزءًا من ضغط دولي منسق يهدف إلى إحياء حل الدولتين كإطار واقعي للسلام.
يُعد هذا التطور محطة مهمة، إذ يعكس تحولًا في المواقف الدولية تجاه القضية الفلسطينية، التي كانت لفترة طويلة تقتصر على الدعم الدبلوماسي لحل الدولتين دون الاعتراف الفعلي. لكنه في الوقت ذاته يثير تساؤلات حيوية حول جدواه العملية وتداعياته على أرض الواقع، خاصة في ظل التحديات التي يواجهها هذا الحل على الأرض، من استمرار التوسع الاستيطاني إلى الانقسام الفلسطيني الداخلي.
خلفية الإعلانات: سياق سياسي جديد
يأتي اعتراف هذه الدول في ظل إحباط دولي متزايد من فشل الجهود الدبلوماسية في تحقيق أي تقدم حقيقي نحو السلام. فمنذ أكتوبر 2023، شهدت غزة والضفة الغربية تصعيدًا عسكريًا وإنسانيًا لم يسبق له مثيل، بينما أدت سياسات التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية إلى تآكل كامل لإمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا وقابلة للحياة. هذا الواقع دفع العديد من الدول إلى إعادة تقييم مواقفها، خاصة في ظل تزايد الضغوط الشعبية والدولية لدعم الحقوق الفلسطينية ووضع حد للاحتلال.
كانت كل من بريطانيا وكندا وأستراليا، كجزء من الكومنولث وحلفاء تقليديين للولايات المتحدة، حذرة تاريخيًا في مواقفها تجاه الصراع. كانت تفضل الدعم الدبلوماسي لحل الدولتين عبر المفاوضات بدلاً من الاعتراف الأحادي بدولة فلسطين. لكن التغيرات في الرأي العام، إلى جانب الإحباط من تعثر عملية السلام، دفع هذه الدول إلى اتخاذ موقف أكثر جرأة، مع إدراك أن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر.
هذا التحول في الموقف يعكس قناعة متزايدة بأن الاعتماد على المفاوضات وحدها لم يعد كافيًا، وأن خطوة الاعتراف قد تكون ضرورية لإعادة الزخم إلى عملية السلام. فبإعلانها هذا، قدمت هذه الدول دفعة دبلوماسية قوية لتعزيز موقف السلطة الفلسطينية، وزادت من الضغط على إسرائيل لوقف سياساتها التوسعية والعودة إلى طاولة المفاوضات على أساس مبدأ الدولتين.
شروط الاعتراف: أساس لتحقيق سلام مستدام
لم يكن قرار الدول الثلاث بالاعتراف بدولة فلسطين قرارًا مطلقًا، بل كان مشروطًا بضمانات تهدف إلى تحقيق سلام مستدام وعادل. ربطت كل من بريطانيا وكندا وأستراليا اعترافها بشروط محددة، مما يعكس فهمًا عميقًا للتعقيدات على الأرض، ومحاولة لتوجيه الأطراف نحو حلول عملية.
كانت هذه الشروط بمثابة خارطة طريق نحو حل الدولتين، حيث شملت: وقف إطلاق النار في قطاع غزة بشكل دائم، وهو ما يُعتبر شرطًا إنسانيًا وأساسيًا لتحقيق الاستقرار. بالإضافة إلى ذلك، طالبت الدول الثلاث السلطة الفلسطينية بالتزام جدي بإصلاحات ديمقراطية شاملة، بما في ذلك إجراء انتخابات، لتعزيز شرعيتها وتمكينها من إدارة الدولة المستقبلية.
وفي سياق هذه الشروط، كان هناك إصرار على منع أي دور لحركة حماس في الحكم المستقبلي، وهو ما يهدف إلى نزع سلاح غزة ودمج القطاع في كيان سياسي واحد. كما شددت الدول على ضرورة وقف التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، معتبرة إياه العائق الأكبر أمام إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا وقابلة للحياة. هذه الشروط تعكس محاولة الدول الثلاث تقديم إطار عمل يجمع بين الجوانب السياسية والأمنية والإنسانية لتحقيق السلام.
ردود الفعل: انقسام دولي وإقليمي
تباينت ردود الفعل على هذه الإعلانات بشكل كبير، مما عكس حالة من الانقسام الدولي والإقليمي حول كيفية التعامل مع الصراع. هذا التباين كشف عن مواقف متضاربة بين الأطراف الفاعلة، مما أثر على فعالية الخطوة.
موقف إسرائيل:
استنكرت إسرائيل الإعلانات بشدة، ووصفتها بأنها "مكافأة لحماس" و"تهديد لأمنها القومي". لقد رأت الحكومة الإسرائيلية في هذه الخطوة خروجًا عن الدبلوماسية التقليدية، وأنها لا تخدم جهود السلام، بل تعيقها. أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن "الاعتراف الأحادي لا يحرر الرهائن ولا ينهي الحرب"، مهددًا باتخاذ إجراءات دبلوماسية واقتصادية ضد الدول الثلاث.
لم يقتصر رد الفعل الإسرائيلي على التصريحات اللفظية، بل امتد إلى الإجراءات العملية، حيث أعلنت إسرائيل عن خطط لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية كرد فعل فوري على الاعتراف. هذا التصعيد يعكس موقفًا متشددًا، ويزيد من التحديات أمام أي مبادرات سلام مستقبلية.
موقف الفلسطينيين:
رحبت السلطة الفلسطينية بالخطوة، معتبرة إياها "خطوة تاريخية" نحو تحقيق العدالة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. لقد رأت في هذا الاعتراف تأكيدًا على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ودعمًا لموقفه في المحافل الدولية.
ومع ذلك، أظهر الموقف الفلسطيني انقسامًا داخليًا. فقد أبدت بعض الفصائل، بما في ذلك حركة حماس، تحفظات على الاعتراف، مشيرة إلى أنه مشروط باستبعادها من العملية السياسية، مما قد يعقد جهود الوحدة الفلسطينية. هذا الانقسام يطرح تحديًا كبيرًا أمام السلطة الفلسطينية، التي تحتاج إلى توحيد الصفوف لكي تستفيد بشكل كامل من هذا الاعتراف.
موقف المجتمع الدولي:
لم يكن هناك إجماع دولي على هذه الخطوة. فقد عارضت الولايات المتحدة الإعلانات، مؤكدة أن أي اعتراف بدولة فلسطين يجب أن يكون نتيجة مفاوضات مباشرة بين الطرفين. هذا الموقف الأمريكي، رغم أنه يعكس استمرار التزامه بالحل التفاوضي، إلا أنه عزز العزلة الدبلوماسية لإسرائيل التي فقدت دعم حلفاء تقليديين.
في المقابل، رحبت دول أوروبية مثل فرنسا والبرتغال، اللتان أعلنتا اعترافًا مماثلاً في نفس اليوم، بالخطوة، معتبرة إياها جزءًا من دفعة أوروبية أوسع لدعم حل الدولتين. كما أيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلانات ضمن إطار "إعلان نيويورك"، لكن مجلس الأمن ظل مشلولًا بسبب الفيتو الأمريكي المحتمل، مما يظهر استمرار تأثير الانقسامات الدولية على مجرى الصراع.
التداعيات والتحديات: من الرمزية إلى الواقع
على الرغم من أهمية الاعتراف الرمزي، فإن تحويله إلى واقع ملموس يواجه تحديات كبيرة ومعقدة. لقد كشفت هذه الخطوة عن نقاط قوة وضعف في عملية السلام، وأثارت تساؤلات حول فعالية الدبلوماسية الدولية في تحقيق حل دائم.
رمزية الاعتراف مقابل الواقع على الأرض
يرفع الاعتراف بدولة فلسطين من قبل الدول الثلاث عدد الدول المعترفة بها إلى أكثر من 144 دولة، وهو ما يمثل انتصارًا دبلوماسيًا ورمزيًا كبيرًا. ومع ذلك، يبقى هذا الاعتراف رمزيًا إلى حد كبير، إذ لا يغير الواقع على الأرض بشكل مباشر. لا يمكن أن يحل محل اتفاق سياسي شامل يحدد الحدود، العاصمة (القدس الشرقية)، وحق العودة للاجئين. الشروط المرتبطة بالاعتراف، مثل نزع سلاح غزة واستبعاد حماس، قد تعقد تنفيذه عمليًا في ظل الانقسام الفلسطيني الداخلي، مما قد يحول هذا الإنجاز الدبلوماسي إلى مجرد شعار.
تأثير الاعتراف على إسرائيل
يزيد الاعتراف من الضغط الدبلوماسي على إسرائيل، خاصة مع تهديدات بفرض عقوبات أوروبية ودولية إذا استمر التوسع الاستيطاني أو ضم الأراضي. هذا الضغط يضع الحكومة الإسرائيلية أمام خيارين: إما العودة إلى طاولة المفاوضات بجدية، أو مواجهة عزلة دبلوماسية متزايدة. ومع ذلك، قد يدفع هذا الاعتراف إسرائيل إلى تصعيد سياساتها، كما يتضح من إعلانها عن خطط لتوسيع المستوطنات. هذا يضع المجتمع الدولي أمام تحدٍ حقيقي لضمان أن هذه الخطوة تؤدي إلى تهدئة وليس إلى المزيد من العنف، مما يتطلب استراتيجية دولية أكثر حزمًا وفعالية.
تحديات السلطة الفلسطينية والدور الدولي
تواجه السلطة الفلسطينية تحديات كبيرة لاستغلال هذا الاعتراف لصالحها. فهي مطالبة بإجراء إصلاحات ديمقراطية، بما في ذلك إجراء انتخابات، لكن الانقسام مع حماس وغياب الوحدة الوطنية يشكلان عقبة كبيرة. كما أن نزع سلاح غزة، كشرط أساسي، يثير توترات داخلية قد تهدد جهود المصالحة.
أما على الصعيد الدولي، فإن الإعلانات تعزز الزخم لدعم حل الدولتين، لكن غياب دعم أمريكي واضح يحد من فعاليتها. يبقى التحدي الأكبر هو تحويل هذا الزخم إلى عمل دولي منسق وقوي ينهي عقودًا من الصراع ويحول حل الدولتين من شعار إلى واقع ملموس، يضمن الأمن والاستقرار لجميع الأطراف.