انسحاب اتحاد دول الساحل من المحكمة الجنائية الدولية: خطوة نحو السيادة أم مخاطرة بفقدان المساءلة؟
الثلاثاء 23/سبتمبر/2025 - 05:23 ص
طباعة

واجادوجو، 23 سبتمبر 2025 – في خطوة جريئة أعلنت فيها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، الأعضاء في اتحاد دول الساحل (AES)، عن انسحابها الفوري من نظام روما الذي يؤسس للمحكمة الجنائية الدولية (CPI)، أو ما يُعرف بالمحكمة الجنائية الدولية (ICC)، يبدو أن القارة الأفريقية تقترب من مرحلة جديدة من التحرر القضائي. وصف الثلاثة دول هذه المؤسسة بأنها "أداة قمع استعماري جديد في أيدي الإمبريالية"، منددين بـ"عدالة انتقائية" تستهدف الدول الأفريقية بينما تغفل جرائم الغرب. هذا الإعلان، الذي جاء في بيان مشترك موقع من قبل الجنرال أسيمي غويتا رئيس انتقال مالي ورئيس الاتحاد، يأتي بعد قمة لوزراء العدل في نيامي في 16 سبتمبر، حيث ناقشت الدول إنشاء محكمة إقليمية بديلة تُدعى "المحكمة الجنائية الساحلية لحقوق الإنسان" (CPS-DH).
السياق التاريخي: من الالتحاق إلى التمرد
بدأت هذه الدول مسيرتها مع CPI بتوقيع نظام روما في أعوام 2000 (مالي)، 2002 (النيجر)، و2004 (بوركينا فاسو)، آملة في آلية دولية تحمي من الجرائم الدولية الكبرى مثل جرائم الحرب والإبادة الجماعية. ومع ذلك، سرعان ما تحولت CPI في نظر العديد من القادة الأفريقيين إلى رمز للانحياز. منذ تأسيسها في 2002، أصدرت CPI مذكرات توقيف ضد 50 شخصًا، 39 منهم أفارقة، بما في ذلك قادة سابقون مثل عمر البشير في السودان ولاurent غباغبو في ساحل العاج. هذا التركيز على أفريقيا، الذي يُعزى إلى الشكاوى المقدمة من دول أفريقية نفسها، أثار اتهامات بالاستعمار القضائي، خاصة مع عدم مقاضاة قادة غربيين في جرائم مشابهة، مثل تلك المتعلقة بالحروب في العراق أو أفغانستان.في سياق دول الساحل، يأتي الانسحاب كامتداد لثورة سياسية أوسع. شهدت المنطقة انقلابات عسكرية بين 2020 و2023، أدت إلى تشكيل AES كتحالف يرفض التدخلات الغربية، خاصة الفرنسية، ويبحث عن شراكات مع روسيا والصين. قبل أيام قليلة من الإعلان، رفع AES دعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد الجزائر بتهمة دعم الإرهاب، مما يعكس تحولاً في الاستراتيجية القضائية نحو الاعتماد على الذات. وفقًا للمتحدث باسم الحكومة البوركينية جيلبرت بينغويندي ويدراوغو، أصبحت CPI "عاجزة عن مقاضاة الجرائم الخطيرة" بينما تستهدف "جهات فاعلة معينة خارج الدائرة المغلقة للمستفيدين من الإفلات من العقاب الدولي".
الدوافع الرئيسية: بين السيادة والحماية الذاتية
يُقرأ الانسحاب كرمز لاستعادة السيادة، خاصة في ظل التحديات الأمنية الملحة في الساحل. تواجه الدول هجمات من جماعات إرهابية مرتبطة بـ"القاعدة" و"داعش"، مع اتهامات للجيوش المحلية بارتكاب جرائم ضد المدنيين. يرى قادة AES أن CPI، بدلاً من مساعدتهم، أصبحت أداة ضغط خارجي، خاصة مع صدور مذكرات توقيف محتملة ضد قادة الانقلابات. كما أن الاقتراب من روسيا – التي أصدرت CPI مذكرة توقيف ضد فلاديمير بوتين في 2023 – يعزز هذا الرفض، حيث يرى الاتحاد في CPI امتداداً للنفوذ الغربي.من منظور أوسع، يعكس الإعلان تياراً أفريقياً متزايداً للاستقلال القضائي. دول أخرى مثل جنوب أفريقيا وتنزانيا هددت بالانسحاب سابقاً، وفي 2017، أقرت الاتحاد الأفريقي قراراً يدعو إلى "عدم التعاون" مع CPI. يؤكد البيان المشترك أن الدول ستعتمد الآن على "آليات محلية" تتوافق مع "قيمها المجتمعية"، مع التأكيد على التعاون في إطارات أخرى مثل الأمم المتحدة. هذا يفتح الباب لـCPS-DH، التي نوقشت في قمة نيامي، كمحكمة إقليمية تركز على الجرائم المنظمة والإرهاب، مما قد يعزز الاندماج الإقليمي داخل AES.
الآراء المتنوعة: دعم شعبي مقابل مخاوف منظمات حقوقية
أثار الإعلان ردود فعل متباينة. على منصة إكس (تويتر سابقاً)، انتشرت تغريدات تدعم الخطوة كـ"تحرير أفريقي"، مع هاشتاجات مثل #AES و#ViveLaSouverainete، حيث وصفها ناشطون مثل ديفيد هيونديين بأنها "قرار تاريخي يؤكد سيادة أفريقيا". في مالي، احتفل الآلاف بعيد الاستقلال في 22 سبتمبر بطائرات سو-24 روسية الصنع، رابطين بين الانسحاب والقوة العسكرية الجديدة. كما أعربت وسائل إعلام روسية مثل "برافدا" عن ترحيبها، معتبرة CPI "مكتباً للضغط الغربي".ومع ذلك، حذرت منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش من أن الانسحاب قد يقلل من الرقابة الدولية، خاصة مع اتهامات للجيوش الساحلية بجرائم ضد المدنيين. في تقرير نشرته "وادر" في 19 سبتمبر، أشارت إلى انقسامات في الساحل، حيث يخشى بعض النشطاء أن يؤدي ذلك إلى "إفلات من العقاب" داخلياً. كما أكدت "لوموند" أن الانسحاب يدخل حيز التنفيذ بعد عام من إخطار الأمين العام للأمم المتحدة، مما يمنح وقتاً للتحضير.
التداعيات المستقبلية: تحديات بناء نظام قضائي بديل
قانونياً، يظل AES ملتزماً بتحقيقات CPI الجارية، لكن الانسحاب يمنع إحالة قضايا جديدة. التحدي الأكبر يكمن في بناء CPS-DH: هل ستكون محكمة فعالة، أم مجرد درع للقادة؟ في ظل النزاعات الدائرة، قد يعزز هذا الإقليم التعاون الأمني، لكنه يثير تساؤلات حول مصداقية الدول أمام المانحين الدوليين. كما قد يشجع دولاً أخرى مثل غانا أو بنين على إعادة النظر في عضويتها في CPI، مما يضعف المؤسسة عالمياً.في النهاية، يمثل انسحاب AES نقطة تحول في النضال الأفريقي للسيادة، لكنه يتطلب جهوداً هائلة لتحقيق عدالة حقيقية. كما قال رئيس وزراء النيجر المؤقت محمد تومبا في القمة: "CPI موجهة حصرياً ضد الدول الأفريقية". إذا نجحت، ستكون هذه الخطوة نموذجاً للقارة؛ إذا فشلت، قد تعمق الفوضى. الساحل يراهن على نفسه، والعالم يراقب.