"البريد الصامت" سلاح الاستخبارات البريطانية الجديد لمكافحة الإرهاب
الثلاثاء 23/سبتمبر/2025 - 12:34 م
طباعة

في خطوة غير مسبوقة تعكس التحولات السريعة في المشهد الاستخباراتي العالمي، أعلن جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني MI6 مؤخرا عن إطلاق منصة رقمية جديدة باسم “البريد الصامت” تعمل عبر شبكة الإنترنت المظلم، بهدف فتح قناة آمنة للتواصل مع أي شخص يمتلك معلومات حساسة تتعلق بالإرهاب أو أنشطة استخباراتية معادية، مع التركيز على الأنشطة الروسية، لتكون أداة مبتكرة لتجنيد مصادر وجواسيس عالميًا.
كما يمثل هذا التحول الرقمي نقطة فاصلة في مفاهيم الأمن القومي، إذ يتيح استثمار الفضاء الرقمي للتغلب على القيود الميدانية التقليدية في جمع المعلومات.
مصادر متنوعة
وتضمن الإعلان الرسمي تعليمات تقنية مفصلة، تضمنت ضرورة استخدام متصفح Tor أو شبكات VPN لتجاوز القيود، إلى جانب التأكيد على فصل الأجهزة وحسابات المستخدم عن هويته الفعلية لضمان عدم كشف الهوية وقد نشرت التوجيهات بعدة لغات مع مقطع فيديو توضيحي على قناة MI6 الرسمية، في خطوة تضفي طابعًا رسميًا على عملية كانت تدار سابقًا في الخفاء، ما يعكس رغبة الاستخبارات البريطانية في استقطاب مصادر متنوعة عالميًا، خاصة في ظل تصاعد التوترات مع روسيا وصعوبة العمل الميداني التقليدي في بيئات مراقبة بشكل صارم.
تستهدف المنصة بشكل رئيسي روسيا، نظرًا لتعقيد البيئة الاستخباراتية هناك، سواء من حيث الرقابة المشددة أو محدودية الوصول إلى المعلومات الحساسة كما تحظى الصين باهتمام استراتيجي أقل، نظرًا لأهميتها التكنولوجية والاقتصادية، حيث يمكن لمصادر داخل الصين أن توفر معلومات عن الابتكار العسكري والتجسس الصناعي، رغم المخاطر العالية المصاحبة للوصول إليها.
مخاطر استراتيجية
ومع ذلك، يثير إطلاق “البريد الصامت” عدة مخاطر استراتيجية، أبرزها إمكانية استغلال المنصة من قبل أجهزة استخبارات أخرى لإنشاء عملاء مزدوجين أو تنفيذ حملات تضليلية، عبر إرسال مرشحين مدربين لاختبار إجراءات التحقق لدى MI6، أو لجمع معلومات عن كيفية تعامل الجهاز مع المصادر الرقمية هذه الطبيعة الثنائية للمنصة تجعلها سلاحًا ذا حدين: فهي تمنح فرصة للوصول إلى معلومات صعبة المنال، لكنها في الوقت نفسه تفتح المجال أمام الخصوم لتقييم قدرات الجهاز واختبار إجراءات الحماية، ما يستدعي تكثيف الإجراءات المضادة ومراقبة الأنماط المشبوهة
كما تتضمن آليات الحماية المحتملة اعتماد طبقات تحقق متعددة، مطابقة البيانات الرقمية مع مصادر مستقلة، فحص الاتساق الزمني، إنشاء قنوات تحويل موثوقة للانتقال من الاتصال الرقمي إلى اللقاءات المباشرة، مع تسجيل كامل للأنشطة لمتابعة أي سلوك مشبوه ويبرز أيضًا أهمية وحدة رقابية داخلية لمكافحة التجنيد المضاد، مهمتها مراقبة الأنماط المشبوهة، التنسيق مع الحلفاء، وإجراء اختبارات استجابة محايدة، بما يوازن بين السرية والحماية القانونية للمصادر.
مصداقية المعلومات وحماية هوية المصادر
على الرغم من التطور الرقمي، يظل البعد الإنساني في الاستخبارات التقليدية ضروريًا، فاللقاءات المباشرة بين الضابط والمصدر تمنح مؤشرات غير لفظية حول شخصية العميل ودرجة التزامه، وتتيح اختبار الاتساق والمصداقية، وتدريب المصادر على مبادئ الأمان وحماية المعلومات، وهو ما لا يمكن للمنصات الرقمية وحدها تحقيقه.
تظل فعالية المنصة رهينة بقدرة MI6 على التحقق من مصداقية المعلومات، حماية هوية المصادر، وإدارة المخاطر التشغيلية والأخلاقية، كما أن ردود الفعل الروسية والصينية المتوقعة قد تتضمن مراقبة مشددة، حملات تضليل، وحملات سيبرانية، ما يعقد المشهد الرقمي ويضع تحديات مستمرة أمام التجنيد الاستخباراتي الرقمي.
ويمثل “البريد الصامت” تحولًا استراتيجيًا في أدوات التجنيد، يتيح الوصول السريع إلى معلومات استراتيجية، لكنه محاط بمخاطر عالية تتطلب إجراءات مضادة دقيقة، ومراقبة مستمرة، وتكاملًا بين الخبرة البشرية والتقنيات الرقمية، لتجنب أن يتحول مصدر قوة إلى نقطة ضعف قابلة للاستغلال من قبل الخصوم.