تصاعد الإرهاب في كابو ديلجادو بموزمبيق.. هشاشة الدولة وأزمة المدنيين تواجه التمرد الجهادي
الأربعاء 24/سبتمبر/2025 - 10:53 ص
طباعة

تشهد مقاطعة كابو ديلجادو الواقعة في أقصى شمال موزمبيق تصاعدًا مستمرًا في أعمال العنف المسلح، بما يعكس اتساع نطاق التمرد الجهادي الذي بدأ منذ عام 2017، مع هجمات متكررة على المدنيين والقوات الحكومية.
ويشكل الهجوم الأخير على مدينة موكيمبوا دا برايا عاصمة المقاطعة نقطة فارقة، حيث نفذ المتمردون هجمات منظمة استهدفت المنازل والمدنيين بشكل مباشر، بما في ذلك عناصر الشرطة المحليين، مع استخدام أسلوب الترهيب النفسي من خلال مناداتهم بأسماء الضحايا، ما يعكس استراتيجية ممنهجة لإثارة الرعب وإضعاف حضور الدولة بين السكان.
ويستفيد المتمردون من ضعف الانتشار العسكري الحكومي، حيث تظل مساحات واسعة من المقاطعة خارج سيطرة الجيش، وهو ما منح الجماعات الإرهابية حرية الحركة والتخطيط لشن هجمات منسقة.
وقد أدى هذا الفراغ الأمني إلى تزايد وتيرة الهجمات خلال الشهرين الأخيرين، مع غياب أي رد فعل فعال من القوات الحكومية على الأرض، ما يفاقم شعور السكان المحليين بعدم الأمان.
ومنذ اندلاع العنف في 2017، أسفر التمرد عن أكثر من 6000 قتيل، إضافة إلى نزوح جماعي للآلاف من السكان، ما خلق أزمات إنسانية حادة، شملت فقدان المأوى وانعدام الأمن الغذائي وانقطاع الخدمات الأساسية.
وتتأثر النساء والفتيات بشكل خاص في هذه الأزمة فقد أظهرت تقارير ميدانية أن العنف المباشر والمستمر دفع العديد من الأسر إلى النزوح الداخلي أو اللجوء إلى مناطق معزولة، حيث تواجه النساء صعوبات مضاعفة في الحصول على الغذاء والمياه والرعاية الصحية.
كما تستخدم الفتيات في كثير من الحالات كوسائل ضغط نفسي أو كأهداف للاختطاف والزواج القسري، ما يزيد من هشاشة وضعهن الاجتماعي والنفسي، إضافة إلى ذلك، يضطر النساء للمسافات الطويلة لجلب المياه والحطب، في ظل تدهور البنية التحتية وانعدام الأمن، ما يعرضهن للمخاطر الجسدية والجريمة المنظمة والجماعات المسلحة.
تحديات كبيرة
أما على صعيد البنية الأمنية، فإن الجيش الموزمبيقي يواجه تحديات كبيرة بسبب ضعف المعدات وانخفاض القدرة الاستخباراتية، ما يحد من قدرته على السيطرة على المناطق الحدودية والريفية، حيث تتخذ الجماعات المسلحة قواعدها وتنشط شبكاتها اللوجستية.
كما تعتمد هذه الجماعات على تهريب الأسلحة والمخدرات والتمويل غير المشروع لتقوية قدراتها وتنفيذ هجمات متزامنة في المدن والقرى على حد سواء.
وتتداخل الأزمة الأمنية مع عوامل هيكلية أعمق تشمل الفقر المدقع، وانعدام فرص التعليم والعمل، وضعف الخدمات الصحية والاجتماعية، ما يجعل السكان، خصوصًا الشباب، عرضة للاستقطاب من قبل الجماعات المتطرفة.
كما تستغل الجماعات التوترات الاجتماعية والقبلية لتعميق الانقسامات، ما يزيد من صعوبة إعادة بناء المجتمعات المحلية وتحقيق الاستقرار.
وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، ساهم انسحاب بعض القوات الأجنبية من موزمبيق بعد عمليات التدخل السابقة في خلق فراغ أمني، حيث لم تتمكن الدولة من ملء هذا الفراغ بالكامل، مما مكن الجماعات المسلحة من توسيع نفوذها. وتلعب المنافسة بين القوى الدولية الكبرى مثل روسيا وفرنسا والولايات المتحدة دورًا مزدوجًا، فهي تساهم في تقديم دعم أمني أو لوجستي أحيانًا، لكنها في المقابل تعقد عمليات التنسيق المحلي، حيث تتداخل مصالحها مع احتياجات الدولة والمجتمع المحلي.
استراتيجيات شاملة
في هذا السياق، فإن معالجة الأزمة في كابو ديلجادو تتطلب استراتيجيات شاملة متعددة المستويات، تشمل تعزيز قدرات الجيش والشرطة، وتحسين نظم الاستخبارات والمراقبة على الحدود، إلى جانب الاستثمار في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في المناطق المتضررة والمناطق الحدودية، لتقليل قابلية السكان للاستقطاب من قبل الجماعات المسلحة.
كما يجب إدماج برامج خاصة لحماية النساء والفتيات، تشمل الملاجئ، والتعليم المستمر، والرعاية النفسية، وضمان الوصول الآمن للخدمات الأساسية، بما يحد من الآثار المباشرة وغير المباشرة للعنف الإرهابي.
ويعكس استمرار العنف في كابو ديلجادو هشاشة الدولة في مواجهة الإرهاب متعدد الأبعاد، ويؤكد أن الأزمة ليست مجرد تهديد أمني، بل هي أزمة إنسانية وتنموية واجتماعية تتطلب تدخلًا متكاملًا يجمع بين الأمن، والحماية الإنسانية، والتنمية المستدامة، لضمان إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمعات المحلية وحماية السكان، ولا سيما النساء والفتيات، من دائرة العنف والتهديد المستمر.