صراع غويتا وإياد أغ غالي يكشف ملامح معركة الإرهاب الفاصلة في الساحل الإفريقي

الخميس 25/سبتمبر/2025 - 03:21 م
طباعة مالي مالي محمود البتاكوشي
 
 
 تشهد مالي اليوم واحدة من أكثر مراحلها حساسية وخطورة منذ عقود، مع تصاعد الصراع بين العقيد أسيمي غويتا، قائد المجلس العسكري ورئيس المرحلة الانتقالية، وبين إياد أغ غالي، زعيم جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم القاعدة. 

هذا الصراع ليس مجرد مواجهة بين رجل دولة وقائد جماعة مسلحة، بل هو تجلٍ لصراع أوسع بين مشروع الدولة الوطنية ومشروع الفوضى والتطرف.

غويتا، الذي تولى الحكم بعد انقلاب عسكري عام 2021، رفع منذ اليوم الأول شعار "السيادة والأمن أولًا"، رافضًا بشكل قاطع أي تفاوض مع الجماعات الإرهابية. 

على النقيض، يواصل إياد أغ غالي محاولاته لفرض الأمر الواقع من خلال التصعيد الميداني وشن الهجمات في مناطق واسعة من البلاد، وصولًا إلى مشارف العاصمة باماكو، لقد خرجت المواجهة بين الطرفين من نطاق العمل العسكري المحدود لتتحول إلى استراتيجية شاملة تسعى فيها الدولة إلى استعادة الأرض والهيبة، بينما يعمل الطرف الآخر على إسقاط مؤسسات الدولة وتفكيكها من الداخل.

ما يزيد من تعقيد المشهد هو البعد الإقليمي والدولي للصراع، فمالي أصبحت حقل اختبار لخيارات المجالس العسكرية في منطقة الساحل، خاصة في بوركينا فاسو والنيجر، إذ يراقب الجميع كيف تتطور تجربة غويتا في مواجهة الإرهاب بعيدًا عن الدعم التقليدي من فرنسا وقوات الأمم المتحدة. 

خروج باريس و"القبعات الزرق" من المشهد، فتح الباب أمام شراكات بديلة أبرزها التعاون الأمني والعسكري مع روسيا، في إطار ما تصفه باماكو بـ"السياسة متعددة الأقطاب".

دعم الشارع المالي للمجلس العسكري يعكس شعورًا عامًا بخيبة الأمل من السياسات السابقة، التي حاولت التوفيق بين العمل العسكري والحوار دون أن تحقق مكاسب ملموسة. 

معركة السيادة

في هذا السياق، يبرز غويتا بوصفه قائدًا اتخذ القرار الصعب، واضعًا أمن البلاد فوق الحسابات الدبلوماسية، ويرى مراقبون أن هذا التحول في العقيدة الأمنية للسلطة الحاكمة مثل استعادة معنوية للجيش المالي، الذي بات يخوض المعركة دون وصاية أجنبية، معتمدًا على موارده الذاتية وشركاء جدد.

المعركة الدائرة لا تدور فقط على الأرض، بل تتصل أيضًا بشكل وثيق بمستقبل مشروع الدولة المالي، فغويتا، وفق محللين، لا يخوض فقط معركة ضد الإرهاب، بل يسعى لترسيخ تصور جديد للسيادة الوطنية، يقوم على استقلال القرار الأمني وتحرير المجال السياسي من تأثيرات القوى الكبرى التي لطالما قيدت حركة الدولة الإفريقية الحديثة.
 
زعيم جماعة أيديولوجية
 
في المقابل، يمثل إياد أغ غالي نموذجًا لزعيم جماعة أيديولوجية ترى في الدولة الحديثة عدوًا وجوديًا، وتسعى إلى تفكيكها لصالح مشروع ديني متشدد لا يتوافق مع التركيبة الثقافية والدينية المعقدة في مالي. 
 
هذه المفارقة بين من يبني الدولة ومن يريد هدمها، تجعل المواجهة الحالية أكثر من مجرد حرب تقليدية، بل هي معركة هوية ووجود.
 
بعض التحليلات ترى أن خيار الحسم الأمني الذي اختارته باماكو محفوف بالمخاطر، خاصة في ظل غياب دعم دولي واسع، واحتمال توسع رقعة الاشتباك إلى مناطق أخرى. لكن في المقابل، هناك قناعة متزايدة داخل أوساط الباحثين والسياسيين بأن الاستقرار لا يمكن بناؤه فوق أرض رخوة أمنيًا، وأن أي محاولة للعودة إلى نماذج التفاوض السابقة لن تؤدي إلا إلى المزيد من الانهيار.
 
المؤكد أن مالي تقف اليوم، على حافة معركة فاصلة إما أن تنجح في تثبيت نموذج الدولة السيادية القادرة على حسم المواجهة الأمنية وإعادة إنتاج مشروع وطني جامع، أو تنزلق إلى مرحلة طويلة من التآكل المؤسسي والعنف المتنقل، وفي الحالتين، فإن ما يحدث في باماكو لن يبقى داخل حدودها، بل ينعكس مباشرة على مستقبل الساحل الإفريقي كله.
 


شارك