"الحوثي" تحوّل السجون إلى معامل لإعادة تدوير عناصر القاعدة وداعش كأذرع أمنية واستخباراتية
الأحد 28/سبتمبر/2025 - 11:39 ص
طباعة

في ظل تصاعد المخاطر الأمنية في اليمن وامتداد آثارها إلى الإقليم، أصدر مرصد الأزمات التابع لمركز P.T.O.C Yemen للأبحاث والدراسات المتخصصة تقريرًا جديدًا ضمن سلسلة "تحالفات الإرهاب"، كاشفًا عن واحد من أخطر الملفات الأمنية في البلاد، يتمثل في تحويل مليشيا الحوثي الإرهابية السجون إلى معامل مغلقة لإعادة تدوير عناصر تنظيمي القاعدة وداعش، وتجنيدهم كأذرع أمنية وميدانية لجهاز الأمن والمخابرات التابع لها في خرق صارخ للقوانين الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب.
وقد أظهر التقرير أن الحوثيين لم يعودوا يتعاملون مع عناصر القاعدة وداعش كخصوم أيديولوجيين، بل كأدوات يمكن استخدامها مرحليًا لتحقيق أهدافهم، حيث أفرجت المليشيا عن مئات المعتقلين بتهم إرهابية ومنحتهم امتيازات مالية ولوجستية وسلاحًا وحماية مقابل انخراطهم في القتال لصالحها في محافظات مأرب والبيضاء وشبوة وأبين وحضرموت، كما أنشأت معسكرات سرية في صعدة وعمران وذمار لتأهيل هؤلاء العناصر عسكريًا وعقائديًا، مع تزويدهم بهويات مزورة ورواتب شهرية تصل إلى 260 دولارًا.
ويشير التقرير إلى أن جهاز الأمن والمخابرات الحوثي بقيادة عبدالحكيم هاشم الخيواني (أبو الكرار) هو اللاعب المركزي في هذه العملية، حيث يتم فرز المعتقلين منذ لحظة دخولهم السجون عبر ضباط وجواسيس مزروعين لتحديد من يمكن إعادة توظيفه، لتتحول السجون عمليًا إلى مصانع لإنتاج مقاتلين وعناصر استخباراتية بإشراف مباشر من قيادة الجهاز نفسه، ولإضفاء غطاء شرعي على هذه السياسة، قامت المليشيا بإعادة صياغة النصوص الدينية والمفاهيم الجهادية مثل "تحالف الضرورة" و"العدو المشترك" وروّجت لها في جلسات فقهية داخل السجون ومعسكرات التدريب، بما يسهل دمج العناصر المتطرفة في مشروعها السياسي والعسكري، ولم يقتصر هذا التلقين على عناصر القاعدة وداعش فقط، بل شمل أيضًا مقاتلين حوثيين جرى إقناعهم بشرعية هذا التحالف المرحلي.
كما كشف التقرير عن بروز ما يسمى بـ"تيار التغيير والتحرير" في حضرموت، الذي تتبناه المليشيا كغطاء سياسي وأيديولوجي لتبرير تحالفاتها مع الجماعات المتطرفة، حيث يعتمد هذا التيار خطابًا مزدوجًا يروج خارجيًا لشعارات الحرية ومناهضة التدخلات الأجنبية بينما يُستخدم داخليًا لتسويق استراتيجية إعادة تدوير عناصر القاعدة وداعش ضمن صفوف الحوثيين، ووفقًا للمركز يهدف هذا التيار إلى تضليل الرأي العام والتغطية على الأنشطة السرية التي تهدد الأمن الوطني والإقليمي.
ولأول مرة، كشف المركز بالأسماء عن شبكة القيادات الحوثية المتورطة في هذا الملف الخطير استنادًا إلى معلومات سرية، من بينهم عبدالقادر الشامي نائب رئيس جهاز الأمن والمخابرات والمسؤول الأول عن ملف العلاقات مع المعتقلين، وعبدالكريم الحوثي وزير الداخلية والمفوض الأمني الأعلى لقرارات الإفراج، وعبدالله يحيى المؤيد (أبو علي الحاكم) قائد الاستخبارات العسكرية والمسؤول عن إعادة توزيع العناصر المفرج عنهم على الجبهات.
كما يبرز التقرير دور شخصيات ميدانية أخرى مثل أبو عماد المراني، علي عبدالله القاسمي، أبو محمد المطهر، إبراهيم صالح أحمد الماس، عبدالسلام أحمد حسن المرتضى، وأبو محمد السقاف.
ويتضمن التقرير أيضًا تفاصيل عن صفقات سرية أفرج بموجبها عن قيادات بارزة في القاعدة، مثل سامي فضل عبدربه ديان المتورط في اغتيال اللواء سالم قطن، والذي جرى تجنيده لصالح الحوثيين وتكليفه بتشكيل خلايا في أبين، إضافة إلى الإفراج عن عناصر متورطين بتفجير ميدان السبعين وآخرين ظهروا لاحقًا في جبهات مأرب والجوف وحضرموت، ولا تتوقف رحلة هؤلاء عند بوابة السجون بل تبدأ منها، إذ يتم نقل المفرج عنهم إلى معسكرات تدريب سرية في صعدة وعمران وذمار قبل توزيعهم على الجبهات أو زرعهم في خلايا استخباراتية تتولى تنفيذ عمليات زرع عبوات ناسفة وموجهة، تنفيذ اغتيالات، وجمع معلومات ميدانية، وقد وثقت الأجهزة الأمنية الحكومية ضبط أجهزة اتصالات عبر الأقمار الصناعية في مواقع عسكرية مرتبطة بعناصر القاعدة في أبين، ما يشير إلى حجم ونوعية الدعم المقدم لهم.
ويحذر المركز من أن هذه السياسة فتحت الباب أمام إعادة إحياء الخلايا النائمة وإرباك المشهد الأمني في المحافظات المحررة، حيث بات هؤلاء العناصر المعاد تدويرهم بمثابة قنابل موقوتة، وأسهم بعضهم بالفعل في سقوط مديريات بمأرب والجوف والبيضاء، متسببين بموجات نزوح جماعية نحو مخيم الجفينة الأكبر في اليمن، ما يعكس خطورة تصدير استراتيجية تدوير الإرهاب إلى ساحات نزاع أخرى بما يهدد الأمن الإقليمي والدولي.
وفي ختام تقريره، دعا مركز P.T.O.C Yemen المجتمع الدولي إلى إدراج استراتيجية "تدوير الإرهابيين" ضمن جرائم الحرب، وإنشاء قاعدة بيانات دولية للعناصر المفرج عنهم، وتشديد الرقابة على السجون في مناطق الحوثيين بما في ذلك السجون السرية، وفرض عقوبات صارمة على القيادات الحوثية المتورطة، إضافة إلى تحميل إيران والحرس الثوري مسؤولية دعم هذا المشروع التخريبي في اليمن.
ويرى المراقبون أن ما كشفه التقرير يمثل جرس إنذار جديدًا يوضح حجم التحول الذي أحدثته مليشيا الحوثي في المشهد الأمني اليمني، إذ لم تعد تكتفي بتبني أساليب المليشيات التقليدية بل انتقلت إلى مستوى إعادة تدوير الإرهاب واستثماره كأداة استراتيجية في مشروعها العسكري والسياسي.
ويؤكد هؤلاء أن هذه الممارسات لا تهدد اليمن وحده بل تضع الأمن الإقليمي والدولي على المحك، وتفرض على المجتمع الدولي التعامل معها كجرائم حرب وانتهاكات خطيرة تستوجب إجراءات حاسمة لا تقتصر على البيانات والتنديد بل تتعداها إلى تحرك عملي يوقف هذا المسار التخريبي قبل أن يتحول إلى واقع يصعب احتواؤه.