ضربة موجعة للحوثيين… اليمن يوقف أضخم شحنة تهريب عسكرية عبر البحر الأحمر
الجمعة 03/أكتوبر/2025 - 11:58 ص
طباعة

في ظل التحديات الأمنية المعقدة التي تواجه اليمن والمنطقة، وفي وقت تتزايد فيه المخاطر المرتبطة بعمليات تهريب الأسلحة التي تديرها شبكات مرتبطة بمليشيات الحوثي، أعلنت الأجهزة الأمنية في ميناء الحاويات بمدينة عدن، مطلع الشهر الجاري، عن تفاصيل واحدة من أضخم الشحنات العسكرية التي تم ضبطها خلال السنوات الأخيرة، وذلك بإشراف النيابة الجزائية المتخصصة وبحضور اللجنة الرئاسية.
وتمثل هذه العملية الأمنية النوعية محطة فارقة، كونها تكشف عن أسلوب ممنهج تتبعه المليشيات لاستغلال الغطاء التجاري والموانئ اليمنية الخاضعة لسيطرتها، وعلى رأسها ميناء الحديدة، لإدخال معدات عسكرية متطورة تهدد الأمن الوطني والإقليمي والدولي، وتأتي هذه التطورات في لحظة حرجة تشهد فيها الساحة اليمنية تصعيداً عسكرياً وسياسياً، ما يضاعف أهمية هذه العملية في كشف حجم التحدي الذي يمثله التهريب المستمر للأسلحة على جهود السلام والاستقرار.
وبحسب التفاصيل الرسمية التي كُشف عنها، فإن الشحنة المضبوطة في أغسطس الماضي كانت على متن سفينة تجارية قادمة من جيبوتي في طريقها إلى ميناء الحديدة، وتتكون من 58 حاوية تجارية بوزن يتجاوز 2500 طن، محملة بأنواع مختلفة من الأسلحة والمعدات العسكرية، وشملت المضبوطات طائرات مسيّرة جاهزة للاستخدام ومنصات إطلاقها، إضافة إلى مصانع وورش متكاملة لإنتاج الطائرات المسيّرة، مزودة بمكائن خراطة ومكابس صناعية متطورة، وقطع غيار ومكائن خاصة بتصنيع الطائرات والأسلحة بمختلف أنواعها، كما تم العثور على محركات نفاثة وأجهزة اتصالات لاسلكية، وأجهزة مراقبة وتجسس وتشويش، ورقائق إلكترونية متطورة للتحكم بالطائرات المسيّرة، فضلاً عن معدات تقنية دقيقة تعكس مستوى التطوير الصناعي الذي تعمل عليه المليشيات.
وامتدت خطورة الشحنة إلى احتوائها على المواد الخام اللازمة للتصنيع العسكري، مثل الألياف الكربونية والبلاستيك الخام وسبائك الألومنيوم، إضافة إلى جهاز الحقن الخاص بتشكيل البلاستيك، ومعدات تقطيع وقياس دقيقة، وأدوات لحام وأسطوانات أوكسجين، وملابس واقية مخصصة للمهندسين والفنيين العاملين في الورش، كما شملت مراوح طرد مركزي ورافعات صناعية ومخارط يدوية وآلية تستخدم في تصنيع قطع الأسلحة، إلى جانب مستشعرات متقدمة للتصوير الحراري والمراقبة العسكرية، وكاميرات حرارية محمولة، وأجهزة تحكم متطورة، وكاشفات للترددات المغناطيسية وأجهزة تشويش قادرة على تعطيل الاتصالات والرصد الإلكتروني.
هذه الكميات المتنوعة والضخمة تعكس أن الشحنة لم تكن مجرد إمداد محدود، بل منظومة متكاملة تهدف إلى بناء قاعدة تصنيع محلية متطورة للطائرات المسيّرة والأسلحة داخل مناطق سيطرة الحوثيين.
وأوضحت الأجهزة الأمنية أن اكتشاف هذه الشحنة جاء بعد عملية تفتيش روتينية أثارت شكوك المفتشين، ليتم إخضاع الحاويات لرقابة مشددة وفحص دقيق كشف عن محتوياتها، ما شكل صدمة بحجم وخطورة المضبوطات، وأكدت النيابة أنها استكملت إجراءات التحريز، وبدأت مسار الملاحقات القانونية للمتورطين في عملية التهريب، بينما يعمل خبراء مختصون على إجراء فحص تقني شامل للمعدات المضبوطة لتقييم طبيعتها العسكرية ومدى تطورها.
وأشارت الأجهزة الأمنية إلى أن نجاح هذه العملية يمثل ضربة موجعة لمليشيات الحوثي التي اعتادت استخدام الطرق البحرية والممرات التجارية لنقل أسلحة متطورة، بما فيها أدوات التجسس والرصد والمصانع الجاهزة لإنتاج الطائرات المسيّرة.
وتاريخياً، ظل ميناء الحديدة في قلب الجدل الدولي، حيث اتهم التحالف العربي والمجتمع الدولي الحوثيين بتحويله إلى نقطة ارتكاز لوجستية للتهريب العسكري، بدلاً من كونه شرياناً إنسانياً للمساعدات، فقد أشارت تقارير خبراء الأمم المتحدة إلى أن المليشيات استخدمت الميناء لإدخال شحنات أسلحة ومكونات صواريخ وطائرات مسيرة قادمة من الخارج، كما استغلت الإيرادات الجمركية والرسوم في تمويل أنشطتها الحربية بدلاً من دفع رواتب الموظفين أو دعم الخدمات العامة، وعلى الرغم من الجهود الأممية للإشراف على الميناء وتحييده عن الصراع، إلا أن فشل تنفيذ الترتيبات الأمنية والإدارية المتفق عليها منح الحوثيين فرصة لمواصلة استغلاله كمنفذ استراتيجي لتعزيز ترسانتهم العسكرية.
ويرى المراقبون أن ضبط هذه الشحنة في ميناء عدن يعكس يقظة أمنية متنامية، لكنه في الوقت ذاته يسلط الضوء على تحدٍّ أكبر يتمثل في استمرار بقاء ميناء الحديدة تحت سيطرة الحوثيين، ما يشكل خطراً مباشراً على الملاحة البحرية في البحر الأحمر وعلى أمن المنطقة ككل.
كما اعتبروا أن العملية تؤكد حجم الدعم الخارجي الذي يتلقاه الحوثيون سواء من خلال شبكات تهريب عابرة للحدود أو عبر قنوات رسمية تستغل الغطاء التجاري، ويؤكد المراقبون أن كبح هذه الأنشطة يتطلب استراتيجية متكاملة تشمل تعزيز الرقابة البحرية، وتفعيل الاتفاقيات الدولية الخاصة بالموانئ، ودعم قدرات الحكومة اليمنية الأمنية والرقابية، إذ أن الاستمرار في كشف وضبط مثل هذه الشحنات سيمثل خطوة محورية في تجفيف مصادر التسليح للحوثيين، وإعادة التوازن إلى المعادلة العسكرية بما يخدم جهود إحلال السلام والاستقرار في اليمن والمنطقة.