التطرف يغرق إفريقيا.. كيف تحولت القارة إلى المركز الجديد للإرهاب العالمي؟
الأربعاء 12/نوفمبر/2025 - 11:38 ص
طباعة
محمود البتاكوشي
تشهد القارة الإفريقية تحولًا دراميًا في خريطة الإرهاب الدولي، بعدما أصبحت في السنوات الأخيرة بؤرة التوتر الأكثر سخونة في العالم، ومركز الثقل الجديد للحركات الجهادية التي انتقلت تدريجيًا من الشرق الأوسط إلى الساحل الإفريقي.
الهجوم الأخير الذي شنته جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على مالي لم يكن حادثًا معزولًا، بل إنذارًا إضافيًا على تسارع وتيرة الانفلات الأمني في منطقة تعاني من هشاشة الدول وانهيار مؤسساتها.
وفقًا للتقارير الدولية، تضاعفت العمليات الإرهابية في إفريقيا أكثر من عشر مرات منذ عام 2009، وسجل عام 2024 وحده أكثر من 6,300 قتيل في 252 هجومًا إرهابيًا طالت 13 دولة، معظمها في منطقة الساحل.
وتشير البيانات إلى أن 60% من تلك الهجمات تتركز في دول الساحل: مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، التي تمثل مجتمعةً اليوم ساحة الصراع الأكبر بين تنظيمَي القاعدة وداعش.
الساحل.. قلب الإرهاب العالمي النابض
تظهر الأرقام أن منطقة الساحل تمثل نحو 51% من إجمالي ضحايا الإرهاب عالميًا خلال عامي 2024–2025.
بوركينا فاسو وحدها سجلت أكثر من 1,500 وفاة خلال عام واحد، لتصبح الدولة الأكثر تضررًا من العنف الإرهابي، أما مالي والنيجر ونيجيريا والصومال والكونغو الديمقراطية، فكل منها يعاني من انتشار جماعات مسلحة متنافسة، تتقاطع ولاءاتها بين القاعدة وداعش وتنظيمات محلية مثل بوكو حرام.
وتعد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، المرتبطة بالقاعدة، الفاعل الأكثر نشاطًا في الساحل، إذ تقف وراء نحو 60% من الهجمات في المنطقة، وقد صعدت عملياتها مؤخرًا عبر مهاجمة القوافل العسكرية وقطع إمدادات الوقود إلى باماكو، في محاولة لشل الدولة من الداخل.
في المقابل، زاد تنظيم داعش في الصحراء الكبرى نشاطه بنسبة 94% في النيجر، في سباق محموم على النفوذ والمقاتلين والموارد. غير أن هذا الصراع بين التنظيمين لا يؤدي إلى إضعافهما كما يعتقد، بل يسهم في توسيع نطاق الفوضى والعنف.
ديناميات التمدد والتجنيد
تمثل الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية الحاضنة الأولى لتغول الإرهاب. فقرابة 40% من سكان الساحل يعيشون تحت خط الفقر المدقع، فيما تتجاوز بطالة الشباب 30% في عدد من الدول.
يضاف إلى ذلك ستة انقلابات عسكرية منذ عام 2020، وانعدام الأمن الغذائي، ونزوح أكثر من ثلاثة ملايين شخص نتيجة القتال، مما خلق بيئة خصبة لتجنيد الشباب من قبل الجماعات المتطرفة التي تقدم لهم المال والانتماء في مقابل الولاء والسلاح.
ويؤكد الباحث ويليام مايلز من جامعة نورث إيسترن أن التنظيمات المتشددة وجدت في فراغ السلطة "فرصة تاريخية" لإعادة التمركز، بعد تضييق الخناق عليها في الشرق الأوسط، مستفيدة من ضعف الرقابة على الحدود وغياب الدولة في مناطق شاسعة من الصحراء الكبرى.
انسحاب القوى الغربية.. فراغ قاتل
زاد الوضع سوءًا بانسحاب القوات الفرنسية من مالي والنيجر عام 2023، ما أنهى عقدًا من الشراكة الأمنية ضمن عملية "برخان".
يقول الخبير الأمني ستيفن فلين إن هذا الانسحاب "ترك فراغًا سياسيًا وأمنيًا ملأته الجماعات المتطرفة فورًا"، مستغلة التراجع الأمريكي التدريجي عن برامج مكافحة الإرهاب في القارة.
في محاولة لملء الفراغ، اتجهت الأنظمة العسكرية الجديدة في الساحل نحو روسيا طلبًا للدعم، إلا أن النتائج جاءت محدودة؛ فالقوات الروسية ومجموعات فاغنر لم تنجح في كبح صعود القاعدة أو داعش، بل زادت المشهد تعقيدًا.
من أزمة محلية إلى تهديد عالمي
تحولت منطقة الساحل إلى ما يشبه "المصنع المفتوح" للإرهاب العابر للحدود.
أكثر من نصف ضحايا الإرهاب في العالم اليوم من القارة الإفريقية، فيما تتزايد المؤشرات على استعداد التنظيمات المتطرفة لتوسيع عملياتها نحو الشمال والشرق، بما يهدد أمن البحر الأحمر والقرن الإفريقي وشمال إفريقيا.
ويرى مراقبون أن استمرار الانهيار الأمني والاقتصادي قد يعيد إنتاج سيناريوهات العراق وسوريا، عندما تحولت التنظيمات الجهادية من جماعات هامشية إلى قوى تسيطر على أراض وتدير إدارات محلية وجبايات.
وفي ظل غياب استراتيجية دولية منسقة، وازدواجية المواقف بين الفاعلين الإقليميين، تبقى القارة الإفريقية أرضًا مفتوحة أمام تمدد الإرهاب العابر للحدود، الذي يهدد الأمن الإقليمي والعالمي معًا.
