ضربات «عيد الميلاد» في نيجيريا.. تصعيد أمريكي ضد داعش

الإثنين 29/ديسمبر/2025 - 02:25 م
طباعة ضربات «عيد الميلاد» محمود البتاكوشي
 
بعد ساعات قليلة من تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الضربات التي نفذتها واشنطن ضد تنظيم «داعش»، كشفت الحكومة النيجيرية تفاصيل دقيقة حول طبيعة العملية ونوع الأسلحة المستخدمة، في خطوة عكست حجم التنسيق الأمني بين البلدين، لكنها في الوقت نفسه أعادت فتح نقاش حساس حول السيادة الوطنية وحدود التدخل الخارجي في واحدة من أكثر الساحات الإفريقية اضطرابًا.
ترامب كان قد أعلن، في مقابلة مع مجلة «بوليتيكو»، أنه تدخل شخصيًا لتحديد توقيت الضربات، مؤكدًا أن تنفيذها جرى في يوم عيد الميلاد بعد تأجيل متعمد، في رسالة سياسية حملت طابع القوة والردع. هذا التصريح، وإن بدا موجّهًا للرأي العام الأمريكي، سرعان ما ترددت أصداؤه داخل نيجيريا، حيث تصاعدت تساؤلات حول طبيعة الدور الأمريكي وحجمه.
تفاصيل الضربات ونطاقها
وزير الإعلام النيجيري محمد إدريس أوضح في بيان رسمي أن الجيش الأمريكي استخدم طائرات مسيرة من طراز «MQ-9 ريبر»، أطلقت 16 ذخيرة دقيقة موجهة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، استهدفت عناصر مرتبطة بتنظيم «داعش» في شمال غرب البلاد. وبحسب البيان، فإن العملية نُفذت بالتنسيق الكامل مع القوات المسلحة النيجيرية وبموافقة مباشرة من الرئيس بولا تينوبو.
الضربات استهدفت، وفق الرواية الرسمية، مجموعات مسلحة كانت تحاول التسلل إلى نيجيريا عبر ممرات الساحل الإفريقي، في مؤشر على تداخل ساحات النشاط الإرهابي بين غرب أفريقيا ومنطقة الساحل، وعلى هشاشة الحدود المفتوحة في الإقليم.
تضارب الروايات وقلق السيادة
رغم التأكيد النيجيري على الشراكة العسكرية، فإن بطء تدفق المعلومات من المناطق الريفية في ولايتي سوكوتو وكِبي، وتضارب بعض التفاصيل بين البيانات الأمريكية والنيجيرية، أثارا حالة من الارتباك.
أشار وزير الخارجية النيجيري يوسف توغار إلى أن هذا التضارب يعود جزئيًا إلى تراجع واشنطن عن إصدار بيان مشترك مع أبوجا، ما زاد من حساسية المشهد.
كما لفت إدريس إلى أن الضربات نُفذت من منصات بحرية أمريكية متمركزة في خليج غينيا، بعد عمليات استخباراتية واستطلاع مكثفة، وهو ما غذّى مخاوف داخلية من اتساع نطاق العمليات الخارجية داخل العمق النيجيري.
من هي الجماعة المستهدفة؟
نيجيريا تواجه طيفًا معقدًا من الجماعات المسلحة، من بينها فرع «داعش ولاية غرب أفريقيا» في الشمال الشرقي، وجماعة أقل شهرة لكنها أكثر تمددًا في الآونة الأخيرة تُعرف باسم «لاكوراوا»، وهي مرتبطة بتنظيم «داعش في الساحل».
ورغم أن السلطات لم تسمِّ الجماعة المستهدفة صراحة، يرجّح محللون أن الضربات طالت عناصر «لاكوراوا»، التي تصاعد نشاطها خلال العام الماضي في ولايات حدودية مثل سوكوتو وكِبي، مستفيدة من الفراغ الأمني والتوترات الإقليمية عقب انقلاب النيجر عام 2023، الذي أربك آليات التعاون العسكري عبر الحدود.
جذور الأزمة أبعد من السلاح
اللافت أن خبراء الأمن يتفقون على أن الأزمة النيجيرية لا يمكن اختزالها في البعد العسكري، فالجماعات المسلحة، سواء ذات الطابع الأيديولوجي أو الإجرامي، تنمو في بيئات تعاني من غياب الدولة، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وضعف الخدمات الأساسية.
وزير الدفاع النيجيري كريستوفر موسى كان قد أقر سابقًا بأن الحل العسكري لا يمثل سوى 30% من المعالجة، بينما تعتمد النسبة الأكبر على الحوكمة الرشيدة، وبناء الثقة مع المجتمعات المحلية، وتجفيف منابع التجنيد.
دعم حاسم أم حل مؤقت؟
من هذا المنظور، يرى محللون أن الضربات الأمريكية تمثل دعمًا مهمًا لكنه مؤقت لجيش يواجه تعدد الجبهات ونقص الموارد، فالعمليات الجوية، رغم فعاليتها التكتيكية، غالبًا ما تفتقر إلى الاستمرارية، في ظل قدرة المسلحين على إعادة الانتشار عبر الغابات الشاسعة والحدود المفتوحة باستخدام وسائل بسيطة كالدراجات النارية.

شارك