وسط تصاعد العمليات الإرهابية.. تحذيرات من نزاع مسلح بين الهند وباكستان

الإثنين 29/ديسمبر/2025 - 09:45 م
طباعة محمد شعت
 

في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها البيئة الأمنية في جنوب آسيا، تتزايد التحذيرات الدولية من انزلاق المنطقة مجدداً نحو صراعات مفتوحة قد تتجاوز حدود المناوشات التقليدية، لتصل إلى مواجهات عسكرية بين قوى نووية، وسط تصاعد الإرهاب العابر للحدود وتبادل الاتهامات بشأن رعاية الجماعات المسلحة واستخدامها كأدوات للضغط السياسي. هذه المخاوف أعاد تسليط الضوء عليها تقرير حديث صادر عن مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، وضع باكستان والهند وأفغانستان في صدارة بؤر التوتر التي ينبغي مراقبتها خلال عام 2026، محذراً من أن أي شرارة جديدة قد تؤدي إلى تداعيات تتجاوز الإقليم لتطال الأمن الدولي برمته.

التقرير، الذي أعده مركز العمل الوقائي التابع للمجلس، أشار بوضوح إلى أن الخلافات التاريخية بين إسلام أباد ونيودلهي، إلى جانب حالة عدم الاستقرار المزمنة في أفغانستان، تشكل مزيجاً خطيراً قابلاً للاشتعال في أي لحظة. ووفقاً للتقييم، فإن احتمال تجدد الصراع المسلح بين باكستان والهند يوصف بالمتوسط، إلا أن تأثيره سيكون بالغ الخطورة، خصوصاً في إقليم جامو وكشمير الواقع تحت الاحتلال الهندي، والذي يمثل جوهر النزاع المستمر منذ عقود بين الجارتين النوويتين.

يرى التقرير أن السياسات القسرية التي تنتهجها الهند في كشمير المحتلة، إلى جانب تصاعد أعمال العنف والاعتقالات والانتهاكات بحق السكان المحليين، قد تعيد المنطقة إلى مربع المواجهة العسكرية المباشرة. فالتاريخ القريب يثبت أن أي تصعيد ميداني في كشمير سرعان ما يتحول إلى أزمة إقليمية، في ظل غياب الثقة بين الطرفين، واستعداد كل منهما للرد العسكري السريع.

وقد تجسدت هذه المخاوف بالفعل خلال مايو الماضي، عندما اندلعت مواجهة عسكرية بين البلدين عقب هجوم استهدف سياحاً في منطقة باهالغام في جامو وكشمير المحتلة، وأسفر عن مقتل 26 شخصاً. سارعت الهند إلى اتهام باكستان بالوقوف خلف الهجوم، مدعية أن منفذيه يحملون الجنسية الباكستانية، في حين نفت إسلام أباد هذه المزاعم بشكل قاطع، ودعت إلى إجراء تحقيق دولي محايد لكشف ملابسات الحادث، وهو طلب قوبل بالتجاهل من الجانب الهندي.

الهجوم كان الشرارة التي أطلقت واحدة من أخطر جولات التصعيد بين البلدين في السنوات الأخيرة، حيث شنت الهند، وفق الرواية الباكستانية، هجوماً عسكرياً غير مبرر داخل الأراضي الباكستانية، ما دفع إسلام أباد إلى الرد. وخلال نزاع استمر 87 ساعة، أعلنت باكستان إسقاط ست طائرات مقاتلة هندية، من بينها ثلاث طائرات من طراز رافال الفرنسية، إضافة إلى إسقاط عشرات الطائرات المسيرة. ولم تتوقف المواجهة إلا بعد تدخل أمريكي أسفر عن اتفاق لوقف إطلاق النار في العاشر من مايو، في خطوة عكست حجم القلق الدولي من خروج الوضع عن السيطرة بين قوتين نوويتين.

ورغم عودة الهدوء النسبي، فإن جذور الأزمة لا تزال قائمة، بل إن التقرير الأمريكي يحذر من أن أي حادث أمني جديد، سواء كان هجوماً إرهابياً أو اشتباكاً محدوداً على خط السيطرة، قد يعيد إشعال المواجهة بشكل أكثر عنفاً. ويأتي ذلك في وقت تتهم فيه باكستان الهند بشكل متزايد بدعم جماعات مسلحة تعمل داخل أراضيها، مستغلة حالة عدم الاستقرار في المناطق الحدودية.

 تصاعد الاتهامات بدعم الجماعات المسلحة

 إلى جانب التوتر مع الهند، تواجه باكستان تحدياً أمنياً متصاعداً يتمثل في زيادة العمليات الإرهابية، لا سيما في إقليمي خيبر بختونخوا وبلوشستان، منذ عودة حركة طالبان الأفغانية إلى الحكم في كابول عام 2021. وتشير السلطات الباكستانية إلى أن العديد من هذه الهجمات يتم التخطيط لها أو تنفيذها انطلاقاً من الأراضي الأفغانية، بمشاركة جماعات تصفها إسلام أباد بأنها مدعومة أو مُيسّر لها من أطراف خارجية، وفي مقدمتها الهند.

 وفي هذا السياق، أعلنت إدارة العلاقات العامة بين الخدمات في الجيش الباكستاني، في بيان حديث، عن استشهاد رائد في الجيش ومقتل خمسة إرهابيين خلال عملية استخباراتية دقيقة نفذتها قوات الأمن في منطقة باجور بإقليم خيبر بختونخوا. وأوضح البيان أن العملية نُفذت بناءً على معلومات استخباراتية أكدت وجود عناصر تابعة لما يُعرف بجماعة فتنة الخوارج، التي تصفها باكستان بأنها جماعة وكيلة للهند.

 وبحسب البيان، تمكنت قوات الأمن من القضاء على خمسة إرهابيين بعد اشتباك فعال، إلا أن العملية شهدت تبادلاً مكثفاً لإطلاق النار، أسفر عن استشهاد الرائد عادل زمان، البالغ من العمر 36 عاماً، والذي كان يقود قواته من الخطوط الأمامية. وأكد الجيش أن الضابط الشهيد قاتل ببسالة حتى اللحظات الأخيرة، مقدماً مثالاً جديداً على التضحيات التي تبذلها القوات المسلحة في مواجهة الإرهاب.

 كما أفاد البيان بأنه تم ضبط أسلحة وذخائر بحوزة الإرهابيين القتلى، كانوا يستخدمونها في تنفيذ هجمات ضد قوات الأمن وأجهزة إنفاذ القانون، إضافة إلى تورطهم في قتل مدنيين أبرياء. وأعقب العملية تنفيذ حملات تمشيط واسعة في المنطقة للقضاء على أي عناصر أخرى يُشتبه في تلقيها دعماً من الخارج.

 القيادة السياسية والعسكرية في باكستان سارعت إلى الإشادة بالعملية وبالتضحيات التي قدمها أفراد القوات المسلحة. فقد قدم رئيس الوزراء شهباز شريف تعازيه لعائلة الضابط الشهيد، مؤكداً أن الأمة بأسرها تقف إلى جانب الجيش في معركته ضد الإرهاب، ومجدداً التزام الحكومة بالقضاء على جميع أشكال التطرف والعنف. كما شارك كبار القادة العسكريين والمدنيين في صلاة الجنازة التي أقيمت في حامية بيشاور، حيث أشاد رئيس أركان الجيش المشير سيد عاصم منير بتضحيات الشهداء، واصفاً إياهم بفخر الأمة.

 ولم تقتصر التحديات الأمنية على الداخل الباكستاني، بل امتدت إلى الحدود مع أفغانستان، حيث حذر تقرير مجلس العلاقات الخارجية من خطر تجدد الصراع بين البلدين. وأشار التقرير إلى أن تصاعد الهجمات المسلحة عبر الحدود يشكل عاملاً محفزاً لمواجهة محتملة، وإن كان تأثيرها المتوقع أقل من الصراع مع الهند، إلا أن استمرارها يهدد بإدامة حالة عدم الاستقرار في المنطقة.

 وقد شهدت العلاقات بين إسلام أباد وكابول توتراً ملحوظاً في أكتوبر الماضي، عندما اندلعت اشتباكات حدودية إثر هجمات شنتها حركة طالبان الأفغانية ومسلحون تابعون لها على مواقع حدودية باكستانية. وردت القوات الباكستانية بسرعة، ما أسفر عن مقتل أكثر من 200 من عناصر طالبان والمسلحين المرتبطين بهم، في حين استشهد 23 جندياً باكستانياً خلال المواجهات.

 كما نفذت باكستان ضربات وصفتها بالدقيقة داخل العمق الأفغاني، استهدفت مخابئ إرهابية في ولايات عدة، من بينها قندهار وكابول. ورغم عقد جولات متعددة من المفاوضات، برعاية أطراف إقليمية مثل قطر وتركيا، فشلت المحادثات في التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، بسبب ما وصفته باكستان بتردد نظام طالبان في اتخاذ إجراءات حاسمة ضد الجماعات المسلحة التي تستخدم الأراضي الأفغانية منصة لشن هجمات عبر الحدود.

 مشهد يتجه إلى مزيد من التعقيد

 هذه التطورات تعكس، وفق مراقبين، تعقيد المشهد الأمني في جنوب آسيا، حيث تتداخل الصراعات الثنائية مع ظاهرة الإرهاب العابر للحدود، وتتشابك الاتهامات بشأن دعم الجماعات المسلحة واستخدامها كورقة ضغط سياسية. ويذهب محللون إلى أن اتهامات باكستان للهند بدعم الإرهاب داخل أراضيها، سواء في كشمير أو في المناطق الحدودية الغربية، تضيف بعداً جديداً للصراع، وتزيد من صعوبة احتوائه عبر القنوات الدبلوماسية التقليدية.

 التقرير الأمريكي لم يغفل الإشارة إلى أن هذه الصراعات، إلى جانب أزمات أخرى مثل الحرب في غزة وأوكرانيا وتصاعد العنف السياسي في الولايات المتحدة، تشكل مجتمعة تهديدات خطيرة للسلام العالمي وللأمن القومي الأمريكي. وهو ما يفسر الاهتمام المتزايد من قبل مراكز الأبحاث وصناع القرار الدوليين بمتابعة تطورات جنوب آسيا، باعتبارها واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية من الناحية الجيوسياسية.

 في المحصلة، تبدو المنطقة مقبلة على مرحلة دقيقة، تتطلب، وفق خبراء، تحركاً دولياً أكثر فاعلية للحد من التصعيد، وتشجيع الحوار، ومعالجة جذور النزاعات، وفي مقدمتها قضية كشمير والإرهاب العابر للحدود. فغياب الحلول السياسية، واستمرار تبادل الاتهامات، وتصاعد العمليات المسلحة، كلها عوامل تنذر بأن أي خطأ في الحسابات قد يقود إلى صراع أوسع، ستكون كلفته الإنسانية والسياسية باهظة على المنطقة والعالم.

شارك