غينيا بعد الانتخابات الرئاسية.. مفترق الطرق بين استقرار مدني وخطر الاحتقان السياسي
الأربعاء 31/ديسمبر/2025 - 01:40 م
طباعة
محمود البتاكوشي
شهدت العاصمة الغينية كوناكري الأحد الماضي إجراء الانتخابات الرئاسية، التي شكلت خطوة رسمية لإنهاء المرحلة الانتقالية التي بدأت إثر الانقلاب العسكري في سبتمبر 2021، ورغم التنظيم الجيد للعملية الانتخابية وغياب حوادث كبيرة، لاحظت بعثات المراقبة الدولية انخفاضًا ملحوظًا في الحماس الشعبي، ما يطرح تساؤلات جدية حول شرعية النتائج وقدرة الحكومة الجديدة على تحقيق الاستقرار السياسي.
الانتخابات شهدت مشاركة نحو 6.7 مليون ناخب، حيث تنافس الجنرال مامادي دومبويا مع ثمانية مرشحين آخرين، فيما بقي قادة الأحزاب الكبرى المنفيون خارج العملية الانتخابية.
وأكد بعض الناخبين ارتياحهم للتنظيم الجيد للعملية، بينما رفض معارضون المشاركة احتجاجًا على استبعاد معسكرهم السياسي، وهو ما يعكس الانقسامات القائمة داخل المشهد السياسي.
السيناريوهات المستقبلية
يقول خبراء سياسيون إن غينيا تواجه مفترق طرق حاسم، السيناريو الأول يتمثل في تثبيت حكم مدني ديمقراطي مستقر إذا نجح الرئيس المنتخب في دمج المعارضة وتحفيز المشاركة الشعبية، ما يعزز الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة ويتيح معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، خصوصًا بين الشباب والفئات المهمشة.
أما السيناريو الثاني فيتمثل في استمرار الاحتقان السياسي إذا فشلت الحكومة الجديدة في شمول مختلف الأطراف، ما قد يعيد البلاد إلى أزمات سياسية مشابهة للماضي، ويهدد استقرار المؤسسات ويضعف مصداقية الانتخابات المقبلة.
التحديات الراهنة
يشير ديفيد ماتسانغا، خبير حل النزاعات والباحث في مركز الدراسات الأفريقية، إلى أن انخفاض المشاركة الشعبية يعكس شعورًا بالإقصاء لدى جزء من المعارضة، وهو تهديد محتمل لشرعية العملية الانتخابية على المدى الطويل. كما يضيف أن التحديات لن تقتصر على الانقسامات السياسية، بل تشمل أيضًا إدارة العلاقة مع المجتمع الدولي والجهات المانحة والمستثمرين الذين يراقبون العملية عن كثب.
من جانبه، يرى أريفي جاكوب، الخبير السياسي الغيني، أن الانتخابات الهادئة تمثل خطوة مهمة نحو الاستقرار، لكنها تكشف هشاشة المشاركة السياسية التقليدية. ويشير جاكوب إلى أن نجاح الرئيس الجديد لن يُقاس فقط بقدرته على الحكم، بل بقدرته على إشراك مختلف الفئات السياسية والمجتمعية، وإعادة الثقة في مؤسسات الدولة، خاصة عبر برامج تنموية واقتصادية ملموسة، وتحسين فرص العمل، وتوفير الخدمات الأساسية في المناطق المهمشة.
ضرورة الدمج السياسي والمصالحة الوطنية
يؤكد الخبراء أن الدمج السياسي والمصالحة الوطنية يجب أن يكونا في صدارة أولويات السلطات الجديدة، إلى جانب الاستثمار في برامج اجتماعية للشباب والمرأة والمجتمعات المهمشة.
كما يعد الحوار الدوري مع الأحزاب السياسية أداة أساسية لضمان معالجة مطالب المواطنين بشكل شفاف، مما يعزز شرعية الحكومة ويقلل احتمالات النزاعات الداخلية على المدى المتوسط.
تمثل الانتخابات الرئاسية في غينيا اختبارًا حقيقيًا لقدرة الفاعلين الإقليميين والدوليين على دعم انتقال ديمقراطي مستقر، التحدي الأساسي يكمن في دمج المعارضة التقليدية وإعادة بناء الثقة بين المواطنين والدولة، إضافة إلى معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية الملحة.
كما يعتمد نجاح الحكومة الجديدة على قدرتها على تحقيق إنجازات ملموسة وسريعة، ما سيحفز المشاركة الشعبية ويحد من مخاطر الاحتقان السياسي، بينما أي إخفاق في هذا المسار قد يعيد البلاد إلى دائرة الأزمات والانقلابات التي شكلت تاريخها السياسي المعقد.
