صيحات التجديد الديني (2)
الخميس 27/فبراير/2014 - 08:27 م
طباعة
وإذ نحاول أن نستخدم العقل بحثا عن الصائب فى تلك التلال من كتب التراث نجد ثمارًا مريرة وأخرى جيدة المذاق وجيدة الالتزام بصحيح الدين، فالناس يخلتفون حسب نفوسهم وعقولهم ومدى التزامهم بمصالحهم أو مصالح سادتهم وحكامهم وحتى عندما نقلب النظر فى قصائد الشعراء الأقدمين نجد أنفسنا أمام صنفين من الموقف الاخلاقى .. فواحد يقول :
ونحن إناس يعرف الناس فضلنا
لا نبتدى بالأذى من ليس يؤذينا ..
وآخر متلبسا حالة فكرية وأخلاقية أخرى يقول
لنا الدنيا وما أمسى عليها ونبطش حين نبطش قادرينا
بغاة ظالمين وما ظُلمنا ولكنا سنبدأ ظالمينا
ونشرب إن وردنا الماء صفوا ويشرب غيرنا كدرا وطينا
.. نوعان متنافران من الأخلاق ومن النظر للآخر، ولا شك أنه عند الرواية عن التراث وما كان فيما مضى منذ مئات من السنين ستتأثر الروايات بالأخلاق فتحقد أو تتسامح ، تكذب أو تقول ما كان فعلا ، أو حتى ما تتخيل أنه كان فعلا ولنا أن نتقبل ما قالوا مستسلمين فنلغى عقولنا ، أو أن نختار ، فكيف يكون الاختيار ؟ بإعمال العقل .. أو بإعمال الموقف الاجتماعى والفكرى، فمثلا إذا قرأنا كتاب "التمهيد" للعلامة الباقلانى عن أسباب غلاء الأسعار نجده يقول "إن الغلاء والرخص فى الأسعار إنما يرجعان إلى الرغائب والدواعى ، فإن جميع الأسعار من الله سبحانه وتعالى لأنه هو الذى خلق الرغائب فى الشراء ، ووفر الدواعى الى الاحتكار" . هذا هو موقف الباقلانى وكان أشعرياً، أما القاضى عبد الجبار وكان معتزليا فإنه يكاد أن يقترب من مفكرى زماننا الاقتصاديين التقدميين إذ يقول فى كتابة "المُغنى" عن سبب غلاء الأسعار "إنها قلة الشئ مع شدة الحاجة إليه ، أو كثرة المحتاجين بالنسبة إلى ما هو موجود ، وأن ما يجرى من غلو فى التسعير إنما تسبب فيه بعض الظالمين ، ويؤدى إلى فساد يعم الفقراء ، وعلى الحاكم أن يتدخل لتسعير السلع تسعيرا ييسر على الفقراء معيشتهم" ، هذا هو التراث القديم فيه صالح وغير صالح وفيه تقدمى ورجعى ، وعلينا أن نُعمل العقل والمصلحة ، لكن البعض من متأسلمى زماننا يعيشون بعقولهم فى أظلم ظلمات العصور المظلمة فى تاريخ الإسلام .. يفتشون ولا يختارون إلا الأسوأ والأكثر بعدا عن العقل ، والأمثلة مفزعة بقدر ما هى مخجلة، وإذا كان سيدنا عمر بن الخطاب قد سئل عن الآية "وفاكهة وأبا" ما هو "الأب" فقال:لا أدرى ، ثم أكد "نهينا عن التفيقه" فإن عديدا من السلفيين فى زماننا الظالم يفتون فى كل شئ وأى شئ وحتى فى مجالات العلوم الطبيعية وعلوم الفضاء دون خجل، وهم إذ يشاركون فى الفعل السياسى فإنهم يقررون إن ما يقولونه هو تعبير عن رأى السماء دون أن يسألهم أحد ومن فوضكم وحدكم باسم السماء ، ويقررون أن مخالفهم هو مخالف للشريعة دون أن يدركوا أن أى رأى يقولونه هو رأى إنسانى ، وهم لا يقبلون التجديد متناسين الحديث الشريف "إن الله يبعث على رأس كل مئة من السنين لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها" [رواه أبو هريرة] ويقول السيوطى فى "حُسن المحاضرة" ولا يشترط أن يأتى المجدد كل مائة عام ولا أن يكون واحدا بل قد يكونون أكثر من واحد" وهؤلاء المتأسلمون يختارون الأسوأ والأكثر بعدا عن العقل ويرفضون التجديد ويحاولون أن يدفعونا الى بئرهم المظلم ، لكن مصر تأتى وهى تتمجد وتفرض مسيرة التجديد" .