هجمات فرنسا ومالي.. تكشف استراتيجية "شتاء الدم" للجماعات الإرهابية

السبت 21/نوفمبر/2015 - 12:46 م
طباعة هجمات فرنسا ومالي..
 
مع مواصلة العمليات الإرهابية التي تقوم بها جماعات جهادية مسلحة لا تمت للإسلام بصلة، باتت الهجمات الدامية أمرًا معتادًا بين الدول، سواء كانت أوروبية أو عربية أو إفريقية، فبعدما شهدت العاصمة الفرنسية باريس الأسبوع الماضي سلسلة هجمات دامية واحتجاز نحو 100 رهينة أسفر عن مقتل نحو 140 شخصًا- تَكَرَّرَ نفس السيناريو في مالي، حيث استهدف مسلحون أمس الجمعة 20 نوفمبر 2015، الهجوم على فندق "راديسون بلو" في باماكو، وأسفر عن مقتل 27 شخصًا على الأقل برصاص مسلحين احتجزوا أكثر من 100 رهينة داخل الفندق.
وعلى الفور تدخلت قوات مالي الخاصة التي تمكنت من الإفراج الرهائن المحتجرين، وأفادت مصادر إعلامية بأن مجموعة من المسلحين اقتحموا، الفندق، واحتجزوا 170 رهينة من جنسيات مختلفة، من بينهم عناصر من القوات الفرنسية التابعة للأمم المتحدة.
من جانبه أعلن وزير الأمن الداخلي المالي الكولونيل سليف تراوري أن المسلحين الذين شنوا هجومًا على فندق "راديسون" في العاصمة المالية باماكو لم يعد لديهم رهائن.

"المرابطون" تتبنى

المرابطون تتبنى
من جانبها تَبَنَّت جماعة "المرابطون" المتطرفة التي يتزعمها الجزائري مختار بلمختار الهجوم الذي استهدف فندقًا في باماكو، وذلك في تسجيل صوتي بثت قناة الجزيرة مقطعا منه.
وقد تناولت "بوابة الحركات الإسلامية" منذ عدة شهور إعلان "بلمختار" تحالفًا إرهابيًّا في ليبيا والجزائر ومالي، والذي قد يكون هذا الهجوم إحدى ثمراته.. للمزيد اضغط هنا 
وجاء في تسجيل صوتي: "نحن في جماعة "المرابطون" نعلن تبنينا بالتنسيق مع إمارة الصحراء في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عملية احتجاز الرهائن في فندق راديسون بباماكو".
 وطالبت المجموعة في تبنيها الذي يبدو أنه سبق انتهاء العملية، بإطلاق سراح "مجاهدين في سجون مالي" ووقف ما أسمته "العدوان على أهالينا في شمال مالي"، كشرط للإفراج عن الرهائن.
وكان وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان رجح مسئولية بلمختار عن الاعتداء على الفندق وقال الوزير لشبكة التلفزيون: "تي اف 1" إنه ملاحق من قبل دول عدة منذ فترة طويلة، هو بدون شك وراء هذا الاعتداء.
وكانت جماعة "المرابطون" تبنت هجومًا سابقًا وقع في 7 مارس الماضي ضد فندق في باماكو، وكان أول هجوم يستهدف غربيين في العاصمة، وأسفر عن خمسة قتلى: ثلاثة ماليين وفرنسي وبلجيكي.
 وتابع الوزير الفرنسي: "يجب القول: إن "المرابطون"، هذه الجماعة الإرهابية التي أعلنت ولاءها للقاعدة، هي خليط من أصوليين ورجال عصابات يستخدمون تهريب الأسلحة وتهريب المخدرات لتمويل أنفسهم".

الحركات الجهادية في مالي

وتشير أيضًا أصابع الاتهام إلى جماعة أنصار الدين؛ حيث يستبعد مراقبون أن تكون جماعة أنصار الدين هي المسئولة عن هذا الهجوم؛ باعتبار أنها قامت منذ أشهر باحتجاز عدد من الرهائن.
يشار إلى أن 12 قتيلًا سقطوا في عملية احتجاز رهائن، في 7 أغسطس الماضي، بفندق بمدينة "سيفاري"، وتَبَنَّت الهجوم آنذاك جماعة أنصار الدين.
وتصنف أنصار الدين، جماعة إرهابية دوليًّا، وقد أقصيت إلى جانب جماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، من محادثات الجزائر، التي أفضت إلى توقيع اتفاق سلام لوضع حد للصراع، بين باماكو والجماعات المسلحة شمالي البلاد.
 وقدم اتفاق الجزائر للسلام حلًّا وسطًا بين مطالب السلطات المركزية في باماكو ومجموعات أزواد، إلى جانب نزع سلاح الجماعات، وطَرَح مخططًا للحكم الذاتي الجهوي، إضافة إلى إقرار المؤسسات الجهوية، وإرساء مؤسسات الدولة في المناطق الخارجة عن السيطرة.
تتوزع في شمال مالي العديد من الحركات الجهادية المتطرفة، وتعمل هذه المجموعات- وأبرزها حركة أنصار الدين- على تأجيج النزاع بين الفصائل الأزوادية والحكومة المركزية حفاظًا على مصالحها، وخوفًا من الملاحقات العسكرية، خاصة بعد تفعيل اتفاق السلام.
كانت سيطرت جماعات إسلامية على صلة بتنظيم القاعدة في ربيع 2012 على المناطق الشمالية في مالي بعد هزيمة الجيش أمام حركة التمرد التي كانت متحالفة مع هذه الجماعات قبل أن تنبذها، وتم إخراج هذه الجماعات بعد تدخل دولي بمبادرة فرنسية لا يزال مستمرًّا منذ بداية 2013.
لكن لا تزال مناطق بأكملها خارجة عن سيطرة الجيش المالي والقوات الأجنبية، وبعد أن كانت الهجمات تتركز في الشمال امتدت منذ بداية السنة إلى الوسط وثم منذ بداية الصيف إلى جنوب البلاد.

طوارئ في البلاد

طوارئ في البلاد
أعلنت حكومة مالي الجمعة حال الطوارئ "في كل أنحاء البلاد" لمدة عشرة أيام بدءًا من ليل الجمعة- السبت، في ختام جلسة طارئة عقدتها إثر تعرّض فندق باماكو لهجوم مسلح، وصرحت الحكومة في بيان عبر الإذاعة الرسمية بأنه خلال جلسة طارئة لمجلس الوزراء ترأسها رئيس الجمهورية إبراهيم بوبكر كيتا، تقرر "إعلان حال الطوارئ في كل أرجاء البلاد لمدة عشرة أيام" اعتبارًا من ليلة الجمعة على السبت، كما تم "إعلان الحداد الوطني ثلاثة أيام".
وأعلن مصدر عسكري مالي مقتل 27 شخصًا على الأقل من النزلاء والموظفين، إلى جانب "ثلاثة قتلى على الأقل من الإرهابيين أو الذين فجروا أنفسهم" دون تحديد جنسيات الضحايا.

تفاصيل الهجوم

ويعتبر فندق الراديسون من أفخم فنادق العاصمة باماكو؛ حيث يضم 190 غرفة، بينها أجنحة رئاسية، ومعظم رواده من أعضاء البعثة الأممية في مالي مينوسما.
ووفق متابعين فإن المسلحين دخلوا الفندق في سيارة تحمل لوحات أرقام دبلوماسية صباح الجمعة، بينما كان العديد من النزلاء في غرفهم، وأعلنت شركة "Rezidor" المالكة لفندق "راديسون بلو" في باماكو، وقتها أن 125 من نزلاء الفندق و13 موظفًا، كانوا داخل المبنى لحظة الهجوم، فيما أعلنت السلطات المالية احتجاز 170 شخصًا.
وأشار شهود عيان إلى وجود نحو عشرة مسلحين، بينما تحدثت مصادر أمنية عن مهاجمين أو ثلاثة.
وأوضحت الإذاعة المالية أن المسلحين تحصنوا في الطابق الثامن من الفندق، فيما واصلت القوات الخاصة تحرير المبنى طابقًا بعد طابق، ما أسفر عن إنهاء عملية الاحتجاز بعد نحو 9 ساعات من بدئها.
وصرح وزير الدفاع المالي الكولونيل سليف تراوري بأن القوات المالية نجحت بإنهاء عملية الاحتجاز بعد الهجوم، مضيفًا "لم يعد هناك حاليًا رهائن بين أيديهم والقوات تطاردهم".
من جهتها أعلنت قوات حفظ السلام الأممية أنها أحصت عدد 27 جثة في فندق راديسون في باماكو، عقب الهجوم، مؤكدة استمرار البحث والتفتيش في الفندق، علمًا أن السلطات المالية أعلنت أن 170 شخصًا احتجزهم المسلحون في الفندق منذ صباح الجمعة.
وباشر موظفو الحماية المدنية بإزالة الجثث في أكياس خاصة، وساعد اثنان من عناصر القوات الأمريكية الخاصة تصادف وجودهما في السفارة الأمريكية المجاورة لحضور اجتماع، في عملية إنقاذ 6 أمريكيين.
واستمرت عملية احتجاز الرهائن حوالي تسع ساعات، وانتهت بعملية عسكرية مشتركة نفذتها قوات مالية وأجنبية، ولا سيما فرنسية، ولدى واشنطن حاليا 26 جنديًّا في مالي بينهم 22 في العاصمة باماكو، بحسب القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا.

مخاوف الجزائر

مخاوف الجزائر
باعتبار أن الجزائر تقع شمال مالي، فإن المخاوف من تسلل تلك الجماعات الإرهابية إلى أراضيها بات أمرًا واقعيًّا، وبالأخص في ظل ما تشهده ليبيا من فوضى وانتشار للجماعات المسلحة أيضًا، وأكد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، تحرير وفد رسمي جزائري كان ضمن الرهائن المحتجزين بفندق "راديسون بلو" بباماكو.
وقال لعمامرة لوكالة الأنباء الجزائرية الرسمية: إن الوفد الدبلوماسي المكون من ستة مسئولين تم تحريره بفضل تدخل القوات المشتركة للبعثة الأممية في مالي "مينوسما| والقوات المسلحة المالية، وأضاف أن جزائريًّا سابعًا يعمل لدى مؤسسة فرنسية تم تحريره أيضًا في هذه العملية.

قطع الزيارة

من جانبه وصف الرئيس المالي، إبراهيم بوبكر كيتا، الهجومَ، بالأمر المقلق، داعيًا في الآن نفسه إلى الهدوء والسكينة، وعدم الانسياق وراء الهلع ومحاولات الترهيب.
 وأشار كيتا، في تصريحات إعلامية، أن مالي لن تكون مجدّدا وجهة غير مرغوب فيها، بما أنّ الإرهاب أضحى موجودًا في شتى أرجاء العالم، قائلًا: "الأوضاع مقلقة لكن ليست ميئوسًا منها"، مشيرًا إلى أنه "ما من أحد بمنأى عن الإرهاب".
وجراء الهجوم اضطر كيتا إلى قطع زيارته إلى تشاد للمشاركة في القمة الاستثنائية التي تعقدها مجموعة الـ 5 لبلدان الساحل الإفريقي تضمّ كلاّ من مالي وموريتانيا وبوركينا فاسو، والنيجر وتشاد، ليعود إلى بلاده، بحسب ما أعلنته الرئاسة المالية، في وقت سابق، عبر موقعها الرسمي على تويتر.
وتنعقد القمة الاستثنائية في العاصمة التشادية حول محور الأمن، ومن المنتظر أن تتناول مشاريع التقارير والأمانة الدائمة لهذا التجمّع الإقليمي، إضافة إلى العديد من القضايا الأخرى ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك التعاون العابر للحدود في مجال مكافحة الإرهاب وتحسين البنية التحتية.

شهود عيان

شهود عيان
وفي شهادات ميدانية، صرح المغني الغيني الشهير سيكوبا بامبينو دياباتي لوكالة فرانس برس أن المسلحين الذين هاجموا فندق راديسون في باماكو، واحتجزوا رهائن كانوا "يتخاطبون باللغة الإنجليزية"، قائلا: "سمعت الرصاصة الأولى عند الساعة 6:10 بالتوقيت المحلي وتوقيت جرينتش، اعتقدت أولًا أنه أمر طبيعي، لكن إطلاق النار استمر، ولم أكن أعرف ماذا يحدث في الخارج".
وأوضح أنه لم ير المهاجمين، الذين قالت مصادر مالية إن عددهم هو ثلاثة على الأقل، بينما أكد مصدر فرنسي أنهم أربعة على الأقل، لكنه سمعهم يتخاطبون بالإنجليزية بشكل واضح.
وقال: "لم أر المهاجمين، لكنني كنت أسمع أصوات أقدامهم من غرفتي، كانوا يطلقون النار داخل الفندق، في الممرات، وكنت أسمع ما يقولونه، كانوا يتناقشون بالقرب من غرفتي، والجميع بقوا في غرفهم، إلا أنه لم يتمكن من تمييز لهجاتهم، مضيفًا أن هؤلاء لم يأتوا للتسلية، بل للقتل، جاءوا للقتل أطلقوا النار على رجال الأمن، واحتجزوا الذين كانوا في بهو الاستقبال والمطعم رهائن".
وأكد أنه تمكن من مغادرة الفندق عند الساعة 7:45، بعدما أنقذته مع رهائن آخرين القوات المالية، التي تدخلت بمساندة قوات فرنسية وأمريكية ومن الأمم المتحدة، هذا وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن أمريكيا قتل في الهجوم 
وبحسب وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين فإن جنديين أمريكيين شاركا في تأمين سلامة الرعايا الأمريكيين في الفندق، ولكنهما لم يشاركا بشكل مباشر في العملية العسكرية التي جرت ضد محتجزي الرهائن.

إدانات دولية وعربية

إدانات دولية وعربية
أدانت العديد من المنظمات، والدول العربية والغربية، الهجوم الإرهابي، وأكد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، دعم الأمم المتحدة لحكومة مالي، وقال في هذا الشأن: إن "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) على استعداد لمساعدة السلطات المالية في التعامل مع هذه الأزمة، قائلًا: إنني أدين الهجوم الإرهابي المروع في فندق راديسون في باماكو، وأُعربُ عن خالص التعازي لحكومة مالي ولأسر الضحايا وأمنياتي بالشفاء العاجل للجرحى". مضيفًا: "تأتي هذه الهجمات في وقت كانت فيه عملية السلام تحرز تقدمًا جيدًا، وإنني أعرب عن دعمي الكامل للسلطات المالية في حربها ضد الجماعات الإرهابية".
هذا وأدانت واشنطن، أيضًا ذلك الحادث الذي وصفته بـ الهجمات الإرهابية، بحسب بيان صادر عن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض نيد برايس.
وذكر البيان: "تدين الولايات المتحدة بأشد العبارات هجوم اليوم (أمس) الإرهابي على العديد من النزلاء الماليين والدوليين وموظفي فندق راديسون بلو في باماكو".
وأضاف أن "الولايات المتحدة تواصل التنسيق مع السفارة الأمريكية على الأرض (باماكو) لتحديد موقع جميع المواطنين الأمريكيين في مالي".
وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما اليوم السبت: "إن الهجمات التي وقعت في مالي رفعت عزيمة الولايات المتحدة وحلفائها للتصدي لهذه التحديات". لافتاً إلى أن بلاده "لن تتساهل في قتال هؤلاء الذين استهدفوا مواطنيهم ولن تسمح بأن يتمتعوا بملاذٍ آمن".
ووصف أوباما الهجوم واحتجاز رهائن في مالي أمس بأنه "تذكرة مروعة أخرى لويلات الإرهاب"، مؤكداً في الوقت نفسه أن "الولايات المتحدة لن تتساهل" في محاربته.
إلى ذلك أدانت، مصر، الهجوم الإرهابي نفسه، في بيان صادر عن وزارة الخارجية، وأعربت الوزارة المصرية، عن خالص التعازي لأسر الضحايا، مؤكدة وقوف مصر حكومة وشعبًا مع حكومة وشعب مالي في مواجهة الإرهاب الغاشم.
كما أدان الأزهر الشريف في مصر، الهجوم، قائلا: "الإسلام بريء من هذه الممارسات الإرهابية النكراء ومن هؤلاء المجرمين الذين تجردوا من أقل معاني الإنسانية، وأن تلك الأفعال اليائسة لا تمت للإسلام بصلة وهو منها براء".
ومن جانبها أدانت السعودية وقطر والبحرين الهجوم، بحسب بيانات منفصلة نشرتها وكالات الأنباء الرسمية للدول الثلاث.
كما أدان العاهل المغربي، الملك محمد السادس الهجوم وعبر في برقية تعزية وَجَّهَهَا إلى رئيس جمهورية مالي إبراهيم بوبكر كيتا عن تضامن المملكة المغربية العميق، ودعمها الثابت لجمهورية مالي الشقيقة في عملية محاربة الإرهاب التي تخوضه.
وتستمر العمليات الإرهابية في الدول لترويع العالم بأن الجماعات المسلحة متوغلة في أوروبا أو إفريقيا؛ ما يدفع دول العالم إلى التكاتف لمواجهة خطر الجماعات الإرهابية التي تمددت في أنحاء العالم، كذلك فإن اتباع نفس نهج العمليات الإرهابية وكأن الجماعات الإرهابية باختلاف مسمياتها تتحالف سويًّا في اتباع نفس الاستراتيجية للإرهاب، فكما حدث في فرنسا الأسبوع الماضي شهدته مالي أمس، وكأنها تعهدت بأن تكون هذه المرحلة هي "شتاء الدم".
للمزيد عن "كتيبة المرابطين في مالي".. "منتخب" الجهاديين الأفارقة.. اضغط هنا
وللمزيد عن مختار بلمختار" مارلبورو" الجماعات الإرهابية.. اضغط هنا

شارك

موضوعات ذات صلة