مرصد دار الإفتاء: الإخوان بين التحول الى داعش والمراجعات الفكرية

السبت 26/ديسمبر/2015 - 03:58 م
طباعة مرصد دار الإفتاء: حسام الحداد
 
مرصد دار الإفتاء:
بعد صدور نتائج التحقيقات البريطانية حول جماعة الإخوان وتداول أخبار حدوث انشقاقات داخل الجماعة تثار الكثير من الأسئلة حول مصير جماعة الاخوان، سواء كان في الأيام القليلة القادمة ولا يفرقنا سوى شهر واحد على ذكرى ثورة 25 يناير 2011، أو على مستقبل الجماعة ومدى تحولها وتأثيرها في الواقع المصري على المدى الطويل، وللإجابة على هذه الأسئلة قد طرح مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية أكثر من سيناريو أولهما هو التحول الى تنظيم الدولة "داعش" في ممارسة العنف والارهاب، والسيناريو الآخر هو عمل مراجعات فكرية للجماعة لمحاولة دمجها مرة أخرى في الشارع السياسي المصري، وهذا صمن الاجابة على تساؤل مفاده: "هل حان الوقت لقيام جماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم بعمل مراجعات فكرية وحركية على غرار مراجعات الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد؟"، وذلك في دراسة جديدة أعدها مرصد الإفتاء بعنوان: "مراجعات جماعات العنف.. نحو سبيل للخروج من متوالية العنف والمراجعة"، أكد فيها أن المراجعات عادة ما تكون نتيجة فشل أو هزيمة، أو عجز تيار بعينه عن التواصل مع الجماهير، وفقدانه القاعدة الشعبية الداعمة له والمؤيدة لممارساته، وهو ما تشير إليه الخبرة التاريخية لتجارب الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد.
وأشارت الدراسة إلى أن المفاهيم الخاطئة والتأويلات المشوهة للنصوص الدينية لدى جماعات العنف في الماضي  تتكرر مع تغير الفاعلين هذه المرة، فبعد أن عانى المجتمع من عنف جماعات الجهاد والجماعة الإسلامية حتى أقروا بفساد قولهم وزيف تأويلهم، نجد أنفسنا اليوم أمام جماعات أخرى متمثلة في تفريعاتها العنقودية المنتشرة، التي تُعيد تقديم خطاب العنف والقتل والتفجير.
مرصد دار الإفتاء:
تابع التقرير أن المراجعات السابقة لجماعات العنف تناولت الرد على مسائل الجهاد في سبيل الله، والتكفير، وقضية العلاقة بين الحركة الإسلامية والدولة التي تعيش في كنفها، وضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والموقف من حكام المسلمين في هذا العصر، ومسألة "التترس"، واستحلال أموال المعصومين وتخريب الممتلكات وخرجت بنتائج مفادها تحريم الخروج على الحكام في بلاد المسلمين، وعدم جواز تنزيل ما في بطون كتب السلف من أحكام مطلقة على الواقع الحاضر لغير المؤهلين شرعيًّا والمتخصصين، كما أكدت أنه لا يُقبل قول أو فتوى من أحد، خصوصًا في المسائل الحرجة كالدماء والأموال إلا بحجة؛ والحجة هي الدليل الشرعي من كتاب الله – تعالى- أو سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) ثم الإجماع المعتبر، والقياس الصحيح، إضافة إلى التحذير من "فقه التبرير"، وهو أن يرتكب أحد حماقة – كما تفعل تنظيمات اليوم - ثم يبحث لها بعد ذلك عن دليل من كتاب أو سُنّة يبرر به حماقته ويدفع به اللوم عن نفسه.
وبين تقرير مرصد الإفتاء أن ممارسات الجماعات التكفيرية اليوم، هي في واقع الأمر ممارسات عابرة للحدود والمسافات، ومتسلحة بأدوات وتكتيكات لم تكن متاحة لمثيلاتها من قبل، وبالتالي فهي تمثل خطراً عظيماً وتهديداً ملحاً للكيانات الدولية والمجتمعية في مختلف بقاع العالم، مما يفرض تقديم معالجة أكثر تنوعًا وشمولًا من مراجعات الجماعات التكفيرية داخل الدول، بحيث تكون جامعة بين معالجة الفكر وممارسات التنظيمات المحلية والعابرة للحدود.
 وشدد تقرير مرصد الإفتاء على عدد من الضوابط الحاكمة للمراجعات، وأهمها التأكيد على أنها تمثل إعمالًا للشرع والقانون وليست إهمالاً له، خصوصًا فيمن تورطوا في أعمال إجرامية، ودرءاً  للفتنة وليست وقوعًا فيها، وعودة لصحيح الدين ودعوته الصافية النقية، والجمع بين الفتوى والجدوى التي تخاطب الاعتبارات العملية، وأن تمثل المراجعات كذلك ظاهرة مجتمعية تصب في عافية المجتمع وارتقائه ونهوضه، ولا تقف عند حدود التبرير والاعتذار، وهو الأمر الذي قد يفقدها المصداقية والحجية لدى فئات المجتمع.
مرصد دار الإفتاء:
ولفتت الدراسة التي أعدها مرصد الإفتاء إلى احتمالية ظهور موجة جديدة من المراجعات تقوم بها جماعة الإخوان والتيارات المتحالفة معها ممن تورطت في أعمال عنف وسفك الدماء وإشاعة الفوضى في المجتمع، خصوصًا مع توافر الظروف المواتية والبيئة المحيطة لعمل المراجعات، التي من أهمها فقدان الجماعة للحاضنة الشعبية في المجتمع المصري، وبروز الخلافات والانشقاقات داخل الجماعة، إضافة إلى هزيمتها أمام مؤسسات الدولة الأمنية والشرطية، وهزيمتها الفكرية، إضافة إلى اتجاه المجتمع الدولي إلى مراجعة موقفه من ممارسات الجماعة في دول كثيرة من دول العالم، كما حدث في بريطانيا. 
وأصدرت الدراسة عددًا من التوصيات المهمة والضرورية للخروج من متوالية العنف والمراجعة، أهمها نقل فكر المراجعات ومضمونه إلى الآليات التعليمية في المدارس والجامعات، لُتشكل رافدًا من روافد تشكيل العقل الجمعي المصري وثقافته السائدة التي ترتكز على الوسطية وسيادة القانون، إضافة إلى الاعتماد على الأدوات الثقافية المتنوعة في نشر فكر المراجعات وتوثيقه وتسويقه.
إضافة إلى توظيف واستثمار الأداة الإعلامية في نشر فكر المراجعات وكشف زيف الأقوال والممارسات الدموية، والعمل على تسجيل تلك المراجعات ونشرها وإتاحتها للجمهور؛ حتى لا نجد أنفسنا بين الحين والآخر نواجه أفكارًا تكفيرية وجرائم عنصرية وإرهابية، كما أن تسجيل ونشر تراجع قادة ومفكري الجماعات التكفيرية عن أفكارهم وتوجهاتهم يحصن المجتمع من تلك الأفكار، ويكون كاشفًا وفاضحًا لمن ينقلب من قادة التكفير على تلك المراجعات.
وشدد التقرير على أهمية نشر تلك المراجعات على ثلاث فئات بعينها، الفئة الأولى وهي تلك الفئة التي توشك أن تنضم لتلك الجماعات التي تحمل الفكر ذاته، وهي أخطر هذه الفئات الثلاث، فهذه المراجعات توضح خطأ وخطيئة تلك الجماعات وخطها الفكري وما تستند إليه من خلفية تعتبرها شرعية، فهي ذات تأثير معتبر في رد المتعاطفين الذين قد يتحولون إلى مناصرين وأعضاء بعد ذلك في هذه الحركات.
مرصد دار الإفتاء:
أما الفئة الثانية، فهي بعض أعضاء تلك الحركات الذين خبروا عيانًا عمليات القتل والتعذيب لزملاءٍ لهم اعترضوا على مخالفات شرعية واضحة لهذه الحركات، فهذه المراجعات مفيدة في أنها تمد تلك الفئة بدلائل بينات تعزز من توجههم للتخلي عن تلك الحركات، بينما تمثل الفئة الثالثة الجمهور العام المدرك لضلال تلك الحركات، فتثبت تلك المراجعات تلك الرؤية وتعززها، وتحمي قطاعًا عريضًا من المسلمين من التأثر بالجهاز الإعلامي الضخم لتلك الحركات وما تستخدمه من نصوص شرعية مجتزئة بفهم خاطئ تبرر بها أفعالها النكراء.
بينما في تقرير سابق في أغسطس 2015، شدد مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية، التابع لدار الإفتاء المصرية، على أن الاختلافات بين جماعة الإخوان المسلمين وبين تنظيم "داعش" تتلاشى يوماً بعد يوم، وأن الجماعة في طريقها لتصبح نسخة مكررة من تنظيم "داعش" بعدائه الشديد للإنسانية والعمران والحضارة، وأن مصير الجماعة أصبح أقرب ما يكون إلى المصير الذي ينتظر "داعش".
وشدد المرصد في تقريره الثامن والعشرين، على أن جماعة الإخوان الإرهابية، فكراً وسلوكاً، تسعى لشرعنة جرائم أتباعها بإضفاء نصوص باطلة لخدمة منهجها الدموي عبر ممارسات لهيئات تطلق على نفسها مسمى الشرعية أو غيرها من المصطلحات التي تسعى من ورائها لتخدير عقول البسطاء وإغماض أعينها عن الباطل الذي يرتكبونه في حق أوطانهم.
وأشار مرصد الإفتاء في تقريره إلى أن إحدى الهيئات المناصرة لجماعة الإخوان بمحافظة القليوبية/ شمال مصر، تسمى "الهيئة الشرعية لجماعة الإخوان"، أصدرت وثيقة ادعت أنها "تأصيل شرعي" لمنهجية الممارسات الدموية، متضمنة عدداً من الفتاوى التي تجيز اغتيال رجال الشرطة والجيش والقضاة والإعلاميين والسياسيين والأقباط وحرق واستهداف المؤسسات العامة وقتل المواطنين المعارضين للإخوان وتنفيذ العمليات الإرهابية ضد الجيش في سيناء.
وكشف مرصد الفتاوى التكفيرية أن متابعته لعلاقة جماعة الإخوان المسلمين بالعنف أبرزت أربع مراحل: الأولى، انتهاج الجماعة للعنف وإن كان بشكل سري، حيث أنشأت الجماعة في سبيل ذلك ما سُمِي وقتها بالتنظيم السري، الذي نفذ العديد من العمليات الإرهابية والإجرامية التي عانت منها مصر كثيراً، وما إن افتضح أمره وسار معلوماً للجميع حتى غيرت الجماعة من استراتيجيتها، لتتحول إلى مفرخة للجماعات العنيفة والتكفيرية دون أن تكون هي الفاعل الأساسي.
مرصد دار الإفتاء:
وتابع المرصد أن المرحلة الثانية تمثلت في ظهور جماعات بمسميات متنوعة تنحدر جميعها من جماعة الإخوان وتحمل الفكر نفسه، إلا أنها تطلق على نفسها مسميات مختلفة لتقوم بدورها في نشر العنف والفوضى دون أن يمس الجماعة الأم أي مكروه أو أن يوجه إليها أي اتهام، وبعد نجاح الدولة المصرية ممثلة في مؤسساتها الحامية والضامنة لأمن المجتمع وسلامته في القضاء على هذه الموجة من الجماعات العنيفة والتكفيرية، وهو الأمر الذي دفع جماعة الإخوان إلى رفع شعار العمل الدعوي ورفض ممارسات العنف والتبرؤ منه بل والسعي نحو إيجاد تأصيل شرعي يرفض العنف ويجرمه.
وفي أعقاب ثورة 30 يونيو التي أزاحت الجماعة من سدة الحكم، ظهرت ملامح المرحلة الثالثة للجماعة، وهي مرحلة تشجيع العنف وسلك ممارساته دون التصريح بذلك، بحيث يكون لدى الجماعة خطاب علني يرفض العنف ويتبرأ منه في ظل ممارسات على الأرض تؤصل للعنف وتشجع عليه، بل وتدفع البلاد نحو مزالقه، وقد رأينا أن هذا الخطاب قد أفقد الجماعة ما بقي من مصداقيتها في الشارع المصري وأسهم في خلق إجماع شعبي على تجريم الانتماء للجماعة أو العمل لدى أي من كوادرها.
مرصد دار الإفتاء:
وأكد المرصد أننا إزاء مرحلة رابعة تشبه إلى حد كبير المرحلة الأولى في حياة الجماعة، والتي تتمثل في تكوين جماعات وتنظيمات عنقودية داخل الجماعة الأم لتقوم بأعمال عنف وقتل وتخريب، يواكب ذلك تدليس شرعي يرسخ للعنف ويشرعن له.
ولفت المرصد إلى أن انتهاج الجماعة للعنف بشكل رسمي ومعلن وعبر منابرها الإعلامية والشرعية يؤكد خيبة أمل الجماعة في تنظيم "داعش" ورهانها عليه لهدم الدولة المصرية وزعزعة استقرارها، وهو ما دفع بالجماعة لتصدر مشهد العنف وتبنيه بشكل معلن ورسمي، وتنفيذ عمليات إرهابية عبر كوادرها الفاعلة والعاملة، وهو ما يدفع للقول بأن الجماعة تدفع بآخر أوراقها وكامل ثقلها خلف هذا الخيار الأخير لديها، وهو أمر خطير ينبغي التنبه له والتحوط منه والعمل بكل السبل على إحباطه ومنعه من تحقيق أهدافه.

شارك

موضوعات ذات صلة